خطب ومحاضرات
فتاوى نور على الدرب [37]
الحلقة مفرغة
السؤال: حسب اعتقادي أن فريضة الحج ولدت بولادة الدين الإسلامي، ولكن تبين لي أن الناس كانوا يحجون قبل الإسلام، وكان الرسول الكريم عليه السلام يجتمع في هؤلاء الحجاج كي يدعوهم للإسلام، فكيف كان ذلك؟
الجواب: الحج في الجاهلية من العبادات المعروفة المألوفة، وليس فيه تغييرٌ إلا شيئاً بسيطاً، مثل كون أهل الحرم لا يقفون وقوف عرفة إلا بمزدلفة كما يدل عليه حديث جابر ، وكذلك جاء الإسلام بتعديل ما خالفوا فيه حيث كانوا ينصرفون من عرفة قبل غروب الشمس ولا يدفعون من مزدلفة إلا بعد شروقها، فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فوقف بعرفة ولم يدفع منها إلا بعد غروب الشمس، ودفع من مزدلفة حين أسفر جداً قبل أن تطلع الشمس، ولا أعرف شيئاً أكثر من هذا بالنسبة للحج في الجاهلية.
وأما في الإسلام فالأمر فيه واضح ولله الحمد، فإن الله تعالى فرضه على القول الراجح في السنة التاسعة من الهجرة أو العاشرة، وحج النبي صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة حجة الوداع وبين للناس مناسكهم وفقه الناس في المناسك فقهاً تاماً، وكان يقول عليه الصلاة والسلام: ( لتأخذوا عني مناسككم) فتعلم الناس الحج ونقله السلف إلى الخلف، وتلقاه الخلف عن السلف حتى أصبح بيناً واضحاً ولله الحمد، وإن كان يوجد فيه بعض الخلافات التي مصدرها الاجتهاد من أهل العلم، فهذه للمجتهد المصيب أجران، وللمجتهد المخطئ أجرٌ واحد.
السؤال: أنا شاب مسلم وعلى علم اليقين أن السحر حرام ومع هذا فإني أجد في هذه الأيام أناساً كثيرين يتعرضون لنوبات مرضية، ويترددون على عدة أطباء ولم يفدهم بأي علاج، بينما يذهبون في النهاية إلى أحد المنجمين السحرة فيتبين أنهم مسحورون من قبل أناس آخرين فيشفيهم من آلامهم بطريقته الخاصة، أي: باستعمال بعض الكتب؟
الجواب: ما ذكره السائل معناه النُشرة، وهي: حل السحر عن المسحور، والأصح فيها: أنها تنقسم إلى قسمين:
أحدهما: أن تكون بالقرآن والأدعية الشرعية والأدوية المباحة، فهذه لا بأس بها لما فيها من المصلحة وعدم المفسدة، بل ربما تكون مطلوبة؛ لأنها مصلحةٌ بلا مضرة، وأما إذا كانت النشرة بشيءٍ محرم كنقض السحر بسحرٍ مثله فهذا موضع خلافٍ بين أهل العلم، فمن العلماء من أجازه للضرورة ومنهم من منعه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة؟ فقال: ( هي من عمل الشيطان) رواه أبو داود بإسناد جيد.
فعلى هذا يكون حل السحر بالسحر محرماً، وعلى المرء أن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والتضرع لإزالة ضرره، والله سبحانه يقول: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186].
ويقول تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:62].
السؤال: لي أبٌ حصل بيني وبينه كلام، ولكنه طلب طلباً وأنا رفضت طلبه الذي طلب مني وهو طلاق زوجتي، وطلب مني ذلك الطلب لأنه تشاجر مع ابنة عمه وهو خالي ونسيبي، ومن تلك المدة وهي عشر سنوات عزلني من العيش معه وقطعني ويسيئ إلي ويحرمني مما ساهمت فيه، فأكتب له وهو لا يرد علي، يقول: إنني طلبت من بعض الأقارب أن يتوسطوا بيني وبينه ليصلحوا بيننا لكنه رافض، وأنا مريض وزاد عليّ المرض بسببه، وأعاني من مقاطعته لي، وأعاني من مرضي، وأعاني عن بعدي عن وطني للبحث عن قوت ابني وزوجتي وبنتي، أفيدونا عن ذلك الوضع أفادكم الله؟
الجواب: هذا السؤال يتضمن شقين:
الشق الأول: أنه عصى والده حين أمره بطلاق زوجته، وهذا العصيان يجب أن يعرف أنه قد يكون آثماً به وقد يكون غير آثم، فإذا كان أبوه أمره بطلاق زوجته بسببٍ وجده فيها يستلزم مفارقتها كسوء أخلاقها مثلاً فإنه يجب عليه طاعة والده بذلك لسببين:
السبب الأول: أن هذه الزوجة لا ينبغي للمرء أن يبقيها في ذمته خصوصاً إذا كان لا يمكن إصلاحها.
وثانياً: طاعة الوالد.
وتارةً يكون أمر والده بطلاق زوجته ليس لسببٍ يقتضي ذلك شرعاً، ولكنه لكراهة شخصية، أو مخاصمة، أو ما أشبه ذلك، وطلاقها يوجب ضرراً للابن، فمثل هذا لا يلزم الولد إجابة والده إلى طلبه؛ لأنه لا يلزمه طاعة والده فيما فيه ضررٌ عليه، و( إنما الطاعة في المعروف) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
أما الشق الثاني في السؤال: فهو محاولته الإصلاح مع أبيه وامتناع أبيه من ذلك، فهذا لا إثم عليه به ما دام قد بذل المجهود في الوصول إلى إصلاح وإلى إزالة هذا الأمر من قلب والده ولم يتمكن، فإن الإثم هنا يكون على الوالد؛ لأن قطيعة الرحم صارت من قبله، والواجب على أبيه في مثل هذه الحال أن يرجع إلى نفسه وأن يعين على بره، وأن يعرف أن هذا أمرٌ صعب يأمر ولده بطلاق زوجته التي يحبها والتي له منها ولد، وفي ذلك ضررٌ عليه.
وليتصور نفسه لو كان أبوه أمره بذلك وهو يحب زوجته فما هو موقفه؟! وعلى الإنسان أن يعامل غيره بما يحب أن يعامله الغير به، وأن ينزل الناس منزلة نفسه قبل أن يكلفهم الأمور حتى يعرف ويكون مؤمناً حقاً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، ولو أننا كنا إذا أردنا معاملة الناس فرضنا أنفسنا نحن الذين نعامل بما نريد أن نعامل به غيرنا، وننظر هل ذلك يؤثر علينا أم لا؟ لكنا ننال خيراً كثيراً ونبعد من الأنانية، لكن مع الأسف أن أكثرنا لا يولي هذا الأمر اهتمامه والله الموفق.
السؤال: أنا موظف أعمل في إحدى الشركات المساهمة، ويحدث بعض الأحيان أن أطلب من المسئول المباشر عني أن أترك مكان عملي وأغادر إلى البيت ويسمح لي بذلك، ويقوم بتثبيت أجر ذلك اليوم مع العلم أنه موظف مثلي وغير مساهم في الشركة التي نعمل فيها، كذلك يحدث أن أطلب منه أن يسمح لي بصنع أو عمل شيء من أموال الشركة مثل عمل طاولة خشب أو طاولة حديد أو غير ذلك من الأشياء قليلة القيمة، علماً أنها من أموال الشركة المساهمة فما حكم ذلك وجزاكم الله خير الجزاء؟
الجواب: إذا كانت الشركة تعلم بذلك وتقره عليه فلا حرج، لأن هذا مالها، فإذا رضيت بما يصنع به فلا حرج.
وكذلك بالنسبة للعمل وتغيبه المدة اليسيرة بإذن رئيسه المباشر، فهذا أيضاً لا بأس به إذا كانت الشركة تعلم بذلك وتقره.
أما إذا كانت الشركة لا تعلم بذلك ولا تقره فإنه لا يجوز لرئيسه أن يأذن له في ذلك، إلا فيما جرت العادة به من الأمور البسيطة فهذا لا بأس به.
السؤال: إنسان حرم أكل شيء من يد إنسان، فهل يدفع كفارة وما هي؟
الجواب: مسألة تحريم ما أحل الله أفتانا الله بها حيث قال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:1-2]، فجعل الله تحريم الحلال يميناً، فإذا حرم الإنسان على نفسه شيئاً -بمعنى: أنه أراد الامتناع منه بهذه الصيغة- فإنه حينئذٍ يكون بمنزلة الحالف، فله أن يفعل ما حرم ثم يكفر كفارة يمين، وكفارة اليمين: هي إطعام عشرة مساكين من أوسط ما نطعم أهلنا أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
السؤال: امرأة حلفت على القرآن أنها لن تعود لشرب الدخان وأخيراً دخنت وبعد ذلك دفعت كفارة، وأخيراً أجبرها زوجها أن تدخن ثم لم تعد تدخن فما الحكم؟
الجواب: نسأل الله العافية، هذه كالأولى حرمت على نفسها أن تشرب الدخان بقصد الامتناع منه، ولكنها عادت إليه، فيجب عليها كفارة يمين، فالكفارة التي بذلت إن كانت بقدر كفارة اليمين، يعني: أنها أطعمت عشرة مساكين فقد برئت ذمتها وإلا فعليها أن تبرئ ذمتها بإطعام عشرة مساكين، ثم إنه من الخطأ الذي ارتكبه زوجها حيث أمرها بأن تعود إلى الدخان؛ لأن هذا أمرٌ بمعصية ولا طاعة للزوج بها أو فيها، لا يجوز لها أن تطيع زوجها فيما يحرم.
والدخان اختلف الناس في حكمه أول ما ظهر: فمن مبيحٍ ومن محرمٍ ومن كاره، ومن قائلٍ: إن الأولى اجتنابه، ولكن بعد أن تبين ضرره بإجماع الأطباء في عصرنا هذا تبين لنا أنه محرم وأنه لا يجوز للإنسان شربه؛ لأنه يؤدي إلى ضررٍ في الجسم، ثم هو إتلافٌ للمال بدون فائدة، ثم ما يصحبه من الروائح الكريهة التي تؤذي من لم يعتد شربه.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
فتاوى نور على الدرب [707] | 3913 استماع |
فتاوى نور على الدرب [182] | 3693 استماع |
فتاوى نور على الدرب [460] | 3647 استماع |
فتاوى نور على الدرب [380] | 3501 استماع |
فتاوى نور على الدرب [221] | 3496 استماع |
فتاوى نور على الدرب [411] | 3478 استماع |
فتاوى نور على الدرب [21] | 3440 استماع |
فتاوى نور على الدرب [82] | 3438 استماع |
فتاوى نور على الدرب [348] | 3419 استماع |
فتاوى نور على الدرب [708] | 3342 استماع |