الردة .. مسائل وأحكام


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الله جل وعلا قد أنزل شريعته ووضع أحكامه، وأوجب الواجبات، وفرض الفرائض وحد الحدود، وشرع الشرائع، وبينها وجعل مع بيانها قيام الحجة الواجبة على الناس، فوجب على الناس الانقياد، ووجب عليهم الاتباع، ومع أن الله سبحانه وتعالى قد خص الاتباع بجملة من النصوص في كلامه سبحانه وتعالى، وفي كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، أمر الله عز وجل بالاتباع والاقتداء، وأمر الله سبحانه وتعالى كذلك وحذر من مخالفة طريق الهداية، وسلوك طريق الغواية، وحذر من ذلك أشد تحذير، وبين عاقبة من عرف الحق ثم نكص عنه بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة، وهذا لا يكون إلا مع ظهور الحجة، وقوة البيان، وظهور البرهان على الناس.

ولهذا يقول العلماء: إن الشريعة إذا كانت ظاهرة محكمة، ورتب الله عز وجل عليها عقاباً شديداً إذا خالف الإنسان ذلك الحكم أو تلك الشريعة، دل على تعظيم تلك الشريعة المبينة الظاهرة، وإذا بيّن الله سبحانه وتعالى أمراً، فإنه من المطرد بالنظر للأحكام أن الله عز وجل يجعل عاقبة من خالف ذلك البيان بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة، وإذا رتب الله عز وجل على فعل من الأفعال عقوبة في الدنيا، فإن هذا يدل على أن الأصل في الأمر الوضوح والبيان، وإلا لما كان يترتب على التارك أو الفاعل لشيء من المحظورات أمثال هذا العقاب، وهذا مقتضى البيان.

ولهذا نجد ما كان من أمور الشريعة من جملة القطعيات أو الكليات الواضحات البينات، نجد أن الله سبحانه وتعالى قد جعل لأصحابها عقوبة في حال التفريط فيها، وحد حدوداً، ووضع ضوابط لذلك، وأمر الله عز وجل ولاة أمور المسلمين بزجر المعتدي، والمخالف لأمر الله سبحانه وتعالى والمحاد له جل وعلا؛ لهذا يقول العلماء: إن جملة ما أمر الله سبحانه وتعالى به من الأمور الكلية لا يخرج عن خمس، حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ الأعراض، وحفظ المال، وحفظ العقل، وهذه ضروريات خمس وكليات قد أمر الله عز وجل بحفظها وصونها.

وما كان من الشريعة من فروع فإنها مندرجة من جهة الأصل في هذه الضروريات والكليات الخمس، وما فرض الله سبحانه وتعالى تبعاً لذلك من الحدود والتعزيرات هو تابع لأفراد تلك الفروع، وما فرضه الله سبحانه وتعالى على الناس من زجر وردع هو حماية لهذه الأصول والكليات، فنجد أن الله سبحانه وتعالى قد حمى دينه من المروق منه، وتشويهه، وكذلك الطعن فيه، وتنقص شريعة الله سبحانه وتعالى كتاباً وسنة، وذاتاً لله جل وعلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم بحد الردة.

ونجد أن الله سبحانه وتعالى قد حفظ العقل بجملة من الحدود منها حد الخمر، وحمى الله جل وعلا الأعراض، وحفظ النسل والأنساب بتحريم الزنا وبيان حد الزاني بحاليه، وبيان كذلك حد القاذف للشخص بزنا ونحو ذلك، وحفظ الله عز وجل الأموال ببيان جملة من الحدود فيها كقطع يد السارق، وحفظ الله عز وجل الأنفس من التعدي عليها بالقصاص والديات، وهذه جملة من الفرائض والحدود، قد حدها الله عز وجل وسنها حماية للكليات في الشريعة، وللضروريات الخمس.

وإذا علم أن الله سبحانه وتعالى ما أوجد هذه الضروريات إلا أن تكون موصلة لضرورية واحدة وهي ضرورة الدين، ولهذا قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، أي: أن سبب إيجاد الجن والإنس في هذه الأرض هو لعبادة الله جل وعلا وتوحيده طوعاً أو كرهاً، ولهذا قد روى ابن جرير الطبري من حديث علي بن أبي طلحة عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى قال في قول الله جل وعلا: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، قال: ليوحدوني أو يطيعوني طوعاً أو كرهاً، فأمر الله سبحانه وتعالى بالخضوع له والانقياد، سواءً كان ذلك على سبيل الطواعية، أو سبيل الإكراه.

تشريع القتال والجهاد

فمن خضع لأمر الله عز وجل طواعية وانقياداً فإنه يفتح له ما للمسلمين من أبواب، ومن أعرض عن ذكر الله جل وعلا وأعرض عن الدين، وأعلن المحاربة فإنه يؤطر على الحق أطراً، ويقاتل حماية لدين الله جل وعلا، ولهذا شرع الله جل وعلا جملة من الشرائع حفظاً لدين الله سبحانه وتعالى، وصوناً له، فقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ، فمن لم يقتنع بالبلاغ فإن بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أمداً، فإن لم يؤمن ويدخل في الإسلام فإن بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام المحاربة، ولهذا قال الله جل وعلا: فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ [التوبة:6]، قوله جل وعلا: (ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ)، أي: أنه إذا لم يخضع لأمر الله سبحانه وتعالى، ولم يظهر الإذعان وجب عليه أن يوضع بينه وبينه أمد، وهذا الأمد هو إظهار المحاربة والمبارزة، وذلك أن الله جل وعلا قد حرم على رسوله عليه الصلاة والسلام أن يقتل رجلاً غيلة أو خدعة من غير بيان أو إظهار حجة له، وهذا مقتضى العدل.

فالله جل وعلا يقول في كتابه العظيم: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، فإن الله جل وعلا لا يعذب أحداً في الدنيا والآخرة حتى يأتيه الرسول، والمراد بالرسول هو البلاغ، أن يبلغه كلام الله جل وعلا وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يخضع لأمر الله عز وجل أقام الله جل وعلا عليه الحد.

فرض عقوبة الكافر وتقسيم الناس إلى مؤمن وكافر

ثم يأتي بعد ذلك ما فرضه الله عز وجل على الإنسان الخارج عن دين الله سبحانه وتعالى أو الكافر الأصلي بالعقوبة وهي الخلود في نار جهنم أبداً، ولهذا قد جعل النبي عليه الصلاة والسلام الناس على حالين: إما مؤمن وإما كافر، فدخل في حال المؤمنين المنافقون، ودخل في حال الكفار، بجميع من خرج عن دين الإسلام من أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومشركي العرب، وغيرهم من الزنادقة والملحدين، فحمى الله جل وعلا دينه بأن جعل الناس إلى فريقين وصنفين لا ثالث لهما مؤمنين وكافرين.

تشريع حد الردة وبيان وجه تشريعه

ولما كان الدين هو أصل هذه الضروريات وأصل هذه الكليات، وجب حمايته وصونه بتطبيق شرع الله سبحانه وتعالى على الخارج عنه، وكذلك من تنقص قدره أو انزوى ودخل تحت لوائه ولكنه قد أثار البلابل والقلاقل في الإسلام، وأثار الفتنة والوقيعة في أركان الإسلام وفروعه، وأراد بذلك أن يشكك بدين الإسلام، وأن يتنقص من مبلغ الوحي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

ونجد أيضاً أن من مقتضى العقل ومقتضى النقل أن الإنسان إذا انتكس عن ملة ورجع إلى ملة أخرى، أنه يفرح به عند من قدم إليه، ويرفع بذلك ويتخذ ذلك علامة على صدق تلك الدعاوى التي يأتي بها أرباب الملل والنحل التي يدعون إليها سواءً كان ذلك من أصول الديانات، أو كان ذلك من فروعها، من فروع المذاهب في الإسلام أو في غيرها، وكل مذهب وعقيدة هي تتكئ على هذا، ولهذا شدد الشارع في أمر الردة وبين حال المرتد بأنواعه، سواءً كان ذكراً أو أنثى، سواءً كانت ردته ردة مغلظة أو كانت ردة مجردة، وبين الله جل وعلا خطر ذلك، وكل ذلك قد نص الشارع عليه في كلام الله سبحانه وتعالى، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قد روى البخاري من حديث أنس بن مالك قال: ( كان رجل من بني النجار كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ البقرة وآل عمران، ثم لحق بأهل الكتاب، فرفعوه، وقالوا: هذا كان يكتب لمحمد بن عبد الله، قال: ثم بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقصم الله عز وجل ظهره ) إلى آخر الخبر.

وفيه أنه لما لحق بأهل الكتاب رفعوه وقالوا: هذا كان يكتب لمحمد بن عبد الله يريدون بذلك تقليلاً من شأن دعوة الحق، وأن المقربين منها قد انتكسوا عن دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ورغبوا فيما هو دونها، فإذا كان هذا في المقربين والملاصقين لدعوة الحق وهم كتاب الوحي، فإن هذا لمن كان دونهم في المراتب من باب أولى.

وقد بين الله جل وعلا أن من أعظم مطامع أهل الكتاب من اليهود والنصارى أن يردوا الأمة عن دينها، وأن ذلك أغلى أمانيهم، ولهذا قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا [البقرة:109]، والعلة في ذلك: حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ [البقرة:109].

فمن خضع لأمر الله عز وجل طواعية وانقياداً فإنه يفتح له ما للمسلمين من أبواب، ومن أعرض عن ذكر الله جل وعلا وأعرض عن الدين، وأعلن المحاربة فإنه يؤطر على الحق أطراً، ويقاتل حماية لدين الله جل وعلا، ولهذا شرع الله جل وعلا جملة من الشرائع حفظاً لدين الله سبحانه وتعالى، وصوناً له، فقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ، فمن لم يقتنع بالبلاغ فإن بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أمداً، فإن لم يؤمن ويدخل في الإسلام فإن بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام المحاربة، ولهذا قال الله جل وعلا: فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ [التوبة:6]، قوله جل وعلا: (ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ)، أي: أنه إذا لم يخضع لأمر الله سبحانه وتعالى، ولم يظهر الإذعان وجب عليه أن يوضع بينه وبينه أمد، وهذا الأمد هو إظهار المحاربة والمبارزة، وذلك أن الله جل وعلا قد حرم على رسوله عليه الصلاة والسلام أن يقتل رجلاً غيلة أو خدعة من غير بيان أو إظهار حجة له، وهذا مقتضى العدل.

فالله جل وعلا يقول في كتابه العظيم: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، فإن الله جل وعلا لا يعذب أحداً في الدنيا والآخرة حتى يأتيه الرسول، والمراد بالرسول هو البلاغ، أن يبلغه كلام الله جل وعلا وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يخضع لأمر الله عز وجل أقام الله جل وعلا عليه الحد.

ثم يأتي بعد ذلك ما فرضه الله عز وجل على الإنسان الخارج عن دين الله سبحانه وتعالى أو الكافر الأصلي بالعقوبة وهي الخلود في نار جهنم أبداً، ولهذا قد جعل النبي عليه الصلاة والسلام الناس على حالين: إما مؤمن وإما كافر، فدخل في حال المؤمنين المنافقون، ودخل في حال الكفار، بجميع من خرج عن دين الإسلام من أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومشركي العرب، وغيرهم من الزنادقة والملحدين، فحمى الله جل وعلا دينه بأن جعل الناس إلى فريقين وصنفين لا ثالث لهما مؤمنين وكافرين.

ولما كان الدين هو أصل هذه الضروريات وأصل هذه الكليات، وجب حمايته وصونه بتطبيق شرع الله سبحانه وتعالى على الخارج عنه، وكذلك من تنقص قدره أو انزوى ودخل تحت لوائه ولكنه قد أثار البلابل والقلاقل في الإسلام، وأثار الفتنة والوقيعة في أركان الإسلام وفروعه، وأراد بذلك أن يشكك بدين الإسلام، وأن يتنقص من مبلغ الوحي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

ونجد أيضاً أن من مقتضى العقل ومقتضى النقل أن الإنسان إذا انتكس عن ملة ورجع إلى ملة أخرى، أنه يفرح به عند من قدم إليه، ويرفع بذلك ويتخذ ذلك علامة على صدق تلك الدعاوى التي يأتي بها أرباب الملل والنحل التي يدعون إليها سواءً كان ذلك من أصول الديانات، أو كان ذلك من فروعها، من فروع المذاهب في الإسلام أو في غيرها، وكل مذهب وعقيدة هي تتكئ على هذا، ولهذا شدد الشارع في أمر الردة وبين حال المرتد بأنواعه، سواءً كان ذكراً أو أنثى، سواءً كانت ردته ردة مغلظة أو كانت ردة مجردة، وبين الله جل وعلا خطر ذلك، وكل ذلك قد نص الشارع عليه في كلام الله سبحانه وتعالى، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قد روى البخاري من حديث أنس بن مالك قال: ( كان رجل من بني النجار كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ البقرة وآل عمران، ثم لحق بأهل الكتاب، فرفعوه، وقالوا: هذا كان يكتب لمحمد بن عبد الله، قال: ثم بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقصم الله عز وجل ظهره ) إلى آخر الخبر.

وفيه أنه لما لحق بأهل الكتاب رفعوه وقالوا: هذا كان يكتب لمحمد بن عبد الله يريدون بذلك تقليلاً من شأن دعوة الحق، وأن المقربين منها قد انتكسوا عن دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ورغبوا فيما هو دونها، فإذا كان هذا في المقربين والملاصقين لدعوة الحق وهم كتاب الوحي، فإن هذا لمن كان دونهم في المراتب من باب أولى.

وقد بين الله جل وعلا أن من أعظم مطامع أهل الكتاب من اليهود والنصارى أن يردوا الأمة عن دينها، وأن ذلك أغلى أمانيهم، ولهذا قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا [البقرة:109]، والعلة في ذلك: حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ [البقرة:109].

بيّن الله جل وعلا أن منية أهل الكتاب أن يرتد أهل الإيمان عن دينهم، وذلك حسداً من عند أنفسهم؛ لما وهب الله عز وجل هذه الأمة من جملة فضائل يجدونها بينهم، فإذا كانوا لا يقيمون لأمر الله عز وجل وحكمه وزناً، ولكلامه سبحانه وتعالى قدراً، فحرفوا كلام الله عز وجل وطمسوه الذي يشهد بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فتجرءوا على كلام الله عز وجل حتى يثبتوا أنه لا حظ لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بنبوة ولا رسالة ولا بقدر، فقاتلوه عليه الصلاة والسلام رغبة لمتاع الدنيا وحظوتها.

وبين الله جل وعلا أن أهل الكتاب يقاتلون أهل الإيمان، وقد قال الله جل وعلا في كتابه العظيم مبيناً أن أهل الكتاب يقاتلون أهل الإيمان حتى يردوهم عن دينهم إن استطاعوا: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217]، وقول الله جل وعلا هنا: (إِنِ اسْتَطَاعُوا) أي: أن هذا الأمر ليس بأيديهم، وأن ثمة جملة من أهل الإيمان الذين يقاتلون عن دين الله عز وجل، ويحمون البيضة، وأن أمر الله سبحانه وتعالى قائم ظاهر إلى قيام الساعة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام كما جاء في صحيح الإمام مسلم: ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق يقاتلون في سبيل الله إلى قيام الساعة )، فقوله عليه الصلاة والسلام: (ظاهرين)، ويقاتلون في سبيل الله، يعني: يقاتلون من حاربهم في دين الله عز وجل وأراد أن يردهم عن أمر الله سبحانه وتعالى.

ونجد أن الله جل وعلا قد جعل هذا القدر العظيم لحال الردة وسماها الله عز وجل بذلك في قوله سبحانه وتعالى: يَرُدُّونَكُمْ [البقرة:109]، وفي قوله جل وعلا: يَرُدُّوكُمْ [البقرة:217]، وفي قوله جل وعلا: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ [البقرة:217] دليل على أن حكم الردة في الإسلام بهذا المقام العظيم، ولهذا قد أجمع علماء الأمة على أن من ارتد عن دين الإسلام أن حده القتل على خلاف عند العلماء في فروع ذلك كما يأتي بيانه.

وحد الردة قد جعل الله عز وجل به حماية الدين، ورفعة لشريعة الإسلام، ودفعاً لرغبة المتربصين الذين ربما دخلوا في الإسلام نفاقاً وهوى، ومن غير تدين واعتقاد، فأخذوا يدخلون ويخرجون، ويذهبون ويجيئون في حمى الإسلام، فمنع الله سبحانه وتعالى من ذلك كله، وبين خطر ذلك.

وهذه الشعيرة والشريعة العظيمة هي موجودة حتى عند أنبياء الله عز وجل كـموسى وعيسى عليهما السلام، فقد جعل الله عز وجل من شريعتهم أن من خرج عن ملة الله عز وجل بعد أن ظهرت له أن أمره إلى وبال وخسار، وحده في الدنيا أنه يقتل، ولهذا قال بعض العلماء: أن النبي عليه الصلاة والسلام قد عمم في قوله في حديث عبد الله بن عباس: ( من بدل دينه فاقتلوه )، وقال الله جل وعلا في كتابه العظيم: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، والدين المراد به هنا ما أنزله الله عز وجل على سائر أنبيائه، كموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم.

حكم الخروج من ملة نبي إلى ملة نبي آخر غير الإسلام

قالوا: فإذا خرج رجل من ملة موسى إلى ملة عيسى، قالوا: يجب قتله، ولو لم يدخل الإسلام، ولكن يقال: إن في مثل هذا الإطلاق نظر، وذلك أن الله سبحانه وتعالى قد بين أن الملل كلها ملة واحدة، وهي الكفر والخروج عن الإسلام، وإن كان الله عز وجل يسمي ما عليه أهل الكتاب بالإسلام، وهو الاستسلام والانقياد لله سبحانه وتعالى له بالطاعة جل وعلا.

أوجه انحصار الإسلام في دين محمد صلى الله عليه وسلم

ولكن بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم انحصر الإسلام في دين محمد صلى الله عليه وسلم من وجوه:

أولها: أنه لا يوجد دين تام إلا وقد ورده التحريف، وعليه فالتدين بشيء من ذلك تدين بغير ما شرع الله جل وعلا.

الأمر الثاني: أن الله سبحانه وتعالى قد بين أنه أرسل نبيه إلى الناس كافة: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ:28]، فالله جل وعلا قد أرسل نبيه عليه الصلاة والسلام كافة للناس ينذرهم ويبشرهم، وأوجب الله سبحانه وتعالى السيف على من نكص عن دين الله عز وجل على حد سواء، ولم يفرق النبي عليه الصلاة والسلام بين أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وبين مشركي العرب، وبين الملحدين والزنادقة، ولهذا لما خرج من خرج عن دين كسرى ممن ارتد ولحق بالزنادقة، بهرام وهو والد كسرى قتل من ارتد عن دينه كما يذكر المؤرخون، ومعلوم أن الزنادقة هي كلمة فارسية وليست بعربية ولهذا يقول أهل العربية: لا يوجد في كلام العرب كلمة زنديق، وإنما أصلها فارسي، ولهذا يقولون: هي مختصر أو مدموجة من أصل كلمتين، وهي زن أي: الحياة، وكره والمراد بذلك العمل، وقيل المراد بذلك الدهر، قالوا: دوام الدهر ودوام الحياة، وأصل من ابتدع هذه الملة هو ديصان من قوم فارس وتبعه على ذلك مزدك من قوم بهرام، وعقيدتهم في ذلك أنهم قالوا: إن الله عز وجل خلق النور والظلمات فاندمجتا فما كان من الشر فهو من الظلمة، وما كان من الخير فهو من النور، ولعل لهذا الأمر ما يذكره المؤرخون أصل فإنه وجد في كلام العرب من الصدر الأول ما يشهد له، ولهذا يقول المتنبي:

وكم لظلام الليل عندك من يد ليخبر أن المانوية تكذب

والمانوية هم أتباع ديصان، وديصان تبعه على ذلك جماعة كـمانوي وكذلك مزدك، وقد دعا بهرام والد كسرى من نحل هذه النحلة حتى دخل في حماه، فقتلهم عن بكرة أبيهم، وأراد بذلك أنه قتل من ارتد، وأخذ العرب هذا المصطلح لما وصل إليهم على من نافق في دين الله عز وجل وسلك هذا المسلك بأنه سلك هذا الأمر، ولهذا اختلف العلماء عليهم رحمة الله تعالى في حد الزنديق وتعريفه على أمور كثيرة، وهذا أصله، منهم من قال: إنه المنافق، ومنهم من قال: من ثبت كفره على أي حال كان، ومنهم من قال: إنه من كان على الإلحاد ولم يتدين بشيء من أنواع الديانات، قالوا: يسمى زنديق، ومنهم من قال: أن من كان فيه نوع نفاق فإنه يسمى زنديق، ولو لم يكن يخرج من الملة، ولكن اشتهر في اصطلاح العلماء على إطلاق الزنديق على المنافق، وقد نص على هذا جماعة من العلماء عليهم رحمة الله كالإمام الشافعي عليه رحمة الله تعالى في كتابه الأم أن المراد بذلك المنافقين.

وعلى كل فإن هذا يدل على أن الردة حد معلوم، وأريد به صيانة العقائد والمذاهب والأفكار عند سائر أرباب الملل، فإنه لو أذن لكل أحدٍ أن يلج ويخرج متى شاء فإن في هذا ضرب من ضروب التقليل والاستهانة بتلك الشريعة التي جاء إليها، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان ذلك جملة من النصوص يأتي بيانها بإذن الله، وقد جعل العلماء عليهم رحمة الله تعالى لهذا الباب قدراً عظيماً في مصنفاتهم، سواءً في أبواب الاعتقاد، أو في أبواب الفقه، أو في غيرها من مسائل الدين، كمسائل الآداب والسلوك، وغيرها، فإنهم أفردوا لذلك باباً مستقلا ًخارجا ًعن أبواب الحدود، فإنهم يذكرون في أبواب الحدود حد السرقة، ويذكرون حد الزنا وحد القتل، وغير ذلك من الأحكام ولا يذكرون حد الردة وإنما يضعونه في باب مستقل وهو أحكام المرتدين أو استتابة المرتدين، ويأتي الكلام بإذن الله عز وجل عن مسألة حكم المرتد، وكذلك حكم المرتدة والاستتابة وأنواع الردة بإذن الله عز وجل.

قالوا: فإذا خرج رجل من ملة موسى إلى ملة عيسى، قالوا: يجب قتله، ولو لم يدخل الإسلام، ولكن يقال: إن في مثل هذا الإطلاق نظر، وذلك أن الله سبحانه وتعالى قد بين أن الملل كلها ملة واحدة، وهي الكفر والخروج عن الإسلام، وإن كان الله عز وجل يسمي ما عليه أهل الكتاب بالإسلام، وهو الاستسلام والانقياد لله سبحانه وتعالى له بالطاعة جل وعلا.

ولكن بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم انحصر الإسلام في دين محمد صلى الله عليه وسلم من وجوه:

أولها: أنه لا يوجد دين تام إلا وقد ورده التحريف، وعليه فالتدين بشيء من ذلك تدين بغير ما شرع الله جل وعلا.

الأمر الثاني: أن الله سبحانه وتعالى قد بين أنه أرسل نبيه إلى الناس كافة: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ:28]، فالله جل وعلا قد أرسل نبيه عليه الصلاة والسلام كافة للناس ينذرهم ويبشرهم، وأوجب الله سبحانه وتعالى السيف على من نكص عن دين الله عز وجل على حد سواء، ولم يفرق النبي عليه الصلاة والسلام بين أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وبين مشركي العرب، وبين الملحدين والزنادقة، ولهذا لما خرج من خرج عن دين كسرى ممن ارتد ولحق بالزنادقة، بهرام وهو والد كسرى قتل من ارتد عن دينه كما يذكر المؤرخون، ومعلوم أن الزنادقة هي كلمة فارسية وليست بعربية ولهذا يقول أهل العربية: لا يوجد في كلام العرب كلمة زنديق، وإنما أصلها فارسي، ولهذا يقولون: هي مختصر أو مدموجة من أصل كلمتين، وهي زن أي: الحياة، وكره والمراد بذلك العمل، وقيل المراد بذلك الدهر، قالوا: دوام الدهر ودوام الحياة، وأصل من ابتدع هذه الملة هو ديصان من قوم فارس وتبعه على ذلك مزدك من قوم بهرام، وعقيدتهم في ذلك أنهم قالوا: إن الله عز وجل خلق النور والظلمات فاندمجتا فما كان من الشر فهو من الظلمة، وما كان من الخير فهو من النور، ولعل لهذا الأمر ما يذكره المؤرخون أصل فإنه وجد في كلام العرب من الصدر الأول ما يشهد له، ولهذا يقول المتنبي:

وكم لظلام الليل عندك من يد ليخبر أن المانوية تكذب

والمانوية هم أتباع ديصان، وديصان تبعه على ذلك جماعة كـمانوي وكذلك مزدك، وقد دعا بهرام والد كسرى من نحل هذه النحلة حتى دخل في حماه، فقتلهم عن بكرة أبيهم، وأراد بذلك أنه قتل من ارتد، وأخذ العرب هذا المصطلح لما وصل إليهم على من نافق في دين الله عز وجل وسلك هذا المسلك بأنه سلك هذا الأمر، ولهذا اختلف العلماء عليهم رحمة الله تعالى في حد الزنديق وتعريفه على أمور كثيرة، وهذا أصله، منهم من قال: إنه المنافق، ومنهم من قال: من ثبت كفره على أي حال كان، ومنهم من قال: إنه من كان على الإلحاد ولم يتدين بشيء من أنواع الديانات، قالوا: يسمى زنديق، ومنهم من قال: أن من كان فيه نوع نفاق فإنه يسمى زنديق، ولو لم يكن يخرج من الملة، ولكن اشتهر في اصطلاح العلماء على إطلاق الزنديق على المنافق، وقد نص على هذا جماعة من العلماء عليهم رحمة الله كالإمام الشافعي عليه رحمة الله تعالى في كتابه الأم أن المراد بذلك المنافقين.

وعلى كل فإن هذا يدل على أن الردة حد معلوم، وأريد به صيانة العقائد والمذاهب والأفكار عند سائر أرباب الملل، فإنه لو أذن لكل أحدٍ أن يلج ويخرج متى شاء فإن في هذا ضرب من ضروب التقليل والاستهانة بتلك الشريعة التي جاء إليها، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان ذلك جملة من النصوص يأتي بيانها بإذن الله، وقد جعل العلماء عليهم رحمة الله تعالى لهذا الباب قدراً عظيماً في مصنفاتهم، سواءً في أبواب الاعتقاد، أو في أبواب الفقه، أو في غيرها من مسائل الدين، كمسائل الآداب والسلوك، وغيرها، فإنهم أفردوا لذلك باباً مستقلا ًخارجا ًعن أبواب الحدود، فإنهم يذكرون في أبواب الحدود حد السرقة، ويذكرون حد الزنا وحد القتل، وغير ذلك من الأحكام ولا يذكرون حد الردة وإنما يضعونه في باب مستقل وهو أحكام المرتدين أو استتابة المرتدين، ويأتي الكلام بإذن الله عز وجل عن مسألة حكم المرتد، وكذلك حكم المرتدة والاستتابة وأنواع الردة بإذن الله عز وجل.

وإذا علم أن هذه الردة بهذا المقام علم أهمية حماية الدين على من ولاه الله عز وجل الأمر، وهم على صنفين: علماء وحكام، علماء يذودون عن دين الله عز وجل ببيان شريعة الله سبحانه وتعالى، وبيان الأدلة والرد على أرباب الزيغ والنفاق الذين يثيرون الشبهات، فإن الشبهات تبدأ صغيرة، ثم تضخم في آذان الناس، ويعظمها إبليس حتى تتكون منها عقائد وأفكار، ولهذا من نظر في كتب المذاهب والملل والنحل وجد من المذاهب الآلاف، ومن التيارات والأفكار ما يزيد على ذلك، قد اندثرت واندثر أصحابها الذين قاتلوا في سبيلها، وقتلوا، وبذلوا في ذلك الغالي والنفيس مما يدل على أنهم قاتلوا عقيدة، وأن القتال عقيدة لا يعني أن الإنسان على حق وصواب، بل إنه ينبغي على أرباب العلم والديانة، وعلى ولاة الأمر والسلطان أن يقيموا أمر الله عز وجل بنوعيه، أن يبينوا النصوص وأن ينشروا العلم، وكذلك يقيموا الحدود في الناس إذا ظهر من ارتد ممن ينتسب للإسلام، ولهذا من نظر إلى البدع منذ أن ظهرت في أواخر عصر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد أن المبتدعة لم يظهروا البدعة كعقائد وأفكار إلا بعد أن ضعف ولاة أمور المسلمين عن إقامة الحدود.

ونحن نجد بشر المريسي وهو الذي قال بالحلول، ويتدين بذلك حتى أنه من تدينه إذا سجد وهو يرى أن الله عز وجل في كل مكان حال فيه، كان إذا سجد يقول: سبحان ربي الأسفل، لم يظهر معتقده ذلك في عصر الرشيد، وكان يتدين بذلك، ولما جاء المأمون أظهر عقيدته وتبعه على ذلك من جهال الناس من تبعه على هذا المعتقد الفاسد فحدثت الفتنة، ولكن لما أقام الله عز وجل في عصر الرشيد السلطان، وأقام حدود الله سبحانه وتعالى حمى الله عز وجل الدين من أمرين:

الأمر الأول: أن بقيت العقائد والأفكار في نفوس أصحابها فلم تنشأ، فبقي المنافقون يظهرون وفاقاً ويضمرون نفاقاً، خوفاً من سطوة السلطان وقوة أهل العلم، ولهذا العلماء عليهم رحمة الله تعالى يشددون في أمر الردة، وخاصة فيما يتعلق بأمر الله جل وعلا، ولهذا قد ذكر القاضي في كتابه الشفاء عن أصبغ وهو من أئمة المالكية، وكذلك عن ابن حبيب أن رجلاً يدعى ابن أخ عجب لما أمطرت السماء في قرطبة قال: بدأ الخراز يرش جلده، فأتي به ورفع إلى أمر القضاء، وكان القاضي حينذاك من أئمة المالكية وهو موسى بن زياد واتفق جملة من الفقهاء على أن أمثال هذا الكلام لا يقتل به، وإنما يؤدب؛ لأنه لهو ولعب، وذهب إلى هذا جملة من الفقهاء كـعبد الأعلى، وكذلك ابن أبي زيد وابن عيسى، ولكن انتدب أصبغ وابن حبيب من المالكية، فقالوا: هذا رجلاً يسب رباً عبدناه، وما انتصرنا له، والله ليقتلن، فقام في الناس ابن حبيب وبكى، ثم رفع أمر ذلك إلى السلطان، وكان هو حينذاك عبد الرحمن بن الحكم، وكان هذا الرجل الذي تكلم عمته زوجة عبد الرحمن بن الحكم، وكان قريباً من السلطان، دخل ابن حبيب على السلطان وبين له أمره، ولم تنفعه عمته، وهي زوجة السلطان، فأمر بقتله على قول ابن حبيب، وأمر بعزل موسى بن زياد؛ لأنه حابا الرجل لأجل زوجته، وهذا يفيد أمرين:

الأمر الأول: أن السلطان قد يجهل جملة من أحكام الدين، ويجب في ذلك البيان.

الأمر الآخر: أن الله جل وعلا قد جعل في يد السلطان ما لا يكون في يد العالم، فالعالم بين، والسلطان يقيم، وإذا نظرنا إلى الصدر الأول الذين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نجد أن ولاة أمور المسلمين هم علماء وسلاطين، ولهذا جاءت النصوص بإطلاق ولاة أمر المسلمين وطاعتهم باعتبار أن الأصل فيهم اكتمال أهلية العلم مع ولاية أمر المسلمين، ولكن لما تقادم العهد انفصل العلم عن السلطان فتولى كثيراً من زمام ولايات أمور المسلمين من يجهل أمور الدين، وبقيت كلمة الأمر بطاعة ولاة أمور المسلمين يتنازعها العلماء والأمراء، فأصبح كثير من العامة يستشكل هذا الأمر، وغلب في أكثر العصور إطلاق هذه النصوص على السلاطين، وفي هذا الإطلاق نظر، فإن الطاعة المطلقة تجب للعالم الآمر بأمر الله سبحانه وتعالى، إذا تحقق فيه وصف السلطان، وإذا لم يتحقق معه وصف السلطان والأمر والنهي فإنه ينصرف إليه أولى من السلطان الذي لا يفقه من دين الله عز وجل شيئاً.

ومن احتج بجملة من النصوص المطلقة العامة فيقال: إن الأصل في ولي الأمر أن يكون عالماً بشريعة الله، أو يكون لديه من العلماء من يقيم له أمر الله سبحانه وتعالى ونصوصه، وأن يعلمه مواضع الأحكام والحدود ويبين له التشريع، فإذا كان كذلك فإنه كان من أهل العلم حكماً ويدخل في عداد المقلدين ممن ينتسب إلى العلم، وهم كثير، ولهذا يتجوز بعض العلماء ويطلق عليهم علماء.

ومن هذا الأمر أنه قد يوجد من الفقهاء من يهون من بعض الأحكام الشرعية باعتبار أنها لهو ولعب، وما قصد ذلك، ويجب على العلماء العارفين بأمر الله أن يبينوا الأمر، وأنه إذا توسع هذا الأمر قلل من شأن شريعة الله جل وعلا وأمره، وخرج عن دين الله سبحانه وتعالى بتسويغات ليست بظاهرة.