شرح السنة للإمام المزني [8]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

قال المصنف رحمه الله: [ والإمساك عن تكفير أهل القبلة, والبراءة منهم فيما أحدثوا ما لم يبتدعوا ضلالاً، فمن ابتدع منهم ضلالاً كان على أهل القبلة خارجاً ].

يقول رحمه الله: (والإمساك عن تكفير أهل القبلة، والبراءة منهم فيما أحدثوا ما لم يبتدعوا ضلالاً)، لا يكفر المسلم بذنب إلا بالشرك، فالله سبحانه وتعالى جعل الناس في هذه الأرض على قسمين: يقول جل وعلا: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ [التغابن:2]، فجعلهم على قسمين، وبيان هذين القسمين واجب من جهة الشرع، والأصل بقاء المسلم على إسلامه إذا دخل الإسلام دخولاً صحيحاً، وبقاء الكافر على كفره إذا كان بقاؤه في الكفر بقاء صحيحاً.

فلا يدخل الكافر في الإسلام إلا ببينة ويقين، ولا يخرج المؤمن منه إلا ببينة ويقين، لا يخرج بالشبهة، فلا يكفر المسلم بالذنب، كما تفعل الخوارج حيث يكفرون المسلمين بالكبيرة، أو يجعلونه في منزلة بين منزلتين، كما تقول المعتزلة، بل يقولون: هو مؤمن بإيمانه، وفاسق بمعصيته وكبيرته التي يقترفها؛ وذلك أنهم يرون أن الحب والبغض يتجزأ، وأن الإيمان يزيد وينقص.

زيادة الكفر ونقصانه

كذلك أيضاً الكفر يزيد وينقص، لهذا يقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ [التوبة:37]، قال جل وعلا: ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا [آل عمران:90]، يعني: أنهم يزيدون في الكفر، ولكن من جهة الأصل فإن الله عز وجل يخلد الكافر في النار، ويكون العذاب في ذلك على مراتب، فالكفر ليس مرتبة واحدة، وإن كان ملة واحدة، ولهذا جعل الله عز وجل لبعض الكافرين أحكاماً، وجعل لكافرين آخرين أحكاماً، فجعل لليهود والنصارى أحكاماً تخصهم وتختلف عن الوثنيين، وذلك من جهة حل ذبائحهم، وحل نكاح نسائهم، وكذلك أيضاً من أمر الجزية بخلاف ما يتعلق بأمر المشركين الوثنيين، فهؤلاء لهم أحكام تخصهم، مما يدل على أن ثمة مراتب للكفر.

حب المؤمن وبغضه بحسب الطاعة والمعصية

كذلك أيضاً الإيمان على مراتب، فيُحب المؤمن ويبغض، يحب لطاعته، ويبغض لمعصيته، ومن أكثر من الطاعة وأقل من المعصية تزداد محبته وولاؤه، ومن أكثر من المعصية وأقل من الطاعة فإنه تزداد البراءة منه وبغضه, وذلك أن من أعظم عرى الإسلام وأوثقها هو الحب في الله والبغض في الله؛ لأن أهل الإسلام يرون أن هذا الأمر يتجزأ وهو فرع عن التجزؤ الذي يكون في الإيمان من جهة زيادته ونقصانه، كما أن أهل الكفر من جهة عداوتهم، وكذلك أيضاً بغضهم ومقاتلتهم, فإنهم في ذلك على مراتب, وإن كان الكفر ملة واحدة، ولهذا فرح رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرح المسلمون لما انتصر الروم على فارس؛ لأن الروم من أهل الكتاب وفارس وثنيون؛ لأنهم يعبدون الأصنام كما كان يعبدها الجاهليون من العرب.

خطورة التسامح في تكفير أهل الكفر

يقول: (والإمساك عن تكفير أهل القبلة، والبراءة منهم فيما أحدثوا)، وخطورة تكفير المسلم ليست ببعيدة عن خطورة إدخال الكافر في الإسلام، وكلها عظيمة، فينبغي للمؤمن أن يحذر من هذا وهذا، وكما يوجد باب غلو في التكفير، فيوجد باب غلو في التساهل فيه، فهناك من يتسامحون في تكفير الكافر، وهم على مراتب من طوائف المرجئة، الذين يتساهلون في عدم تكفير من كفره الله سبحانه وتعالى، بل حتى وصل الأمر إلى طوائف منهم فقالوا بأن اليهود والنصارى ليسوا بكفار، وإنما يكفر الوثنيون، ومنهم من يقول: إن الملل الإبراهيمية ملل توحيدية ولا يكفر من انتسب إليها، ومنهم من يرى أن الناس مهما فعلوا فإنهم يسيرون إلى الله عز وجل، ويرون أن كل شريعة وملة تؤدي إلى الله كما تؤدي المذاهب الأربعة في فقه الإسلام، وغير ذلك مما يقوله الملاحدة الأوائل؛ كـابن هود وابن سبعين والتلمساني وأتباعهم من الزنادقة المتأخرين من العقلانيين الذين توسعوا في هذا الباب، فأدخلوا طوائف الكفر في الإسلام على اختلاف أنواعهم، ولهذا نقول: لا يحكم لأحد بالكفر إلا من حكم الله سبحانه وتعالى بكفره، إما عيناً وإما وصفاً، فمن وقع في كفر وانتفى عنه العذر فهو كافر اسماً وحكماً.

كذلك أيضاً الكفر يزيد وينقص، لهذا يقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ [التوبة:37]، قال جل وعلا: ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا [آل عمران:90]، يعني: أنهم يزيدون في الكفر، ولكن من جهة الأصل فإن الله عز وجل يخلد الكافر في النار، ويكون العذاب في ذلك على مراتب، فالكفر ليس مرتبة واحدة، وإن كان ملة واحدة، ولهذا جعل الله عز وجل لبعض الكافرين أحكاماً، وجعل لكافرين آخرين أحكاماً، فجعل لليهود والنصارى أحكاماً تخصهم وتختلف عن الوثنيين، وذلك من جهة حل ذبائحهم، وحل نكاح نسائهم، وكذلك أيضاً من أمر الجزية بخلاف ما يتعلق بأمر المشركين الوثنيين، فهؤلاء لهم أحكام تخصهم، مما يدل على أن ثمة مراتب للكفر.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح السنة للإمام المزني [9] 2607 استماع
شرح السنة للإمام المزني [10] 1920 استماع
شرح السنة للإمام المزني [1] 1892 استماع
شرح السنة للإمام المزني [7] 1614 استماع
شرح السنة للإمام المزني [5] 1546 استماع
شرح السنة للإمام المزني [3] 1367 استماع
شرح السنة للإمام المزني [6] 1234 استماع
شرح السنة للإمام المزني [4] 976 استماع
شرح السنة للإمام المزني [2] 666 استماع