عنوان الفتوى : أحكام من ترك ركناً من أركان الصلاة وأمكنه أو لم يمكنه تداركه
أعلم أنه لا يجوز الرجوع إلى الركن المتروك بعد الشروع في قراءة الفاتحة، ولكني نسيت ورجعت إلى السجود، ثم تذكرت، وأنا في السجود أنه كان ينبغي عليَّ عدم الرجوع إلى السجود بعد الشروع في قراءة الفاتحة.
والسؤال هو: ما الذي كان ينبغي عليَّ فعله حين علمت خطئي.
هل أستأنف الصلاة من جديد باعتبار بطلانها أم أستمر في صلاتي؟ وإذا استمررت في الصلاة ما الذي كان عليه فعله حينها؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن نسي ركناً من أركان الصلاة كالسجود -مثلاً- وأمكنه تداركه، فإنه يفعله هو وما بعده، وأما إن تعذر التدارك فإنه يلغي تلك الركعة، ويأتي بركعة بدلها، ويسجد لسهوه.
وهذه المعلومة التي عندك من أنه لا يجوز الرجوع إلى الركن المتروك بعد الشروع في القراءة هو مذهب الحنابلة، والفوات عند المالكية بعقد الركوع من الركعة التالية: وتراجع لمذهبهم الفتوى رقم : 50974.
قال الحجاوي الحنبلي في "زاد المستقنع": ومن ترك ركنا فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى، بطلت التي تركه منها، وقبله يعود وجوبا، فيأتي به وبما بعده، وإن علم بعد السلام فكترك ركعة كاملة. انتهى
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه : قوله: «فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت التي تركه منها» بطلت : يعني صارت لغوا ، وليس البطلان الذي هو ضد الصحة، لأنه لو كان البطلان الذي هو ضد الصحة؛ لوجب أن يخرج من الصلاة، ولكن المراد بالبطلان هنا: اللغو، فمعنى «بطلت» أي صارت لغوا، وتقوم التي بعدها مقامها، هذا إذا ذكره بعد شروعه في قراءة الركعة الأخرى. مثال ذلك: رجل يصلي فلما سجد السجود الأول في الركعة الأولى، قام إلى الركعة الثانية، وشرع في قراءة الفاتحة، ثم ذكر أنه لم يسجد إلا سجدة واحدة؛ فترك جلوسا وسجدة، أي: ترك ركنين، فنقول له: يحرم عليك أن ترجع؛ لأنك شرعت في ركن مقصود من الركعة التي تليها، فلا يمكن أن تتراجع عنها، لكن تلغي الركعة السابقة، وتكون الركعة التي بعدها بدلا عنها. مثال آخر: قام إلى الرابعة في الظهر، ثم ذكر أنه نسي السجدة الثانية من الركعة الثالثة، بعد أن شرع في القراءة فتلغى الثالثة، وتكون الرابعة هي الثالثة، لأنه شرع في قراءتها. وهذا ما قرره المؤلف. والقول الثاني: أنها لا تبطل الركعة التي تركه منها، إلا إذا وصل إلى محله في الركعة الثانية، وبناء على ذلك يجب عليه الرجوع ما لم يَصِلْ إلى موضعه من الركعة الثانية. ففي المثال الذي ذكرنا، لما قام إلى الثانية؛ وشرع في قراءة الفاتحة؛ ذكر أنه لم يسجد في الركعة الأولى، فنقول له: ارجع واجلس بين السجدتين، واسجد، ثم أكمل. وهذا القول هو الصحيح، وذلك لأن ما بعد الركن المتروك يقع في غير محله لاشتراط الترتيب، فكل ركن وقع بعد الركن المتروك فإنه في غير محله لاشتراط الترتيب بين الأركان، وإذا كان في غير محله فإنه لا يجوز الاستمرار فيه، بل يرجع إلى الركن الذي تركه كما لو نسي أن يغسل وجهه في الوضوء، ثم لما شرع في مسح رأسه ذكر أنه لم يغسل الوجه، فيجب عليه أن يرجع ويغسل الوجه وما بعده. فإن وصل إلى محله من الركعة الثانية، فإنه لا يرجع؛ لأن رجوعه ليس له فائدة، لأنه إذا رجع فسيرجع إلى نفس المحل، وعلى هذا؛ فتكون الركعة الثانية هي الأولى، ويكون له ركعة ملفقة من الأولى ومن الثانية. مثاله: لما قام من السجدة الأولى في الركعة الثانية وجلس؛ ذكر أنه لم يسجد في الركعة الأولى إلا سجدة واحدة، فلا يرجع إلى الركعة الأولى، ولو رجع فسيرجع إلى المكان نفسه الذي هو فيه، وهذا القول هو القول الراجح : أنه يجب الرجوع إلى الركن المتروك ما لم يصل إلى موضعه من الركعة الثانية، فإن وصل إلى موضعه من الركعة الثانية صارت الثانية هي الأولى. انتهى من "الشرح الممتع" (3371). وهذا التفصيل الذي ذكره الشيخ ابن عثيمين تفصيل جيد لبيان نفس المسألة التي سألت عنها.
ولمزيد من الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 295690، والفتوى رقم: 113533 .
والله أعلم.