الأحكام الفقهية المتعلقة بالصيام [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فقد ذكرنا سابقاً ما يتعلق بوقت ابتداء الإمساك والمباحث المتعلقة به, ونتكلم هنا عن المفطرات، وأصل الصيام هو الإمساك عن المفطرات, وقد أكثر الفقهاء من ذكر المفطرات وأنواعها حتى بلغ بعض الفقهاء وذكر ستين مفطراً, وهذه مبالغة, حتى بعضهم ذكر المحرمات؛ الغيبة, والنميمة, وشهادة الزور, والكذب, والبهتان وغيرها, وذكر أنها مفطرات, قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة بأن يدع طعامه وشرابه ), قالوا: فالغيبة تفطر, وقد رواه ابن حزم الأندلسي في كتابه المحلى من حديث الهيثم عن ثابت عن أنس بن مالك أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الغيبة تفطر الصائم ), وهو خبر منكر لا يعول عليه, وأمثل ما جاء في هذا الباب موقوف على إبراهيم النخعي من حديث الأعمش عن إبراهيم النخعي أنه قال: كانوا يقولون: الغيبة تفطر الصائم, وما قال فيه إبراهيم النخعي: كانوا يفعلون أو كانوا يقولون, فالمراد به أصحاب عبد الله بن مسعود.

روى ابن أبي خيثمة في كتابه التاريخ من حديث الأعمش عن إبراهيم النخعي أنه قال: ما قلت لكم كانوا يفعلون فهو ما أجمعوا عليه, إذاً: يحكي الإجماع هنا, أي: أن الغيبة تفطر الصائم, ويريد هنا أصحاب عبد الله بن مسعود، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله تعالى في شرح العمدة: والمراد بالتفطير هو نقصان الأجر لا تفطير الصائم, في طبقات الحنابلة للقاضي ابن أبي يعلى ذكر عن الإمام أحمد أنه سئل: الغيبة تفطر الصائم؟ قال: لو كانت الغيبة تفطر الصائم ما كان لنا صوم, لكن يقال: إن المراد بالتفطير هنا في قول إبراهيم هو نقصان الأجر والثواب, وكلما أذنب الإنسان في أثناء عمل الخير كلما نقص الخير والأجر والثواب, وكلما أمسك كلما عظم أجره عند الله سبحانه وتعالى, وهذا كما أنه في الصيام هو في سائر العبادات؛ في الحج, في الصلاة, كلما انشغل الإنسان وسها وانصرف قلبه وكثرت حركته في الصلاة قل أجره وما بطلت صلاته إلا بمبطل يدل عليه الدليل.

وأصل ما يجب الإمساك فيه الأكل والشرب؛ ما يدخل الجوف, ولو كان قليلاً ودقيقاً, ومع اتفاق العلماء في الأصل على أن الأكل والشرب يفطر الصائم فقد اختلفوا في مسألتين:

أكل الشيء الدقيق كحبة السوداء

المسألة الأولى: أكل ما دق؛ كحبة السوداء مثلاً, أو قطعة يسيرة بحجم الذر ونحو ذلك إذا أكلها الإنسان هل تفطره أم لا, ذهب الجمهور إلى التفطير؛ لأنها من جملة الأكل وهو داخل الجوف, وأغرب أبو حنيفة إلى أن ما دق وكان بوزن الحُمُّصة أنه لا يفطر, قالوا: فإذا أكل حبة سوداء أو (شونيز) أو غيره أنه لا يفطر ولا يجب عليه القضاء, وفي هذا نظر, ويقال: إن مثل هذا التحديد بحاجة إلى دليل, فلماذا لا يفطر بحمصة ثم يفطر بحمصتين أو بحمصة ونصف؟ ولماذا لا يفطر بحبة سوداء واحدة ويفطر باثنتين؟ وما الضابط في ذلك؟ يقال: كل مطعوم يفطر به الإنسان وإن دق.

ما وجد من طعام بين الأسنان

المسألة الثانية: وهي ما وجد من طعام بين أسنان الإنسان بعد أكله, ذهب جمهور العلماء إلى أن ما تخلل في أسنانه وأكله في نهار رمضان أنه لا يفطر, ولا حرج عليه, وهذا الذي ذهب إليه الجمهور, ذهب إليه أبو حنيفة وكذلك الإمام مالك، ورواية عن الإمام أحمد مشهورة, وذهب بعضهم إلى أنه يفطر, وقال بذلك الإمام أحمد في رواية, قال: إنه كالطعام, يقول ابن حزم الأندلسي في كتابه المحلى: وما في فم الإنسان هو في جوفه, ولا يتصور أن يسمى أكلاً إلا إذا كان من خارج فمه ثم دخل فيه, وما دخل فيه لا يتصور أن يكون طعاماً إلا إذا خرج, وإذا خرج لا يتصور إلا أن يكون قيئاً أو عذرة, وعليه يقال: إن ما دخل في فم الإنسان من طعامه الذي أكله, ويلحق في هذا مسألة الريق, أي: لعاب الإنسان, أن يجمعه في فمه ويبلعه, والنخامة ونحو ذلك, الصواب أنها لا تفطر الصائم.

المسألة الأولى: أكل ما دق؛ كحبة السوداء مثلاً, أو قطعة يسيرة بحجم الذر ونحو ذلك إذا أكلها الإنسان هل تفطره أم لا, ذهب الجمهور إلى التفطير؛ لأنها من جملة الأكل وهو داخل الجوف, وأغرب أبو حنيفة إلى أن ما دق وكان بوزن الحُمُّصة أنه لا يفطر, قالوا: فإذا أكل حبة سوداء أو (شونيز) أو غيره أنه لا يفطر ولا يجب عليه القضاء, وفي هذا نظر, ويقال: إن مثل هذا التحديد بحاجة إلى دليل, فلماذا لا يفطر بحمصة ثم يفطر بحمصتين أو بحمصة ونصف؟ ولماذا لا يفطر بحبة سوداء واحدة ويفطر باثنتين؟ وما الضابط في ذلك؟ يقال: كل مطعوم يفطر به الإنسان وإن دق.

المسألة الثانية: وهي ما وجد من طعام بين أسنان الإنسان بعد أكله, ذهب جمهور العلماء إلى أن ما تخلل في أسنانه وأكله في نهار رمضان أنه لا يفطر, ولا حرج عليه, وهذا الذي ذهب إليه الجمهور, ذهب إليه أبو حنيفة وكذلك الإمام مالك، ورواية عن الإمام أحمد مشهورة, وذهب بعضهم إلى أنه يفطر, وقال بذلك الإمام أحمد في رواية, قال: إنه كالطعام, يقول ابن حزم الأندلسي في كتابه المحلى: وما في فم الإنسان هو في جوفه, ولا يتصور أن يسمى أكلاً إلا إذا كان من خارج فمه ثم دخل فيه, وما دخل فيه لا يتصور أن يكون طعاماً إلا إذا خرج, وإذا خرج لا يتصور إلا أن يكون قيئاً أو عذرة, وعليه يقال: إن ما دخل في فم الإنسان من طعامه الذي أكله, ويلحق في هذا مسألة الريق, أي: لعاب الإنسان, أن يجمعه في فمه ويبلعه, والنخامة ونحو ذلك, الصواب أنها لا تفطر الصائم.

اختلاف الفقهاء في تبييت صيام النفل من الليل

من مسائل النية أيضاً: أن الله جل وعلا قد أوجب النية على كل قاصد لعمل خير, ومن أراد الصيام وجب عليه أن يبيت النية من الليل إذا كان لفرض, وأما إذا كان لنافلة فلا حرج عليه أن ينوي من النهار؛ لما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة عليها رضوان الله تعالى: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح صائماً فقال: أعندكم طعام؟ فقالت: لا, فقال: إني صائم ), وجاء في رواية: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصبح ولم تذكر أنه كان صائماً, قال: أعندكم طعام؟ فقالت: لا, قال: إني صائم ), وأوجب بعض الفقهاء النية من الليل حتى من صيام النافلة, والجمهور على خلافه لثبوت النص عنه عليه الصلاة والسلام.

إتمام صيام النافلة لمن بيته من الليل

ومن نوى من الليل للنافلة ذهب بعض الفقهاء إلى وجوب إتمامه الصيام وإن كان نافلة, وأنه لا يجوز له أن يقطع ذلك, قد روي هذا عن غير واحد من السلف كـعلي بن أبي طالب، وكذلك روي عن عبد الله بن عباس عليهم رضوان الله تعالى, والصواب أنه لا حرج عليه أن يقطع صيامه وإن نوى من الليل, وما روي عن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى فضعيف, فقد جاء في المصنف من حديث أبي إسحاق عن الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب، وقد ذهب بعض الأئمة إلى وجوب القضاء لمن نوى من الليل في صيام النافلة, سواء ما كان من التطوع المطلق أو المقيد, وقد ذهب إلى وجوبه غير واحد من التابعين؛ كـعروة بن الزبير كما رواه ابن أبي شيبة في المصنف من حديث هشام بن عروة عن أبيه, وثبت عن مكحول أنه قال بوجوب القضاء, وربما احتج مكحول وغيره بما روي عن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى وغيره, والصواب أنه لا حرج عليه أن يقطع صيامه كما أنه لا حرج عليه أن ينوي من النهار إذا كان مفطراً؛ أي: لم ينو الصيام.

كلام الفقهاء في الحد الذي لا يتجاوزه صائم النفل في تبييت النية في النهار وما يكتب له من أجر

ولكن هنا مسألة وهي: ما هو الحد الذي لا يجوز له أن يتجاوزه في النية؟ قد ذكر بعض الفقهاء أنه لا يشرع له أن يتجاوز نصف النهار؛ وهو زوال الشمس, وأنه إن تجاوزه لا يشرع له نية الصيام, وهذا مروي عن غير واحد من السلف كـعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود وأنس بن مالك وغيرهم, وهو ثابت عن جلهم عليهم رضوان الله تعالى, ولهذا قد روى في المصنف من حديث طاوس بن كيسان عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى أنه قال: لا بأس بذلك بينك وبين نصف النهار, وروي نحوه عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك عليهم رضوان الله تعالى, والصواب أنه لا حرج في ذلك، فظاهر النص العموم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتقييده بحاجة إلى دليل إلا أن الإنسان كلما بَكَّر بالنية فهو أعظم لأجره.

واختلف العلماء ماذا يكتب له من أجره؟ من ابتداء نيته أم يكتب له اليوم كاملاً؟ ينص بعض الفقهاء من الحنابلة إلى أنه يكتب له من ابتداء النية, فلو نوى من نصف النهار أو نوى من بعد طلوع الشمس بساعة أنه يكتب له ذلك، وما قبل ذلك لا يكتب له, وفي هذا فيما يظهر نظر؛ وذلك أن الله سبحانه وتعالى يتقبل من الإنسان ما عمله لغير الله عز وجل أصالة إذا أخلص لله عز وجل بعد زوال العمل كله, فيكون لله؛ كمن تقرب إلى الله جل وعلا ببناء المساجد والنفقات وغير ذلك حباً للرياء والسمعة، ثم أخلص لله عز وجل فإنه يثاب على ذلك, فكيف بشخص لم يكن لديه نية لغير الله وإنما باق على أصله ثم نوى احتساباً؟ فإنه يقبل منه ذلك من باب أولى.

وكذلك فإن المشرك الكافر الأصلي حينما يتقرب لله جل وعلا خالصاً حال كفره بالله جل وعلا ثم يدخل في الإسلام أن الله يتقبل من عمله ما كان خالصاً لله وحده وإن كان كافراً حال نفقته, ولهذا ( لما جاء أحد المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره من رقاب يعتقها في الجاهلية ومن صدقات, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أسلمت على ما أسلفت من خير ), أي: أنه يتقبل منك ذلك, مع أنه كان كافراً ويتقرب إلى الأصنام والأوثان؛ ومع ذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( أسلمت على ما أسلفت من خير ), يتقبل لك ما كان خالصاً لله عز وجل, مع أن ظاهر هذا يكون معارضاً لقول الله جل وعلا: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [المائدة:5], أي: أنه لا يتقبل منه عمل وإن كان مخلصاً بعمله؛ لكنه تحت مظلة الكفر التي لا يرفع فيها عمل, لكن وجود الإسلام يرفع ذلك كله, وتكون الصلة بين الله وبين عبده باقية, وهذا في حق المؤمن أظهر من الكافر, ولهذا يقال: لما تقبل من الكافر الأصلي ما تقرب به إلى الله جل وعلا حال كفره، والمانع الكفر أظهر؛ فكيف في حال نية لم يكن ثمة ما يناقضها قبل ذلك، وإنما هو الأصل.

ولهذا يقال: إن من نوى من نصف النهار أو من بعده أو قبله أنه يكتب له اليوم كله إن احتسب, ويثاب على ذلك.

والنية كما يقول العلماء هي: تجارة العلماء, فكلما أكثر الإنسان من الإخلاص والاحتساب لله سبحانه وتعالى أعظم الله عز وجل له الأجر بقدر نيته, فيثاب الإنسان على عدة أعمال وهو يعمل عملاً واحداً, فيأتي إلى الصلاة يحتسب الخطى والرباط وذكر الله, والسكينة والوقار وغير ذلك، يكتب الله عز وجل له ذلك إن احتسب ذلك كله, ولهذا يقول الأئمة: إن النية تجارة العلماء, أي: أنهم هي التي يتاجرون بها, فيكسبون من الثواب الجزيل عند الله عز وجل ما يعظم الله عز وجل لهم حسن العاقبة.

من مسائل النية أيضاً: أن الله جل وعلا قد أوجب النية على كل قاصد لعمل خير, ومن أراد الصيام وجب عليه أن يبيت النية من الليل إذا كان لفرض, وأما إذا كان لنافلة فلا حرج عليه أن ينوي من النهار؛ لما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة عليها رضوان الله تعالى: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح صائماً فقال: أعندكم طعام؟ فقالت: لا, فقال: إني صائم ), وجاء في رواية: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصبح ولم تذكر أنه كان صائماً, قال: أعندكم طعام؟ فقالت: لا, قال: إني صائم ), وأوجب بعض الفقهاء النية من الليل حتى من صيام النافلة, والجمهور على خلافه لثبوت النص عنه عليه الصلاة والسلام.

ومن نوى من الليل للنافلة ذهب بعض الفقهاء إلى وجوب إتمامه الصيام وإن كان نافلة, وأنه لا يجوز له أن يقطع ذلك, قد روي هذا عن غير واحد من السلف كـعلي بن أبي طالب، وكذلك روي عن عبد الله بن عباس عليهم رضوان الله تعالى, والصواب أنه لا حرج عليه أن يقطع صيامه وإن نوى من الليل, وما روي عن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى فضعيف, فقد جاء في المصنف من حديث أبي إسحاق عن الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب، وقد ذهب بعض الأئمة إلى وجوب القضاء لمن نوى من الليل في صيام النافلة, سواء ما كان من التطوع المطلق أو المقيد, وقد ذهب إلى وجوبه غير واحد من التابعين؛ كـعروة بن الزبير كما رواه ابن أبي شيبة في المصنف من حديث هشام بن عروة عن أبيه, وثبت عن مكحول أنه قال بوجوب القضاء, وربما احتج مكحول وغيره بما روي عن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى وغيره, والصواب أنه لا حرج عليه أن يقطع صيامه كما أنه لا حرج عليه أن ينوي من النهار إذا كان مفطراً؛ أي: لم ينو الصيام.




استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
إنما يخشى الله من عباده العلماء 2468 استماع
إن خير من استأجرت القوي الأمين 2312 استماع
العالِم والعالَم 2305 استماع
الذريعة بين السد والفتح [1] 2294 استماع
الإسلام وأهل الكتاب 2125 استماع
الحجاب بين الفقه الأصيل والفقه البديل [1] 2098 استماع
الذريعة بين السد والفتح [2] 2097 استماع
الردة .. مسائل وأحكام 2071 استماع
شرح حديث إن الحلال بين وإن الحرام بين [2] 2039 استماع
الرقية الشرعية أحكام وآثار 2023 استماع