خطب ومحاضرات
مقدمة في أصول التفسير [10]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.
أخذت سابقاً بعض القواعد الترجيحية، والآن سأطرح موضوع (عبارات السلف)، وسنأخذ أمثلة أخرى لعباراتهم.
والمقصود هنا في دراسة عبارات السلف توجيه عبارات السلف ومعرفة طريقتهم في التفسير.
عندي هنا ثلاث قضايا كلية متعلقة بتفسير السلف مع أمثلتها:
القضية الأولى: أن عبارات السلف في التفسير تكون مجملة مختصرة مع أداء المعنى.
القضية الثانية: أن تفسير السلف قد يكون أوسع من المدلول اللغوي.
القضية الثالثة: أن تفسير السلف ينحو إلى التفسير بالمعنى دون الحرص على تحرير معنى العبارة في اللغة.
هذه ثلاث قضايا كلية متعلقة بعبارات السلف.
وهنا سوف نذكر الأمثلة لهذه القضايا:
أولاً: أن عبارات السلف في التفسير تكون مجملة مختصرة مع أداء المعنى، إذا نظرت من حيث العموم والإجمال إلى تفسيرات السلف ستجد أن في تفسير السلف اختصاراً، فليس فيه عبارات كثيرة، وإن كان بعضهم قد يخرج عن هذه القاعدة، يكون عنده بسط في العبارة مثل ابن زيد أو قتادة و الحسن أيضاً أحياناً، هؤلاء قد يكون عندهم أحياناً بسط في العبارة، لكن جمهور تفسير السلف يكون مختصر العبارة، ويؤدي المعنى المراد.
يقول النحاس في كتاب (معاني القرآن) عند تفسيره للأحرف المقطعة: (وأبين هذه الأقوال قول مجاهد الأول أنها فواتح السور، وكذلك قول من قال: هي تنبيه، وقول من قال: هي افتتاح كلام) وهذه كلها أقوال للسلف.
ثم قال: (ولم يشرحوا ذلك بأكثر من هذا، لأنه ليس من مذهب الأوائل، وإنما يأتي الكلام عنهم مجملاً) قصده أن الشرح وبسط العبارة ليس من مذهبهم.
قال: (وإنما يأتي الكلام عنهم مجملاً، ثم يتأوله أهل النظر على ما يوجبه المعنى)، ثم قال: (ومعنى افتتاح كلام، وتنبيه أنها بمنزلة (ها) في التنبيه، و(يا) في النداء، والله تعالى أعلم بما أراد) انتهى كلامه.
إذاً: نلاحظ أن النحاس يعطينا تنبيهاً على أن تفسير السلف في الغالب فيه اختصار العبارة.
شيخ الإسلام في تفسير آيات أشكلت، عند تفسير قول الله سبحانه وتعالى: بِأَيِّيكُمُ المَفْتُونُ[القلم:6]، قال: حار فيها كثير، والصواب: المأثور عن السلف، قال مجاهد : المفتون: الشيطان، وقال الحسن : هم أولى بالشيطان من نبي الله.
قال شيخ الإسلام : (فبين المراد، فإنه يتكلم على اللفظ كعادة السلف في الاختصار مع البلاغة وفهم المعنى).
يعني: بين الحسن المراد، وعبارته قال: (هم أولى بالشيطان)؛ فـشيخ الإسلام يعقب عليه، ويقول: إن الحسن بين المعنى، وتكلم على عادة السلف في الاختصار مع البلاغة وفهم المعنى، فهذان النصان أو النقلان عن النحاس و شيخ الإسلام يدلان على أن عبارة السلف غالباً في التفسير يكون فيها إجمال واختصار مع أداء المعنى.
الثاني: أن تفسير السلف قد يكون أوسع من المدلول اللغوي، وعندي هنا عبارتان:
الأولى: للشوكاني ، والثانية: للواحدي .
يقول الشوكاني رحمه الله: (واشدد يديك في تفسير كتاب الله على ما تقتضيه اللغة العربية؛ فهو قرآن عربي كما وصفه الله، فإن جاءك التفسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تلتفت إلى غيره، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل)، ثم قال: (وكذلك ما جاء عن الصحابة؛ فإنهم من جملة العرب، ومن أهل اللغة، وممن جمع إلى اللغة العلم بالاصطلاحات الشرعية، ولكن إذا كان معنى اللفظ أوسع مما فسروه به في لغة العرب فعليك أن تضم إلى ما ذكره الصحابي ما تقتضيه لغة العرب وأسرارها).
هذا فيه إشارة إلى أنه أحياناً يكون تفسيرهم أوسع من المدلول اللغوي..
وهذا موجود في فتح القدير (4/309).
كذلك الواحدي أيضاً نبه على نفس القضية، يقول الواحدي في عبارة له: (وكذلك آيات القرآن التي فسرها الصحابة والتابعون، إنما فسروها بذكر المعنى المقصود، كقوله تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ[البقرة:206]) قال قتادة: (إذا قيل له مهلاً.. مهلا، ازداد إقداماً على المعصية).
قال الواحدي : (فمن أين لك أن تعرف هذا المعنى من لفظ الآية إلا بعد الجهد وطول التفكر.
وكذلك قوله: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ[آل عمران:175]، قال السدي : يعظم أولياءه في صدوركم، فانظر هل يمكنك أن تفرغ هذا المعنى في قالب هذه الألفاظ إلا بعد التعب في معرفة ما ذكره أرباب النحو).
إذاً: عبارة السلف لا يلزم أن تأتي بالمطابقة، فقد تكون أوسع، وهناك طبعاً ما هو أوسع من قضية المرتبطات بالألفاظ مثل اللازم أو الجزء بالمعنى أو غيره.
القضية الثالثة: أن تفسير السلف ينحو إلى التفسير بالمعنى دون الحرص على تحرير معنى العبارة في اللغة.
وليس المراد هنا أنه لا يرد عن السلف تفسير لغوي؛ بل المراد أنهم أحياناً يتجهون إلى المعنى المراد، وإن لم يبينوا ما هو معنى الكلم، وسيأتي مثال لذلك في التفسير.
نقل البيهقي في تفسير الشافعي في قوله: ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا[النساء:3]، قال الشافعي : (لا يكثر من تعولون) وهذه من الأشياء التي انتقد فيها الشافعي من جهة اللغة، وأصحابه اللغويون الشافعيون ينتصرون له هذا.
فمنهم: علي بن القاسم الخوافي صاحب (مختصر العين) ينقل عنه البيهقي، فيقول: (وحكى الحمشري عن علي بن القاسم الخوافي صاحب (مختصر العين) أحد أجلاء أئمة الأدب: أن الشافعي ذهب إلى الأصل؛ لأن العول بمعنى: الميل، إنما هو سبب وليس بمطلق في الأشياء؛ لأنه لا يقال للجدار: عال، ولا يقال: عال على الطريق إذا مال عنه، وإنما خص به موضع القسم؛ لأن العول أصله قوت العيال، ومن العول يتسبب الميل، ومن القسم بين الضرائر في الإنفاق وغيره يكون الميل، فسمي الميل عولاً.
فذهب الشافعي رحمه الله إلى أصل الكلام، وذهب المفسرون إلى المعنى الذي يتسبب من الأصل، والمفسرون يفسرون كثيراً من الأشياء على المعنى لا على الأصل، كقوله تعالى: ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ المُحْضَرِينَ[القصص:61]، قالوا: من المعذبين، لما أحضروا للتعذيب).
إذاً تفسير: (المحضرين) بــ(المعذبين) كأنه تفسير بالمعنى، بالنتيجة أو باللازم، فمن لازم إحضاره أن يعذب، فهو الآن يريد أن يخرج كلام الشافعي ويؤصله بأنه اتجه إلى أصل المادة، يعني: أن لا تميلوا..
لا تكثر عيالكم؛ فإذا كثرت عيالكم تجورون، فـالشافعي ذهب إلى الأصل، وهؤلاء ذهبوا إلى ما يترتب على هذا الأصل وهو الميل.
وهنا نقل آخر وهو من أهم النقول في هذا الباب عن ابن القيم يقول: (وتفسير الناس يدور على ثلاثة أصول:
تفسير على اللفظ، وهو الذي ينحو إليه المتأخرون، وتفسير على المعنى وهو الذي يذكره السلف، وتفسير على الإشارة والقياس، وهو الذي ينحو إليه كثير من الصوفية وغيرهم).
ويهمنا هنا عبارته: التفسير على المعنى هو الذي يذكره السلف، يعني: هو موجود في تفسير السلف.
هذه ثلاث قضايا مهمة عندما الإنسان يأخذ بها يكون في ذهنه أن عبارة السلف أحياناً قد تكون أوسع من المدلول اللغوي، وأنها تتجه إلى بيان المعنى المراد بالآية دون النظر إلى تحليل الألفاظ.
وهذا آخر مثال أذكره في قضية تعبيرات السلف عن الطبري رحمه الله تعالى، حيث ينبهنا بمثال على أن أحد المفسرين ذهب عن البيان اللغوي إلى بيان المعنى، ونبه إلى أن أهل التأويل ربما فعلوا ذلك، يعني: لم يبينوا اللغة، وإنما يبينون المعنى قال: (لعلل تدعوهم إليه).
قال أبو جعفر الطبري : [والخاسرون: الناقصون أنفسهم حظوظها بمعصيتهم الله من رحمته، كما يخسر الرجل في تجارته بأن يوضع من رأس ماله في بيعه، فكذلك الكافر والمنافق، خسر بحرمان الله إياه رحمته التي خلقها لعباده في القيامة، أحوج ما كان إلى رحمته. يقال منه: خسر الرجل، يخسر، خسراً وخسراناً وخساراً، كما قال جرير بن عطية :
إن سليطًا في الخسارة إنه أولاد قوم خلقوا أقنه
يعني: بقوله في الخسار: أي: فيما يوكس حظوظهم من الشرف والكرم.
وقد قيل: إن معنى: أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ[البقرة:27]: أولئك هم الهالكون].
فحين تنظر إلى معنى (خسر) كما ذكر الطبري: الناقصون حظوظهم، يعني: خسر شيئاً، معناه: نقص منه شيء، فالذي قال: خسر بمعنى: هلك، عبر بالنتيجة، يعني: بلازم الخسارة، فإن من خسارته أنه يكون هالكاً، فـالطبري يعلق فيقول: [وقد يجوز أن قائل ذلك أراد ما قلنا من هلاك الذي وصف الله صفته بالصفة التي وصفه بها في هذه الآية، بحرمان الله إياه ما حرمه من رحمته بمعصيته إياه وكفره به، فحمل تأويل الكلام على معناه دون البيان عن تأويل عين الكلمة بعينها، فإن أهل التأويل ربما فعلوا ذلك لعلل كثيرة تدعوهم إليه].
فالخلاصة: أن الخسارة بمعنى النقصان تفسير لفظي لغوي، والخسارة بمعنى: الهلاك تفسير على المعنى، فهو يعلق على ذلك، فيقول:
(فحمل..) أي: هذا المفسر (تأويل الكلام على معناه دون البيان عن تأويل عين الكلمة بعينها) يعني: فليس تفسيراً لفظياً، قال: (فإن أهل التأويل ربما فعلوا ذلك لعلل كثيرة تدعوهم إليه).
هذه فكرة موجزة عن أصول اعتبرها في قضية عبارات السلف في التفسير.
فعندنا أنواع الاختلاف، وأسباب الاختلاف، وقواعد الترجيح، وعبارات السلف، هذه أربع قضايا، سنحاول إذا مررنا بشيء منها أن نناقشه.
أمثلة على تفسير السلف المعنى دون معنى اللفظ اللغوي
في قوله سبحانه وتعالى: وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا[الذاريات:1]، أطال الإمام رحمه الله تعالى في ذكر الروايات، فذكر أربع عشرة رواية عن ثلاثة من مفسري السلف: علي و ابن عباس و مجاهد، وكلهم قال: إن الذاريات هي: الرياح.
وحين نحلل العبارة: الذاريات: الرياح، نجد أنه فسر الذاريات تفسير معنى، وعندما ترجع إلى تفسيرات المتأخرين؛ ستجد تعريف معنى الذاريات، حيث يقول أحدهم: المعنى مأخوذ من الذرو وهو رمي شيء مجتمعاً في الهوى، فهذا تحليل لفظي لمعنى الذاريات، ولكن المراد بها في الآية: الرياح؛ وهذا هو بيان المعنى المراد، دون النظر إلى معنى الذاريات؛ لأنه معنى معروف عندهم، فما كانوا يحتاجون إلى أن يعرفوا معنى الذرو.
وسأذكر فوائد متتابعة قد تكون بعضها معروفة وواضحة، لكن من باب الذكرى.
من أسئلة التابعي للصحابي عن التفسير سؤال ابن الكواء وهو من التابعين لـ علي بن أبي طالب ، والملاحظ أن في إحدى الروايات شيئاً يشعر بأن ابن الكواء كان شبيهاً بـصبيغ .
في إحدى الروايات قال: أراد أن يسأل عما سأل عنه صبيغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: ما الذاريات ذرواً؟ فكأنه يريد أن ينبهنا في هذه الرواية إلى أنه كان يبحث عن المشكلات، فالسؤال بحد ذاته ليس فيه إشكال، وإنما الإشكال في تطلب المشكل، فـصبيغ هذا كان يتطلب المشكلات ويتقصدها؛ فـعمر أدبه؛ لأنه سيدخل في قوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ...[آل عمران:7]، ولم يكن يقصد طلب العلم، إنما كان يقصد إحراج الصحابة بالأسئلة حتى رفعوا أمره إلى عمر .
وعلى العموم أيضاً من الفوائد التي تذكر أن هذا السؤال وقع في خلافة علي رضي الله عنه؛ لأن السؤال وجه إليه بقوله: يا أمير المؤمنين!
وفي هذه الآثار أيضاً من الفوائد مبلغ علم علي بالقرآن رضي الله عنه، فإنه لما وقف على المنبر قال: لا يسألني أحد عن آية من كتاب الله إلا أخبرته، فهذا فيه دلالة على علمه بالتفسير.
ومن الفوائد الطريفة أيضاً: أن ابن زيد روى تفسيراً عن ابن عباس ، وهذه من نوادر الطرق عن ابن عباس .
نأتي إلى قوله: فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا[الذاريات:2] ما فيها شيء، فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا[الذاريات:3-4]، هذه كلها ما فيها إشكال، ومعنى الجاريات: السفن، والحاملات: السحاب، والمقسمات: الملائكة. لم يذكر خلافاً في هذا، وهناك خلاف في فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا، الجاريات هنا بمعنى: السفن، ويوجد قول آخر لكن ما أذكره الآن ذكره ابن عطية، ولو أخذنا بهذا القول الآخر في الجاريات فسبب الاختلاف في الجاريات أنه وصف لموصوف محذوف، فالجاريات وصف، وسببه يحتمل هذا أو هذا.
وأيضاً يلاحظ هنا أن السلف لم يبينوا المعاني اللغوية للجاريات، والمقسمات.. إلخ، لأنه يكثر عندهم بيان المعنى؛ لأن بيان معنى القرآن كان أهم عندهم من بيان لغته، وما احتاج الناس إلى بيان اللغة إلا في وقت متأخر، فقد كانوا يعرفون لغته، فما كانوا يحتاجون أن يقولوا: هذا بمعنى كذا.. إلخ.
وهنا ملحوظة في تفسيرهم وهي أنهم جعلوا كل قسم لنوع من المخلوقات، فالذاريات: الرياح، والجاريات: السفن، والحاملات: السحب، والمقسمات: الملائكة؛ مع أن الملاحظ أنها معطوفة بالفاء، والفاء إذا عطف بها فيشعر بترتيب بعضها على بعض، يعني: كأن هذا متسبب عن هذا، فكان المتوقع أن يفسر عن نوع واحد، لكن لما ورد تفسير السلف بهذا التقسيم فإنه يحتكم إليه، وهذه الأقسام مختلفة الأوصاف؛ فكل وصف لنوع من المخلوقات، فتفسيرهم يكون حجة، وقد يكون بينها تقارب أو تجانس لكنه يحتاج إلى تحرير؛ ليعرف ما هي المقاربة بين هذه المذكورات من المخلوقات.
أيضاً ممكن أن يقال: ما ذكرناه في قضية الموصوف والصفة أن هذه صفات محتملة التعدد في الموصوفين، كما أنها محتملة أن ترجع إلى موصوف واحد، فلو حملناها على الرياح، التي ذكر ابن عطية فيها إجماع المتأولين فإذا قلنا: الذاريات: الرياح، فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا[الذاريات:2] : الرياح تحمل السحاب الموقر بالماء، فالجاريات: أيضاً الرياح تجري بيسر، فالمقسمات: أيضاً الرياح تقسم السحاب، فهذا يحتمل ومعناه واضح، فتفسير السلف جاء على التنويع، وسببه أيضاً أنها صفات لم تذكر موصوفات ومحتملة لكل ما قاله السلف.
والقاعدة، تقول: التأسيس أولى من التأكيد، يعني: أننا نأتي بمعنًى جديد أولى من أن نكرر المعنى؛ فيمكن أن يؤخذ من تفسير السلف إشارة إلى هذه القاعدة فكونهم نوعوا الأقسام فهذا تأسيس، ولم يجعلوها على نوع واحد، كأنه إشارة إلى التأكيد.
وقوله: إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ[الذاريات:5] (إنما) هنا ليست كافة ومكفوفة. (إنما) هذه جاءت في جميع المصاحف مرسومة بالاتصال، كما ينص عليه أصحاب الرسم، وهذه أصلها (إنَّ)، و(ما) موصولة بمعنى: الذي، والأصل في الرسم المتعارف عليه عندنا أنها تكون مفصولة.
وقوله: وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ[الذاريات:6]، ما فيها إشكال، لكن هنا ملحوظة في رواية مجاهد، في صفحة (188)، هذا السند يتكرر عن مجاهد كثيراً، وفيه تحويل في السند، قال: حدثني محمد بن عمرو ، قال: حدثنا أبو عاصم ، قال: حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، قوله: إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ[الذاريات:5]، والمعنى: لصدق، فوضع الاسم مكان المصدر، وهنا يظهر منه أن فيه نقصاً؛ لأنه لم يذكر تفسير مجاهد.
وقوله: (فوضع الاسم مكان المصدر) هو قطعاً من كلام الطبري ، لأن هذه المصطلحات ما كانت عند مجاهد ، فاحتمال أن يكون: إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ نقول: المعنى لصدق. فهو الآن يفسر كلام مجاهد ، لكن أين كلام مجاهد ؟ ننظر في تفسير مجاهد المطبوع، المستقل، من طريق آدم عن ورقاء عن ابن أبي نجيح ، يعني: نفس السند، لكن الراوي هنا عن ورقاء آدم وليس الحسن؛ لأن الحسن هنا قال: حدثنا ورقاء ، وهنا آدم عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، فسرها فقال: يقول: إن يوم القيامة لكائن، يعني معنى: إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ[الذاريات:5]، أي: إن يوم القيامة لكائن، فهذا في تفسير مجاهد المستقل المطبوع.. إذاً: يكون فيه سقط.
قوله سبحانه وتعالى: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ[الذاريات:7-9]، يقول الطبري رحمه الله تعالى: (والسماء ذات الخلق الحسن، وعنى بقوله: (ذات الحبك) ذات الطرائق، وتكسير كل شيء حبكه، وهو جمع حباك وحبيكة، يقال لتكسير الشعرة الجعدة: حبك، وللرملة إذا مرت بها الريح الساكنة، أيضاً يقال لها: حبك، والماء القائم، أيضاً يقال له: حبك، والدرع من الحديد يقال لها حبك..) ثم قال: (ومنه قول الراجز) وهنا يفسر لنا الحبك تفسيراً لغوياً.
قال بعدما أورد الشاهد الشعري: (وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل: وإن اختلفت ألفاظ قائله فيه) فنفهم من هذا أن الاختلاف الوارد عند السلف اختلاف عبارة، والمعنى واحد.
طريقة الجمع بين أقوال السلف في التفسير
وسننظر إلى بعض أقوال السلف وهي طويلة كما تلاحظون لكن نأخذ بعض ما ذكره في أقوالهم، ثم نأتي بعدها إلى تحليل هذه القضية.
فعندنا الآن (الحبك) قال: ذات الخلق الحسن، هذه من رواية ابن عباس ، والرواية الأخرى عنه: حسنها واستواؤها، قال سعيد بن جبير حسنها واستواؤها، كما قال شيخه.
وقال أيضاً: ذات الزينة.
وقال الحسن : حبكت بالخلق الحسن، حبكت بالنجوم، وأيضاً رواية أخرى عن الحسن بنفس المعنى.
وسئل عكرمة فقال: ذات الخلق الحسن؛ ألم تر إلى النساج إذا نسج الثوب قال: ما أحسن ما حبكه!
ثم أورد الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إن من ورائكم الكذاب المضل، وإن رأسه من ورائه حبك..)، يعني بالحبك: الجعودة.
ثم ذكر رواية عن ابن عباس مضت، ورواية عن أنس قال: ذات الخلق الحسن.
ورواية عن مجاهد قال: المتقن البنيان.
وقال الضحاك : ذات الزينة.
إلى قوله أن ابن زيد قال: الحبك: الشدة، حبكت: شدت، وقرأ قول الله تبارك وتعالى: وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا[النبأ:12]، ثم ذكر قولاً آخر أنه عني بها السماء السابعة، وهذا عن عبد الله بن عمرو .
نأتي الآن إلى مسألة متعلقة بقوله: (وإن اختلفت ألفاظ قائلها).
شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في مقدمة في أصول التفسير أشار إلى مسألة مهمة للمفسر، وهي: جمع عبارات السلف، وأن جمع عباراتهم أدل على المقصود، يقول - بعد كلام له- : وكذلك إذا قيل ذلك الكتاب، هذا القرآن، قال: فهذا تقريب؛ لأن المشار إليه وإن كان واحدًا، فالإشارة بجهة الحضور غير الإشارة بجهة البعد والغيبة، ولفظ الكتاب يتضمن من كونه مكتوباً مضموماً ما لا يتضمنه لفظ القرآن من كونه مقروءً مظهراً بادياً، فهذه الفروق موجودة في القرآن، فإذا قال أحدهم: أَنْ تُبْسَلَ[الأنعام:70] أي: تحبس، وقال الآخر: ترتهن.. ونحو ذلك لم يكن من اختلاف التضاد، وإن كان المحبوس قد يكون مرتهناً وقد لا يكون، إذ هذا تقريب للمعنى كما تقدم، ثم قال: وجمع عبارات السلف في مثل هذا نافع جداً، فإن مجموع عباراتهم أدل على المقصود من عبارة أو عبارتين.
أولاً: إذا أخذنا هذا الكلام التأصيلي ونظرنا إلى كلام الطبري؛ نجد أنه جمع كل هذه الروايات واختار منها معنى، جعله هو المعنى الكلي.
ثانياً: سبق أن ذكر الشوكاني : أنه إذا فسر أحدهم بما هو أوسع من لغة أنك تذكر اللغة، ثم تحاول أن تربط ما ذكره من المعاني باللغة، فلو رجعنا الآن إلى الحبك في اللغة، فمادة (حبك) في اللغة تأتي بمعنى: الشدة، يعني: شد الشيء، ويأتي بمعنى الإتقان الذي ينتج عنه حسن الصنعة، فإذا نظرت إلى المعاني التي ذكرها السلف، فإنها ستعود إلى هذا المعنى، إلى معنى الإتقان الذي ينتج منه حسن الصنعة، فمن عبر عنه بالزينة، فهذا فيه حسن. ومن قال: إن معنى (والسماء ذات الحبك) هي النجوم، فإن النجوم هي زينة السماء، ومن قال: الخلق الحسن، أيضاً رجع إلى هذا، فنلاحظ أن مجمل العبارات يعود إلى هذا، وقول ابن زيد بالذات يرجع إلى معنى الشدة.
فإذاً: كل هذه الروايات الواردة سترجع إلى معنى حسن خلق السماء، إلا رواية ابن زيد فترجع إلى المعنى الآخر الذي هو الشدة.
وأما الحديث الذي ذكره في تفسير الحبك فإن له علاقة بتفسير الآية، يعني: هل النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يذكر الدجال أراد أن يفسر: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ[الذاريات:7]، أجل، يعني: كأن المفسر استفاد من السنة، فهذه الاستفادة نسميها بالتفسير النبوي أو التفسير بالسنة؟
فهو تفسير لغوي، لكنه مستند على السنة، ونفهم منه أن لفظ الآية هو نفس لفظ الحديث، وإن كان الحديث يحتاج إلى تفسير، يعني: لو جاءك الحديث مفرداً لما علمت معناه.
وأيضاً عندنا سؤالات أتباع التابعين، ففي أثر عكرمة قال: سئل عكرمة ؛ فقوله: (سئل عكرمة ) إشارة إلى سؤالات أتباع التابعين.
فـعكرمة لما قال: (ألم تر إلى النساج إذا نسج الثوب..) إلى آخر عبارته، فهذه فيها استشهاد بكلام العرب؛ لأن عصر عكرمة كان عصر استشهاد لغوي، لم تفسد الألسن بعد، فاستشهد بما يسمعونه هم من الكلام، والكلام الذي كان في وقتهم كلام بالعربية الفصحى.
وفيه أيضاً من الفوائد ما يتعلق بـابن زيد وحرصه على ربط آيات القرآن بعضها ببعض، حيث ربط قوله سبحانه وتعالى: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ[الذاريات:7]، بقوله سبحانه وتعالى: وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا[النبأ:12]، فهذا يبدو أنه ربط آية بآية؛ لأنه فسر الحبك بالشدة، ثم ذكر: وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا[النبأ:12]، وهو تفسير قرآن بقرآن هنا، حيث فسر الحبك بالشدة، ثم استدل بالآية الأخرى، لكن ليس كل ربط آية بآية يكون تفسير قرآن بقرآن.
وفي قوله تعالى: يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ [الذاريات:9] قال: (يصرف عن الإيمان بهذا القرآن من صرف، ويدفع عنه من يدفع فيحرمه) ثم ذكر رواية قول عمرو بن العاص ..
ومن قال: إن المراد بالسماء في قوله تعالى: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ [الذاريات:7] السماء السابعة، فليس فيها شيء يمكن أن يذكر، بل مجرد تحديد أن المراد بها السماء السابعة، وهذا خبر يدخل في أمور الغيب.
فهو أولًا خبر غيبي، وثانياً: السماء السابعة الأصل فيها أنها غير مشاهدة، المشاهد لنا السماء الدنيا، وحبكها بالنجوم كما ذكروا، فتكون خارجة عن المراد، فليست هي السماء السابعة، بل السماء الدنيا التي تشاهد، وهذا يحتاج إلى نظر في الإسناد؛ هل يصح أو ما يصح عن عبد الله بن عمرو .
في قوله: يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ[الذاريات:9]، عندنا إشكال في رواية مجاهد ، وهو ما ذكره أول أثر في صفحة (91) لما قال: قال ابن عمرو في حديثه: (يوفي) أو (يؤفن) أو كلمة تشبهها، وقال الحارث : ( يؤفن) بغير شك، الذي هو شيخه الآخر، فأحد شيوخ الطبري شك في هذه العبارة، والثاني: أكد هذه العبارة.
وعندما نرجع أيضاً إلى تفسير مجاهد المطبوع برواية آدم فإن فيه (يؤفن)، وهذا أيضاً فيه دلالة على أن الرواية التي عند الحارث (يؤفن) فشكه يصحح بهذه الطرق الأخرى، أن قول مجاهد (يؤفن).
وعندما ننظر إلى رواياتهم في: يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ[الذاريات:9]، حيث قال بعضهم: يصرف عنه من صرف مثل الحسن ، وقتادة ، وابن زيد أيضاً.
فالذي فسر يؤفك بمعنى: يصرف، فهذا تفسير لفظي؛ لأنه لو رجعنا إلى الإفك فمعناه الكذب، الذي هو قلب الحقيقة، يعني: صرف الحق إلى باطل، فهو بمعنى الصرف، فالتعبير عنه بــ(يصرف) هذا تفسير لفظي، وهذا أيضاً يدلك على أنه لا يمكن أن يخرج الإنسان عن التفسير اللفظي، وأنه يرد عن السلف تفسير لفظي كثير، لكن يكثر عندهم الميل إلى التفسير على المعنى.
فقوله: يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ[الذاريات:9] الضمير في (عنه) عندما نرجع إلى الروايات نجد أن قتادة ذكر كتاب الله، يعني: يصرف عن الإيمان بالقرآن من صرف، والمصروف يعرف من خلال رواية عند ابن زيد قال: يؤفك عنه المشركون، وهذا الذي نبه عليه شيخ الإسلام ، فيكون المعنى: يصرف عن الإيمان بهذا القرآن المشركون، وهذا التفسير الجملي لها.
وهنا إشكالية في عبارة مجاهد: (يؤفن) وهي كلمة غريبة بحثت عنها وحاولت أن أجد ما هي أقرب عبارة تأتي بمعنى: الصرف فما وجدت في لغة العرب، ومما ذكروا أفن الرجل إذا ذهب بعقله، فيمكن أن نقول: إنه يريد يذهب بعقل الكافر عن الإيمان بالقرآن كأنها أقرب المعاني اللغوية المذكورة، لكن ما زال فيها إشكال، من جهة علاقة (يصرف) بـ(يؤفن) هذه تحتاج إلى بحث مستقل.
قوله سبحانه وتعالى: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ * يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ[الذاريات:10-12]، يقول الطبري : (لعن المتكهنون الذين يتخرصون الكذب والباطل فيتظننونه).
ثم قال: (واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ فقال بعضهم: عني به المرتابون) الخراص: المرتاب، وهذا من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، قال: لعن المرتابون.
قال: وقال آخرون في ذلك الذي قلنا فيه، ثم ذكر رواية أيضاً عن ابن عباس من طريق عطية العوفي قال: الكهنة.
ثم أورد أيضاً الرواية عن مجاهد قال: الذين يتخرصون الكذب، كقوله في: قُتِلَ الإِنْسَانُ[عبس:17] المعنى في (قتل) و(لعن) واحد، والمراد بالخراصين كما قال: الذين يتخرصون الكذب، ثم ذكر الرواية الأخرى، قال: (وقد حدثني كل واحد منهما بالإسناد.. ) إلى أن قال: ( الذين يقولون: لا نبعث ولا يوقنون) يعني: (الخراصون) الذين يقولون: لا نبعث ولا يوقنون، وذكر عن قتادة أنهم أهل الظنون، وعن ابن زيد قال: (هم الذين كانوا يتخرصون الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت طائفة: إنما هو ساحر، والذي جاء به سحر، وقالت طائفة: إنما هو شاعر، والذي جاء به شعر، وقالت طائفه: إنما هو كاهن، والذي جاء به كهانة; وقالت طائفة: أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا[الفرقان:5] يتخرصون على رسول الله صلى الله عليه وسلم).
فهذه هي الأقوال التي أوردها الطبري مع ملاحظة أنه قال: (وقال بعضهم بالذي قلنا فيه) لو رجعنا إلى معنيين: إلى أن المراد بهم المرتابون أو أن المراد بهم الكهنة، ثم ذكر أقوالاً أخرى أعم من قضية الكاهن، فالذي يتخرص الكذب: الكاهن وغير الكاهن، وكذلك أهل الظنون: الكاهن وغير الكاهن؛ فتخصيصها بالكهنة، كأنه من باب التمثيل، فذكر الكهنة بالذات من باب التمثيل.
والدين هو الجزاء والحساب، يعني: إِنَّمَا تُوعَدُونَ[الذاريات:5] يعني: من الأخبار بالغيب، الذي هو يوم القيامة: لَصَادِقٌ[الذاريات:5] يعني: لكائن، وهذا الدين واقع، يعني: حاصل، فيصرف عن الإيمان بالبعث؛ وهذا جائز، وهو جزء من الإيمان بالقرآن؛ لأن القرآن فيه أخبار البعث.
وأما تفسير (قتل) بـ(لعن)، ومعنى (قتل) دعاء، مثل: قاتله الله، فالتفسير اللفظي لها: قُتِلَ الإِنْسَانُ[عبس:17] أو قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ[الذاريات:10] بمعنى الدعاء عليهم بأن يقتلوا، يعني: بأن يحصل لهم القتل، وهذا الدعاء من لوازمه اللعن، لأن الذي يقول: قتل الإنسان، والذي يقول: قتل الخراصون، هو الله سبحانه وتعالى؛ فمن لوازم هذا الكلام أنهم يلعنون، فلا يدعى عليهم بهذا إلا وقد صاروا إلى مرحلة أن يلعنوا؛ فالتفسير باللعن هو تفسير باللازم، فصار من باب التفسير بالمعنى.
و ابن عطية وقف عند هذه العبارة في ثلاثة مواطن، واختلفت عبارته في نقد تفسيرها أو توجيهه.
الموطن الأول في: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ[الذاريات:10]، قال: وقال بعض المفسرين: لعن الخراصون، وهذا تفسير لا تعطيه اللفظة، بمعنى: لا يؤخذ بالمطابقة؛ لأنه فسرها بالدعاء عليهم بالقتل.
والموطن الثاني في قوله: قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ[عبس:17]، قال: وقال مجاهد ، (قتل) معناه (لعن) وهذا تحكم، وهذا غريب من ابن عطية .
الموطن الثالث: قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ[البروج:4]، قال: وقيل عن ابن عباس معناه (لعن) وهذا تفسير بالمعنى، فقوله الأخير هو الصواب.
فاختلفت عبارته لكن العبارة الأخيرة هي الصواب وهو أن هذا من باب التفسير بالمعنى، وهو من لازم الجملة التي هي: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ[الذاريات:10]، أو قُتِلَ الإِنْسَانُ[عبس:17]، أو قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ[البروج:4] أي: أنهم لعنوا؛ لأن الدعاء عليهم دلالة على أنهم وصلوا إلى حد أن يلعنوا.
وقوله: (الخراصون) الخراص: هو الذي يحزر ويقول بالظن، فالكاهن يدخل في هذا المعنى وكذلك المرتاب وكذلك كل من يقول بلا يقين، مثل الكذاب أيضاً فيدخل في هذا المعنى، فيكون تفسير هؤلاء السلف على المثال للخراصين، ويكون اختلافاً يرجع إلى معنى واحد، وهو اختلاف تنوع، وسبب الاختلاف هو التمثيل.
وعلى هذا فـابن عباس ورد عنه قولان، الأول: أن المراد بهم الكهنة، الثاني: أن المراد بهم المرتابون، وهذا لا يعد تضاداً؛ لأنه مثال للخراصين.
وهنا قضية ثانية أشير إليها إشارة وهي أيهما أقوى في الإسناد رواية علي بن أبي طلحة أو رواية عطية العوفي ؟
المؤلف مال إلى رواية عطية ؛ لأنه قال: وقال آخرون في ذلك بالذي قلنا فيه، فأخذ برواية عطية .
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
استمع المزيد من صفحة د. مساعد الطيار - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
مقدمة في أصول التفسير [6] | 2942 استماع |
مقدمة في أصول التفسير [3] | 2419 استماع |
مقدمة في أصول التفسير [4] | 2373 استماع |
مقدمة في أصول التفسير [1] | 2359 استماع |
مقدمة في أصول التفسير [9] | 2294 استماع |
مقدمة في أصول التفسير [5] | 2268 استماع |
مقدمة في أصول التفسير [8] | 2024 استماع |
مقدمة في أصول التفسير [7] | 1778 استماع |
مقدمة في أصول التفسير [2] | 1646 استماع |
مقدمة في أصول التفسير [11] | 1300 استماع |