شرح عمدة الأحكام - كتاب الجهاد [2]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الجهاد:

عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم، فقال: يا أيها الناس! لا تتمنوا لقاء العدو, واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا, واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم).

وعن سهل بن سعد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها, وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها, والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها)].

الشرح:

تقدم الكلام عن الجهاد، وذكرنا تعريفه وحكمه، ومتى يكون متعيناً ومتى لا يتعين، وهل هناك ما يسمى بجهاد الطلب أو أن الجهاد هو جهاد الدفع فقط.. إلى آخره؟

هذه المسألة موضع خلاف بين أهل العلم، وجماهير أهل العلم على أن الجهاد: جهاد طلب وجهاد دفع، وهذا هو الصواب والصحيح الذي دلت عليه الأدلة.

وأما القول: بأن الجهاد إنما هو جهاد دفع فقط، وليس هناك ما يسمى بجهاد طلب، فهذا جهاد ضعيف، والنبي صلى الله عليه وسلم جاهد جهاد الدفع وجهاد الطلب، جاهد جهاد الدفع كما في غزوة أحد، وخرج أيضاً للجهاد.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم، فقال: يا أيها الناس! لا تتمنوا لقاء العدو, واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا, واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف، ثم قال: اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب اهزمهم, وانصرنا عليهم)].

الشرح:

هذا الحديث فيه مسائل:

فيه: تخير الوقت المناسب للقتال، وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن الوقت المناسب للقتال هو أول النهار، لما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يقاتل أول النهار انتظر حتى تهب الرياح وتحضر الصلاة، فإذا لم يتيسر القتال في أول النهار فإنه يكون بعد الزوال؛ لأنه قال: (انتظر حتى إذا مالت الشمس).

وفي هذا أيضاً: أنه يستحب خطبة الإمام في أثناء القتال، يستحب أن يخطب بمن معه من جند، وأن يبين لهم فضل الجهاد، وما رتب عليه من أجر عظيم وما يحتاجون إليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب: (يا أيها الناس! لا تتمنوا لقاء العدو).

وفي هذا أيضاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تتمنوا لقاء العدو)، هذه قاعدة ينبغي للمسلم أن يترسمها في حياته، لا يتمنى لقاء العدو، وهذا ليس خاصاً في القتال، بل في كل شيء، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الإنسان على نفسه أو على أولاده أو على أهله، (لا تتمنوا لقاء العدو)، سواء لقاء العدو بما يتعلق بالقتال، أو لقاء العدو لغير ما يتعلق بالقتال، يعني: لا يتمنى الإنسان المصائب، لا يتمنى الهموم، لا يتمنى الأحزان، لا يتمنى الأضرار.. إلى آخره؛ لأن السلامة لا يعدلها شيء، ولأن كون الإنسان يتمنى لقاء العدو، ويطلب لقاء العدو.. إلى آخره، هذا ينبئ عن الغرور والعجب، وكون الإنسان يعجب بنفسه، ويلحقه شيء من الغرور هذا سبب من أسباب الهزيمة، أو يتمنى الإنسان الشدة أو الكربة.

وقوله: (لا تتمنوا لقاء العدو)، هذا من جوامع كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

(واسألوا الله العافية)، يعني: اسألوا الله سبحانه وتعالى السلامة من ذلك.

فينبغي للمسلم أن يسأل الله سبحانه وتعالى العافية في الدين والدنيا.

قال: (فإذا لقيتموهم فاصبروا)، في هذا أيضاً الصبر، فإن لقي المسلم أعداءه فإنه يجب عليه أن يصبر، كما تقدم لنا أن من المواضع التي يتعين فيها الجهاد إذا حضر صف القتال، فإنه يجب عليه أن يصبر، وأنه يجب عليه أن يصابر مثلي الكفار، وما عدا ذلك وما زاد فلا يجب عليه أن يصابرهم، وأنه يجوز أن يفر إلا إذا كان في ذلك ضرر عليه ومن معه من المسلمين.

(واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف)، فإذا انغمس في العدو فهذا يكون سبباً لدخول الجنة؛ لأنه إذا انغمس في العدو ستظله كثرة السيوف ففي هذا دليل لما ذكره العلماء رحمهم الله أنه يستحب للمجاهد أن يتعرض لمواطن الشهادة، فإذا انغمس في العدو فإن الجنة الآن قريبة منه، تحت ظلال السيوف؛ لأنه يكون أظلته هذه السيوف، بخلاف ما إذا كان بعيداً عنها.

وفي هذا أيضاً: اللجوء إلى الله عز وجل بالدعاء في أثناء القتال، كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم في بدر، وهو من أسباب النصر.

وفي هذا أيضاً التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، (اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب اهزمهم، وانصرنا عليهم).

قال: [عن سهل بن سعد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها, وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها)].

الرباط وفضله

الشرح:

الرباط هو: ملازمة ثغر من ثغور المسلمين، يعني: ملازمة مواضع المخافة مثل الأماكن التي تكون على الحدود بين المسلمين وبين الكفار، فكونه يرابط في هذا المكان هذا فيه فضل عظيم وأجر كبير؛ لأنه يعرض نفسه للخطر، وأيضاً يحفظ على المسلمين دماءهم وأموالهم.. إلى آخره.

ولهذا قال: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها، وموضع سوط أحدكم من الجنة)، السوط كما يقول العلماء هو فوق القضيب ودون العصا.

(والروحة)، هي ما بين الزوال إلى غروب الشمس، والمراد المرة الواحدة.

(يروحها العبد في سبيل الله).

(أو الغدوة)، الغدوة من أول النهار إلى الزوال، والروحة من الزوال إلى الليل، (خير من الدنيا وما فيها).

من فوائد الحديث

وفي هذا الحديث أن أقل الرباط يوم أو ليلة خلافاً لما يذكره كثير من العلماء أن أقل الرباط ولو ساعة واحدة، فنقول: أقله يوم وليلة، وأما أكثره فلا حد له.

وفي هذا أيضاً الزهادة في الدنيا، وأن الدنيا لا تساوي شيئاً (موضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها)، والسوط قدر ذراع، هذا خير من الدنيا وما عليها، وأنت تملك من الجنة أشياء عظيمة، ليس ذراعاً ولا آلاف الأذرعة، هذا خير من الدنيا وما فيها.

وفي الحديث: أن المسلم مهما فاته من أمر الدنيا فلا تستحق أن يحزن عليها، أو يكترث بها، لكن إذا فاتك هذا السوط من الجنة هو الذي يستحق أن تحزن وتأسف عليه، وأن تعوض هذا السوط بأسواط، إذا فاتك العمل الصالح فهو الذي ينبغي لك أن تحزن عليه.

(وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها، والروحة يروحها العبد)، أيضاً هذا الزمن تروحه في الجهاد في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها، سواء في أول النهار في النصف الأول أو في النصف الأخير، هذا خير من الدنيا وما فيها.

وفي هذا أيضاً: فضيلة الجهاد في سبيل الله عز وجل.

الشرح:

الرباط هو: ملازمة ثغر من ثغور المسلمين، يعني: ملازمة مواضع المخافة مثل الأماكن التي تكون على الحدود بين المسلمين وبين الكفار، فكونه يرابط في هذا المكان هذا فيه فضل عظيم وأجر كبير؛ لأنه يعرض نفسه للخطر، وأيضاً يحفظ على المسلمين دماءهم وأموالهم.. إلى آخره.

ولهذا قال: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها، وموضع سوط أحدكم من الجنة)، السوط كما يقول العلماء هو فوق القضيب ودون العصا.

(والروحة)، هي ما بين الزوال إلى غروب الشمس، والمراد المرة الواحدة.

(يروحها العبد في سبيل الله).

(أو الغدوة)، الغدوة من أول النهار إلى الزوال، والروحة من الزوال إلى الليل، (خير من الدنيا وما فيها).

وفي هذا الحديث أن أقل الرباط يوم أو ليلة خلافاً لما يذكره كثير من العلماء أن أقل الرباط ولو ساعة واحدة، فنقول: أقله يوم وليلة، وأما أكثره فلا حد له.

وفي هذا أيضاً الزهادة في الدنيا، وأن الدنيا لا تساوي شيئاً (موضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها)، والسوط قدر ذراع، هذا خير من الدنيا وما عليها، وأنت تملك من الجنة أشياء عظيمة، ليس ذراعاً ولا آلاف الأذرعة، هذا خير من الدنيا وما فيها.

وفي الحديث: أن المسلم مهما فاته من أمر الدنيا فلا تستحق أن يحزن عليها، أو يكترث بها، لكن إذا فاتك هذا السوط من الجنة هو الذي يستحق أن تحزن وتأسف عليه، وأن تعوض هذا السوط بأسواط، إذا فاتك العمل الصالح فهو الذي ينبغي لك أن تحزن عليه.

(وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها، والروحة يروحها العبد)، أيضاً هذا الزمن تروحه في الجهاد في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها، سواء في أول النهار في النصف الأول أو في النصف الأخير، هذا خير من الدنيا وما فيها.

وفي هذا أيضاً: فضيلة الجهاد في سبيل الله عز وجل.

نقل المؤلف رحمه الله: [عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (انتدب الله -ولـمسلم : تضمن الله- لمن خرج في سبيله)].

الشرح:

(انتدب الله)، انتدبته، أي: بعثته فابتعث، ودعوته فأجاب كما قال ابن الأثير رحمه الله، ولـمسلم (تضمن الله)، يعني: تكفل الله، (لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي).

في هذا دليل على وجوب الإخلاص في كل العبادات، سواء كان ذلك في عبادة الجهاد أو في غير ذلك.

قوله: (لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي)، لا يريد الرياء ولا السمعة، ولا عرضاً من أعراض الدنيا الفانية.

(وإيمان بي وتصديق برسولي)، أيضاً هنا المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا بد من هذين الأمرين لصحة العبادات: الإخلاص، والمتابعة.

قال: (فهو علي ضامن أن أدخله الجنة, أو أن أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة). يعني: من أجر، و(أو) هنا، قال العلماء: إنها بمعنى الواو، يعني: من أجر وغنيمة.

وفي هذا أيضاً من الفوائد: جود الله تعالى وكرمه، إذ ألزم نفسه بهذا الجزاء الكبير للمجاهدين.

وفيه: أن الله سبحانه وتعالى قد يوجب على نفسه تفضلاً وإحساناً.