شرح ألفية ابن مالك [6]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[ .... وبه عشرونا وبابه ألحق والأهلونا

أولو وعالمون عليونا وأرضون شذ والسنونا

وبابه ومثل حين قد يرد ذا الباب وهو عند قوم يطرد

ونون مجموع وما به التحق فافتح وقل من بكسره نطق

ونون ما ثني والملحق به بعكس ذاك استعملوه فانتبه]

وقوله: (وبه عشرونا وبابه ألحق):

يعني: وألحق بهذا الجمع -وهو جمع المذكر السالم- عشرون وبابه.

وبابه هو ثلاثون وأربعون وخمسون وستون وسبعون وثمانون وتسعون، فهذا ملحق بجمع المذكر السالم؛ لأنه ليس علماً ولا صفة، فإذا قلت: جاءني عشرون رجلاً، فالإعراب:

جاء: فعل ماض، والنون للوقاية، والياء مفعول به.

وعشرون: فاعل مرفوع بالواو نيابة عن الضمة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم.

وهو ملحق من عدة وجوه:

أولاً: أنه ليس علماً ولا صفة.

والثاني: أنه لا يدل على مفرده فمثلاً: عشرون، لا تدل على (عشر)؛ لأنك لو قلت: عشر مفرد عشرين، فإن الجمع يكون ثلاثين، لأنك إذا جمعت عشراً فأقل الجمع ثلاثة، فيكون عندك عشر وعشر وعشر، وليس الأمر في عشرين كذلك.

ثم إنه مع كونه غير جمع العشر يختلف عن العشر، لأن العشر مفتوح العين، والعشرون مكسور العين.

إذاً: فهو ملحق بجمع المذكر السالم، وإن شئت فقل: لأنه ليس علماً ولا صفة، واكتف بهذا.

قوله: (والأهلون):

الأهلون ملحق بجمع المذكر السالم، قال الله تعالى: شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا [الفتح:11].

وقال عز وجل: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا [الفتح:12].

فالأولى: (شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا) بالواو لأنها فاعل، والثانية: (إلى أهليهم) بالياء لأنها مجرورة بإلى.

وأهلون ملحق بجمع المذكر السالم، لأنه اختل فيه من الشروط أنه ليس علماً ولا صفة.

قوله: (أولو):

أولو أيضاً ملحق بجمع المذكر السالم، قال الله تعالى: وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى [النور:22].

فقال: وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا بالواو لأنها فاعل، أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي بالياء لأنها مفعول به.

وأولو ملازمة للإضافة، ولهذا لا تأتي معها النون، تقول: جاء أولو الفضل، ورأيت أولي الفضل، ومررت بأولي الفضل.

وأولو معناها: أصحاب.

ألحقت بجمع المذكر السالم ولم تكن منه لأنها ليس لها واحد من لفظها، فهي ليست جمعاً لفظاً وإن كان معناها الجمع، ولا يصح أن أقول: ولأنها ليست علماً ولا وصفاً؛ لأنها وصف، أي أنها بمعنى: أصحاب.

قوله: (وعالَمون عليون):

عالَمون: أيضاً ملحق بجمع المذكر السالم، قال الله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2].

فالعالمَ جمعها عالَمون، ونقول: هذا ملحق بجمع المذكر السالم في إعرابه، لأنه ليس علماً ولا صفة، ولا دالاً على المفرد، لأن عالَم وعالَمون معناهما واحد، فكل منهما يدل على الجمع، لذلك صارت عالَمون ملحقاً بجمع المذكر السالم.

وعليون: اسم لأعلى الجنة، وهو ملحق بجمع المذكر السالم، قال الله تعالى: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ [المطففين:18-19] فرفعها بالواو وجرها بالياء.

والذي اختل فيها من شروط جمع المذكر السالم أنها ليست علماً لعاقل، لأنها علم لمكان في الجنة.

قوله: (وأَرَضُون شذ):

أرضون جمع أرض، والأرضون ملحق بجمع المذكر السالم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله به يوم القيامة من سبع أَرَضِين) أرضين بالياء، لأنها مجرورة.

والذي اختل فيها من شروط جمع المذكر السالم أنها ليست بعلم ولا صفة ولا لمذكر، واختلفت حركاتها أيضاً مع المفرد، فالمفرد أَرْض بسكون الراء والجمع أَرَضون بفتحها، فإذاً هي ملحقة بجمع المذكر السالم من عدة أوجه، ولهذا قال: (شذ)، أي: لبعده عن القياس، فهو شاذ.

قوله: (والسنونا وبابه):

يعني: وكذلك ألحق بجمع المذكر السالم السنون، وهو جمع سنة، يرفع بالواو وينصب ويجر بالياء، قال الله تعالى: فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ [يوسف:42] فلما كان ملحقاً بجمع المذكر السالم جر بالياء.

والذي اختل فيه من شروطه أنه ليس بعلم ولا صفة، وليس لعاقل ولا وافق المفرد في الحركات، ولا هو لمذكر، فلهذا صار شاذاً، ولهذا قال: (وأرضون شذ والسنونا) أي: شذ.

وبابه: باب السنين عند النحويين: كل اسم ثلاثي حذفت لامه وعوض عنها هاء التأنيث ولم يكسر، أي لم يجمع جمع تكسير.

ومثلوا لذلك بمائة، قالوا: جمعها مئين في النصب والجر، ومئون في الرفع، كما أنها تجمع أيضاً على مئات جمع مؤنث سالماً؛ لكن إذا جمعت جمع مذكر سالماً ألحقت به إلحاقاً ولم تكن منه.

والذي فات من الشروط: أنها ليست علماً ولا صفة، وقد تكون للمذكر وقد تكون للمؤنث، فليست خاصة بالمذكر، تقول: مائة رجل، ومائة امرأة.

وهذه الأشياء التي ذكرها المؤلف رحمه الله جاءت بها اللغة العربية، فعاملتها معاملة جمع المذكر السالم.

قال: (ومثل حين قد يرد ذا الباب):

المراد به باب السنين، أي أنه قد يرد في اللغة العربية مثل كلمة (حين) في الحكم، فيعرب بالحركات على آخره، ويلزم الياء، قال الله تعالى: وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ [ص:88] فتعرب سنين مثل حين، فتقول: مكثت في هذا البلد سنيناً، كما تقول: مكثت فيه حيناً.

ولو أردت أن تلحقه بجمع المذكر السالم لقلت: مكثت في هذا البلد سنين.

ويختلف الإعراب، فإذا قلت: مكثت في هذا البلد سنيناً، فإن (سنيناً) ظرف زمان منصوب على الظرفية بفتحة ظاهرة، ولو قلت: (سنين) لقلت: ظرف منصوب بالياء نيابة عن الفتحة، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد لأنه ملحق بجمع المذكر السالم.

ومن ذلك قول الشاعر:

دعاني من نجد فإن سنينه لعبن بنا شيباً وشيبننا مرداً

لو أتى به على أنه ملحق بجمع المذكر السالم لقال: فإن سنيه.

وليعلم أن بعض الطلبة يقرأ: سنيّه، وهذا لحن قبيح، بل يقال: فإن سنينه.

فالحاصل أن (سنين) وبابها إما أن تعرب كحين بحركات ظاهرة على النون، أو تعرب إعراب جمع المذكر السالم بالياء جراً ونصباً وبالواو رفعاً.

إذا قلت: أتى على هذا البيت سنينٌ عديدة. فاستعملته استعمال حين، فأقول:

أتى: فعل ماض.

وسنين: فاعل مرفوع بضمة ظاهرة على آخره.

وإذا أردت أن أستعملها استعمال الملحق بجمع المذكر السالم، أقول: أتى على هذا البيت سنون، فأرفعها بالواو، كما أقول: أتى علي مسلمون، فيرفع بالواو نيابة عن الضمة، والنون مفتوحة.

قوله: [ومثل حين قد يرد ذا الباب وهو عند قوم يطرد]

يعني: هذا الباب يطرد أن يكون كحين عند قوم، فلا يلحقونه بجمع المذكر السالم مطلقاً، ويرون أن إلحاقه بجمع المذكر السالم غير صحيح.

ولكن هذا خطأ، والصواب أنه ملحق بجمع المذكر السالم على الأفصح، قال الله تعالى: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَة سِنِينَ [الكهف:25] ولم يقل: سنينٍ، فالأفصح: أن يكون ملحقاً بجمع المذكر السالم.

أما قوله تعالى: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43] فعالمون هنا جمع مذكر سالم وهي غير التي في قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2].

وأنا عندي قاعدة أسأل الله ألا يؤاخذني بها: أنه إذا اختلف النحاة على قولين أخذنا بالأسهل، وليس هذا من باب تتبع الرخص.

والقرآن حجة بلا شك، أما السنة ففيها خلاف بين العلماء؛ لأن السنة يرويها الرواة بعد تغير اللسان، وأكثر المحدثين على جواز الرواية بالمعنى، لكن الذي عليه ابن هشام وجماعة من العلماء ومنهم ابن مالك : أن الأصل أنها على اللغة العربية، والأصل أنها من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن مع ذلك أحياناً يشذذونها، مثل: (يتعاقبون فيكم ملائكة) قالوا: إن هذا جاء على لغة: أكلوه البراغيث، وقالوا: إن هذه لغة شاذة، حتى أن بعض العلماء زعم أن منها قوله تعالى: ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ [المائدة:71] قال: إن (كثير) فاعل.

ولكنه ليس بصحيح، و(كثير) هذه بدل من الواو.

أما القراءة المخالفة للقاعدة فلا أظن أحداً ينكر القراءة، وهي ثابتة، لكن هم يقولون شاذة عن القواعد فقط، فالقاعدة العامة في اللغة تأتي القراءة أحياناً مخالفة لها، لكن مع ذلك نقول: الشاذ أنت، القرآن ليس فيه شيء شاذ.

أمثلة على إعراب جمع المذكر السالم

سبق لنا أن جمع المذكر السالم وما ألحق به يرفعان بالواو، وينصبان ويجران بالياء، وأن كل ما اختلت فيه الشروط فهو ملحق، بألا يكون علماً، أو كان علماً لغير عاقل، أو علماً لمؤنث، أو علماً مختوماً بالتاء، أو علماً مركباً، وما أشبه ذلك.

المهم ما اختل فيه شرط من الشروط وعومل معاملة جمع المذكر السالم فإنه يقال فيه: ملحق بجمع المذكر السالم.

ونحن الآن نأخذ أمثلة على ذلك:

إذا قلنا: قام المسلمين. فالعبارة خطأ، والصواب: قام المسلمون، لأن جمع المذكر السالم يرفع بالواو.

وإعرابها:

قام: فعل ماض مبني على الفتح.

المسلمون: فاعل مرفوع بالواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم.

وقال بعض النحويين: إن الحركات مقدرة على الحروف، فالضمة مقدرة على الواو، والفتحة مقدرة على الياء، والكسرة مقدرة على الياء..

لكن كلام ابن مالك يدل على أن الواو هي علامة الرفع، قال:

(وارفع بواو وبيا اجرر وانصب ... إلخ).

مثال آخر: إذا قيل: أتى المسلمين أمر الله، فهذه العبارة خطأ، والصحيح: أتى المسلمون أمر الله.

وإعرابها:

أتى: فعل ماض مبني على الفتح.

المسلمون: فاعل مرفوع بالواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد.

أمر: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة، وأمر مضاف.

الله: لفظ الجلالة مضاف إليه.

ويحتمل أن المعنى: أتاهم أمر الله، ويحتمل أنهم أتوا أمر الله.

سبق لنا أن جمع المذكر السالم وما ألحق به يرفعان بالواو، وينصبان ويجران بالياء، وأن كل ما اختلت فيه الشروط فهو ملحق، بألا يكون علماً، أو كان علماً لغير عاقل، أو علماً لمؤنث، أو علماً مختوماً بالتاء، أو علماً مركباً، وما أشبه ذلك.

المهم ما اختل فيه شرط من الشروط وعومل معاملة جمع المذكر السالم فإنه يقال فيه: ملحق بجمع المذكر السالم.

ونحن الآن نأخذ أمثلة على ذلك:

إذا قلنا: قام المسلمين. فالعبارة خطأ، والصواب: قام المسلمون، لأن جمع المذكر السالم يرفع بالواو.

وإعرابها:

قام: فعل ماض مبني على الفتح.

المسلمون: فاعل مرفوع بالواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم.

وقال بعض النحويين: إن الحركات مقدرة على الحروف، فالضمة مقدرة على الواو، والفتحة مقدرة على الياء، والكسرة مقدرة على الياء..

لكن كلام ابن مالك يدل على أن الواو هي علامة الرفع، قال:

(وارفع بواو وبيا اجرر وانصب ... إلخ).

مثال آخر: إذا قيل: أتى المسلمين أمر الله، فهذه العبارة خطأ، والصحيح: أتى المسلمون أمر الله.

وإعرابها:

أتى: فعل ماض مبني على الفتح.

المسلمون: فاعل مرفوع بالواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد.

أمر: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة، وأمر مضاف.

الله: لفظ الجلالة مضاف إليه.

ويحتمل أن المعنى: أتاهم أمر الله، ويحتمل أنهم أتوا أمر الله.