رسالة إلى مدخن
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
رسالة إلى مدخنإن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له، ثم الصلاة والسلام على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
رجلٌ يقومُ ببناءٍ ويُحدِث فيه خللًا ويستمر، مع علمه بالحال، فإنك حينَها إن علمتَ ذلك فستتوقَّع أنه سينهار في أي لحظة، فهذا كالذي يبحَثُ عن شيءٍ ما، والوسيلة المستخدَمة في وادٍ آخرَ، وحينها فنتائجُ بحثِه لا تتطابق بالكلية، ولا تزال تراه على نفس النهج، علاوة على عدم وصوله لمراده الحقيقي.
في بعض الأحايين يخدعُ المرءُ نفسَه ويصدق، على الرغم من التباعد وتنافي الالتقاء في المقصود، وفي قرارةِ نفسه الأمور واضحة كالشمس في رابعة النهار.
(ظلم المُدخِّن لنفسه):
إن المدخِّن يهدِمُ جسمَه رويدًا رويدًا، علم أم لم يعلَمْ! وسيُشاهِد الآثار عاجلًا أم آجلًا.
إن الله سبحانه وتعالى حرَّم الظلم على نفسه، فكيف بنا؟
عن أبي ذرٍّ الغِفاري رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربِّه عز وجل أنه قال: ((يا عبادي، إنِّي حرَّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم مُحرَّمًا، فلا تظالموا...))، وإن المُدخِّن لَيَظْلمُ نفسه مِن خلال سَوْقِها في مسلكٍ به انحداراتٌ وانجرافات مُؤداها نحو الهلاك، قال تعالى: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195].
(أذيَّته لغيره):
عن ابن عمرَ رضي الله عنهما أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أكل مِن هذه الشجرةِ - يعني الثُّومَ - فلا يقربنَّ مسجدَنا))؛ متفق عليه، وفي رواية لمسلمٍ: ((مساجدنا)).
وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((مَن أكل مِن هذه الشجرة، فلا يقرَبْنا ولا يصلينَّ معنا))؛ متفق عليه.
وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن أكل ثُومًا أو بصلًا، فليعتَزِلْنا، أو فليعتَزِلْ مسجدَنا))؛ متفق عليه، وفي رواية لمسلم: ((مَن أكل البَصَل والثُّوم والكُرَّاث، فلا يقربنَّ مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذَّى مما يتأذى منه بنو آدم)).
إن البصل وهو نافعٌ غيرُ ضار، المسلم منهيٌّ عن أكله قبل الصلاة؛ لأنه ذو رائحةٍ تُؤذِي المُصلِّين، والملائكةُ تتأذَّى مما يتأذى منه بنو آدم، فكيف بمَن يُدخِّن قبل الصلاة وغيرها مِن الأوقات، ويذهب للصلاة أو لأهله؟!
ومعلومٌ أن الدُّخَان ضارٌّ غيرُ نافع؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لا ضرر ولا ضِرار))، ولا شكَّ بأنه تصدر من المُدخِّن روائحُ نتنة أشدُّ قبحًا مِن رائحة البصل، وبذلك يأثم على معصيةِ الدُّخَان، وعلى أذيَّة المُصلِّين وغيرهم.
(عدم الاستخدام الأمثل للمال):
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ: عَن عُمُرِه فيمَ أفناهُ؟ وعن جسدِهِ فيمَ أبلاهُ؟ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ؟ وعن مالِهِ مِن أين اكتسبه، وفيمَ أنفقه؟)).
وسوف يُسأَل عن أعمالِه طِيلةَ حياته، وعن جسده الذي وَهَبه الله سبحانه وتعالى، فهل يشكُرُ اللهَ على نعمة الصحة التي حُرِم منها أناسٌ، أم أنه سيُحرِق أجزاءً مِن جسده بصورة غير مباشرة؟! وكذلك صرفه للمالِ على شراء الدُّخَان، هو إنفاق بغير وجه حق، بل هو إهدار للمال، بل يسرف في هذا، ولو صرفها على أهله أو تصدَّق بها أو ادَّخَرها لكي يضَعَها في شيء مُفيدٍ، لكان له بها أجرٌ، إذا احتسبها طلبًا للأجر مِن الله تعالى.
أيها المدخن:
إنك ستُدمِّر صحتَك، فتدارَكْ نفسَك وتُبْ إلى الله عز وجل قبل فواتِ الأوان، وأقلِعْ عنه، واسأَلْ ربَّك العون على ذلك، واصبِرْ؛ فإن الله مع الصابرين، ومَن ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].
وعن أُبَيِّ بن كعبٍ قال: "ما مِن عبدٍ ترك شيئًا لله عز وجل إلا أبدَله اللهُ به ما هو خيرٌ منه من حيث لا يحتسب، وما تهاون به عبدٌ فأخذه مِن حيث لا يصلح إلا آتاه اللهُ ما هو أشدُّ عليه منه من حيث لا يحتسب".
(المجاهرة بالمعصية):
قال صلى الله عليه وسلم: ((كلُّ أمتي معافًى إلا المجاهرين...))، فإنه يُدخِّن أمام الناس - سواء كانوا أمامه صغارًا أم كبارًا - بلا استحياءٍ مِن الله تعالى، ولا مِن خلقه.
(التدخين بمكة):
إنها أشدُّ وأعظم إثمًا مِن السيئة بأيِّ مدينة أخرى، لمن همَّ بالتدخين أو مَن فعل ذلك، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الحج: 25]، قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله: "وفي هذه الآية الكريمةِ وجوبُ احترامِ الحرم، وشدةُ تعظيمه، والتحذيرُ مِن إرادة المعاصي فيه وفعلُها".