شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [22]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الغصب].

الشرح:

الغضب في اللغة: أخذ الشيء ظلماً.

وفي الاصطلاح: هو الاستيلاء على حق الغير مالاً كان أو مختصاً بغير حق عرفاً.

فالغصب يكون للأموال، سواء كانت هذه الأموال عقارات أو منقولات، ويكون أيضاً للمختصات، والمختص: هو كل ما أباح الشارع أن تنتفع به، ولم يرخص في العقد عليه، مثل: كلب الصيد، وكلب الحرث.. إلى آخره، هؤلاء الشارع أباح لك أن تنتفع بهذه الأشياء، لكن لم يجز العقد عليه.

وقولنا: (بغير حق) يخرج الاستيلاء على مال الغير بحق، فإذا كان بحق فإن هذا جائز ولا بأس به، فمثلاً: الولي يستولي على مال يتيم، هذا استيلاء بحق، والقاضي يستولي على مال المدين حتى يقضي الدين من هذا المال، هذا استيلاء بحق.

وقولنا: (عرفاً) يعني: أن الغصب راجع إلى العرف، فما تعارف الناس أنه غصب فهو غصب.

والغصب محرم، وقد دل على تحريمه القرآن والسنة والإجماع.

أما القرآن فقول الله عز وجل: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [البقرة:188]، والسنة كما ذكر المؤلف رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها: ( من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين )، والإجماع قائم على ذلك.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من ظلم قيد شبر من الأرض، طوقه من سبع أرضين )].

الشرح:

قال المؤلف: عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من ظلم قيد شبر ) (قيد) بمعنى قدر شبر، والشبر هو ما بين طرف الخنصر وطرف الإبهام إذا كانت اليد ممدودة، وذكر الشبر هذا على سبيل التمثيل، وليس على سبيل التعيين، والمراد أن الظلم محرم، سواء كان قليلاً أو كثيراً، وسواء كان قدر شبر أو كان أقل من ذلك.

قال: ( طوقه )، يعني: يجعل طوقاً في عنقه يوم القيامة، وهذا لا شك أنها عقوبة عظيمة جداً.

وقوله: ( من سبع أرضين ) هذه لا شك أنها عقوبة عظيمة، ولا تكون إلا على ذنب عظيم، فيؤخذ من هذا: أن الاستيلاء على أموال الناس بغير حق أنه من كبائر الذنوب، وأنه يترتب عليه هذه العقوبة العظيمة عند الله عز وجل.

ويؤخذ من هذا أيضاً: أن الغصب محرم، وأنه لا يجوز؛ لأنه من الظلم والله سبحانه وتعالى حرم الظلم على نفسه لقباحته.

ويؤخذ من هذا: أن العقار يدخل تحت الغصب، كما أن الغصب يكون للمنقولات أيضاً الغصب يكون للعقارات، خلافاً لمن قال بأن الغصب لا يكون للعقارات.

ويؤخذ من قوله: ( طوقه من سبع أرضين )، ما يذكره العلماء رحمهم الله في باب الأصول والثمار، من أن الإنسان إذا ملك أرضاً فإنه يملك هواءها إلى السماء الدنيا، ويملك القرار إلى الأرض السابعة، وعلى هذا لو أراد شخص أن يضع جسراً أو يضع نفقاً تحت الأرض، لك أن تمنعه؛ لأنك أنت مالك للقرار ومالك للهواء.

حتى ذكر العلماء أنه إذا تدلت أغصان الجار على بيتك فلك أن تمنع هذه الأغصان، فإن لم يمنعها فلك أن تقطع هذه الأغصان، أو أن تصالحه على شيء من الثمرة يعطيك إياها؛ لأنك أنت مالك للهواء.

التوبة من الغصب

والغصب محرم ولا يجوز، وتجب التوبة من الغصب ونحوه من سرقة أو نهب أو اختلاس، وتكون التوبة بإرجاع المال إلى صاحبه، وقد حكى ابن عبد البر رحمه الله تعالى الإجماع على ذلك.

وأيضاً لا يصح أن يرجعه على صاحبه على أنه هدية يهديها إليه، فهذا لا تبرأ به الذمة، بل لابد أن يرجعه إلى صاحبه على أنه حق له، لكن إذا خشي من وقوع فتنة فإنه يرسله على أنه حق من حقوقه ولو لم يعلم هذا الذي غصب أو سرق، والشرط في صحة التوبة أن يؤديه إليه على أنه حق واجب له، فإن لم يعلم صاحبه فإنه يتصدق به.

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه إذا لم يعلم صاحبه، وكان الغاصب فقيراً، فله أن يأكل منه بقدر فقره، وإن كان صاحبه قد مات فإنه يدفعه إلى ورثته، لكن أيضاً إذا كان لا يعلم الورثة فإنه يتصدق به، فإن كان فقيراً فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا بأس أن يأكل منه بقدر حاجته.

والغصب محرم ولا يجوز، وتجب التوبة من الغصب ونحوه من سرقة أو نهب أو اختلاس، وتكون التوبة بإرجاع المال إلى صاحبه، وقد حكى ابن عبد البر رحمه الله تعالى الإجماع على ذلك.

وأيضاً لا يصح أن يرجعه على صاحبه على أنه هدية يهديها إليه، فهذا لا تبرأ به الذمة، بل لابد أن يرجعه إلى صاحبه على أنه حق له، لكن إذا خشي من وقوع فتنة فإنه يرسله على أنه حق من حقوقه ولو لم يعلم هذا الذي غصب أو سرق، والشرط في صحة التوبة أن يؤديه إليه على أنه حق واجب له، فإن لم يعلم صاحبه فإنه يتصدق به.

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه إذا لم يعلم صاحبه، وكان الغاصب فقيراً، فله أن يأكل منه بقدر فقره، وإن كان صاحبه قد مات فإنه يدفعه إلى ورثته، لكن أيضاً إذا كان لا يعلم الورثة فإنه يتصدق به، فإن كان فقيراً فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا بأس أن يأكل منه بقدر حاجته.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المساقاة والمزارعة].

الشرح:

المساقاة: مأخوذة من السقي، وهي دفع شجر لمن يقوم عليه بجزء معلوم مشاع من الثمرة، يعني: تعطي النخيل أو أشجار البرتقال أو الزيتون أو نحو ذلك لمن يقوم على هذه الأشجار بجزء معلوم مشاع من الثمرة، يعني لرب المال النصف، وللعامل النصف، لرب المال الربع وللعامل ثلاثة أرباع إلى آخره، والمساقاة تكون على الأشجار.

والمزارعة في اللغة: مأخوذة من الزرع، وهي: دفع أرض لمن يقوم بزراعتها بجزء معلوم مشاع من الزرع، تعطيه الأرض ليقوم بزراعتها، يزرعها براً، يزرعها شعيراً، رزاً، يزرعها خضروات إلى آخره، بجزء معلوم مشاع من الزرع، لك النصف وله النصف، لك الربع وله الثلاثة الأرباع، لك الثلث وله الثلثان إلى آخره، والله أعلم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [27] 2828 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [17] 2543 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب الحدود [1] 2444 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب الصيد [1] 2355 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [3] 2236 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [28] 2210 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب الحدود [2] 2179 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب اللعان [3] 2149 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [23] 2142 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [16] 2104 استماع