تفسير سورة الغاشية


الحلقة مفرغة

سورة الغاشية هي السورة الثامنة والثمانون، وهي مكية، وآياتها ست وعشرون، وقد تقدم حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، والغاشية في صلاة العيد، ويوم الجمعة). وروى الإمام مالك: (أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير رضي الله عنه: بم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة مع سورة الجمعة؟ قال: هل أتاك حديث الغاشية). رواه مسلم وأبو داود وغيرهما.

قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم. هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ . أي: هل أتاك خبرها وقصتها؟ والغاشية: هي القيامة، وأصل الغاشية: الداهية التي تغشى الناس بشدائدها. والاستفهام للتعظيم والتعجب مما في حيزه، مع تقريره. وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ أي: ذليلة، وهي وجوه أهل الكفر للحق والجحود له، وعبّر بالجزء عن الكل، فالمقصود بالوجوه الذوات، بدليل أنه قال: عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ [الغاشية:3-5]، فهذا مما يؤكد أن المقصود بالوجوه الذوات. وقوله: عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ ، أي: تعمل أعمالاً صعبة تتعب فيها، ونلفت النظر إلى هذا المعنى المهم؛ وهو أن الأشغال الشاقة المؤبدة نوع من العقوبة، ففي النار أشغال شاقة، والدليل هذه الآية، فكأن ملائكة العذاب تكلف الكفار بهذا النوع من أنواع العذاب الذي لا يتناهى والعياذ بالله، فتكلفهم بأعمال شاقة؛ إتعاباً لأبدانهم وتعذيباً لهم. إذاً: قوله: عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ ، أي: تعمل دائماً أعمالاً صعبة تتعب فيها، كالهوي في دركات النار، والارتقاء في عقباتها، فهم يرمون -والعياذ بالله- في النار، ثم يكلفون بارتقاء العقبات العالية المرتفعة، فهذا بلا شك فيه تعب ونصب شديدان. أو (عاملة) من استعمال الزبانية إياها في أعمال شاقة من جنس أعمالها التي رضيت بها في الدنيا، وإتعابها فيها من غير منفعة لها منها إلا التعب والعذاب؛ لكنهم في الدنيا كانوا يجنون من ورائها ربحاً ومالاً، أما في النار فالعذاب بالإصعاد والأعمال الشاقة التي يكلفونها ليس فيه مقابل إلا التعب والعذاب. ويجوز أن تكون عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ : إشارة إلى عملهم في الدنيا، فيكون المعنى: كانت عاملة ناصبة في الدنيا. إذاً: يوجد وجهان للآية: الأول: عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ أي: عاملة ناصبة في أعمال الدنيا، كالذي وصفه الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث بقوله: (جيفة بالليل، حمار بالنهار) أي: يكدح بالنهار في عمل الدنيا كالحمار. الثاني: عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ أي: الكافر الذي يتعب نفسه في العبادة كالرهبان الذين يعيشون في حرمان، بسبب تحريم الطيبات على أنفسهم من أطعمة وألبسة، وكذا التمتع بمتاع الحياة الدنيا الذي أباحه الله لخلقه، فيَحْرمون أنفسهم ويعذبونها بأنواع المشاق، ويجتهدون في الصلاة والصيام وغيرها من العبادات، ثم تكون هباءً منثوراً يوم القيامة، قال الله تبارك وتعالى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ [إبراهيم:18]، فتحبط جميع أعمالهم بالكفر، وكما قال الله تبارك وتعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف:103-104]، فهذا أشد الخسران، ففي حقهم يكون معنى: عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ أي: أنهم يكدّون ويكدحون ويتعبون في التعبد بكافة أنواع المشقات، وهم يرجون بذلك الثواب من الله سبحانه وتعالى، ثم إذا بهم يفاجئون يوم القيامة كما قال الله: وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47]. ويجوز أن يكون قوله: عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ إشارة إلى عملهم في الدنيا، أي: عملت ونصبت في أعمال لا تجزى عليها في الآخرة، فيكون بمعنى: حابطة أعمالها، أو جعلت أعمالها هباءً منثوراً كما تدل عليه آيات أخر، مثل قوله تعالى في سورة النور كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [النور:39]. ويؤيده مقابلة هذه الآية لقوله في أهل الجنة: لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ [الغاشية:9]، فأول صفة للكفار هنا: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ، وأول صفة للمؤمنين: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ [الغاشية:8]. الصفة الثانية للكفار: عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ ، والصفة الثانية للمؤمنين: لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ ، ما هو السعي؟ السعي الذي كان في الدنيا، فالمؤمن يأتي راضياً عما سعى في الدنيا من الأعمال الصالحة، ويقابلها: عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ ، وهذا يقوّي قول من قال: إن المقصود بـ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ : عملها في الدنيا، والله تعالى أعلم.

قال تعالى: تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً [الغاشية:4] أي: تدخل ناراً متناهية في الحرارة. تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ [الغاشية:5] آنية: أي بلغت غايتها في شدة الحر، فذكر أولاً الشراب، وقوله: (تُسقى) إشارة إلى أنه لا يقبل هو أن يشرب، ولكنه يُسقى رغماً عنه، ولا يستطيع أن يمتنع. لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ [الغاشية:6] الضريع: هو نوع من الشوك ترعاه الإبل ما دام رطباً، فإذا يبس تحامته -أي: تجنّبته-، وهو سُمُّ قاتل. قال ابن جرير : الضريع عند العرب نبت يقال له: الشبرق، ويسميه أهل الحجاز الضريع إذا يبس. ولا منافاة بين هذه الآية وبين قوله تعالى: وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ [الحاقة:36]؛ لأن العذاب ألوان، والمعذبون طبقات، فمنهم: أكلة الغسلين، ومنهم: أكلة الضريع عافانا الله وإياكم. وقيل: الضريع أُريدَ به طعام مكروه حتى للإبل التي تتميز برعي الشوك، فلا ينافي كونه زقوماً أو غسليناً، فيكون الضريع كناية عن الطعام المكروه الذي تعافه الإبل رغم أنها تمتاز برعي الشوك، فليس لهم طعام إلا هذا الشيء المكروه، وهذا يناسب كونه زقوماً أو غسليناً. لا يُسْمِنُ [الغاشية:7] أي: لا يسمن بدن الآكل ، وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ [الغاشية:7] أي: لا يسكّن داعي النفس ونهمها، فيظلون يتعذبون بالجوع والعطش، فلا الشراب يرويهم، ولا الطعام يشبعهم، وهذا نوع من أنواع العذاب أيضاً والعياذ بالله. وإذا صرخوا وطلبوا السقيا فكما قال تعالى: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ [الكهف:29] أي: إذا اقتربوا منه ليشربوا شوى وجوههم لقوة حرارته!! فما بالك إذا شربوا منه؟! قال تعالى: وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15]، نسأل الله العافية! فما أقوى هذا الكلام وما أشد تأثيره، ولكنها الغفلة التي تُخيّم على القلوب، وتحول بينها وبين الانتفاع بكلام الله تبارك وتعالى.

قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ [الغاشية:8] بمعنى: أنها متنعمة بين النعيم، خلافاً لحُسن المنظر المحروم من التنعم، مثل أن نقول: فلان يعيش حياة ناعمة، أي: متنعمة في نعيم ورفاهية، أو أن المقصود بقوله: (ناعمة) من النعومة أي: وجوه أهل الجنة ذات حُسْن -إذ ليس في وجوههم لحى-. لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ [الغاشية:9] أي: لعملها الذي عملته في الدنيا، وحزمها في طريق الجد، واكتساب الفضائل، فهي شاكرة لا تندم ولا تتحسر، فيقول أحدهم عند أخذه الكتاب باليمين: هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ [الحاقة:19] فهو في غاية الفخر، لماذا؟ يقول: إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ [الحاقة:20-22]. فقوله هنا: لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ أي: للسعي الذي عملته في الدنيا راضية، ويحمدون الله أن وفقهم للعمل الصالح في الدنيا، وأن هداهم للإيمان وسائر أنواع البر، بخلاف الذي يقول: يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:25-29]. قوله: فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ [الغاشية:10] أي: مرتفعة في المحل أو رفيعة القدر، فقوله: (عالية): إما علو القدر والمكانة، وإما علو المكان، ولا تعارض بين الصفتين، فالجنة عالية القدر، وهي أيضاً عالية في المكان والمحل. لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً [الغاشية:11] أي: لغواً، أو كلمة ذات لغو، أو نفساً تلغو؛ لأن كلامهم فيه الحشمة والعلو، والتسبيح والتحميد. فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ [الغاشية:12] أي: لا انقطاع لها. فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ [الغاشية:13] أي: مرتفعة؛ لأن السرر إذا كانت مرتفعة يتمكنون من رؤية جميع ما حولهم من النعيم. وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ [الغاشية:14] الأكواب: جمع كوب، وهو الإناء الذي لا أذن له، (مَوْضُوعَةٌ)، أي: بين أيديهم لا يعجزهم أخذها، فهي موضوعة ومهيأة أمامهم، فلا يذهبون للبحث عنها وإحضارها. وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ [الغاشية:15] النمارق: الوسائد، مصفوفة: صف بعضها إلى جانب بعض فوق الأسِرّة أو في الجوانب للاستناد إليها. وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ [الغاشية:16] الزرابي: البُسط والطنافس، (( مَبْثُوثَةٌ )) يعني: مفروشة.

قال تعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [الغاشية:17]، هذا استئناف مسوق لتقريب ما فصل من حديث الغاشية، وما هو مدلول عليه من البعث الذي هم فيه مختلفون للاستشهاد عليه بما لا يستطيعون إنكاره، لكن ما علاقة هذه الآيات بالتي قبلها؟ إن الآيات السابقة فيها إخبار عن الغاشية هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1]، وبيان حال أصحاب الجنة، وحال أصحاب النار، وهذا كله مبني على الإيمان بالبعث والنشور، والدار الآخرة، والحساب والجزاء، والكفار ينكرون البعث، فالله سبحانه وتعالى يوجه أنظارهم إلى الإيمان به عز وجل وبقدرته على الخلق، وهذا سيلزمهم بالإيمان بالبعث والنشور، وأحوال أهل الجنة، وأحوال أهل النار، فدلّهم إلى الإيمان بالله عن طريق أدلة محسوسة لا يستطيعون إنكارها؛ لأنها مشاهدة؛ فلذلك قال: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ، (أَفَلا) الهمزة: للإنكار والتوبيخ، والفاء: للعطف على مُقدّر يقتضيه المقام. (( أَفَلا يَنْظُرُونَ )) يعني: أينكرون ما ذُكر من البعث وأحكامه، ويستبعدون وقوعه من قدرة الله عز وجل؟! أفلا ينظرون إلى الإبل -التي هي نصب أعينهم ويستعملونها كل حين- كيف خُلقت خلقاً بديعاً معدولاً به عن سنن خلقة سائر أنواع الحيوانات؟! فالإبل فيها أشياء اختصت بها دون سائر الحيوانات، من عِظَم جثتها، وشدة قوتها وعجيب هيئتها اللائقة لحمل الأشياء الثقيلة، وجرّ الأثقال الفادحة إلى الأقطار النازحة - البعيدة-، وفي صبرها على الجوع والعطش، حتى إن إظماءها لتبلغ العشر فصاعداً، واكتفائها باليسير، ورعيها لكل ما يتيسر من شوك وشجر وغير ذلك مما لا يكاد يرعاه سائر البهائم، فأنت ترى الإبل ترعى ما تيسر من أنواع النبات، فهذه من خصائصها. وأيضاً انقيادها مع ذلك للإنسان في الحركة والسكون والجلوس والنهوض، حيث يستعملها في ذلك كيفما يشاء، وهذه من آيات الله سبحانه وتعالى، فإن الجمل على رغم قوته الشديدة، إلا أنه يقوده طفل صغير أو رجل ضعيف أمامه! فالله سبحانه وتعالى يذللـه ويسخره للإنسان. وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ [الغاشية:18] السماء التي يشاهدونها كل لحظة بالليل والنهار، (( كَيْفَ رُفِعَتْ )) أي: رفعت كواكبها رفعاً سحيق المدى، وأمسك كل منها في مداره إمساكاً لا يختل سيره، ولا يفسد نظامه. وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ [الغاشية:19] الجبال التي ينزلون في أقطارها، (( كَيْفَ نُصِبَتْ )) أي: أقيمت منتصبة، فلا تبرح مكانها حفظاً للأرض من الميلان. وَإِلَى الأَرْضِ [الغاشية:20] التي يضربون فيها ويتقلبون عليها، كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية:20] أي: بُسطت ومُهّدت حسبما يقتضيه صلاح أمور ما عليها من الخلائق. قال الزمخشري : والمعنى: أفلا ينظرون إلى هذه المخلوقات الشاهدة على قدرة الخالق؛ حتى لا ينكروا اقتداره على البعث، فيسمعوا إنذار الرسول صلى الله عليه وسلم، ويؤمنوا به ويستعدوا للقاء الله تبارك وتعالى.

قال تعالى: (( فَذَكِّرْ )) ذكّر من أُرسِلْت إليه بآياته تعالى التي تسوق إلى الإيمان بخالقها على الفطرة. إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21] أي: مُبلِّغ ما نُسي من شرعه تعالى. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:22] أي: بمتسلط تقهرهم على الإيمان. وقرئ بالسين على الأصل ( بمسيطر). إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ [الغاشية:23-24]، وهو عذاب جهنم والعياذ بالله، والاستثناء في قوله: إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ منقطع، يعني: لكن من تولى وكفر فإن لله الولاية عليه والقهر له فهو يعذبه العذاب الأكبر على جحده الحق، فليس هنا استثناء في قوله: إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ ، إذ ليس معناه أن الرسول يسيطر على من تولى وكفر! لكن المقصود: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ، لكن مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ [الغاشية:23-24]، على جحده الحق. إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ [الغاشية:25] أي: رجوعهم ومعادهم بالموت والبعث، والجملة تعليل لتعذيبه تعالى بالعذاب الأكبر. إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ [الغاشية:25-26] نلاحظ هنا أن الضمير جمع، أما في قوله: إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ [الغاشية:23-24] فإن الضمير مفرد، والإفراد هنا في قوله: (فيعذبه) باعتبار اللفظ، أما الجمع في قوله: إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ فهو باعتبار معنى (من). إذاً: جمع الضمير فيه وفيما بعده باعتبار معنى (من) كما أن إفراده فيما سبق باعتبار لفظها. وقوله: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ، أي: سنجازيهم بالعذاب الأكبر، فإن القهر والغلبة لله تبارك وتعالى وحده.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة التوبة [107-110] 2819 استماع
تفسير سورة المدثر [31-56] 2621 استماع
تفسير سورة البقرة [243-252] 2584 استماع
تفسير سورة البلد 2567 استماع
تفسير سورة الطور [34-49] 2564 استماع
تفسير سورة التوبة [7-28] 2562 استماع
تفسير سورة الفتح [3-6] 2504 استماع
تفسير سورة المائدة [109-118] 2439 استماع
تفسير سورة الجمعة [6-11] 2412 استماع
تفسير سورة آل عمران [42-51] 2404 استماع