خطب ومحاضرات
فقه العبادات - الصلاة [1]
الحلقة مفرغة
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إخوتي المشاهدين والمشاهدات!
فأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما سمعنا، وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.
فكنا قد انتهينا في الدرس الماضي من باب الحيض، وقد أنهيناه كاملاً ولله الحمد والمنة، وبذلك نكون قد ختمنا كتاب الطهارة، وأما اليوم فإننا نشرع بإذنه سبحانه وتعالى وتوفيقه وتيسيره وتسديده في كتاب الصلاة.
ومن المعلوم أن أهل العلم في تأليفهم لكتبهم يبدءون بالطهارة، ثم بعد ذلك بالصلاة؛ لأن الصلاة لا تصح إلا بأداء شرط الطهارة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( إن الله لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ )، ولقوله صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي و أحمد من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مفتاح الصلاة الطهور )، والطهور: الطهارة، بأن يقوم الإنسان برفع الحدث، والحدث وصف قائم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها، فهكذا كان الأئمة رحمهم الله في تأليفهم لكتبهم يبدءون بالطهارة، ثم يتحدثون عن الصلاة.
تعريف الصلاة لغة واصطلاحاً
وسميت الصلاة دعاءً لاشتمالها على الدعاء؛ لأن الدعاء دعاءان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة:
فأما دعاء العبادة فمثل أن تسبح الله سبحانه وتعالى أو تحمده حال ركوعك أو حال سجودك، أو حال قيامك؛ بأن تقرأ القرآن، فإن قراءة القرآن من الذكر، وهو أحب العبادة، وأحب الذكر، وهو دعاء، وكيف يكون دعاء؟ يكون دعاء لأن دعاء العبادة هو أن تثني على الله بما هو أهله، وتسبحه وتحمده وتهلله وتكبره؛ لأن معنى ذلك أنك ما أثنيت عليه، ولا دعوته، ولا سبحته إلا طلباً للأجر، وطلباً لرفع الدرجات في الجنان، والابتعاد عن النيران، فصار دعاء المسألة متضمناً في دعاء العبادة.
وأما دعاء المسألة فهو أن يسأل العبد ربه مباشرة بأن يقول: ربي اغفر لي، ربي ارحمني، أو يقول: اللهم تب علي، أو يسأل ربه من خير الدنيا والآخرة في سجوده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة : ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا فيه الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم ).
وأكثر أهل العلم على أن الصلاة إنما سميت صلاة لاشتمالها على الدعاء المتضمن دعاء العبادة ودعاء المسألة.
إذا ثبت هذا فإن الصلاة في الاصطلاح: هي التعبد لله تعالى بأقوال وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم.
فدل ذلك على أنه ليس كل ذكر يسمى صلاة شرعية، بل لا بد فيها من ذكر مخصوص وقول مخصوص، مفتتح بالتكبير، مختتم بالتسليم.
وقت فرض الصلوات الخمس
فدل ذلك على أن فرضية الصلاة كانت ليلة الإسراء، وهذا أمر متفق عليه، إلا أن أهل العلم اختلفوا متى كانت ليلة الإسراء على أقوال كثيرة، ذكرها الحافظ ابن حجر في كتابه العظيم فتح الباري، ولا دليل صحيح يصار إليه.
فمن العلماء من قال: إن ليلة الإسراء هي ليلة السابع والعشرين من ربيع الأول، كما هو رأي إبراهيم الحربي.
وقال بعضهم: إنما هي في رجب، في ليلة السابع والعشرين، وقد أنكر الحافظ ابن حزم هذا القول، وهذا أمر مشهور عند العامة، وعند بعض الطوائف، ولأجل هذا شرعوا عبادات في رجب لم يشرعها الله ولا رسوله، ظانين أن ليلة الإسراء في رجب.
والصحيح -والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم- أن ليلة الإسراء ليس لها تحديد ثابت، وإن كانت قبل الهجرة بثلاث سنين على المشهور، أما أي يوم، أو أي شهر فإن الراجح أنه لم يثبت فيه شيء صحيح يصار إليه.
الشيخ: والصلاة في اللغة: هي الدعاء كما قال تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103]، أي: ادع لهم، وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا جاءته الصدقة من أصحابه يدعو لهم، كما جاء ذلك في الصحيح من حديث عبد الله بن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اللهم صل على آل أبي أوفى )، فهذا يدل على أن الصلاة هي الدعاء.
وسميت الصلاة دعاءً لاشتمالها على الدعاء؛ لأن الدعاء دعاءان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة:
فأما دعاء العبادة فمثل أن تسبح الله سبحانه وتعالى أو تحمده حال ركوعك أو حال سجودك، أو حال قيامك؛ بأن تقرأ القرآن، فإن قراءة القرآن من الذكر، وهو أحب العبادة، وأحب الذكر، وهو دعاء، وكيف يكون دعاء؟ يكون دعاء لأن دعاء العبادة هو أن تثني على الله بما هو أهله، وتسبحه وتحمده وتهلله وتكبره؛ لأن معنى ذلك أنك ما أثنيت عليه، ولا دعوته، ولا سبحته إلا طلباً للأجر، وطلباً لرفع الدرجات في الجنان، والابتعاد عن النيران، فصار دعاء المسألة متضمناً في دعاء العبادة.
وأما دعاء المسألة فهو أن يسأل العبد ربه مباشرة بأن يقول: ربي اغفر لي، ربي ارحمني، أو يقول: اللهم تب علي، أو يسأل ربه من خير الدنيا والآخرة في سجوده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة : ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا فيه الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم ).
وأكثر أهل العلم على أن الصلاة إنما سميت صلاة لاشتمالها على الدعاء المتضمن دعاء العبادة ودعاء المسألة.
إذا ثبت هذا فإن الصلاة في الاصطلاح: هي التعبد لله تعالى بأقوال وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم.
فدل ذلك على أنه ليس كل ذكر يسمى صلاة شرعية، بل لا بد فيها من ذكر مخصوص وقول مخصوص، مفتتح بالتكبير، مختتم بالتسليم.
الشيخ: وقد فرضت الصلاة ليلة الإسراء، كما جاء ذلك ثابتاً في الصحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال حينما أسري به: ( ففرض الله علي خمسين صلاة، ثم رجعت فلقيني موسى فقال: ماذا فرض الله عليك؟ قلت: فرض علي خمسين صلاة. قال: إني قد خبرت بني إسرائيل، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف. قال: فرجعت إلى ربي فحط عني عشراً، فرجعت إلى موسى فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف. قال صلى الله عليه وسلم: فلم أزل أراجع بين ربي وبين موسى حتى قال الله: يا محمد! هي خمس صلوات في اليوم والليلة، والحسنة بعشر أمثالها، وهي خمسون في الميزان ).
فدل ذلك على أن فرضية الصلاة كانت ليلة الإسراء، وهذا أمر متفق عليه، إلا أن أهل العلم اختلفوا متى كانت ليلة الإسراء على أقوال كثيرة، ذكرها الحافظ ابن حجر في كتابه العظيم فتح الباري، ولا دليل صحيح يصار إليه.
فمن العلماء من قال: إن ليلة الإسراء هي ليلة السابع والعشرين من ربيع الأول، كما هو رأي إبراهيم الحربي.
وقال بعضهم: إنما هي في رجب، في ليلة السابع والعشرين، وقد أنكر الحافظ ابن حزم هذا القول، وهذا أمر مشهور عند العامة، وعند بعض الطوائف، ولأجل هذا شرعوا عبادات في رجب لم يشرعها الله ولا رسوله، ظانين أن ليلة الإسراء في رجب.
والصحيح -والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم- أن ليلة الإسراء ليس لها تحديد ثابت، وإن كانت قبل الهجرة بثلاث سنين على المشهور، أما أي يوم، أو أي شهر فإن الراجح أنه لم يثبت فيه شيء صحيح يصار إليه.
الشيخ: إذا ثبت هذا أيها الإخوة فإننا نقول: تجب الصلوات الخمس على كل مكلف، إلا الحائض والنفساء.
والمكلف: هو المسلم، البالغ، العاقل.
الإسلام
العقل
وجه الدلالة: أن المجنون لا نية له، ومن شروط الصلاة النية، لأجل أن يميز العبد بين الفرض والفرض الآخر، وبين الفرض والنفل، وهذا لا يتأتى من المجنون.
وخروج بقولنا (العاقل) أيضاً الصبي غير المميز، فإن الصبي غير المميز -وهو من لا يفهم الخطاب ولا يرد الجواب- لا تصح منه الصلاة، أما المميز فتصح منه الصلاة كما سوف يأتي بيانه.
فعلى هذا فالصبي غير المميز لا تصح منه الصلاة، وذكر العلماء أنه أيضاً لا تصح مصافته، لأنه كالمجنون، فصار بمثابة الجماد، ولهذا كره أهل العلم في الصبي غير المميز أن يؤتى به إلى المسجد فيكون له مكان في الصف؛ لأن وجوده في الصف بمثابة الفرجة.
التكليف
وهل ثواب صلاته ثواب له لوليه؟
الصواب: أن ثوابها له؛ لقوله سبحانه وتعالى: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام:160]، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا [النمل:89]، وإن كان وليه يؤجر من حيث الأمر بها.
أما الحج فإنه مستثنى، فإنه يؤجر عليه الصبي غير المميز؛ لما جاء في صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركباً بالروحاء، فقال: من القوم؟ فقالوا: المسلمون. فقالوا: من أنت؟ قال: رسول الله. فرفعت إليه امرأة صبياً فقالت: يا رسول الله! ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر )، ولا يقال: إنه كان مميزاً أو لم يكن؛ لأنه لم يستفصل، وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، ولو كانت لا تصح فلا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وعلى هذا فنيته إنما هي نية وليه، فوليه هو الذي ينوي عنه؛ لأنه لا نية له.
إذاً (العاقل) يخرج به المجنون، والصبي غير المميز، وأما الصبي المميز فإنه يثاب عليها، ولكن لا تصح منه صحة فرض، وعلى هذا فرع أهل العلم مسألة في هذا، فقالوا: لو بلغ الصبي أثناء الصلاة، أو بلغ بعد أدائها وقبل خروج الوقت، فهل يؤمر بإعادتها؟
وقولهم: (لو بلغ أثناء الصلاة)، هذا على افتراض القول بأن بلوغه يكون بخمس عشرة سنة.
كما لو أنه ولد في ساعة معينة وضبطت، ثم صلى الظهر فكان هذا هو تمام خمس عشرة سنة.
وأما بعد أداء الصلاة وقبل خروج وقتها فمتصور، مثل ما لو نام فاحتلم، فعلمنا أنه قد بلغ.
هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم: هل يؤمر بالإعادة؛ لأنه افتتح الصلاة على اعتبار أنها نافلة، والأصل أن عبادة الصلاة لا تتجزأ نيتها، فافتتحها بالتكبير الذي هو نافلة في حقه، فلما بلغ في أثنائها أمر أن يعيدها على اعتبار أنها تحتاج إلى تكبير فرض، هذا هو مذهب الحنابلة.
وذهب بعض أهل العلم، وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية إلى أن الصبي لا يؤمر بالإعادة، سواء بلغ أثناء العبادة، أو بلغ بعد أدائها وقبل خروج الوقت؛ لأنه أداها بنية الأجر، فليس هو مثل ما لو صلى على اعتبار التعليم، بل هو صلى على اعتبار نية الأجر والثواب، فهو قد نواها، ففعل كما أمره الله بنيته، ومن صلى صلاة فإن الله لم يأمرنا أن نصلي الصلاة مرتين، وهذا القول قوي!
بعض الإخوة والأخوات يقول: ما معنى قوي؟
نقول: هذا له حظ من النظر، إلا أن الاحتياط والأولى أن يعيد الصلاة؛ لأننا نقول: إنه ما زال مأموراً بأدائها أداء وجوب، وهو قد افتتحها أو أنهاها على أنها سنة، وبين السنة والفرض مفاوز، كما قال الله تعالى: ( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ).
فهو قد نواها، ومن المعلوم أن النية لا يجوز أن تتجزأ أثناء الصلاة، فلو صلى شخص على اعتبار أنه يريد أن يتطوع للظهر، ثم قال: أريد أن أحولها إلى فرض، فإنها لا تصح بالإجماع، قالوا: فكذلك لا تصح من الصبي أثناء الصلاة، ولا تصح منه إذا بلغ بعد أدائها في الوقت؛ لأنه أداها على اعتبار أنها نافلة، وهذا القول أحوط، وهو أقعد، والله أعلم.
الطهارة من الحيض والنفاس
ومما يدل على ذلك ما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حق الحائض: ( أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم ).
ولما جاء في الصحيحين من حديث معاذة العدوية : ( أنها قالت لـ
فهذه مدرسة تدرسنا فيها عائشة ، وهو أنه ينبغي لنا إذا جاءنا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعلونا الهيبة، وأن نتعبد الله سبحانه وتعالى بالاقتداء به، ولو كانت عقولنا لم تدركه، ولهذا أرادت عائشة أن تعطي هذه المرأة درساً تربوياً يتمثل بالانقياد، ( كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة )، ونقول: سمعنا وأطعنا، هذا هو الواجب في حق كل مسلم عالمهم وجاهلهم، ذكرهم وإنثاهم، وإن كان أهل العلم يتفاضلون في معرفة الحكم والتشريعات السماوية وأسبابها وحكمها، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء!
الشيخ: فالمسلم يدخل فيه الذكر والأنثى، ويخرج بذلك الكافر؛ فإن الكافر غير مخاطب خطاب أداء بالصلاة، وإن كان مخاطباً خطاباً تكليفاً، والفرق بينهما: أن الكافر مخاطب من حيث العقوبة على تركها، وأما من حيث أداء العبادة فإنه غير مخاطب؛ لأنه لو أداها لم تصح منه، فصار ذلك بمثابة أنه مخاطب، بمعنى أنه يعاقب على تركها، كما قال الله تعالى: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ [المدثر:42-45]، فدل ذلك على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، بمعنى أنهم يعاقبون على تركها، وهذا أحد معاني التكليف، ومن معاني التكليف أيضاً أداؤها، فالكفار غير مخاطبين خطاب أداء، وإن كانوا مخاطبين خطاب تكليف، بمعنى العذاب والعقوبة.
الشيخ: وقولنا: (العاقل) يخرج به المجنون، فإن المجنون لا تصح منه الصلاة ولو كان بالغاً؛ لما جاء عند الإمام أحمد و أبي داود من حديث علي بن أبي طالب ، وروي أيضاً من حديث عائشة : ( رفع القلم عن ثلاثة: المجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ، والنائم حتى يستيقظ ).
وجه الدلالة: أن المجنون لا نية له، ومن شروط الصلاة النية، لأجل أن يميز العبد بين الفرض والفرض الآخر، وبين الفرض والنفل، وهذا لا يتأتى من المجنون.
وخروج بقولنا (العاقل) أيضاً الصبي غير المميز، فإن الصبي غير المميز -وهو من لا يفهم الخطاب ولا يرد الجواب- لا تصح منه الصلاة، أما المميز فتصح منه الصلاة كما سوف يأتي بيانه.
فعلى هذا فالصبي غير المميز لا تصح منه الصلاة، وذكر العلماء أنه أيضاً لا تصح مصافته، لأنه كالمجنون، فصار بمثابة الجماد، ولهذا كره أهل العلم في الصبي غير المميز أن يؤتى به إلى المسجد فيكون له مكان في الصف؛ لأن وجوده في الصف بمثابة الفرجة.
الشيخ: وأما الصبي المميز، وهو الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب، وهو من بلغ سبع سنين فإنه تصح صلاته، بمعنى أنه يثاب عليها، لا أنها تصح صحة فرض، وقولنا: إنه يثاب عليها، فذلك لما جاء عند أهل السنن و أحمد من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين )، وجه الدلالة: أن الشارع لا يأمر بأمر إلا وفيه مصلحة، ومصلحة الصبي الثواب، وتحديد ذلك بسبع دليل على أن ذلك ينفعه في هذه السن.
وهل ثواب صلاته ثواب له لوليه؟
الصواب: أن ثوابها له؛ لقوله سبحانه وتعالى: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام:160]، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا [النمل:89]، وإن كان وليه يؤجر من حيث الأمر بها.
أما الحج فإنه مستثنى، فإنه يؤجر عليه الصبي غير المميز؛ لما جاء في صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركباً بالروحاء، فقال: من القوم؟ فقالوا: المسلمون. فقالوا: من أنت؟ قال: رسول الله. فرفعت إليه امرأة صبياً فقالت: يا رسول الله! ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر )، ولا يقال: إنه كان مميزاً أو لم يكن؛ لأنه لم يستفصل، وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، ولو كانت لا تصح فلا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وعلى هذا فنيته إنما هي نية وليه، فوليه هو الذي ينوي عنه؛ لأنه لا نية له.
إذاً (العاقل) يخرج به المجنون، والصبي غير المميز، وأما الصبي المميز فإنه يثاب عليها، ولكن لا تصح منه صحة فرض، وعلى هذا فرع أهل العلم مسألة في هذا، فقالوا: لو بلغ الصبي أثناء الصلاة، أو بلغ بعد أدائها وقبل خروج الوقت، فهل يؤمر بإعادتها؟
وقولهم: (لو بلغ أثناء الصلاة)، هذا على افتراض القول بأن بلوغه يكون بخمس عشرة سنة.
كما لو أنه ولد في ساعة معينة وضبطت، ثم صلى الظهر فكان هذا هو تمام خمس عشرة سنة.
وأما بعد أداء الصلاة وقبل خروج وقتها فمتصور، مثل ما لو نام فاحتلم، فعلمنا أنه قد بلغ.
هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم: هل يؤمر بالإعادة؛ لأنه افتتح الصلاة على اعتبار أنها نافلة، والأصل أن عبادة الصلاة لا تتجزأ نيتها، فافتتحها بالتكبير الذي هو نافلة في حقه، فلما بلغ في أثنائها أمر أن يعيدها على اعتبار أنها تحتاج إلى تكبير فرض، هذا هو مذهب الحنابلة.
وذهب بعض أهل العلم، وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية إلى أن الصبي لا يؤمر بالإعادة، سواء بلغ أثناء العبادة، أو بلغ بعد أدائها وقبل خروج الوقت؛ لأنه أداها بنية الأجر، فليس هو مثل ما لو صلى على اعتبار التعليم، بل هو صلى على اعتبار نية الأجر والثواب، فهو قد نواها، ففعل كما أمره الله بنيته، ومن صلى صلاة فإن الله لم يأمرنا أن نصلي الصلاة مرتين، وهذا القول قوي!
بعض الإخوة والأخوات يقول: ما معنى قوي؟
نقول: هذا له حظ من النظر، إلا أن الاحتياط والأولى أن يعيد الصلاة؛ لأننا نقول: إنه ما زال مأموراً بأدائها أداء وجوب، وهو قد افتتحها أو أنهاها على أنها سنة، وبين السنة والفرض مفاوز، كما قال الله تعالى: ( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ).
فهو قد نواها، ومن المعلوم أن النية لا يجوز أن تتجزأ أثناء الصلاة، فلو صلى شخص على اعتبار أنه يريد أن يتطوع للظهر، ثم قال: أريد أن أحولها إلى فرض، فإنها لا تصح بالإجماع، قالوا: فكذلك لا تصح من الصبي أثناء الصلاة، ولا تصح منه إذا بلغ بعد أدائها في الوقت؛ لأنه أداها على اعتبار أنها نافلة، وهذا القول أحوط، وهو أقعد، والله أعلم.
الشيخ: إذا ثبت هذا فإننا نقول: تجب الصلاة على المكلف، وهو المسلم العاقل البالغ، لا حائض ولا نفساء؛ لأن الحائض والنفساء لا تصح منهما الصلاة، وهذا محل إجماع من أهل العلم، حكى الإجماع الإمام ابن المنذر ، و ابن حزم ، وكذلك ابن هبيرة في كتاب الإفصاح.
ومما يدل على ذلك ما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حق الحائض: ( أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم ).
ولما جاء في الصحيحين من حديث معاذة العدوية : ( أنها قالت لـ
فهذه مدرسة تدرسنا فيها عائشة ، وهو أنه ينبغي لنا إذا جاءنا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعلونا الهيبة، وأن نتعبد الله سبحانه وتعالى بالاقتداء به، ولو كانت عقولنا لم تدركه، ولهذا أرادت عائشة أن تعطي هذه المرأة درساً تربوياً يتمثل بالانقياد، ( كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة )، ونقول: سمعنا وأطعنا، هذا هو الواجب في حق كل مسلم عالمهم وجاهلهم، ذكرهم وإنثاهم، وإن كان أهل العلم يتفاضلون في معرفة الحكم والتشريعات السماوية وأسبابها وحكمها، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء!
الشيخ: ففرضية الصلاة ثابتة بالكتاب والسنة، وإجماع أهل العلم.
فأما الكتاب فقول الله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً [النساء:103]، يعني: مفروضاً.
وأما السنة فلما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث
ومن الأحاديث أيضاً ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج )، وفي رواية: ( والحج، وصيام رمضان )، وهذا يدل على وجوب الصلوات الخمس على كل مسلم مكلف بالغ، لا حائض، ولا نفساء.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
فقه العبادات - الطهارة [4] | 2585 استماع |
فقه العبادات - الطهارة [17] | 2563 استماع |
فقه العبادات - الطهارة [5] | 2441 استماع |
فقه العبادات - الطهارة [15] | 2391 استماع |
فقه العبادات - الصلاة [9] | 2350 استماع |
فقه العبادات - الصلاة [11] | 2240 استماع |
فقه العبادات - الصلاة [16] | 2238 استماع |
فقه العبادات - الطهارة [7] | 2187 استماع |
فقه العبادات - الصلاة [14] | 2114 استماع |
فقه العبادات - الطهارة [14] | 2094 استماع |