السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح (7)
مدة
قراءة المادة :
16 دقائق
.
السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح (7)الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فإن من مسائل العشرة الزوجية التي تستقيم الحياة الزوجية بحسن التصرف فيها، وتسوء حين لا تُعطى الاهتمام المطلوب النفقة، وقد اخترناها مثالًا لوقوعها في بيت النبوة، ولما يشاهد في الواقع من آثارها على اجتماع الزوجين وتفرقهما، ولتكون مثالًا يُحتذى به في سائر أحوال العشرة الزوجية، وخلاصة ما وقع في بيت النبي صلى الله عليه وسلم هو أن نساءه أكثرنَ عليه في طلب النفقة حتى بلغ بهن الحال أن يسألنه ما ليس عنده، فضاق صدره على سعته، فأنزل الله عليه آية التخيير وأمره ربه أن يخير نساءه بين أن يصبرنَ معه على ضيق العيش وشدة الحال، أو يفارقهنَّ، وهذا دليل على أهمية هذا الموضوع، وأنه يجب أن يُولى العناية الفائقة؛ إذ أنزل الله فيه قرآنًا يُتلى إلى يوم القيامة.
وإليك الآيات فتدبر:
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 28، 29]، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمره الله به فخيَّرهنَّ واحدة واحدة، وقد كن رضي الله عنهن أعلى شأنًا وأرفع منزلة، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ، بَدَأَ بِي، فَقَالَ: «إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلاَ عَلَيْكِ أَنْ لاَ تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ»، قَالَتْ: وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَاني بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الله جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ ﴾ [الأحزاب: 28]، قَالَتْ: فَقُلْتُ: فَفِى أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؛ فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ [1].
قالت: ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت، وفي رواية: «لَا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا أَخْبَرْتُهَا، إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا»[2].
دور الآباء والأمهات في تقويم الزوجات وتوجيههن إلى مراعاة أحوال أزواجهن:
روى مسلم من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: (دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوسًا بِبَابِهِ لَمْ يُؤْذَنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ.
قَالَ: فَأُذِنَ لِأَبِي بَكْرٍ فَدَخَلَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ، فَوَجَدَ النبي صلى الله عليه وسلم، جَالِسًا حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ، وَاجِمًا سَاكِتًا.
قَالَ: فَقَالَ: لَأَقُولَنَّ شَيْئًا أُضْحِكُ النبي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا.
فَضَحِكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: «هُنَّ حَوْلي كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ»، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، فَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، كِلاَهُمَا يَقُولُ: تَسْأَلْنَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، فَقُلْنَ: واللهِ لَا نَسْأَلُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم شَيْئًا أَبَدًا لَيْسَ عِنْدَهُ، ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا....)؛ الحديث[3].
مقدار ما تستحقه المرأة من النفقة:
من المعلوم شرعًا وعرفًا أن على الزوج الإنفاق على زوجته من مسكن وملبس ومطعم ومشرب، لكن يجب على الزوجة أن تعلم ما يجب لها من ذلك وما كان زائدًا على الواجب؛ لكيلا تسأله ما ليس واجبًا عليه على أنه من الواجبات التي إن قصر فيها رمته بالتقصير والبخل، وإن لم يقصر فيها لم تقابله بالشكر والامتنان الذي يستحقه لظنها أنه إنما أدى ما عليه فقط، وهذه المسألة بحاجة إلى توسع ليس هذا مكانه ونشير إليها اختصارًا [4].
قال تعالى: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ﴾ [الطلاق: 6]، وقال تعالى: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7].
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهند رضي الله عنها: «خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ»[5]، وروى الإمام أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأله معاوية بن حيدة رضي الله عنه: ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: «تُطْعِمُهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ»[6].
ومن هذه النصوص الشرعية وغيرها مما لم يذكر يتبين لنا الآتي:
1- مقدار النفقة حسب حال الزوج من عسره ويسره، وغناه وفقره.
2- أن الواجب في النفقة هو الكفاية وما زاد على ذلك فهو إحسان وفضل يجب أن يذكر فلا ينكر، ويشكر فلا يكفر[7].
3- أن على الزوج أن يعدل بين نفسه وزوجته فيطعمها مما يطعم ويكسوها مما يكتسي.
4- من المعلوم في القضاء الشرعي أن الزوج إذا لم يستطع القيام بنفقة الكفاية أن للزوجة طلب الفراق، غير أن المرأة الصالحة العاقلة التي تريد الله والدار الآخرة هي التي تتأسى بأمهاتها أمهات المؤمنين أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن، فلا ترهق كاهل الزوج بما لا يقدر، ولا تكلفه ما لا يستطيع، وتصبر معه على الشدة وضيق الحال إذا كان أهلًا لذلك بأن يكون كريم النفس حسن العشرة يبذل لها من أخلاقه ما يعوض به النقص في أمور الدنيا.
5- أن الزوجات في تعاملهن مع أزواجهن على مراتب:
الأولى: وهي أدناهن مرتبة وأسوأهنَّ عشرة، من تنكر الجميل وتكفر العشير؛ لو أحسن إلى إحداهن الدهر كله قالت: ما رأيت منك خيرًا قط.
الثانية: من تجعل ما ليس واجبًا من الواجبات، إذا لم يقم به اتهمته بالتقصير ورمته بالبخل.
الثالثة: من تطلب حقها كاملًا ولا تغض طرفها عن شيء منه وإن قل.
الرابعة: وهي أعلاهن مرتبة وأرفعهن درجة وأسعدهن بخير الدنيا والآخرة، من تقابل التقصير بالصبر، والمعروف بالشكر، بل تزيد على ذلك فتبذل من نفسها ومالها ما لا يجب عليها بذله، فمن رزقه الله منهن مَنْ هذه صفتها فليتمسك بها فإنها من السعادة، فقد روى ابن حبان في صحيحه من حديث سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ، وَالْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الهَنِيءُ»[8]، وروى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ»[9]، ووصفت هذه المرأة الصالحة في حديث آخر رواه أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي النساء خير؟ قال: «الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ، وَلَا تُخَالِفُهُ فِيمَا يَكْرَهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ»[10].
ومن الأمثلة على ما سبق ما رواه البخاري في صحيحه من حديث زينب امرأة عبدالله رضي الله عنهما قالت: كنت في المسجد فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ»، وكانت زينب تنفق على عبد الله وأيتام في حجرها، قال: فقالت لعبدالله: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيجزي عني أن أنفق عليك وعلى أيتام في حجري من الصدقة؟ فقال: سلي أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت امرأة من الأنصار على الباب، حاجتها مثل حاجتي فمر علينا بلال فقلنا: سل النبي صلى الله عليه وسلم: أيجزئ عني أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري؟ وقلنا: لا تخبر بنا.
فدخل فسأله فقال: «مَنْ هُمَا؟»، قال: زينب، قال: «أَيُّ الزَّيانِبِ هِي؟»، قال: امرأة عبدالله، قال: «نَعَمْ، لَهُمَا أَجْرانِ: أَجْرُ القَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ»[11].
آداب سؤال المرأة لزوجها النفقة:
ينبغي للمرأة حين تسأل النفقة أن تكون عفيفة في سؤالها مؤدبة في طلبها، مراعية لحال زوجها، وأن تختار الوقت والحال الذي يصلح، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ طَلَبَ حَقًّا فَلْيَطْلُبْهُ فِي عَفَافٍ، وَافٍ أَوْ غَيْرِ وَافٍ»[12].
روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر قصة بناء إبراهيم الخليل الكعبة جاء فيه: «...
فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ، فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ، فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا، ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ، فَقَالَتْ نَحْنُ بِشَرٍّ، نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، فَشَكَتْ إِلَيْهِ، قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلاَمَ، وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا، فَقَالَ: هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا، فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ، قَالَ: فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَقُولُ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ، قَالَ: ذَاكِ أَبِي، وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ، الحَقِي بِأَهْلِكِ، فَطَلَّقَهَا، وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى، فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا، قَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ؟ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ، فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ، وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ، فَقَالَ: مَا طَعَامُكُمْ؟ قَالَتِ اللَّحْمُ، قَالَ فَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتِ المَاءُ.
قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالمَاءِ، قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ».
قَالَ: فَهُمَا لاَ يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلَّا لَمْ يُوَافِقَاهُ، قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلاَمَ، وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ: هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الهَيْئَةِ، وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ، قَالَ: فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ، قَالَتْ: نَعَمْ، هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ، قَالَ: ذَاكِ أَبِي وَأَنْتِ العَتَبَةُ، أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ»[13].
فبهذا تحل البركات وتطيب النفوس، ونختم بهذه الوصايا العشر من امرأة عاقلة لابنتها لينتفع بها من شاء الله من النساء، وليُعلم إنما نذكر به ليس ضربًا من المستحيلات بل هو كثير في الواقع، والسير، والتواريخ طافحة بذلك يزيد وينقص ويقل ويكثر حسب أحوال الناس في الزمان والمكان..
ومن الوصايا المشهورة ما أوصت به أم ابنتها ليلة زفافها فقالت لها وهي تودعها: أي بنية إنك قد فارقت بيتك الذي منه خرجت، ووكرك الذي فيه نشأت إلى وكر لم تألفيه وقرين لم تعرفيه، فكوني له أمة يكن لك عبدًا، واحفظي له عشر خصال يكن لك ذخرًا:
أما الأولى والثانية: فالنصيحة بالقناعة والمعاشرة بحسن السمع والطاعة.
وأما الثالثة والرابعة: فالتعهد لموقع عينيه، والتفقد لموضع أنفه.
فلا تقع عيناه منك على قبيح، ولا يشمن منك إلا أطيب ريح، والكحل أحسن الحسن الموصوف، والماء والصابون أطيب الطيب المعروف.
وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت طعامه، والهدوء عند منامه، فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مكربة.
وأما السابعة والثامنة: فالعناية ببيته وماله والرعاية لنفسه وعياله.
وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصي له أمرًا ولا تفشي له سرًا، فإنك إن عصيت أمره أوغرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره، ثم بعد ذلك إياك والفرح حين اكتئابه، والاكتئاب حين فرحه، فإن الأولى من التقصير والثانية من التكدير، وأشد ما تكونين له إعظامًا أشد ما يكون لك إكرامًا، ولن تصلي إلى ذلك حتى تؤثري رضاه على رضاكِ، وهواه على هواكِ فيما أحببت أو كرهت، والله يضع لك الخير.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] صحيح البخاري برقم (4786)، وصحيح مسلم برقم (1475).
[2] صحيح مسلم برقم (1478).
[3] صحيح مسلم برقم (1478).
[4] للتوسع في هذه المسألة راجع كتب الفقه، باب النفقات.
[5] صحيح البخاري برقم (2221)، وصحيح مسلم برقم (1714) واللفظ له.
[6] مسند الإمام أحمد 33/ 226 برقم 20022، وقال محققوه: إسناده حسن.
[7] وفي الحديث: «وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ»، قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «بِكُفْرِهِنَّ». قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: «يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ».
صحيح البخاري برقم (1052).
[8] صحيح ابن حبان برقم (4021).
[9] صحيح مسلم برقم (1467).
[10] مسند الإمام أحمد (12/383 - 384) برقم (7421)، وقال محققوه: إسناده قوي.
قال السندي: والصواب ما في النسائي: «الَّتِي تَسُرهُ»، وتصحيح ما في المسند بأن المراد زوجة الذي ...
إلخ بعيد؛ المسند (12/383).
[11] صحيح البخاري برقم (1466)، وصحيح مسلم برقم (1000).
[12] سنن ابن ماجه برقم (2421)، وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (2/54) برقم (1965) من حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنها.
[13] صحيح البخاري برقم (3364).