شرح السنة للإمام المزني [10]


الحلقة مفرغة

إقامة الجمع والجماعات مع الإمام البر والفاجر

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اهدنا صراطك المستقيم, صراط الذين أنعمت عليهم يا رب العالمين.

أما بعد:

قال رحمه الله: [ ولا نترك حضور الجمعة, وصلاة مع بر هذه الأمة وفاجرها لازم, ما كان من البدعة بريئاً، فإن ابتدع ضلالاً فلا صلاة خلفه, والجهاد مع كل إمام عدل أو جائر ].

وذلك أن هذه الأمور يتعلق بها أمر جماعة المسلمين, وبها يأتلفون, وأمر الجماعة أولى من أمر الأفراد, والأمة إن اجتمعت على أمر مرجوح أولى من افتراقها على أمر راجح, ما لم يكن ذلك من أصول الدين العظام؛ لأن الاجتماع أصل عظيم من أصول الإسلام, وأمر الله عز وجل به, ولهذا يقول الله عز وجل: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103], فنهى الله سبحانه وتعالى عن الافتراق, ومن مظاهر الاجتماع: الاجتماع على الأمير ولو كان فاسقاً, ما دام من أهل الإسلام, ولم يأتِ بناقض من نواقضه.

يقول رحمه الله: (ولا نترك حضور الجمعة, وصلاة مع بر هذه الأمة وفاجرها لازم), وذلك أنه ما يخلو أحد من معصية وذنب, فلو ترك الأمر للمعاصي والذنوب التي تكون في الأفراد ما سلم الناس من ذلك, ولنازع بعضهم بعضاً, واستأثر الأمراء ببعض، فكان في الأمة الدماء، ووقع فيهم السيف, ولهذا من عقيدة السلف الصالح، وعقيدة أهل السنة والجماعة الصبر على أئمة الجور مع استصلاحهم قدر الوسع والإمكان, والصلاة خلفهم في الجُمَع, وكذلك أيضاً الجماعات.

كيفية التعامل مع الإمام المبتدع

قال رحمه الله: (ما كان من البدعة بريئاً, فإن ابتدع ضلالاً فلا صلاة خلفه), في الصلاة خلف المبتدع من الأمراء وغير ذلك, نقول: إن البدعة إذا كانت مكفرة لا يصلى خلفه, وأما إذا كانت البدعة ليست بمكفرة فإنها في ذلك على حالين:

بدعة للإنسان وجه في إقامتها وتعديلها, فيقوم الإنسان بالابتداء باستصلاحها, وبإقامتها مع أمير المؤمنين واستصلاحه بها، وذلك كما كان مثلاً في بعض متأخري الصحابة عليهم رضوان الله تعالى من صلاتهم خلف أئمة الجور الذين يؤخرون الصلاة حتى يخرج وقتها ويصلونها, فيصلونها معهم نافلة, فإن قدروا على استصلاحهم أعلنوا الاستصلاح، وأقاموا الحق في الناس, فصلوا معهم من جهة الظاهر، وهي في الحقيقة نافلة، ويكون في ذلك جمع لكمة المسلمين.

وأما البدعة التي لا يستطيع الإنسان لها تقويماً، ووجوده فيها يزيدها تلبيساً؛ لأن الإحداث في الدين محرم, فيبتعد الإنسان عن ذلك, وإذا وجد الإنسان موضعاً يقيم فيه دين الله سبحانه وتعالى على السنة فإن الأولى أن يأرز إليه؛ لأن الإتيان بالسنة أولى من غيرها حفظاً للدين ومقامه.

إقامة الجهاد والحج مع الإمام

قال رحمه الله: (والجهاد مع كل إمام عدل أو جائر والحج).

وهذا كذلك, فإنهم كانوا يحجون مع الأمراء, وكذلك أيضاً في الغزو؛ لأن مصلحة الغزو في مواجهة عدو أعظم، وهم أهل الكفر والشرك, والفاجر من أئمة المؤمنين يكون فاجراً بمعصية أو كبيرة, ولكنهم الآن يواجهون كفراً وشركاً, ولهذا لابد من معرفة مراتب الخلاف، فالنزاع بين المؤمنين كأفراد يحل الخلاف الذي يكون بين الأبعدين, وخلاف الإنسان في مسألة من الفروع مع أحد يخالفه ينبغي ألا يجعله ينازعه في مسائل الأصول, وهذا في أمور الولايات آكد وأعظم.

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اهدنا صراطك المستقيم, صراط الذين أنعمت عليهم يا رب العالمين.

أما بعد:

قال رحمه الله: [ ولا نترك حضور الجمعة, وصلاة مع بر هذه الأمة وفاجرها لازم, ما كان من البدعة بريئاً، فإن ابتدع ضلالاً فلا صلاة خلفه, والجهاد مع كل إمام عدل أو جائر ].

وذلك أن هذه الأمور يتعلق بها أمر جماعة المسلمين, وبها يأتلفون, وأمر الجماعة أولى من أمر الأفراد, والأمة إن اجتمعت على أمر مرجوح أولى من افتراقها على أمر راجح, ما لم يكن ذلك من أصول الدين العظام؛ لأن الاجتماع أصل عظيم من أصول الإسلام, وأمر الله عز وجل به, ولهذا يقول الله عز وجل: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103], فنهى الله سبحانه وتعالى عن الافتراق, ومن مظاهر الاجتماع: الاجتماع على الأمير ولو كان فاسقاً, ما دام من أهل الإسلام, ولم يأتِ بناقض من نواقضه.

يقول رحمه الله: (ولا نترك حضور الجمعة, وصلاة مع بر هذه الأمة وفاجرها لازم), وذلك أنه ما يخلو أحد من معصية وذنب, فلو ترك الأمر للمعاصي والذنوب التي تكون في الأفراد ما سلم الناس من ذلك, ولنازع بعضهم بعضاً, واستأثر الأمراء ببعض، فكان في الأمة الدماء، ووقع فيهم السيف, ولهذا من عقيدة السلف الصالح، وعقيدة أهل السنة والجماعة الصبر على أئمة الجور مع استصلاحهم قدر الوسع والإمكان, والصلاة خلفهم في الجُمَع, وكذلك أيضاً الجماعات.

قال رحمه الله: (ما كان من البدعة بريئاً, فإن ابتدع ضلالاً فلا صلاة خلفه), في الصلاة خلف المبتدع من الأمراء وغير ذلك, نقول: إن البدعة إذا كانت مكفرة لا يصلى خلفه, وأما إذا كانت البدعة ليست بمكفرة فإنها في ذلك على حالين:

بدعة للإنسان وجه في إقامتها وتعديلها, فيقوم الإنسان بالابتداء باستصلاحها, وبإقامتها مع أمير المؤمنين واستصلاحه بها، وذلك كما كان مثلاً في بعض متأخري الصحابة عليهم رضوان الله تعالى من صلاتهم خلف أئمة الجور الذين يؤخرون الصلاة حتى يخرج وقتها ويصلونها, فيصلونها معهم نافلة, فإن قدروا على استصلاحهم أعلنوا الاستصلاح، وأقاموا الحق في الناس, فصلوا معهم من جهة الظاهر، وهي في الحقيقة نافلة، ويكون في ذلك جمع لكمة المسلمين.

وأما البدعة التي لا يستطيع الإنسان لها تقويماً، ووجوده فيها يزيدها تلبيساً؛ لأن الإحداث في الدين محرم, فيبتعد الإنسان عن ذلك, وإذا وجد الإنسان موضعاً يقيم فيه دين الله سبحانه وتعالى على السنة فإن الأولى أن يأرز إليه؛ لأن الإتيان بالسنة أولى من غيرها حفظاً للدين ومقامه.

قال رحمه الله: (والجهاد مع كل إمام عدل أو جائر والحج).

وهذا كذلك, فإنهم كانوا يحجون مع الأمراء, وكذلك أيضاً في الغزو؛ لأن مصلحة الغزو في مواجهة عدو أعظم، وهم أهل الكفر والشرك, والفاجر من أئمة المؤمنين يكون فاجراً بمعصية أو كبيرة, ولكنهم الآن يواجهون كفراً وشركاً, ولهذا لابد من معرفة مراتب الخلاف، فالنزاع بين المؤمنين كأفراد يحل الخلاف الذي يكون بين الأبعدين, وخلاف الإنسان في مسألة من الفروع مع أحد يخالفه ينبغي ألا يجعله ينازعه في مسائل الأصول, وهذا في أمور الولايات آكد وأعظم.

قال رحمه الله: [ وإقصار الصلاة في الأسفار, والاختيار فيه بين الصيام والإفطار في الأسفار إن شاء صام وإن شاء أفطر ].

وهنا ذكر قصر الصلاة في السفر, وهذه من المسائل الفقهية التي يذكرها العلماء في أبواب الاعتقاد؛ وذلك لمخالفة بعض أهل البدع فيها, فيذكرونها؛ لأنها أمارة على المفارقة مع أهل البدع، كما يذكرون المسح على الخفين في الخلاف مع الرافضة, ويذكرون هنا القصر في الصلاة في الخلاف مع الخوارج؛ لأن الخوارج لا يرون قصر الصلاة، ولا الفطر في السفر, ولا يجعلون ذلك رخصة لكل مسافر, وإنما يربطه طوائف منهم بالخوف, وهذا من المسائل التي يذكرها العلماء في مسائل الاعتقاد, وهي من مسائل الفروع؛ لكونها علم وفرق بين أهل السنة وبين أهل البدع.

قال رحمه الله: [ هذه مقالات وأفعال اجتمع عليها الماضون الأولون من أئمة الهدى, وبتوفيق الله اعتصم بها التابعون قدوة ورضا, وجانبوا التكلف فيما كفوا, فسددوا بعون الله ووفقوا، لم يرغبوا عن الاتباع فيقصروا, ولم يجاوزوه تزيداً فيعتدوا، فنحن بالله واثقون، وعليه متوكلون، وإليه في اتباع آثارهم راغبون ].

بعدما ذكر المصنف رحمه الله الاعتقاد وما سئل عنه من أمر السنة ذكر الإجماع, وأن العلماء عليهم رحمة الله من الصحابة والتابعين وأتباعهم يتفقون على ذلك, وأعظم مواضع الأدلة هو الإجماع في الأمة؛ وذلك أن الإجماع لا بد أن يكون المستند فيه دليل من الكتاب والسنة, وإن كان الدليل من الكتاب والسنة في ذاته أقوى, ولكن من جهة الاحتجاج فإن الإجماع في ذلك أقوى؛ لأن الاجتماع لا يحتمل الخلاف بخلاف النص أو الدليل من الكتاب والسنة؛ لأنه يحتمل تأويلاً فيختلف الناس فيه, فإن اجتمعوا فإن الاجتماع لا بد أن يكون مستنداً إلى دليل, والاجتماع في ذلك هو غاية الأدلة، وهو أعظمها من جهة الاعتبار والعمل به, وإن كان الدليل من الكتاب والسنة من جهة جنسه أعظم من غيره.

ذكر المصنف رحمه الله هنا مجانبة السالفين من الصحابة والتابعين للتكلف, وذلك في تقرير المسائل وبيانها والتدليل عليها, والبحث أيضاً فيما لم يبحث فيمرون النصوص على ما جاءت, وأما ما يكون من خلاف أو يحدث أهل البدع من محدثات فإنهم يردون على ذلك، ولو دخلوا في التكلف بالمقدار الذي يرد تلك البدعة, ولهذا كانوا يكرهون الدخول في الفلسفة والمنطق, وأيضاً كلام المتكلمين فيما يتعلق بمسائل الدين من أمور العقائد والفروع إلا إذا كان ذلك سبباً لإضلال أهل البدع, فإذا ضلوا بسبب ذلك التكلف والضلال فيه, فاستدلوا بشيء من المنطق أو الفلسفة أو الكلام فضلوا بذلك، فلا حرج من الدخول في هذا الباب لصد عدوان الباغي, فيكون ذلك سلاحاً لرد البغي, لا مسلكاً من مسالك تقرير الشريعة للناس؛ لأن الشريعة جاءت باليسر من جهة إفهام الناس, فإنهم يفهمونها إذا أرادوا أن يفهموا, ولهذا اكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بإسماع المشركين مجرداً؛ لأنهم يفهمون كلام الله إذا أرادوا أن يفهموا بلا تفصيل ممل أو تكلف, ولهذا الله عز وجل يقول: حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ [التوبة:6], يعني: أعطه مجالاً يتأمل ويتفكر, واجعل بينك وبينه حداً للمخالفة، وكذلك أيضاً المنازعة أو المقاتلة في حال إرادة المقاتلة, ولهذا نقول: إن ما يتعلق بمسائل الدين الأصل فيها اليسر, وأما التكلف في ذلك من جهة الكلام والفلسفة والمنطق فإنه لا يدخل في ذلك إلا في رد كلام المبتدعة, كما سلك ذلك الأئمة عليهم رحمة الله.

قال رحمه الله: [ فهذا شرح السنة تحريت كشفها وأوضحتها. فمن وفقه الله للقيام بما أبنته مع معونته له بالقيام على أداء فرائضه, بالاحتياط في النجاسات ].

وهذا أيضاً من المصنف رحمه الله بيان أن هذا الأمر ليس رأياً له, وإنما هو بيان السنة, فوصفه شرح السنة, أي: سنة النبي صلى الله عليه وسلم, وما كان عليه السالفون من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى عليهم رضوان الله, وهذا ما ينبغي أن يكله الإنسان, فلا يبحث في أقوال الرجال وأهوائهم وترجيحاتهم, بل يلتمس الدليل, وإذا رجح قولاً أن يكله إلى مستنده من الوحي كتاباً وسنة أو إجماعاً أو أصلاً من الأصول العظيمة.

قال رحمه الله: [ وإسباغ الطهارة على الطاعات، وأداء الصلوات على الاستطاعات ].

وهنا ذكر جملة من المسائل المتعلقة بالفروع بعدما ذكر مسائل العقائد على سبيل الإجمال، ومن هذه المسائل: أن شريعة الله سبحانه وتعالى وسنته كما أنها في أبواب العقائد وأمور الباطن فإن ثمة أعمالاً ظاهرة, ومن أظهر هذه الأعمال وأجلها هي الصلاة, وأعظم ما يسبق الصلاة في ذلك هو الطهارة, ولهذا الطهور شطر الإيمان, والإيمان هي الصلاة, كما قال الله سبحانه وتعالى: مَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143], يعني: صلاتكم عند البيت, فتسمى الصلاة إيماناً, ولهذا العلماء يقولون: من أنكر الوضوء ومشروعيته كفر؛ لأنه لا تصح الصلاة إلا به, فيذكر العلماء الوضوء، ويذكرون غسل الجنابة مع أنها في ظاهرها من الفروع, ولكن هي تتعلق بأصول, فلا تستباح الأصول إلا بها.

فذكر التنزه من النجاسات، وإسباغ الطهارة على الطاعات, وأداء الصلوات على الاستطاعات, وأراد بالصلوات الصلوات الخمس التي لا يتم دين الإنسان إلا بها, ولهذا الله عز وجل أمر بها سائر أنبيائه ونبينا صلى الله عليه وسلم، وأمر بها الناس كافة, وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [النساء:77], وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك الناس عموماً كما في حديث جابر عند مسلم : ( بين الرجل وبين الشرك ترك الصلاة ), وكذلك أيضاً في حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه كما في السنن: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة, فمن تركها فقد كفر ).

وهنا قال رحمه الله: (على الاستطاعات)؛ لأن الله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها؛ كما جاء في حديث عمران بن حصين في الصحيح: ( صل قائماً, فإن لم تستطع فقاعداً, فإن لم تستطع فعلى جنب ), تيسيراً من الله سبحانه وتعالى للعباد على قدر الاستطاعة, فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16], وقال: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286], وقال: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7], يعني: بحسب استطاعة الإنسان وما يؤتيه الله عز وجل من قدرة يكلفه سبحانه وتعالى رحمة بالعباد, فإذا كان الإنسان صاحب قدرة تامة فإن التكليف عليه أكثر, وإذا ضعفت قدرته واستطاعته فإن التكليف عليه يضعف, فهذا من رحمة الله عز وجل ولطفه بالعباد.

قال رحمه الله: [ وإيتاء الزكاة على أهل الجدات، والحج على أهل الجدة والاستطاعة ].

وهنا ذكر الزكاة، وعطفها على الصلاة؛ لأن الله عز وجل قرنها في كتابه العظيم بالصلاة في مواضع عديدة.

يقول رحمه الله: (وإيتاء الزكاة على أهل الجدات, والحج على أهل الجدة), ففرض الله سبحانه وتعالى الزكاة على القادرين وأهل الأموال, وللزكاة شروط في ذلك يذكرها الفقهاء في أبوابها, ولكنها أيضاً ركن من أركان الإسلام, وهي الركن الثاني من الأركان العملية, وهي أعظم الأعمال المالية, والصلاة أعظم الأعمال البدنية.

وقوله رحمه الله: (والحج على أهل الجدة), يعني: الاستطاعة, وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97], يعني: جحد بما أمر الله سبحانه وتعالى به عباده فهو كافر بالله سبحانه وتعالى، وهنا الله عز وجل على ما تقدم يكلف عباده بما يستطيعون.

قال رحمه الله: [ وصيام الشهر لأهل الصحات ].

هنا قال: (وصيام الشهر لأهل الصحات), يعني: المكلفين القادرين على الصيام, وأراد بالشهر شهر رمضان؛ لأنه الركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة, ومنزلته على ما لا يخفى, وقد تكلمنا على ذلك مراراً.

قال رحمه الله: [ وخمس صلوات سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الوتر كل ليلة, وركعة الفجر, وصلاة الفطر والنحر, وصلاة كسوف الشمس والقمر إذا نزل, وصلاة الاستسقاء متى وجب ].

وهنا ذكر الصلوات المتأكدة, ولم يذكر ما يتعلق بالسنن الأخرى من بقية الرواتب, وكذلك النوافل المطلقة, وما يتعلق أيضاً بصلاة الضحى وغيرها من الطاعات المرتبطة بأنواع الصلوات, وذلك لأن هذه الأنواع التي ذكر المصنف هي آكد الصلوات, ويتفق العلماء على أن أفضل النوافل اليومية في اليوم والليلة من الصلوات أفضلها صلاة الوتر, وبعض الفقهاء بعد الصدر الأول يقولون بأن ركعتي الفجر أفضل من الوتر, وهذا خلاف إجماع الصحابة عليهم رضوان الله تعالى أن صلاة الوتر أفضل النوافل اليومية, وركعتا الفجر هي أفضل السنن الرواتب, والوتر هو أفضل النوافل عموماً, يدخل في ذلك الرواتب, ويدخل في ذلك النوافل المطلقة؛ لأن الله عز وجل وتر يحب الوتر.

قال رحمه الله: (وصلاة الفطر والنحر), وهما صلاة العيدين, وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم حضرها، وأمر الناس بحضورها, وأمر بإخراج النساء، وذوات الخدور، والحيَّض مع أنهن لسن من أهل الصلاة, وذلك ليشهدن الخير ودعوة المسلمين, أي: يدركهن الخير ولو لم يباشرنه بأنفسهن.

قال رحمه الله: (وصلاة كسوف الشمس والقمر إذا نزل) لأن هذه الصلوات منها صلوات الآيات وهي كسوف الشمس وخسوف القمر؛ وذلك لأنها من فروض الكفايات, فيقوم بها البعض وتسقط عن الباقين, وكذلك أيضاً لكونها من صلاة الجماعات, وصلوات الجماعات هي آكد من صلوات الأفراد.

قال رحمه الله: (وصلاة الاستسقاء متى وجب), يعني: متى احتيج إليها, فإنها متأكدة, ويجب على الناس إذا وقع فيهم جدب أن يتوجهوا إلى الله؛ لأن الله عز وجل ما مسهم بقحط إلا ليرجعوا إليه, فإذا أعرضوا عنه كان في ذلك إظهاراً للاستغناء عن الخالق سبحانه وتعالى, وهو مخالف لأصل تقرير الله عز وجل عليهم الضر أو الجدب, وإنما أراد الله عز وجل بذلك ليختبر عباده, فوجب عليهم أو على بعضهم أن يلجئوا إليه سبحانه وتعالى.

ويظهر والله أعلم أن المصنف رحمه الله إنما ذكر هذه الأعمال الصالحة؛ لأنه أراد أن يبين المجمل السابق معنا في الإيمان, فذكر أن الإيمان قول وعمل, ثم ذكر المسائل الاعتقادية, ثم أراد أن يفصل ما أجمله في السابق من أمر الإيمان, فذكر أن هذه الاعتقادات إذا اعتقدها الإنسان لكنه ما عمل بمقتضاها من العبادة والتدين لله سبحانه وتعالى فإن هذا لا يكفيه ولا يحقق إيمانه, فلا بد من العمل, والعمل هو هذه الأعمال من الصلوات الخمس, ومن الطهارة وغيرها.

ولهذا نجد أن المصنف رحمه الله ذكر الأعمال التي تختص بها شرعة محمد صلى الله عليه وسلم, ولم يذكر الأعمال الأخرى التي تشترك فيها شرعة محمد صلى الله عليه وسلم مع سائر الشرائع, أو تشترك مع الفطر, وذلك مثل إكرام الضيف، والإحسان إلى الجار, وبر الوالدين, وصلة الأرحام, وإغاثة الملهوف, هذه أمور تدل عليها الفطرة وسائر الشرائع, فهو لم يذكرها هنا؛ لأنها مستقرة في الفطر ومستقرة في سائر الشرائع, لكن الذي يثبت الإيمان هو العمل الذي اختصت به شريعة محمد, وهو الذي أجمله المصنف في قوله: (الإيمان قول وعمل), فذكر أمور الاعتقاد وهي الأمور الباطنة, وبقي الأمور الظاهرة، فأشار إليها المصنف على سبيل الإجمال هنا, فذكرها بنوعيها: الأفعال, والتروك, والأفعال هي الأمور التي ذكرها المصنف رحمه الله: كالطهارة، والصلوات، والزكوات، والحج، والصيام, ثم النوافل: ما كان من الوتر, وركعتي الفجر, وصلاة الفطر والنحر, وصلاة الكسوف والخسوف, وصلاة الاستسقاء متى وجب, يعني: هذه من أمور الأعمال التي اختصت بها شرعة محمد صلى الله عليه وسلم, وهذا يؤيد ما سبق تأكيده أن المراد بالعمل الذي يصح به الإيمان هو العمل الذي اختصت به شرعة محمد صلى الله عليه وسلم.




استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح السنة للإمام المزني [9] 2605 استماع
شرح السنة للإمام المزني [8] 2412 استماع
شرح السنة للإمام المزني [1] 1890 استماع
شرح السنة للإمام المزني [7] 1610 استماع
شرح السنة للإمام المزني [5] 1545 استماع
شرح السنة للإمام المزني [3] 1365 استماع
شرح السنة للإمام المزني [6] 1232 استماع
شرح السنة للإمام المزني [4] 973 استماع
شرح السنة للإمام المزني [2] 663 استماع