شرح السنة للإمام المزني [6]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

قال رحمه الله: [ والخلق ميتون بآجالهم عند نفاد أرزاقهم وانقطاع آثارهم ].

وذلك أن الله سبحانه وتعالى يقدر على الخلق الآجال, فيقدر عليهم الولادة, ويقدر عليهم الوفاة, ويقدر عليهم الرزق, ويقدر عليهم السعادة والشقاوة؛ كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود في قوله: ( حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه ), الحديث, والله عز وجل قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف عام, كل المقادير بجميعها, سواء الأرزاق أو الأعمار, أو السعادة, أو الشقاوة, أو الذرية, أو الأرض التي يسكنونها, أو المال الذي يؤتون إياه, وما يحرمون إياه, والأمراض والأسقام, وكذلك الصفات والهيئات والأشكال, كلها يقدرها الله سبحانه وتعالى على مخلوقاته.

وقوله هنا: (والخلق ميتون بآجالهم عند نفاد أرزاقهم), ذكر هنا مسألة الموت؛ لأنه إذا علم أجل الموت علم أجل الولادة, فمن يقدر على عباده الموت يقدر على عباده أيضاً الإيجاد والحياة, ولكل أجل كتاب لا يتجاوزونه, ولا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون, وهذا لجميع الخلق, سواء كان حيواناً أو غير حيوان.

أنواع الخلق

وخلق الله سبحانه وتعالى الذين أوجدهم في هذه الأرض على أنواع:

النوع الأول: خلق لهم أرواح وأنفس ونمو؛ وهم الإنس, وكذلك الجان, فلهم أرواح وأنفس ونمو.

النوع الثاني: لهم أنفس ونمو وليس لهم أرواح؛ وهذا في حال البهائم؛ كالأنعام وغيرها, وكذلك فيما له نفس من الحشرات والطيور وغيرها, فهذه لها أنفس لكن ليس فيها أرواح؛ لأن وجود الروح يلتزم معه وجود الإدراك العقلي, وللبهائم إدراك لكنه يختلف عن إدراك الإنسان, والبهائم تحاسب في الحقوق فيما بينها, ولا تحاسب بالتفريط في التكليف الشرعي بأمور العبادات وغير ذلك, ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة: ( لتؤدن الحقوق إلى أهلها حتى يقتص الله من الشاة القرناء للشاة الجماء ), إذاً تكلف في الحقوق التي بينها بهذا الأمر, وهذا يؤيد ما تقدم الكلام عليه أن وازع الطبع كافٍ من غير شرع, حتى في البهائم فكيف في بني آدم.

والنوع الثالث من هذا الخلق: ما له نمو وليس له نفس ولا روح؛ وذلك كالأشجار, فالله عز وجل يقدر لها آجالاً تنمو وتموت, ثم تدور دورتها بما يقدره الله سبحانه وتعالى عليها, فهذه لها نمو ولكن ليس فيها أنفس وليس فيها أرواح.

والرابع: خلق ليس فيهم أرواح ولا أنفس ولا نمو؛ وهي الجمادات, وهي أنواع, منها الحجارة, والتراب, والماء, وكذلك أيضاً مما يوجده الله عز وجل من الحديد، والمعادن، وغير ذلك, وهذه لها آجال أيضاً, وآجالها تختلف, وتركيبتها وسببيتها تختلف أيضاً, وكل هؤلاء عباد لله يسبحون الله سبحانه وتعالى, ولكن الله عز وجل لا يُطلِعُ أحداً على تسبيح أحد وعبادته إلا بعلمه، وكل له صفة من أمور العبادات, فإذا كانت بعض عبادات بني إسرائيل من قوم موسى تختلف عن عبادة عيسى, وعبادة بني إسرائيل تختلف في بعض صورها عن عبادة محمد صلى الله عليه وسلم, وكذلك الجن والإنس -وهما الثقلان- يخاطبون برسالة نبي واحد فيختلفون في بعض صور العبادة, فكيف بجنس يختلف عن غيره من جهة الخلق, فلكلٍ نوع من العبادة يصرفها لله سبحانه وتعالى لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى, وقد يطلع الله عز وجل بعض عباده على بعض الأشياء من هذا؛ كما أطلع الله سليمان وعلمه منطق الطير, وكذلك أيضاً كلام النمل وفهمه وسماعه.

رزق الله للكافر والمؤمن

يقول رحمه الله: (والخلق ميتون بآجالهم عند نفاد أرزاقهم وانقطاع آثارهم), أي: إن الله سبحانه وتعالى من لازم ربوبيته أن يتكفل بأرزاق الخلق, فالله يرزق المؤمن والكافر, فإذا سلب الله عز وجل عبده الرزق ولم يعطه إياه فلا بد ألا يكون حياً؛ لأنه لا بد أن يكون له رب, والله عز وجل إذا أوجده حياً فلا بد أن يتكفل برزقه, على اختلاف في هذا من جهة الغنى والفقر, بما يقدره الله عز وجل على عباده سبحانه وتعالى؛ لأنه إذا كان حياً ولم يرزقه الله عز جل فله رب غير الله, وإلا من الذي أبقاه؟ ولهذا تنقضي آجالهم عند نفاد أرزاقهم.

فالله سبحانه وتعالى يرزق المؤمن والكافر, وهذا مقتضى الربوبية, ولهذا الله عز وجل وصف نفسه بقوله: وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [المؤمنون:72], قال قتادة وغيره: يرزق المؤمن والكافر, فهو يتكفل بهذا الأمر, وبعض الناس يقول: لماذا يرزق الله الكافر وهو يكفر بالله ويسب الله عز وجل وغير ذلك؟ والخلل في هذا هو تشبيه الخالق بالمخلوق؛ لأن المخلوق إذا سُب انتقم ومنع المال ممن يعطيه إياه؛ فإذا كنت تحسن إلى شخص وتعطيه مالاً, ثم قام بسبك فإنك تجد دافعاً بقطع المال عنه؛ لأنك تتألم, وتريد انتصاراً لنفسك, لكن الله لا يتألم ولا يضره فعل العباد, فهم إنما يكفرون لأنفسهم ويحسنون إلى أنفسهم, ولهذا يرزق الله عز وجل الكافر ويرزق المؤمن؛ لأن الحسنة له والسيئة عليه, وهذا يوجد نوع منه مع ضعف في البشر, وذلك أن الإنسان في جانب انتصاره لنفسه ينتصر ممن يؤذيه ولا ينتصر ممن لا يؤذيه ولو اشتركا في الأذية, إذا سبك طفل عمره ثلاث سنوات, سبك بكلمة فقال: يا كذا, وسبك رجل عمره عشرون سنة فقال: يا كذا, أيهم أقرب إلى انتقامك؟ لا شك أنه الثاني؛ لأنه أوجد في نفسك ألماً ولعلمك أنه قاصد لذلك, لكن الصغير ربما يطلق عليك كلمة وتقوم بالمسح برأسه وتعطيه حلوى أليس كذلك؟ لماذا تشفق عليه؟ لأنك ترى أن بينك وبينه بوناً شاسعاً, فهذا مخلوق مع مخلوق, فكيف بالخالق الذي له المثل الأعلى وليس له مثيل سبحانه وتعالى, لذا ربما يسيء المخلوق لله فيمزق المصحف ويسب الله ثم تجد أن الله يعطيه ما لذ وطاب؛ لأن الله عز وجل لا يتضرر بهذا الشيء, بل الضرر عليك أنت, وهذا يجده الإنسان في نفسه.

فمثلاً: تجد الذرة أو النملة تأتي إلى قدمك وربما تلدغك وأنت لا تشعر ثم تذهب، فهي ترى نفسها أنها منتصرة عليك؛ لأنك ما تبعتها, وأنت ترى أن مقامك وجبروتك أكبر من أن تطارد هذه النملة.

كذلك أيضاً البعوضة تأتي إلى يدك وتقوم بلدغك ثم تطير وأنت تراها تطير, ولا تتبعها, ولم تنتصر منها؛ لأنها بعوضة وأنت إنسان, فكذلك أنت ودنياك لا تساوي عند الله جناح بعوضة.

ولهذا من يسأل لماذا الله يرزق الكافر وهو يسبه سبحانه وتعالى؟ نقول له: لأن الدنيا كلها ومن فيها لا تساوي عند الله جناح بعوضة, وإنما أنت الذي تقوم لأجلها وأنت تتضرر؛ لأنك عبد فقير, فكيف تريد من الخالق أن يمتنع عن رزق عبد سبه ولم يتضرر الله عز وجل من ذلك؛ لأن الضرر عائد على الإنسان, ولهذا خلل الناس في إدراك حق الله سبحانه وتعالى سببه هو التشبيه الذي لا يدركونه, منه ما هو بمقدار الشعرة ومنه ما يزيد, فإذا ضعف هذا الجانب لديه قوي إيمانه بالله سبحانه وتعالى, والإنسان يقع في هذا الأمر من حيث لا يشعر؛ لأن الإنسان بطبعه التشبيه, فهو دائماً يحرص على المماثلات, فتجد أنه يتوجس من شيء قد مر عليه في السابق؛ لأنه يسير على المثال, فهو يعتمد في علمه على المثليات, وأما الله سبحانه وتعالى فهو أوجد المخلوقات وهو يعلمها سبحانه وتعالى وليس بحاجة إلى مثال حتى يقيس عليه، بل يعلم الكائنات على سبيل الاستقلال بلا قياس سبحانه وتعالى, ولكن جعل الأمور متماثلة ومتشابهة حتى يعلم العباد ويقيسون حتى تستمر مصالحهم في هذه الأرض.

وخلق الله سبحانه وتعالى الذين أوجدهم في هذه الأرض على أنواع:

النوع الأول: خلق لهم أرواح وأنفس ونمو؛ وهم الإنس, وكذلك الجان, فلهم أرواح وأنفس ونمو.

النوع الثاني: لهم أنفس ونمو وليس لهم أرواح؛ وهذا في حال البهائم؛ كالأنعام وغيرها, وكذلك فيما له نفس من الحشرات والطيور وغيرها, فهذه لها أنفس لكن ليس فيها أرواح؛ لأن وجود الروح يلتزم معه وجود الإدراك العقلي, وللبهائم إدراك لكنه يختلف عن إدراك الإنسان, والبهائم تحاسب في الحقوق فيما بينها, ولا تحاسب بالتفريط في التكليف الشرعي بأمور العبادات وغير ذلك, ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة: ( لتؤدن الحقوق إلى أهلها حتى يقتص الله من الشاة القرناء للشاة الجماء ), إذاً تكلف في الحقوق التي بينها بهذا الأمر, وهذا يؤيد ما تقدم الكلام عليه أن وازع الطبع كافٍ من غير شرع, حتى في البهائم فكيف في بني آدم.

والنوع الثالث من هذا الخلق: ما له نمو وليس له نفس ولا روح؛ وذلك كالأشجار, فالله عز وجل يقدر لها آجالاً تنمو وتموت, ثم تدور دورتها بما يقدره الله سبحانه وتعالى عليها, فهذه لها نمو ولكن ليس فيها أنفس وليس فيها أرواح.

والرابع: خلق ليس فيهم أرواح ولا أنفس ولا نمو؛ وهي الجمادات, وهي أنواع, منها الحجارة, والتراب, والماء, وكذلك أيضاً مما يوجده الله عز وجل من الحديد، والمعادن، وغير ذلك, وهذه لها آجال أيضاً, وآجالها تختلف, وتركيبتها وسببيتها تختلف أيضاً, وكل هؤلاء عباد لله يسبحون الله سبحانه وتعالى, ولكن الله عز وجل لا يُطلِعُ أحداً على تسبيح أحد وعبادته إلا بعلمه، وكل له صفة من أمور العبادات, فإذا كانت بعض عبادات بني إسرائيل من قوم موسى تختلف عن عبادة عيسى, وعبادة بني إسرائيل تختلف في بعض صورها عن عبادة محمد صلى الله عليه وسلم, وكذلك الجن والإنس -وهما الثقلان- يخاطبون برسالة نبي واحد فيختلفون في بعض صور العبادة, فكيف بجنس يختلف عن غيره من جهة الخلق, فلكلٍ نوع من العبادة يصرفها لله سبحانه وتعالى لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى, وقد يطلع الله عز وجل بعض عباده على بعض الأشياء من هذا؛ كما أطلع الله سليمان وعلمه منطق الطير, وكذلك أيضاً كلام النمل وفهمه وسماعه.

يقول رحمه الله: (والخلق ميتون بآجالهم عند نفاد أرزاقهم وانقطاع آثارهم), أي: إن الله سبحانه وتعالى من لازم ربوبيته أن يتكفل بأرزاق الخلق, فالله يرزق المؤمن والكافر, فإذا سلب الله عز وجل عبده الرزق ولم يعطه إياه فلا بد ألا يكون حياً؛ لأنه لا بد أن يكون له رب, والله عز وجل إذا أوجده حياً فلا بد أن يتكفل برزقه, على اختلاف في هذا من جهة الغنى والفقر, بما يقدره الله عز وجل على عباده سبحانه وتعالى؛ لأنه إذا كان حياً ولم يرزقه الله عز جل فله رب غير الله, وإلا من الذي أبقاه؟ ولهذا تنقضي آجالهم عند نفاد أرزاقهم.

فالله سبحانه وتعالى يرزق المؤمن والكافر, وهذا مقتضى الربوبية, ولهذا الله عز وجل وصف نفسه بقوله: وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [المؤمنون:72], قال قتادة وغيره: يرزق المؤمن والكافر, فهو يتكفل بهذا الأمر, وبعض الناس يقول: لماذا يرزق الله الكافر وهو يكفر بالله ويسب الله عز وجل وغير ذلك؟ والخلل في هذا هو تشبيه الخالق بالمخلوق؛ لأن المخلوق إذا سُب انتقم ومنع المال ممن يعطيه إياه؛ فإذا كنت تحسن إلى شخص وتعطيه مالاً, ثم قام بسبك فإنك تجد دافعاً بقطع المال عنه؛ لأنك تتألم, وتريد انتصاراً لنفسك, لكن الله لا يتألم ولا يضره فعل العباد, فهم إنما يكفرون لأنفسهم ويحسنون إلى أنفسهم, ولهذا يرزق الله عز وجل الكافر ويرزق المؤمن؛ لأن الحسنة له والسيئة عليه, وهذا يوجد نوع منه مع ضعف في البشر, وذلك أن الإنسان في جانب انتصاره لنفسه ينتصر ممن يؤذيه ولا ينتصر ممن لا يؤذيه ولو اشتركا في الأذية, إذا سبك طفل عمره ثلاث سنوات, سبك بكلمة فقال: يا كذا, وسبك رجل عمره عشرون سنة فقال: يا كذا, أيهم أقرب إلى انتقامك؟ لا شك أنه الثاني؛ لأنه أوجد في نفسك ألماً ولعلمك أنه قاصد لذلك, لكن الصغير ربما يطلق عليك كلمة وتقوم بالمسح برأسه وتعطيه حلوى أليس كذلك؟ لماذا تشفق عليه؟ لأنك ترى أن بينك وبينه بوناً شاسعاً, فهذا مخلوق مع مخلوق, فكيف بالخالق الذي له المثل الأعلى وليس له مثيل سبحانه وتعالى, لذا ربما يسيء المخلوق لله فيمزق المصحف ويسب الله ثم تجد أن الله يعطيه ما لذ وطاب؛ لأن الله عز وجل لا يتضرر بهذا الشيء, بل الضرر عليك أنت, وهذا يجده الإنسان في نفسه.

فمثلاً: تجد الذرة أو النملة تأتي إلى قدمك وربما تلدغك وأنت لا تشعر ثم تذهب، فهي ترى نفسها أنها منتصرة عليك؛ لأنك ما تبعتها, وأنت ترى أن مقامك وجبروتك أكبر من أن تطارد هذه النملة.

كذلك أيضاً البعوضة تأتي إلى يدك وتقوم بلدغك ثم تطير وأنت تراها تطير, ولا تتبعها, ولم تنتصر منها؛ لأنها بعوضة وأنت إنسان, فكذلك أنت ودنياك لا تساوي عند الله جناح بعوضة.

ولهذا من يسأل لماذا الله يرزق الكافر وهو يسبه سبحانه وتعالى؟ نقول له: لأن الدنيا كلها ومن فيها لا تساوي عند الله جناح بعوضة, وإنما أنت الذي تقوم لأجلها وأنت تتضرر؛ لأنك عبد فقير, فكيف تريد من الخالق أن يمتنع عن رزق عبد سبه ولم يتضرر الله عز وجل من ذلك؛ لأن الضرر عائد على الإنسان, ولهذا خلل الناس في إدراك حق الله سبحانه وتعالى سببه هو التشبيه الذي لا يدركونه, منه ما هو بمقدار الشعرة ومنه ما يزيد, فإذا ضعف هذا الجانب لديه قوي إيمانه بالله سبحانه وتعالى, والإنسان يقع في هذا الأمر من حيث لا يشعر؛ لأن الإنسان بطبعه التشبيه, فهو دائماً يحرص على المماثلات, فتجد أنه يتوجس من شيء قد مر عليه في السابق؛ لأنه يسير على المثال, فهو يعتمد في علمه على المثليات, وأما الله سبحانه وتعالى فهو أوجد المخلوقات وهو يعلمها سبحانه وتعالى وليس بحاجة إلى مثال حتى يقيس عليه، بل يعلم الكائنات على سبيل الاستقلال بلا قياس سبحانه وتعالى, ولكن جعل الأمور متماثلة ومتشابهة حتى يعلم العباد ويقيسون حتى تستمر مصالحهم في هذه الأرض.