خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/2102"> الشيخ عبد العزيز الطريفي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/2102?sub=56812"> سلسلة المحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
الرقية الشرعية أحكام وآثار
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الله جل وعلا قد أنعم على هذه الأمة، وأكرمها بنعم عظيمة جليلة، ومن أعظم هذه النعم أن الله جل وعلا قد خصها بخير الرسل، وأنزل عليها أتم وأشمل كلام وهو الكتاب العظيم، وهذا لا شك أن له أثراً في عاقبة هذه الأمة عند ربها، ولهذا كان من أعظم آثارها أنها من أقل الأمم دخولاً للنار، وأكثرها دخولاً للجنة، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أخبار عديدة.
وقد جعل الله جل وعلا كتابه العظيم دليلاً وحجة للناس يعرفون به الحق من الخطأ والباطل، وكذلك يعرفون به الخير من الشر، وجعله الله جل وعلا شفاءً للناس من الأسقام والأمراض، سواءً كانت أمراضاً حسية أو معنوية، أما المعنوية فما يمكن أن يطرأ على الإنسان في نفسه من العوارض التي تكون داخلة على النفس أو الروح، وأما ما كان من الأمور الحسية فمما يطرأ على الإنسان من جراحات وآلام يحس بها في جسده، كل ذلك قام الدليل في كلام الله جل وعلا وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه شفاء له، وقد جاء في ذلك جملة من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها ما جاء في حديث أسامة بن شريك قال: ( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته: أنتداوى؟ قال: نعم. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ما من داء إلا جعل الله له دواءً إلا داءً واحداً. قيل له: ما هو يا رسول الله؟! قال: الهرم )، والمراد بذلك مقدمات آجال الناس في أواخر أعمارهم، وذلك أن الله سبحانه وتعالى يجعل لعلامات موت الإنسان ظهوراً للناس في غالب الأحيان، وذلك معلوم كما جاء في ذلك جملة من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تقدير الآجال على سبيل التقريب كما في السنن وغيرها: ( أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين )، وكذلك ما جاء في ذكر المشيب، والهرم الذي يطرأ على الإنسان، وغير ذلك مما يظهر على الإنسان من ضعف حواسه مما يدل على قرب أجله وبعده عن مواضع القوة في الحياة.
وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ [القيامة:27]، قال غير واحد من المفسرين منهم عكرمة فيما رواه ابن جرير الطبري من حديث سماك عن عكرمة قال: هل ثمة راقٍ يرقيه؟ يعني: إذا كانت حاله كذلك, وهذا لا يدخل في أبواب الرقية، وهي من المستثناة كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث السالف في قوله: ( ما أنزل الله داءً إلا أنزل الله له دواءً إلا الهرم )، وجاء في معنى هذا جملة من الأحاديث، وهو ظاهر من جهة الدلالة في كلام الله سبحانه وتعالى.
والكلام على مسألة الرقية والاستشفاء ينبغي أن يقدم له بمقدمة، وهي أنه تقرر في الشريعة أن الإنسان لا يصاب بمصيبة من المصائب سواءً كانت حسية أو معنوية مما يصاب به في نفسه وماله وولده وعرضه، لا يكون هذا إلا بذنب اقترفه الإنسان، وقد جاء في ذلك جملة من الآي، وكذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تقرير هذا المعنى، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30]، وهذا يدل على أن الإنسان ما نزلت به مصيبة إلا بما كسبت يداه.
وزوال ذلك السبب العارض الذي طرأ على الإنسان يزول بزوال ذلك الأثر، فإذا علمنا أن الذنوب التي يقترفها الإنسان بأحد حواسه سواءً من الأفعال أو الأقوال، أو كان ذلك مما يسره الإنسان من خبيئة نفسه، أو النية التي يصرفها لغير الله جل وعلا، فإن الإنسان يصاب بالذنوب والأسقام والأمراض جراء تلك الذنوب، فإذا تقرر لدينا هذا، وعلم هذا باليقين والنص من كلام الله عز وجل، وأصبح من الأمور المقطوعة، علم أن إزالة ذلك السبب مزيل لذلك الأثر.
ومن المتقرر أصلاً بإجماع الأمة أن الاستغفار يغسل الذنوب، وإذا كانت الذنوب جالبة للمصائب والأسقام والأمراض، فإن التوبة دافعة لتلك الأسقام والأمراض، والاستغفار وذكر الله جل وعلا مما يدفع البلاء عن الإنسان على سبيل العموم.
ورود الأدلة بقراءة الأذكار والأدعية
وقد دلت الأدلة من كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على ورود بعض الأذكار والأدعية التي ينبغي للإنسان أن يقولها في بعض المواضع التي تطرأ عليه فعلاً أو قولاً، أو حالاً أو زمناً، فينبغي للإنسان أن يحرص عليها، وهي مما يدفع عن الإنسان البلاء، وهي داخلة في عموم الرقية، فهي علاج قبل نزول البلاء أو قبل احتماله، فإذا نزل البلاء بعد ورود الأخذ بتلك الأسباب من الأذكار، أو تلاوة آي القرآن كان نزول ذلك البلاء يسيراً وأثره يسيراً، وزواله سريعاً، فإذا نزل ذلك البلاء من غير دفع ذلك السبب بإيراد تلك الأذكار من كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نزول ذلك الأثر على الإنسان عظيماً، وكان زواله أشق وأعظم.
ولهذا ربما يطرأ على الإنسان شيء من السحر وشيء من العين وهو يذكر الله جل وعلا، فيكون زواله إذا كان قد أخذ بالأسباب قبل ورود تلك الآثار عليه أخف وأيسر، وكحال ورود السحر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك العين عندما تقع على كثير ممن يذكر الله جل وعلا، فإن زوال ذلك الأثر لمن أخذ بالسبب الشرعي أسرع ممن لم يأخذ بذلك السبب الذي يدفع ذلك المرض، الذي دل الدليل على وروده في حال عدم الاحتياط.
هذا ما يتعلق بمسألة الاحتياط قبل ورود الأسباب التي يعالجها الإنسان بالرقية التي ينبغي للإنسان أن يحترز بها، والنصوص في ذلك كثيرة، ويحرص الإنسان على ما يحمي على سبيل العموم أكثر مما يحمي على سبيل التخصيص.
حماية الدار بالذكر
والنبي عليه الصلاة والسلام بين أن ثمة أذكاراً تحمي الدار بكاملها، ولو بشيء يسير كذكر بسم الله الرحمن الرحيم، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر بن عبد الله: ( أن الرجل إذا دخل داره، فقال: بسم الله، قال الشيطان: لا مبيت )، وجاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أيضاً: ( أن الرجل إذا دخل داره ولم يذكر اسم الله دخل الشيطان، وإذا أكل طعاماً ولم يذكر اسم الله، قال الشيطان: لكم مبيت ولكم عشاء، وإذا ذكر الله جل وعلا عند دخوله البيت، وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت اليوم ولا عشاء )، يعني: أن الحرز شمل البيت وأهله، وهذا مما ينبغي للإنسان أن يعتني به، وهو لفظ يسير يحمي الإنسان من ورود العوارض عليه.
كذلك العناية بالأذكار التي دل الدليل عليها بخصوصها من كلام الله جل وعلا وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تحمي الدور، فتلاوة بعض آي القرآن من سورة البقرة وآل عمران تحمي البيت، وكذلك تقي الإنسان وأهله من السحر، وكذلك آخر آيتين من سورة البقرة، وغير ذلك من الآي التي تتعلق بالدور، ولذا ينبغي للإنسان أن يعتني بذلك حتى يحمي أهله وذريته.
وقد دلت الأدلة من كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على ورود بعض الأذكار والأدعية التي ينبغي للإنسان أن يقولها في بعض المواضع التي تطرأ عليه فعلاً أو قولاً، أو حالاً أو زمناً، فينبغي للإنسان أن يحرص عليها، وهي مما يدفع عن الإنسان البلاء، وهي داخلة في عموم الرقية، فهي علاج قبل نزول البلاء أو قبل احتماله، فإذا نزل البلاء بعد ورود الأخذ بتلك الأسباب من الأذكار، أو تلاوة آي القرآن كان نزول ذلك البلاء يسيراً وأثره يسيراً، وزواله سريعاً، فإذا نزل ذلك البلاء من غير دفع ذلك السبب بإيراد تلك الأذكار من كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نزول ذلك الأثر على الإنسان عظيماً، وكان زواله أشق وأعظم.
ولهذا ربما يطرأ على الإنسان شيء من السحر وشيء من العين وهو يذكر الله جل وعلا، فيكون زواله إذا كان قد أخذ بالأسباب قبل ورود تلك الآثار عليه أخف وأيسر، وكحال ورود السحر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك العين عندما تقع على كثير ممن يذكر الله جل وعلا، فإن زوال ذلك الأثر لمن أخذ بالسبب الشرعي أسرع ممن لم يأخذ بذلك السبب الذي يدفع ذلك المرض، الذي دل الدليل على وروده في حال عدم الاحتياط.
هذا ما يتعلق بمسألة الاحتياط قبل ورود الأسباب التي يعالجها الإنسان بالرقية التي ينبغي للإنسان أن يحترز بها، والنصوص في ذلك كثيرة، ويحرص الإنسان على ما يحمي على سبيل العموم أكثر مما يحمي على سبيل التخصيص.
والنبي عليه الصلاة والسلام بين أن ثمة أذكاراً تحمي الدار بكاملها، ولو بشيء يسير كذكر بسم الله الرحمن الرحيم، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر بن عبد الله: ( أن الرجل إذا دخل داره، فقال: بسم الله، قال الشيطان: لا مبيت )، وجاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أيضاً: ( أن الرجل إذا دخل داره ولم يذكر اسم الله دخل الشيطان، وإذا أكل طعاماً ولم يذكر اسم الله، قال الشيطان: لكم مبيت ولكم عشاء، وإذا ذكر الله جل وعلا عند دخوله البيت، وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت اليوم ولا عشاء )، يعني: أن الحرز شمل البيت وأهله، وهذا مما ينبغي للإنسان أن يعتني به، وهو لفظ يسير يحمي الإنسان من ورود العوارض عليه.
كذلك العناية بالأذكار التي دل الدليل عليها بخصوصها من كلام الله جل وعلا وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تحمي الدور، فتلاوة بعض آي القرآن من سورة البقرة وآل عمران تحمي البيت، وكذلك تقي الإنسان وأهله من السحر، وكذلك آخر آيتين من سورة البقرة، وغير ذلك من الآي التي تتعلق بالدور، ولذا ينبغي للإنسان أن يعتني بذلك حتى يحمي أهله وذريته.
وأما ما يتعلق بمسألة العلاج بالرقية فيقال: إن الرقية يقصد بها ما يتداوى به الناس من لفظ، وكذلك ما يتداوى به الناس من أمور محسوسة، سواءً كان ذلك من أبخرة أو مطعومات ونحو ذلك، فإنها تسمى رقية.
الأصل في الرقى
وهي من جهة الأصل مشروعة إلا ما كان شركاً، وقد جاء في ذلك خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عقبة لما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ( يا رسول الله! إنا كنا في الجاهلية لنا رقى نرقي بها، فما ترى في ذلك؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: اعرضوا عليّ رقاكم، لا بأس بها ما لم تكن شركاً، أو ما لم تكن من الشرك )، وهذا دليل على أن الأصل في الرقى الإباحة.
والرقى قد تكون من كلام الله، وقد تكون مما يعرض من كلام العرب، وقد تكون أيضاً من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تكون متضمنة لمعانٍ قد دلت عليها النصوص في كلام الله وفي كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم من المعاني المحمودة، فإن هذا مما يجوز أن يرقى بها.
الرقية بالألفاظ العربية
الرقية شاملة لكلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشاملة كذلك للألفاظ العربية المفهومة من جهة المعنى، ولو لم تكن من كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دفعت عنها الشبهة والظنة من أن تكون من الطلاسم وغير ذلك، فإنها مما لا حرج فيه، ولهذا كانت العرب ترقي النملة التي تطرأ على بعض الناس، وهي داء يخرج في جنوب الناس، وتطرأ على النساء أكثر، وقد حث النبي عليه الصلاة والسلام على تعليم هذه الرقية، وهي من ألفاظ العرب الدارجة المسجوعة، وقد جاء هذا عند الإمام أحمد و أبي داود و البيهقي من حديث عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز -وهو ابن الخليفة الراشد- عن صالح بن كيسان عن أبي بكر بن سليمان عن الشفاء بنت عبد الله أنها كانت عند حفصة عليها رضوان الله تعالى قالت: ( دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة عليها رضوان الله تعالى، فقال لي النبي عليه الصلاة والسلام: علميها رقية النملة كما علمتيها الكتابة )، ورقية النملة عند العرب كما جاء في قول المرأة: تكتحل وتنتعل وتختضب، وكل شيء تفتعل إلا أنها لا تعصي الرجل، ورقية النملة عند العرب من جهة المعنى سليمة وصحيحة، ولا يقال بمنعها.
الرقية على البهيمة والجماد
وقد جاء في رقية البهيمة قوله: ( اذهب إليها فانفث في منخرها الأيمن أربعاً، وفي الأيسر ثلاثاً، وقل: اللهم رب الناس أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا يرفع الضر إلا أنت، فعل ذلك فبرئت )، مما يدل على أن الرقية أيضاً كما أنها تكون على الإنسان كذلك تكون على بهيمة الأنعام.
وكذلك لا حرج فيها أن تكون على الجماد، وهذا مما دل عليه الدليل، وقد جاء في مسند الإمام أحمد عن حنظلة عليه رضوان الله تعالى أنه كان يرقي البهائم، ويضع يديه على الضرع وعليها فيرقيها، فتبرأ مما هي فيه، وجاء في الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى أنه قال: (كنت أرعى غنماً لـعقبة بن أبي معيط ، فجاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبو بكر وكنت غلاماً، فقال: أعندك حليب؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ائتني بشاة لم يضربها فحل، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على ضرعها فذكر الله جل وعلا، فحلبها عليه الصلاة والسلام ثم رجعت كما كانت )، وهذا يدل على أن البهيمة تشفى مما يطرأ عليها، وكذلك فيه من آثار الإعجاز لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذا كان هناك شيء من الألفاظ مما لا يدل عليه الدليل مما عرف تجربة ولم يكن من الشرك، فإنه يقال: لا حرج على الإنسان أن يتداوى وأن يرقي به.
وأعظم الرقى هو ما كان في كلام الله عز وجل، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما دل عليه الدليل من الوحي فإنه أعظم شفاء، وقد بين الله سبحانه وتعالى أن القرآن قد أنزله شفاء للناس، قال الله سبحانه وتعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:82].
وهي من جهة الأصل مشروعة إلا ما كان شركاً، وقد جاء في ذلك خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عقبة لما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ( يا رسول الله! إنا كنا في الجاهلية لنا رقى نرقي بها، فما ترى في ذلك؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: اعرضوا عليّ رقاكم، لا بأس بها ما لم تكن شركاً، أو ما لم تكن من الشرك )، وهذا دليل على أن الأصل في الرقى الإباحة.
والرقى قد تكون من كلام الله، وقد تكون مما يعرض من كلام العرب، وقد تكون أيضاً من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تكون متضمنة لمعانٍ قد دلت عليها النصوص في كلام الله وفي كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم من المعاني المحمودة، فإن هذا مما يجوز أن يرقى بها.
الرقية شاملة لكلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشاملة كذلك للألفاظ العربية المفهومة من جهة المعنى، ولو لم تكن من كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دفعت عنها الشبهة والظنة من أن تكون من الطلاسم وغير ذلك، فإنها مما لا حرج فيه، ولهذا كانت العرب ترقي النملة التي تطرأ على بعض الناس، وهي داء يخرج في جنوب الناس، وتطرأ على النساء أكثر، وقد حث النبي عليه الصلاة والسلام على تعليم هذه الرقية، وهي من ألفاظ العرب الدارجة المسجوعة، وقد جاء هذا عند الإمام أحمد و أبي داود و البيهقي من حديث عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز -وهو ابن الخليفة الراشد- عن صالح بن كيسان عن أبي بكر بن سليمان عن الشفاء بنت عبد الله أنها كانت عند حفصة عليها رضوان الله تعالى قالت: ( دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة عليها رضوان الله تعالى، فقال لي النبي عليه الصلاة والسلام: علميها رقية النملة كما علمتيها الكتابة )، ورقية النملة عند العرب كما جاء في قول المرأة: تكتحل وتنتعل وتختضب، وكل شيء تفتعل إلا أنها لا تعصي الرجل، ورقية النملة عند العرب من جهة المعنى سليمة وصحيحة، ولا يقال بمنعها.
وقد جاء في رقية البهيمة قوله: ( اذهب إليها فانفث في منخرها الأيمن أربعاً، وفي الأيسر ثلاثاً، وقل: اللهم رب الناس أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا يرفع الضر إلا أنت، فعل ذلك فبرئت )، مما يدل على أن الرقية أيضاً كما أنها تكون على الإنسان كذلك تكون على بهيمة الأنعام.
وكذلك لا حرج فيها أن تكون على الجماد، وهذا مما دل عليه الدليل، وقد جاء في مسند الإمام أحمد عن حنظلة عليه رضوان الله تعالى أنه كان يرقي البهائم، ويضع يديه على الضرع وعليها فيرقيها، فتبرأ مما هي فيه، وجاء في الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى أنه قال: (كنت أرعى غنماً لـعقبة بن أبي معيط ، فجاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبو بكر وكنت غلاماً، فقال: أعندك حليب؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ائتني بشاة لم يضربها فحل، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على ضرعها فذكر الله جل وعلا، فحلبها عليه الصلاة والسلام ثم رجعت كما كانت )، وهذا يدل على أن البهيمة تشفى مما يطرأ عليها، وكذلك فيه من آثار الإعجاز لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذا كان هناك شيء من الألفاظ مما لا يدل عليه الدليل مما عرف تجربة ولم يكن من الشرك، فإنه يقال: لا حرج على الإنسان أن يتداوى وأن يرقي به.
وأعظم الرقى هو ما كان في كلام الله عز وجل، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما دل عليه الدليل من الوحي فإنه أعظم شفاء، وقد بين الله سبحانه وتعالى أن القرآن قد أنزله شفاء للناس، قال الله سبحانه وتعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:82].
وهنا مسألة: هل يجوز للمسلم أن يأخذ رقية عند يهودي أو نصراني أم لا؟
الصواب في ذلك الجواز، وهذا الذي قال به أبو بكر الصديق عليه رضوان الله تعالى كما صح عند الإمام مالك في كتابه الموطأ من حديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة عليها رضوان الله تعالى أنها كانت تذهب إلى يهودية ترقيها، فدخل عليها أبو بكر الصديق عليه رضوان الله تعالى فقال: أرقيها بكتاب الله، وهي يهودية، مما يدل على أن الكافر إذا رقى بالقرآن غيره، أو بشيء من السنة وهو شيء معروف أن هذا لا حرج فيه، وقد جاء عند البيهقي أن امرأة عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى كانت تذهب إلى امرأة يهودية ترقي عينها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه دليل على جواز رقية أهل الكتاب إذا عرفت، ولم تكن من الألفاظ الشركية.
وفي هذه المسألة ينبغي أن يقال: إن على الإنسان أن يبتعد عن هذه المواضع إلا فيما كان فيه حاجة، فإنه يقال: إذا كان ثمة حاجة فلا حرج على الإنسان، كأن يكون هناك رجل عرف أنه يعالج من شيء معين بعلاج معروف ولفظ معروف، فإن هذا مما لا حرج فيه، وما دام أنه ثبت عن خير الخلق بعد أنبياء الله عز وجل وهو أبو بكر الصديق عليه رضوان الله تعالى، فلا مجال للقول بمخالفته، وقد قال بجواز ذلك غير واحد من العلماء كالإمام أحمد عليه رحمة الله، و الشافعي كما في كتابه الأم، وقد سئل عن ذلك كما جاء في رواية الربيع بن سليمان أنه سئل عن ذلك، فقال: لا بأس به، قد جاء عن أبو بكر الصديق، وليس له مخالف، يعني: من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعض الأئمة مال إلى كراهته، فإنه يخشى أن يكون مما بدلوا من ألفاظهم التي يرتجلونها مما ليس من كلام الله جل وعلا، وقال بكراهته غير واحد من العلماء كالإمام مالك عليه رحمة الله، والصواب في ذلك الجواز.