شرح عمدة الأحكام - كتاب اللعان [3]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله: [عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ( أن رجلاً رمى امرأته, وانتفى من ولدها في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا كما قال الله تعالى, ثم قضى بالولد للمرأة, وفرق بين المتلاعنين ) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( جاء رجل من بني فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن امرأتي ولدت غلاماً أسود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك إبل؟ قال: نعم. فقال: فما ألوانها ؟ قال: حمر. قال: فهل يكون فيها من أورق؟ قال: إن فيها لورقاً. قال: فأنى أتاها ذلك؟ قال: عسى أن يكون نزعه عرق. قال: وهذا عسى أن يكون نزعه عرق )].

الشرح:

تقدم لنا حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنها في قصة المتلاعنين، وذكرنا ما يتعلق بها من أحكام, وأنه يشترط للعان شروط دل عليها ذلك الحديث, وذكرنا في ذلك الحديث ما يتعلق بصفة اللعان وكيفيته.

ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: (عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ( أن رجلاً رمى امرأته, وانتفى من ولدها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا كما قال الله تعالى, ثم قضى بالولد للمرأة, وفرق بين المتلاعنين ).

هذا تقدم لكن في هذا الحديث أنه قال: (أن رجلاً رمى امرأته، وانتفى من ولدها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم).

الأصل أن الولد للفراش, وأنه لا يجوز لصاحب الفراش أن ينتفي من الولد, وسيأتي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه, وأيضاً سيأتينا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الولد للفراش, وللعاهر الحجر ).

إذاً: الأصل أن الولد للفراش لكن متى ينتفي الولد؟

نقول: هذا تحته أقسام:

القسم الأول: أن يحصل الزنا والمرأة حامل, فنقول: الولد هنا للزوج؛ لأن حمل الزوج سابق على هذا الوطء المحرم, فإذا حصل الزنا وهي حامل, فنقول: إن الولد للفراش.

القسم الثاني: أن تأتي به لأقل من ستة أشهر من الزنا, فالولد يكون للزوج، لأنه مثلاً: لو زنت في محرم ثم أتت به في ربيع الأول, قطعاً أن الولد كان موجوداً قبل محرم؛ لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر، ولا يمكن أن تزني في محرم وتلد في ربيع, فإذا أتت به لأقل من ستة أشهر من حين الزنا, فنقول: الولد للزوج.

القسم الثالث: أن يستبرأها الزوج ثم بعد ذلك تزني وتأتي بولد, فهنا الولد ينتفي باللعان؛ لأنه فيما يظهر -والله أعلم - أنه ابن الزنا؛ لأنه استبرأها, مثلاً: هذا الرجل حاضت زوجته ولم يطأ بعد الحيض حتى زنت, ثم بعد ذلك حملت وأنجبت ولداً.. إلخ, نقول: هذا الولد ينتفي باللعان؛ لأن كونه يستبرئها, ثم تأتي بولد وقد استبرأها الزوج: ما وطئها بعد أن حاضت؛ لأن الحيض علامة على عدم الحمل, قال الإمام أحمد رحمه الله: إنما تعرف النساء الحبل بالحيض.

القسم الرابع: أن لا يستبرئها وإنما وطئ بعد الحيض: بعد أن طهرت، فهذا موضع خلاف بين العلماء, قال ابن القيم : إن نفاه الزوج في اللعان فإنه ينتفي, وإن لم ينفه فإنه لا ينتفي, فلو أنه شهد على زوجته أربع شهادات, قال: أشهد بالله أن زوجتي هذه قد زنت، وأن هذا الولد ليس مني فإنه ينتفي, وإن لم ينفه فإنه لا ينتفي؛ لأن الأصل أن الولد للفراش.

قال المؤلف رحمه الله: (ثم قضى بالولد للمرأة), قال: (وانتفى من ولدها).

تقدم متى يكون الولد للزاني ومتى يكون للزوج, ومتى ينتفي وينفى عنه.. إلخ.

قال: (فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا, كما قال الله تعالى، ثم قضى بالولد للمرأة وفرق بين المتلاعنين), الولد يلحق بأمه وينتفي نسبه من أبيه.

وقوله: (وفرق بين المتلاعنين) تقدم الكلام على هذه المسألة وأن الفرقة فرقة أبدية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا سبيل لك عليها ), وفي سنن البيهقي وغيره: ( فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يجتمعان أبداً ), وذكرنا أن سعيد بن المسيب وأبا حنيفة رحمهما الله قالا: إذا أكذب نفسه فهو خاطب من الخطاب, له أن يخطبها وأن يتزوجها, لكن الصواب في ذلك أنها محرمة عليه إلى الأبد.

قال المؤلف: (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل من بني فزارة), هذا الرجل اسمه ضمضم بن قتادة, وفزارة: قبيلة عدنانية, (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي ولدت غلاماً أسود), يبدو أن لونه أحمر وليس أسود, (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك إبل؟ قال: نعم، فقال: فما ألوانها؟ قال: حمر، قال: فهل يكون فيها من أورق؟) الأورق: هو الأسود الذي سواده ليس خالصاً, (قال: إن فيها لورقاً, قال: فأنى أتاها ذلك؟) يعني: من أين جاء هذا, الإبل حمر ويجيء من أولادها أورق, (فقال: عسى أن يكون نزعه عرق), يعني: جذبه عرق (من أصوله) يعني: قد يكون من أصول هذه الإبل ما هو أورق فجاء الفصيل هذا ولد الناقة راجع للأصول, قال: (وعسى أن يكون نزعه عرق).

هذا الحديث فيه دليل لما ذكرنا: أن الأصل أن الولد للفراش, وسيأتينا إن شاء الله ما يتعلق بجهات إثبات النسب, وأن كون الولد يختلف شبهه عن أبيه, إما بالشكل أو باللون أو نحو ذلك, وهذا لا يعارض هذا الأصل الكبير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لعله نزعه عرق ), فولدك هذا لعله جاء على أصل من أصولك المتقدمة, وعلى هذا لا ينظر إلى ما يكون من اختلاف اللون, أو اختلاف الشكل أو الهيئة أو نحو ذلك, وسنذكر إن شاء الله متى يشرع للزوج أن ينفي الولد, ومتى لا يشرع له ذلك, لكن عندنا القاعدة أن الولد للفراش, وأنه لا ينظر إلى اختلاف اللون أو الشكل أو نحو ذلك.

وفي هذا الحديث: إثبات القياس كما يقول جمهور أهل العلم خلافاً للظاهرية, فإن النبي صلى الله عليه وسلم قاس ما يكون من اختلاف اللون في بني آدم على ما يكون من اختلاف اللون في البهائم.

وفي هذا الحديث أيضاً: أن الإنسان إذا احتاج إلى القذف أو الغيبة.. ونحو ذلك, فإنه لا يؤخذ ولا يلام على ذلك.

وفي هذا أيضاً: حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم في ضرب المثال وتشبيه المجهول بالمعلوم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [27] 2828 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [22] 2550 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [17] 2542 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب الحدود [1] 2443 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب الصيد [1] 2355 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [3] 2235 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [28] 2209 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب الحدود [2] 2178 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [23] 2141 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [16] 2103 استماع