الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى قد أنعم على هذه الأمة بنعمة الإسلام، وفصل الله جل وعلا كل ما فيه من تفاصيل الخير وأجزائه أحسن تفصيل وأتمه، وذلك مقتضى الرحمة لهذه الأمة، ومقتضى الفضل الذي أعطاها الله جل وعلا إياه، فما من خير من الأعمال والأقوال والاعتقادات إلا وقد أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة إليه.

وما من شيء من الآداب والسلوك ومبادئ الأقوال والأفعال والأفكار والعقائد إلا والأمة على محجة بيضاء فيه ومنه، وذلك فضل الله سبحانه وتعالى ورحمته على هذه الأمة، ولهذا جعلها الله جل وعلا أمة الرحمة، وأمة الخير، وأمة الوسط.

والنبي صلى الله عليه وسلم جعله الله خاتم الأنبياء والمرسلين، وكما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أن الأعمال بالخواتيم )، يعني: أن العبرة بخواتيم الأشياء، وأزكى الشيء خاتمته.

وقد جاء القرآن الكريم بمجموع ذلك الفضل، وجاءت السنة مفصلة لذلك المجموع، ولهذا عد وحي الله جل وعلا قرآناً وسنة رحمة وفضلاً، قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].

في قول الله سبحانه وتعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ [الأنعام:82]، الله سبحانه وتعالى بيّن أن ثمة طوائف من هذه الأمة لم يلبسوا الإيمان بشيء من الظلم، وهذا الظلم الذي ذكره الله جل وعلا في هذه الآية لا يختلف العلماء أن المراد به الشرك، وهو أعظم الظلم.

وفيه إشارة إلى أهمية العقائد والأفكار التي ينزع الناس منها ويصدرون عنها أقوالاً وأفعالاً، وذلك أن الأقوال والأفعال التي لا يصدر الناس فيها عن عقائد لا يثبتون عليها، وذلك أن العقائد هي الأصول، وأما الأقوال والأفعال فهي فرع ونتاج لها، فما لم يكن له أصل ونتاج فإنه يبقى شيئاً يسيراً ثم يزول، ولهذا عظمت الأصول وعظمت الفروع التي تتكئ على تلك الأصول، وأصبحت الفروع التي لا تتكئ على أصول هزيلة ولا تبقى.

وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تصحيح العقائد بمكة أكثر من عقد، لا يزول عليه الصلاة والسلام عنها، ولا يدعو النبي صلى الله عليه وسلم إلى شيء من فروع الدين في ابتداء الأمر، وإنما دعا إلى تصحيح الأصول.

مخاطبة القلوب والعقول لإصلاح العقيدة

وأعظم الظلم وأشده هو أن يظلم الإنسان نفسه بتأصيل شيء مما يخالف أمر الله جل وعلا باطناً، وهو ما يسمى بالعقائد والإشراك مع الله جل وعلا غيره، ولهذا كان الظلم في لغة العرب هو أن يضع الإنسان الشيء في غير موضعه، وأعظم الظلم أن يضع الإنسان عمل القلب لغير الله.

والله سبحانه وتعالى خاطب القلوب والعقول قبل أن يخاطب الأبدان والجوارح، وذلك أن الإنسان قد يمتثل من غير اعتقاد، كما يخاطب الإنسان ولو كان منزوع العقل كالسفيه والمجنون وناقص الأهلية يخاطب بشيء من الأوامر فيمتثل فوراً، ولكنه لا يملك القياس لكي يلحق أسباب ذلك الأمر بكل أصل له إذا اقترن معه مرة أخرى أن يؤدي ذلك الفعل وذلك القول؛ لأنه لا يملك أصلاً، وإنما يحتاج معه إلى المبادرة أن يؤمر عند كل سبب يقتضيه، فهذا يمتثله إذا لم يكن لديه أصل، وأما أولو الألباب فلا بد لهم من أصول يتكئون عليها، فاختلفوا وافترقوا عمن نزع الله جل وعلا عنه العقل وأهلية الخطاب.

تصحيح البواطن مع الظواهر

وقد جاءت الشريعة بتصحيح البواطن كما جاءت بتصحيح الظواهر، ولهذا كثير من الدعوات التي يدعون فيها إلى الموافقة ظاهراً مع عدم الموافقة باطناً، فهؤلاء دعوتهم لا تليق بدعوة أهل العقل، وذلك أن هؤلاء قد يتغيرون في أي زمن وفي أي لحظة عند أي سبب يصرفهم إلى هوى أو إلى شبهة أو إلى شهوة يحتاجون إليها؛ لأن غراس الأصل معدوم، فينصرفون إلى أفعال تشبع أهواءهم.

سوء حال المجتمعات التي لا تتكئ على عقيدة صافية

والمجتمعات التي لا تتكئ على عقيدة صافية، وعلى توحيد لله سبحانه وتعالى تتكئ على شيء من حظوظ الدنيا إن أعطوا منها رضوا، وإن لم يعطوا منها سخطوا.

وفي المجتمعات المادية، أو المجتمعات التي تدين بالولاء لغير خالق، إما لعرق أو لتربة أو لمال، أو غير ذلك، فإنهم يدورون مع ذلك الحظ بقي أو زال.

وأما الخالق سبحانه وتعالى فهو وحده جل وعلا له أهلية انصراف العبادة له جل وعلا فهي ثابتة لا تزول، ولهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره الله جل وعلا أن يدعو الناس إلى التوحيد، ولا يدعوهم عليه الصلاة والسلام إلى شيء من الأقوال والأفعال مجردة، وذلك أن الأقوال والأفعال إذا لم تتكئ على التوحيد فإنها تزول.

دعوة سائر الأنبياء إلى التوحيد

إن الأمر بتوحيد الله جل وعلا هو أمر سائر أنبياء الله، وهو دين الإسلام الذي أمر الله جل وعلا باتباعه كما قال جل وعلا: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، وبيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ما من نبي بعثه الله إلى قومه إلا ودعاهم إلى توحيده، فهو الذي يتفقون عليه، وأما الفروع وسلوكيات الناس والآداب ونحو ذلك، فإنها قد تتباين من ملة وشرعة إلى ملة وشرعة أخرى.

عظم جرم الشرك بالله

وإن أعظم عمل من الشر تقع فيه البشرية هو الإشراك مع الله جل وعلا، ولهذا خصه الله سبحانه وتعالى بجملة من الخصائص التي ليست لغيره، وهذه الخصائص هي أن الله جل وعلا جعل الإشراك هو أعظم الظلم، وإذا كان أعظم الظلم فعاقبته عند الله جل وعلا أعظم العواقب، وهي الخلود في النار، قال سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، ويقول الله جل وعلا: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [المائدة:5]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من مات وهو يشرك مع الله شيئاً دخل النار، ومن مات وهو لا يشرك مع الله شيئاً دخل الجنة ).

وبيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم حق الله على عباده وحق العباد على الله، وأن مدار ذلك كله على التوحيد، وأنه إذا صح التوحيد تبعته الحقوق على سبيل التبع لا على سبيل الاستقلال، وإذا ثبت هذا علم أنه يجب على دعاة الربانية أن ينصرفوا إلى تصحيح البواطن وتصحيح العقائد، وتصحيح الأفكار قبل تصحيح الأقوال والأعمال.

وأعظم الظلم وأشده هو أن يظلم الإنسان نفسه بتأصيل شيء مما يخالف أمر الله جل وعلا باطناً، وهو ما يسمى بالعقائد والإشراك مع الله جل وعلا غيره، ولهذا كان الظلم في لغة العرب هو أن يضع الإنسان الشيء في غير موضعه، وأعظم الظلم أن يضع الإنسان عمل القلب لغير الله.

والله سبحانه وتعالى خاطب القلوب والعقول قبل أن يخاطب الأبدان والجوارح، وذلك أن الإنسان قد يمتثل من غير اعتقاد، كما يخاطب الإنسان ولو كان منزوع العقل كالسفيه والمجنون وناقص الأهلية يخاطب بشيء من الأوامر فيمتثل فوراً، ولكنه لا يملك القياس لكي يلحق أسباب ذلك الأمر بكل أصل له إذا اقترن معه مرة أخرى أن يؤدي ذلك الفعل وذلك القول؛ لأنه لا يملك أصلاً، وإنما يحتاج معه إلى المبادرة أن يؤمر عند كل سبب يقتضيه، فهذا يمتثله إذا لم يكن لديه أصل، وأما أولو الألباب فلا بد لهم من أصول يتكئون عليها، فاختلفوا وافترقوا عمن نزع الله جل وعلا عنه العقل وأهلية الخطاب.

وقد جاءت الشريعة بتصحيح البواطن كما جاءت بتصحيح الظواهر، ولهذا كثير من الدعوات التي يدعون فيها إلى الموافقة ظاهراً مع عدم الموافقة باطناً، فهؤلاء دعوتهم لا تليق بدعوة أهل العقل، وذلك أن هؤلاء قد يتغيرون في أي زمن وفي أي لحظة عند أي سبب يصرفهم إلى هوى أو إلى شبهة أو إلى شهوة يحتاجون إليها؛ لأن غراس الأصل معدوم، فينصرفون إلى أفعال تشبع أهواءهم.

والمجتمعات التي لا تتكئ على عقيدة صافية، وعلى توحيد لله سبحانه وتعالى تتكئ على شيء من حظوظ الدنيا إن أعطوا منها رضوا، وإن لم يعطوا منها سخطوا.

وفي المجتمعات المادية، أو المجتمعات التي تدين بالولاء لغير خالق، إما لعرق أو لتربة أو لمال، أو غير ذلك، فإنهم يدورون مع ذلك الحظ بقي أو زال.

وأما الخالق سبحانه وتعالى فهو وحده جل وعلا له أهلية انصراف العبادة له جل وعلا فهي ثابتة لا تزول، ولهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره الله جل وعلا أن يدعو الناس إلى التوحيد، ولا يدعوهم عليه الصلاة والسلام إلى شيء من الأقوال والأفعال مجردة، وذلك أن الأقوال والأفعال إذا لم تتكئ على التوحيد فإنها تزول.

إن الأمر بتوحيد الله جل وعلا هو أمر سائر أنبياء الله، وهو دين الإسلام الذي أمر الله جل وعلا باتباعه كما قال جل وعلا: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، وبيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ما من نبي بعثه الله إلى قومه إلا ودعاهم إلى توحيده، فهو الذي يتفقون عليه، وأما الفروع وسلوكيات الناس والآداب ونحو ذلك، فإنها قد تتباين من ملة وشرعة إلى ملة وشرعة أخرى.

وإن أعظم عمل من الشر تقع فيه البشرية هو الإشراك مع الله جل وعلا، ولهذا خصه الله سبحانه وتعالى بجملة من الخصائص التي ليست لغيره، وهذه الخصائص هي أن الله جل وعلا جعل الإشراك هو أعظم الظلم، وإذا كان أعظم الظلم فعاقبته عند الله جل وعلا أعظم العواقب، وهي الخلود في النار، قال سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، ويقول الله جل وعلا: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [المائدة:5]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من مات وهو يشرك مع الله شيئاً دخل النار، ومن مات وهو لا يشرك مع الله شيئاً دخل الجنة ).

وبيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم حق الله على عباده وحق العباد على الله، وأن مدار ذلك كله على التوحيد، وأنه إذا صح التوحيد تبعته الحقوق على سبيل التبع لا على سبيل الاستقلال، وإذا ثبت هذا علم أنه يجب على دعاة الربانية أن ينصرفوا إلى تصحيح البواطن وتصحيح العقائد، وتصحيح الأفكار قبل تصحيح الأقوال والأعمال.

الأثر السيئ للدعوات الزائفة

إن كثيراً من الدعوات الزائفة التي تتكئ على الماديات، أو على اجتماع الناس على شيء من المبادئ الظاهرة، أو السلم المدني مع اختلاف البواطن، فإن هذه المجتمعات سرعان ما تتقاتل بينها إما على مادة، وإما على شيء من مصالحها أو شهواتها أو شبهاتها بحسب ما يختلفون فيه، ولهذا لم تبق شرعة كما بقي الإسلام، ولم تتآلف شرعة ما تآلف الإسلام وأهله، وذلك أن الله جل وعلا قد صحح البواطن فأصبح عليها الولاء.

ضرورة الاعتصام بحبل الله

وما من فتنة تقع في مجتمعات الإسلام إلا بحسب انحرافهم عن ذلك المبدأ الذي أسهل الله جل وعلا أمره، وأمر بالتآلف عليه كما في قوله جل وعلا: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا [آل عمران:103]، فإذا وقعت مقتلة أو فتنة في الإسلام فإن تلك الفتنة أو تلك المقتلة، وذلك الشقاق الذي يدب في الأمة هو بحسب انصرافها عن ذلك المبدأ الذي أسهله الله جل وعلا لها.

حفظ بيضة الإسلام

وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأمة لا يسلط الله عليها عدواً من خارجها فيستبيح بيضتها، وذلك مقتضى بقاء الإسلام، وهذا ظاهر في قول الله جل وعلا: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، وذلك أن الله جل وعلا إذا حفظ أصل الدين يعني أن الأمة لا يمكن أن تستباح بالكلية، وإنما تستباح أطرافها، والفتنة تقع من داخلها، فإذا وقعت من داخلها فهو دليل على أنه ثمة من أبنائها من يتسلل عن هذا الأصل إما بنفاق أو بوفاق، وذلك شيء من الخروج عن مبدأ الإسلام وأصله.

إن الدعوة إلى التوحيد هي التي دعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بتصحيح البواطن تهيئة للأقوال والأعمال.

إن كثيراً من الدعوات الزائفة التي تتكئ على الماديات، أو على اجتماع الناس على شيء من المبادئ الظاهرة، أو السلم المدني مع اختلاف البواطن، فإن هذه المجتمعات سرعان ما تتقاتل بينها إما على مادة، وإما على شيء من مصالحها أو شهواتها أو شبهاتها بحسب ما يختلفون فيه، ولهذا لم تبق شرعة كما بقي الإسلام، ولم تتآلف شرعة ما تآلف الإسلام وأهله، وذلك أن الله جل وعلا قد صحح البواطن فأصبح عليها الولاء.

وما من فتنة تقع في مجتمعات الإسلام إلا بحسب انحرافهم عن ذلك المبدأ الذي أسهل الله جل وعلا أمره، وأمر بالتآلف عليه كما في قوله جل وعلا: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا [آل عمران:103]، فإذا وقعت مقتلة أو فتنة في الإسلام فإن تلك الفتنة أو تلك المقتلة، وذلك الشقاق الذي يدب في الأمة هو بحسب انصرافها عن ذلك المبدأ الذي أسهله الله جل وعلا لها.