شرح السنة للإمام المزني [2]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم حقق توحيدنا، وارزقنا صدق التوكل عليك، وحسن الظن بك يا رب العالمين.

أما بعد:

قال المصنف رحمه الله: [ الواحد الصمد ليس له صاحبة ولا ولد, جل عن المثيل, ولا شبيه له ولا عديل, السميع البصير, العليم الخبير, المنيع الرفيع ].

ابتدأ المصنف رحمه الله هذه المسائل بعد بيان سنة النبي صلى الله عليه وسلم والتمسك بها، فبدأ بمسائل الأسماء والصفات, ومسائل الأسماء والصفات هي أحد أنواع التوحيد, وذلك أن التوحيد على أنواع:

النوع الأول: توحيد الله عز وجل في ربوبيته, وذلك في أفعاله سبحانه وتعالى, والنوع الثاني: توحيد الله عز وجل في ألوهيته, وهو في أفعال العباد, بأن يخلصوا العبادة لله سبحانه وتعالى, فلا يجعلوا له شريكاً, ولا يجعلوا له نداً, والثالث: هو توحيد الله سبحانه وتعالى في أسمائه وصفاته.

وذلك أن جهل الطوائف إما أن يكون في أحد هذه الأنواع، وإما أن يكون في جميعها, ويختلفون بحسب مذاهبهم وطوائفهم, منهم من أصل ضلاله في أبواب الأسماء والصفات, ومنهم من أصل ضلاله في أبواب توحيد الألوهية, ومنهم من أصل ضلاله في توحيد الربوبية, وغير ذلك, فمستقلون ومستكثرون من هذا الضلال.

ولعل المصنف رحمه الله إنما صدر المسائل المتعلقة بالأسماء والصفات؛ لأنه إما أن السائل ألمح بسؤاله عنها ابتداء فأراد أن يجيبه ابتداء على ذلك, وإما أن يريد أن يبين أن الفتن وشبه الأقاويل إنما تعلقت بهذه المسألة أكثر من غيرها فأراد أن يبين المسائل المتعلقة بها على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته بما بينه هنا.

فابتدأ بقوله: (الواحد الصمد), الله سبحانه وتعالى واحد صمد؛ كما في قول الله جل وعلا: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص:1-3], وهذه السورة تسمى بسورة نسب الرحمن, وذلك أن المشركين من كفار قريش؛ كما روى ابن جرير الطبري وغيره, ( قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربك ), وذلك أنهم يقيسون الله على ما أحوالهم من تناسبهم وتناسلهم, فانقدح في أذهانهم أن الله عز وجل كذلك, تعالى الله عن ذلك, فأنزل الله عز وجل عليه قوله: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4], هذا فيما يتعلق بهذه المسألة.

قاعدة نفي المماثلة عن الله عز وجل

والآن نريد أن نبين الأصل في أبواب الأسماء والصفات، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العظيم: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11], فالتماثل منتفٍ عن الله سبحانه وتعالى مع خلقه, فلا مثيل ولا نظير ولا شبيه ولا ند له, وهذه القاعدة إذا استقرت لدينا فإنها تَحُل كثيراً من الإشكالات في هذا الباب, وذلك أنه إذا لم يكن للشيء مثيل فإنك لا تستطيع معه القياس, ولا تستطيع أن تجعل لكل شيء من صفاته لوازم, فيلزم من ذلك أن تجعل في ذلك تناسخاً, وكذلك أيضاً صفات لازمة لكل صفة, حتى يلزم من ذلك إيجاد صفات لا دليل عليها, ولهذا كان عقيدة السالفين التمسك بظواهر الأدلة من الكتاب والسنة, وإثبات ما أثبته الله عز وجل لنفسه في كتابه من الأسماء والصفات من غير زيادة, وأن يمروها كما جاءت؛ لأن ما زاد عن ذلك لا بد أن يكون بالقياس، فالله عز وجل خلق عقل الإنسان, وعقل الإنسان إناء ووعاء, والوعاء إذا وضع فيه شيء أعطاك بما فيه وأخذ يقيس لك ما فيه, فإذا وضعت في الإناء لبناً أو وضعت فيه عصيراً أو وضعت فيه خمراً أو وضعت فيه ماء فأردت أن تخرج منه أخرج لك ما فيه, فإذا أردت أن تقيس عليه ما كان خارجاً عنه فإنه لا يمكنك ذلك؛ لأنه لا وجود لمثيل في عقلك لما كان خارجاً عنه، فإذاً لا يمكن أن تعطيه.

ضلال أهل القياس في باب الأسماء والصفات

والناس إنما ضلوا في هذا الباب -سواء كانوا من المعطلة الذين عطلوا أسماء الله عز وجل أو صفاته, جميعها أو بعضها, أو المشبهة- بسبب اختلال هذه القاعدة, واعتقادهم أن الإنسان إذا أراد أن يتكلم في صفات الله عز وجل يقيسها على ما هو عليه في حاله, وهذا معلوم لدى الناس؛ فلو قام رجل على سبيل المثال في أفريقيا يحدث الناس، ويقول: إنه أتاني رجل ودخل علي وجلس معي ونحو ذلك فالناس سيتخيلون مثلاً أنه نوع معين من ألوان البشر ولباس البشر وطريقة الجلوس التي كانوا عليها, وإذا حدث بهذه القصة شخص مشرقي أو حدث بها رجل أوروبي فإن التصور الكائن يختلف؛ لأن كلاً يصور على حياته وحالته.

كذلك أيضاً من جهة الزمان؛ إذا حدثت بقصة تقول: أتى فلان من مكة وأقام عندي ونحو ذلك, في زماننا تتخيل أنه جاء على سيارة, إذا كان شخص في أقصى الأرض يتخيل أنه جاء على طائرة؛ لأنه يستحيل أن يأتي على سيارة, وإذا كان قبل قرنين ونحو ذلك يتخيل أنه جاء على الراحلة, إما على الإبل أو على الخيل, أو نحو ذلك, أو جاء ماشياً؛ لعدم وجود هذه الأشياء, إذاً عقل الإنسان وعاء يقيس على ما هو عليه.

كذلك أيضاً من جهة الأكل؛ إذا حكيت للناس أنه مثلاً كان عندنا وليمة، ثم اجتمع عليها عشرة من الناس، ثم جلسنا ونحو ذلك, فالشخص بحسب البلد يتخيل وليمة معينة وأنه كان يأكل على طريقته, من كان مثلاً من الأوروبيين يتخيل أنه كان يأكل مثلاً على صفة معينة، إما على طاولة أو بشوكة وسكين, ومن كان في بلد معين يتخيل أنه كان على الأرض أو نحو ذلك في ذهنه مع أن القصة واحدة؛ لماذا اختلف المثال؟ اختلف المثال في هذا؛ لأنك قست على ما تشاهده، والله سبحانه وتعالى لا مثال له في عقلك, لا يقظة ولا في منام, ولهذا الله عز وجل يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].

فينبغي على الإنسان أن يمر النصوص كما جاءت؛ لأنه إذا خطر في باله شيء, فهو من مثال, فعليه ينتفي صحة قوله لانتفاء صحة المثال وظهور خطئه, ولهذا إذا ثبت لدينا هذا الأمر علمنا أن الذين يعطلون صفات الله عز وجل من باب التنزيه, فيقولون: إننا إذا أثبتنا الصفات يلزم من ذلك أن تكون أجساماً, إنها أجسام قلنا أجسام يلزم أن تكون محدودة.

فمثلاً: إذا نزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا يخلو منه العرش أم لا، وغير ذلك, فيقيس الإنسان على نفسه مثلاً من نزوله أو ذهابه ومجيئه، والله عز وجل في صفاته سبحانه وتعالى ليس له مثيل ولا ند ولا نظير.

معنى اسمي الواحد الصمد

وإنما ابتدأ المصنف رحمه الله بهذه الصفة بقوله: (الواحد الصمد), وذلك لأن الواحد هو أصل وحدانية الله سبحانه وتعالى وإفراده بالعبودية, وتفرده جل وعلا بأفعاله سبحانه وتعالى.

وأما بالنسبة للفرد فهل هو اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى؟ منهم من يلحق ذلك بالواحد أو الأحد من جهة المعنى, ومنهم من لا يلحقه بذلك, فيقول: لا بد من ثبوت الدليل الصحيح في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما الصمد فجاء في كلام المفسرين على عدة معان, فقيل: إنه السيد, وقيل: إنه الذي لا جوف له, يعني: أنه لا يأكل ولا يشرب, واختلف ترجيح العلماء في هذا المعنى, وكلا المعنيين صحيح في هذا, وقيل غير ذلك.

يقول هنا: (ليس له صاحبة ولا ولد), وهذا جواب على سؤال كفار قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما سألوه عن نسب الرحمن, إنما سألوه عن ذلك؛ لأنهم يتناسلون, فظنوا أنه كذلك.

ضلال الفرق بإدخال الأسماء والصفات في دائرة سببية الكون

ولهذا نقول: قاعدة؛ إنما يقع الخلل في أبواب الأسماء والصفات؛ لأن الإنسان يدخل ما جاء عن الله سبحانه وتعالى في أبواب أسمائه وصفاته وذاته داخل دائرة سببية الكون, فيأتي في مسألة البداية بلا انتهاء، من خلق الله؟ ومن أوجد الله؟ وما هو نسب الله سبحانه وتعالى؟ تعالى الله عز وجل عن ذلك علواً كبيراً.

والإنسان في دائرة من الحياة يعيش فيها, لا يحكم قانون الكون على قانونه؛ لأنه يوجد قانون آخر؛ كقانون الجاذبية, فمثلاً: أنت الآن كل شيء ترمي به يسقط إلى أسفل, لكن هناك قانون آخر وهو أنك إذا رميت بشيء لا يسقط إلى أسفل, إذا حدثتك بمثل هذا الشيء ربما إذا كنت لا تعلم تقول: هذا جنون؛ لأنك أنت داخل دائرة كونية معينة, فأنت تحكي القياس.

كذلك أيضاً عجلة الزمن, الله خلق الزمن وأوجدك داخل عجلة الزمن, وأوجد لك الليل والنهار وخروج الشمس وطلوعها, فلا تدخل الله عز وجل معك في مثل هذا المعنى, فالله سبحانه وتعالى خارج هذا القانون الذي أنت تراه, سواء القانون السببي من جهة تكوين الكائنات وعجلتها, وهو ما يسمى بقانون السببية أو الحتمية السببية, أو أيضاً العجلة الزمنية التي يراها الإنسان, ولهذا الله سبحانه وتعالى يعلم الزمان بلا شمس تشرق ولا تغرب, ولا هلال يظهر ولا يغيب, ولا دوران الأفلاك, وإنما جعلها الله سبحانه وتعالى ليعلم الإنسان, ويعلمه الزمان ويقيم الحجة عليه.

كذلك أيضاً حتى ما يكون لدى الناس, الله عز وجل جعل رقيباً وعتيداً؛ من يكتب الحسنات والسيئات, هل لأن الله عز وجل يريد أن يعلم هذا؟ لا، الله يعلم بلا حسيب ولا رقيب ولا حساب, كذلك الله عز وجل قادر أن يأخذك من الدنيا بعد انقضاء الأجل ويضعك في مكانك من النار من غير ميزان؛ لأنه يعلم الحسنات, ولكن الله عز وجل جعل ذلك لأجل أن يقيم الحجة عليك, وأن تقتنع بأنك فعلت هذه السيئات, فهذه الصحيفة, وهؤلاء الشهود, وإن أنكرت الشهود أتاك بشهود آخرين, فإن أنكرت جميع الشهود أتاك بشاهد من نفسك, فأنطق يدك وأنطق قدمك وأنطق فخذك وأنطق فرجك وأنطق جوارحك حتى تحجم عن الإنكار.

إذاً الله سبحانه وتعالى يقيم الحجة على عباده ويجري سنن الكون، وليس للإنسان أن يجري الخالق على سنن الكون.

ولهذا نقول: إنه ينبغي ويجب على الإنسان أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى ليس له مثيل ولا نظير ولا ند, والله جل وعلا يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11], فإذا لم يكن له مثيل في ذاته فليس للإنسان أن يجعل قانون الكون وسببيته لها أثر في هذا الباب عليه من جهة النظر إلى خالقه سبحانه وتعالى. فإذا كانت سببية البهائم تختلف عن سببية الإنسان من جهة التكوين والتركيب والأعمار والعجلة الزمنية, ومن جهة التفكير, وكذلك أيضاً الكائنات فيما بينها كالنباتات وغيرها, كل له سببية معينة تجري عليه, فكيف بالخالق سبحانه وتعالى الذي خلقها وأوجدها من عدم.

يقول: (ليس له صاحبة ولا ولد), جل عن المثيل, فلا شبيه له ولا عديل, قيل: إن المثيل والشبيه والعديل والنظير بمعنى واحد, وقيل: إن بينها عموماً وخصوصاً.

ويقول: (السميع البصير, العليم الخبير, المنيع الرفيع) سبحانه وتعالى, فذكر بعض الأسماء لله سبحانه وتعالى, وذلك ليدل على الصفات بالتدليل، وذكر الأسماء؛ لأنه يؤخذ من الاسم صفة, ولا يؤخذ من كل صفة اسم, فذكر أسماء الله سبحانه وتعالى: الواحد, الصمد, السميع, البصير, العليم, الخبير, المنيع, الرفيع, فيؤخذ من السميع صفة السمع, ومن البصير صفة البصر, ومن العليم صفة العلم, ومن الخبير صفة الخبرة, ومن المنيع صفة المنع, ومن الرفيع صفة الرفعة والعلو لله سبحانه وتعالى.

والآن نريد أن نبين الأصل في أبواب الأسماء والصفات، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العظيم: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11], فالتماثل منتفٍ عن الله سبحانه وتعالى مع خلقه, فلا مثيل ولا نظير ولا شبيه ولا ند له, وهذه القاعدة إذا استقرت لدينا فإنها تَحُل كثيراً من الإشكالات في هذا الباب, وذلك أنه إذا لم يكن للشيء مثيل فإنك لا تستطيع معه القياس, ولا تستطيع أن تجعل لكل شيء من صفاته لوازم, فيلزم من ذلك أن تجعل في ذلك تناسخاً, وكذلك أيضاً صفات لازمة لكل صفة, حتى يلزم من ذلك إيجاد صفات لا دليل عليها, ولهذا كان عقيدة السالفين التمسك بظواهر الأدلة من الكتاب والسنة, وإثبات ما أثبته الله عز وجل لنفسه في كتابه من الأسماء والصفات من غير زيادة, وأن يمروها كما جاءت؛ لأن ما زاد عن ذلك لا بد أن يكون بالقياس، فالله عز وجل خلق عقل الإنسان, وعقل الإنسان إناء ووعاء, والوعاء إذا وضع فيه شيء أعطاك بما فيه وأخذ يقيس لك ما فيه, فإذا وضعت في الإناء لبناً أو وضعت فيه عصيراً أو وضعت فيه خمراً أو وضعت فيه ماء فأردت أن تخرج منه أخرج لك ما فيه, فإذا أردت أن تقيس عليه ما كان خارجاً عنه فإنه لا يمكنك ذلك؛ لأنه لا وجود لمثيل في عقلك لما كان خارجاً عنه، فإذاً لا يمكن أن تعطيه.

والناس إنما ضلوا في هذا الباب -سواء كانوا من المعطلة الذين عطلوا أسماء الله عز وجل أو صفاته, جميعها أو بعضها, أو المشبهة- بسبب اختلال هذه القاعدة, واعتقادهم أن الإنسان إذا أراد أن يتكلم في صفات الله عز وجل يقيسها على ما هو عليه في حاله, وهذا معلوم لدى الناس؛ فلو قام رجل على سبيل المثال في أفريقيا يحدث الناس، ويقول: إنه أتاني رجل ودخل علي وجلس معي ونحو ذلك فالناس سيتخيلون مثلاً أنه نوع معين من ألوان البشر ولباس البشر وطريقة الجلوس التي كانوا عليها, وإذا حدث بهذه القصة شخص مشرقي أو حدث بها رجل أوروبي فإن التصور الكائن يختلف؛ لأن كلاً يصور على حياته وحالته.

كذلك أيضاً من جهة الزمان؛ إذا حدثت بقصة تقول: أتى فلان من مكة وأقام عندي ونحو ذلك, في زماننا تتخيل أنه جاء على سيارة, إذا كان شخص في أقصى الأرض يتخيل أنه جاء على طائرة؛ لأنه يستحيل أن يأتي على سيارة, وإذا كان قبل قرنين ونحو ذلك يتخيل أنه جاء على الراحلة, إما على الإبل أو على الخيل, أو نحو ذلك, أو جاء ماشياً؛ لعدم وجود هذه الأشياء, إذاً عقل الإنسان وعاء يقيس على ما هو عليه.

كذلك أيضاً من جهة الأكل؛ إذا حكيت للناس أنه مثلاً كان عندنا وليمة، ثم اجتمع عليها عشرة من الناس، ثم جلسنا ونحو ذلك, فالشخص بحسب البلد يتخيل وليمة معينة وأنه كان يأكل على طريقته, من كان مثلاً من الأوروبيين يتخيل أنه كان يأكل مثلاً على صفة معينة، إما على طاولة أو بشوكة وسكين, ومن كان في بلد معين يتخيل أنه كان على الأرض أو نحو ذلك في ذهنه مع أن القصة واحدة؛ لماذا اختلف المثال؟ اختلف المثال في هذا؛ لأنك قست على ما تشاهده، والله سبحانه وتعالى لا مثال له في عقلك, لا يقظة ولا في منام, ولهذا الله عز وجل يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].

فينبغي على الإنسان أن يمر النصوص كما جاءت؛ لأنه إذا خطر في باله شيء, فهو من مثال, فعليه ينتفي صحة قوله لانتفاء صحة المثال وظهور خطئه, ولهذا إذا ثبت لدينا هذا الأمر علمنا أن الذين يعطلون صفات الله عز وجل من باب التنزيه, فيقولون: إننا إذا أثبتنا الصفات يلزم من ذلك أن تكون أجساماً, إنها أجسام قلنا أجسام يلزم أن تكون محدودة.

فمثلاً: إذا نزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا يخلو منه العرش أم لا، وغير ذلك, فيقيس الإنسان على نفسه مثلاً من نزوله أو ذهابه ومجيئه، والله عز وجل في صفاته سبحانه وتعالى ليس له مثيل ولا ند ولا نظير.

وإنما ابتدأ المصنف رحمه الله بهذه الصفة بقوله: (الواحد الصمد), وذلك لأن الواحد هو أصل وحدانية الله سبحانه وتعالى وإفراده بالعبودية, وتفرده جل وعلا بأفعاله سبحانه وتعالى.

وأما بالنسبة للفرد فهل هو اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى؟ منهم من يلحق ذلك بالواحد أو الأحد من جهة المعنى, ومنهم من لا يلحقه بذلك, فيقول: لا بد من ثبوت الدليل الصحيح في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما الصمد فجاء في كلام المفسرين على عدة معان, فقيل: إنه السيد, وقيل: إنه الذي لا جوف له, يعني: أنه لا يأكل ولا يشرب, واختلف ترجيح العلماء في هذا المعنى, وكلا المعنيين صحيح في هذا, وقيل غير ذلك.

يقول هنا: (ليس له صاحبة ولا ولد), وهذا جواب على سؤال كفار قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما سألوه عن نسب الرحمن, إنما سألوه عن ذلك؛ لأنهم يتناسلون, فظنوا أنه كذلك.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح السنة للإمام المزني [9] 2607 استماع
شرح السنة للإمام المزني [8] 2415 استماع
شرح السنة للإمام المزني [10] 1920 استماع
شرح السنة للإمام المزني [1] 1892 استماع
شرح السنة للإمام المزني [7] 1614 استماع
شرح السنة للإمام المزني [5] 1547 استماع
شرح السنة للإمام المزني [3] 1368 استماع
شرح السنة للإمام المزني [6] 1234 استماع
شرح السنة للإمام المزني [4] 977 استماع