مقدمة في أصول التفسير [3]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:

قال أيضاً شارحاً لعبارة أخرى: (وقولنا: وأحكامها الإفرادية والتركيبية هذا يشمل علم التصريف, وعلم الإعراب, وعلم البيان, وعلم البديع)، فهذه أربعة علوم ذكرها, وإن كان علم البيان وعلم البديع في النهاية هو علم البلاغة.

أيضاً نلاحظ أن المفسر يحتاج إلى علم التصريف، ويحتاج إلى علم الإعراب, هو قد يحتاج إلى هذه لكن في جزء يسير, ولو تأملتها بدقة لوجدت أنها ليست من صلب العلوم التي يلزم المفسر معرفتها.

اشتراط علم المفسر بالبلاغة

ثم نأتي إلى علم البيان وعلم البديع, اللذين هما عبارة عن علم البلاغة, وأشهر مفسر اشتهر بهذا المنهج الذي هو التفسير البلاغي أو الاتجاه البلاغي هو الزمخشري.

وسأذكر نصاً له في هذا المجال, ويمكن الرجوع إليه في مقدمة التفسير, يقول رحمه الله: (ثم إن أملأ العلوم بما يغمر القرائح، وأنهضها بما يبهر الألباب القوارح من غرائب نكت يلطف مسلكها، ومستودعات أسرار يدق في سلكها علم التفسير الذي لا يتم لتعاطيه وإجالة النظر فيه كل ذي علم, كما ذكر الجاحظ في كتاب نظم القرآن, فالفقيه وإن برز على الأقران في علم الفتاوى والأحكام, والمتكلم وإن برز أهل الدنيا في صناعة الكلام, وحافظ القصص والأخبار وإن كان من ابن القرية أحفظ, والواعظ وإن كان من الحسن البصري أوعظ, والنحوي وإن كان أنحى من سيبويه , واللغوي وإن علك اللغات بقوة لحييه لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق, ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن وهما: علم المعاني, وعلم البيان، وتمهل في ارتيادهما آونةً, وتعب في التنقير عنهما أزمنة، وبعثته على تتبع مضانهما همة في معرفة لطائف حجة الله, وحرص على استيضاح معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن يكون آخذاً من سائر العلوم بحظ جامعاً بين أمرين: تحقيق, وحفظ..) إلى آخر كلامه رحمه الله، ونلاحظ أنها مقدمةً أدبية قوية؛ ولهذا بعض العلماء اقتصر على شرح مقدمة الكشاف فقط، فنفهم من هذا الكلام الذي قدم به الزمخشري تفسيره أن علم البيان وعلم البديع يحتاجهما المفسر، وأن المفسر يحتاج لعلم البلاغة.

توجيه كلام الزمخشري في اشتراط علم المفسر بالبلاغة

فهل بالفعل المفسر يحتاج لعلم البلاغة وهل هذا شرط للمفسر؟

قد يقول قائل: إنه ما دام عندنا حد واضح لتعريف التفسير وهو البيان، فننظر في هذا العلم فإن كان معرفته أو معرفة شيء منه تؤثر في البيان فإنها تعتبر من علم التفسير, وإن كانت لا تؤثر في البيان فليست من علم التفسير.

نضرب للشرط الذي ذكره الزمخشري مثالاً وهو: تفسير الشيخ السعدي وهو تفسير معتبر ولا يختلف في ذلك اثنان، ومع ذلك لا نجد علم البلاغة ظاهراً في هذا الكتاب فعلى هذا الشرط لا يكون عند الزمخشري تفسيراً.

فالشرط الذي ذكره الزمخشري ليس شرطاً للمفسر في حقيقته؛ ولهذا هو في كلامه يشير إلى قضية أخرى, والإشكالية الواردة هنا أن مفهوم التفسير يحتاج إلى تحديد, لكي نعرف ما هي العلوم التي يحتاجها المفسر.

فالمفسر في الأصل لا يحتاج إلى علم البلاغة، وكذلك الفقيه من أبعد الناس عن البلاغة فلا يحتاجها.

فهو أشار إلى أن الذي يريد أن يبين إعجاز القرآن هو الذي يحتاج إلى علم البلاغة، فقال: (وحرص على اتضاح معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فلو دققنا وتأملنا فسنجد أن الذي يحتاج علم البلاغة ويتأكد عليه أكثر من غيره هو من يريد أن يبين الإعجاز الذي في القرآن.

وليس معنى هذا أن تفسير القرآن يخلو من علم البلاغة ولكننا في سياق تحرير مصطلح التفسير.

تعريف الكافيجي للتفسير

ونأتي إلى تعريف آخر لـلكافيجي، فله كتاب اسمه التيسير في قواعد التفسير، وهو مطبوع يقول فيه: (وأما التفسير في العرف فهو كشف معاني القرآن وبيان المراد) ثم قال: (والمراد من معاني القرآن أعم سواءً كانت معان لغوية أو شرعية, وسواءً كان كل بوضع، أو بمعونة المقام وسوق الكلام وبقرائن الأحوال, نحو السماء والأرض، والجنة, والنار.. وغير ذلك, ونحو الأحكام الخمسة, ونحو خواص التركيب اللازمة له بوجه من الوجوه).

ومقصوده بالأحكام الخمسة أي التكليفية التي هي: الواجب, والمندوب, والمباح, والحرام, وهذه معروفة والسؤال الذي يرد هنا: هل يحتاج المفسر إلى معرفة هذه الأشياء؟ أي هل من مهمته أن يعرف هذه القضية التي هي علم أصول الفقه, أو لا؟ في الحقيقة ليست من مهمة المفسر, بل هذه من مهمة الفقيه أو الأصولي, فالأصولي أو الفقيه هو الذي يحتاج إلى معرفة هذه الأشياء.

فإذاً نلاحظ أن هذه ثلاثة أمثلة من تعريفات التفسير: مثال أبي حيان ، و الزمخشري لما أشار بالذات إلى علم البلاغة, وكذلك تعريف الكافيجي وغيرهم.

فلو تأملنا التعاريف المذكورة في التفسير فسنجد أن هذه التعاريف أغلبها إن لم يكن كلها نص على البيان أو الكشف أو الإيضاح أو الشرح.

ثم بعد ذلك نجد أن بعضهم يذكر بعض العلوم الموجودة في كتب التفسير, وليس هذا مجال استعراض للتعريفات الأخرى، وإلا لو مررنا على التعريفات فسنجد أمثلة كثيرة جداً, كتعريف بعضهم: أن التفسير هو معرفة مكي الآيات ومدنيها, ومحكمها ومتشابها, وناسخها ومنسوخها.. إلى آخره, ويذكر أمثلة لبعض علوم القرآن.

ولهذا نلاحظ مثلاً أن أبا حيان قال في النهاية: (وتتمات ذلك) إشارة إلى دخول أشياء كثيرة جداً مما لم يذكر, مما هو موجود في كتب التفسير.

كل الكلام هذا؛ لكي يتبين في النهاية لنا أنه بالفعل نتفق جميعاً على أن المراد بالتفسير هو بيان القرآن, وأن الحد والضابط الذي نجعله لمعلومات الكتب التفسيرية هو حد البيان.

ثم نأتي إلى علم البيان وعلم البديع, اللذين هما عبارة عن علم البلاغة, وأشهر مفسر اشتهر بهذا المنهج الذي هو التفسير البلاغي أو الاتجاه البلاغي هو الزمخشري.

وسأذكر نصاً له في هذا المجال, ويمكن الرجوع إليه في مقدمة التفسير, يقول رحمه الله: (ثم إن أملأ العلوم بما يغمر القرائح، وأنهضها بما يبهر الألباب القوارح من غرائب نكت يلطف مسلكها، ومستودعات أسرار يدق في سلكها علم التفسير الذي لا يتم لتعاطيه وإجالة النظر فيه كل ذي علم, كما ذكر الجاحظ في كتاب نظم القرآن, فالفقيه وإن برز على الأقران في علم الفتاوى والأحكام, والمتكلم وإن برز أهل الدنيا في صناعة الكلام, وحافظ القصص والأخبار وإن كان من ابن القرية أحفظ, والواعظ وإن كان من الحسن البصري أوعظ, والنحوي وإن كان أنحى من سيبويه , واللغوي وإن علك اللغات بقوة لحييه لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق, ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن وهما: علم المعاني, وعلم البيان، وتمهل في ارتيادهما آونةً, وتعب في التنقير عنهما أزمنة، وبعثته على تتبع مضانهما همة في معرفة لطائف حجة الله, وحرص على استيضاح معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن يكون آخذاً من سائر العلوم بحظ جامعاً بين أمرين: تحقيق, وحفظ..) إلى آخر كلامه رحمه الله، ونلاحظ أنها مقدمةً أدبية قوية؛ ولهذا بعض العلماء اقتصر على شرح مقدمة الكشاف فقط، فنفهم من هذا الكلام الذي قدم به الزمخشري تفسيره أن علم البيان وعلم البديع يحتاجهما المفسر، وأن المفسر يحتاج لعلم البلاغة.

فهل بالفعل المفسر يحتاج لعلم البلاغة وهل هذا شرط للمفسر؟

قد يقول قائل: إنه ما دام عندنا حد واضح لتعريف التفسير وهو البيان، فننظر في هذا العلم فإن كان معرفته أو معرفة شيء منه تؤثر في البيان فإنها تعتبر من علم التفسير, وإن كانت لا تؤثر في البيان فليست من علم التفسير.

نضرب للشرط الذي ذكره الزمخشري مثالاً وهو: تفسير الشيخ السعدي وهو تفسير معتبر ولا يختلف في ذلك اثنان، ومع ذلك لا نجد علم البلاغة ظاهراً في هذا الكتاب فعلى هذا الشرط لا يكون عند الزمخشري تفسيراً.

فالشرط الذي ذكره الزمخشري ليس شرطاً للمفسر في حقيقته؛ ولهذا هو في كلامه يشير إلى قضية أخرى, والإشكالية الواردة هنا أن مفهوم التفسير يحتاج إلى تحديد, لكي نعرف ما هي العلوم التي يحتاجها المفسر.

فالمفسر في الأصل لا يحتاج إلى علم البلاغة، وكذلك الفقيه من أبعد الناس عن البلاغة فلا يحتاجها.

فهو أشار إلى أن الذي يريد أن يبين إعجاز القرآن هو الذي يحتاج إلى علم البلاغة، فقال: (وحرص على اتضاح معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فلو دققنا وتأملنا فسنجد أن الذي يحتاج علم البلاغة ويتأكد عليه أكثر من غيره هو من يريد أن يبين الإعجاز الذي في القرآن.

وليس معنى هذا أن تفسير القرآن يخلو من علم البلاغة ولكننا في سياق تحرير مصطلح التفسير.