أرشيف المقالات

من أسباب العذاب - 2 - فهد بن عبد العزيز الشويرخ

مدة قراءة المادة : 14 دقائق .
بسم الله الرحمن الرحيم
 
محبة الإنسان أن يُحمد بما لم يفعل:
قال عز وجل: {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم} [آل عمران:188] قال السعدي رحمه الله:  {ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا}  أي: بالخير الذي لم يفعلوه, والحق الذي لم يقولوه.
فجمعوا بين فعل الشر وقوله, والفرح بذلك, ومحبة أن يحمدوا على فعل الخير الذي ما فعلوه.
( {فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب} ) أي: بمحل نجوة منه وسلامه, بل قد استحقوه, وسيصيرون إليه, ولهذا قال: ( {ولهم عذاب أليم} ) ويدخل في هذه الآية الكريمة, أهل الكتاب الذين فرحوا بما عندهم من العلم , ولم ينقادوا للرسول, وزعموا أنهم المحقون في حالهم ومقالهم, وكذلك كل من ابتدع بدعة قولية أو فعلية وفرح بها ودعا إليها, وزعم أنه محق وغيره مبطل, كما هو الواقع من أهل البدع
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: قوله: ( {ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا} ) أي: يحبون أن الناس يحمدونهم على شيء لم يفعلوه مثل: أن يتظاهروا للناس بالصلاح من أجل أن يثني الناس عليهم ولو لم يفعلوا الصلاح.
الذين يعذبون الناس في الدنيا :
عن هشام بن حكيم رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى يُعذبُ يوم القيامة الذين يعذبون الناس في الدنيا»  [أخرجه مسلم]
 منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه, والسعي في خرابها:
قال الله عز وجل: ( {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم} ) [البقرة:114] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: من فوائد الآية: أن عقوبة من منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها, الخزي والعار في الدنيا, والعذاب العظيم في الآخرة,....ويشمل الخراب الحسي والمعنوي, لأنه قد يتسلط بعض الناس – والعياذ بالله – على هدم المساجد حساً بالمعاول, والقنابل, وقد يخربها معنى بحيث ينشر فيها البدع والخرافات المنافية لوظيفة المساجد.

الاعتداء بعد انهاء القصاص أو أخذ الدية:
قال الله عز وجل: ( {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم} ) [البقرة:178] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وقوله: {فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم} يقول تعالى فمن قتل بعد أخذ الدية أو قبولها فله عذاب من الله أليم موجع شديد.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: المعتدي بعد انتهاء القصاص, أو أخذ الدية متوعد بالعذاب الأليم, سواء كان من أولياء المقتول, أو من القاتل, لقوله تعالى: ( {فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم} )  
(منع ابن السبيل فضل ماء الطريق) (مبايعة الإمام من أجل الدنيا).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجل كان له فضل ماء بالطريق فمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع إمامه لا يبايعه إلا الدنيا، فإن أعطاه منها رضي وإن لم يعطه منها سخط، ورجل أقام سلعته بعد العصر، فقال: والله الذي لا إله غيره لقد أعطيت بها كذا وكذا، فصدقه الرجل ثم قرأ هذه الآية: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾ [آل عمران: 77]) وفي رواية: (ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال امرئ مسلم » ) [متفق عليه].قال ابن حجر رحمه الله: المراد بابن السبيل المسافر المحتاج إلى الماء..
وخصَّ بعد العصر بالحلف لشرفه بسبب اجتماع ملائكة الليل والنهار، وأما الذي بايع الإمام بالصفقة المذكورة فاستحقاقه هذا الوعيد لكونه غشَّ إمام المسلمين ومن لازم ذلك غش الإمام غش الرعية لما فيه من التسبب إلى إثارة الفتنة ولاسيما إن كان ممن يتبع على ذلك.
 (الزنى من الشيخ) ( الكذب من الملك) ( الكبر من الفقير).
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر الله إليهم ولهم عذاب أليم شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر» ) [أخرجه مسلم] قال النووي رحمه الله: وأما تخصيصه صلى الله عليه وسلم...بالوعيد المذكور فقال القاضي عياض: سببه أن كل واحد منهم التزم المعصية المذكورة مع بعدها منه وعدم ضرورته إليها وضعف دواعيها عنده وإن كان لا يعذر أحد بذنب لكن لما لم يكن إلى هذه المعاصي ضرورة مزعجة ولا دواعي معتادة أشبه إقدامهم عليها المعاندة والاستخفاف بحق الله تعالى وقصد معصيته لا لحاجة غيرها.
(إسبال الإزار للخيلاء) (إنفاق السلعة بالحلف الكاذب) (المنُّ بالعطية).
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبلُ إزاره، والمنان الذي لا يعطي شيئاً إلا منَّهُ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب»  [أخرجه مسلم] والمقصود بإسبال الإزار إذا كان للخيلاء، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: وهذا الحديث مطلق لكنه مقيد بحديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( «من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه» ) ويكون الإطلاق في حديث أبي ذر مقيداً بحديث ابن عمر رضي الله عنهما، وإذا كان خيلاء فإن الله لا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب عظيم.
قذف المؤمنات المحصنات الغافلات:
قال عز وجل: ( {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم} ) [ النور:23]  
النياحة:
عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( «النياحة على الميت من أمر الجاهلية, وإن النائحة إذا لم تتب قبل أن تموت, فإنها تبعث يوم القيامة عليها سرابيل من قطران, ثم يغلي عليها بدروع من لهب النار » ) [أخرجه مسلم]
الكذب:
قال الله ( { في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون} ) [البقرة:10] قال العثيمين رحمه الله من فوائد الآية: ذم الكذب, وأنه سبب للعقوبة
قطع الطريق والإفساد في الأرض:
قال الله عز وجل: ( { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم} ) [المائدة:33] قال العلامة السعدي رحمه الله: المحاربون لله ولرسوله, هم الذين بارزوه بالعداوة, وأفسدوا في الأرض, بالكفر, والقتل, وأخذ الأموال, وإخافة السبل, والمشهور أن هذه الآية الكريمة في أحكام قطاع الطريق, الذين يعرضون للناس في القرى والبوادي, فيغصبون أمواهم, ويقتلونهم, ويخيفونهم, فيمتنع الناس من سلوك الطريق التي هم بها...(ذلك) النكال ( لهم خزي في الدنيا ) أي: فضيحة وعار.( ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) فدل هذا أن قطع الطريق من أعظم الذنوب موجب لفضيحة الدنيا وعذاب الآخرة, وأن فاعله محارب لله ولرسوله.
**ومن تاب من هذه الذنوب تاب الله عليه قال الله عز وجل: ( {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} ) [الزمر:53] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة وإخبار بأن الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها, ورجع عنها, وإن كانت مهما كانت, وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر,...ولا يقنطن عبد من رحمة الله وإن عظمت ذنوبه وكثرت, فإن باب الرحمة والتوبة واسع قال تعالى: ( { ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم} ) [التوبة:104]وقال سبحانه تعالى:( {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما} ) [ النساء :110]
وقال جلا وعلا في حق المنافقين: ( {من يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما * إلا الذين تابوا وأصلحوا} ) [النساء:145-146] وقال جل جلاله: ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم)[المائدة:73] ثم قال جلت عظمته: ( {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم} ) [المائدة:74] وقال تعالى: ( {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا} )[البروج:10] قال الحسن البصري رحمة الله عليه: انظروا إلى هذا الكرم والجود قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة.
ومن مات ولم يتب من هذه الذنوب فهو تحت مشيئة الله عز وجل إن شاء غفر له, وإن شاء عذبه, ما عدا من كان مشركاً قال عز وجل: ( {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما} )  [النساء:48] قال العلامة محمد بن صالح  العثيمين رحمه الله: من فوائد الآية الكريمة: عظم الشرك, وأن الله سبحانه لا يغفره لأنه أعظم ذنب, فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم ؟ قال: ( أن تجعل لله نداً وهو خلقك ) وما دون الشرك تحت المشيئة, لقوله: ( ويغفرُ ما دون ذلك لمن يشاءُ ) وليس مجزوماً بمغفرته, ولا مجزوماً بالمؤاخذة عليه, وإنما هو تحت المشيئة.
ويتفرع على هذه الفائدة: ردّ كلام المسوفين, الذين يفعلون ما يفعلون من المعاصي, ثم يقولون: إن الله يغفر ما دون الشرك لمن يشاء, فنقول لهم: ما الذي أدراك أن تكون أنت ممن شاء الله أن يغفر لك.؟
فلنبادر إلى التوبة من جميع الذنوب, واجتناب أسباب العذاب, قال العلامة السعدي رحمه الله: يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( {وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب} ) [إبراهيم:44] أي: صف لهم تلك الحال, وحذرهم من الأعمال الموجبة للعذاب.
 
والله جل جلاله توعد العاصين بالعذاب ليكون ذلك دافعاً لهم على ترك المعاصي, قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: الوعيد على المعصية من أسباب العدول عنها, بحيث لا يقدمُ عليها, وإذا أقدم استعتب وتاب.

                     كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن