شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [7]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

المسائل البيانية والمنازع البلاغية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فصل:

فكل ما كان من المعاني العربية التي لا ينبني فهم القرآن إلا عليها؛ فهو داخل تحت الظاهر.

فالمسائل البيانية، والمنازع البلاغية لا معدل بها عن ظاهر القرآن، فإذا فهم الفرق بين (ضيِّق) في قوله تعالى: يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً [الأنعام:125]، وبين ضائق في قوله: وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ [هود:12]، والفرق بين النداء بـــ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:104]، أو: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا [التحريم:7]، وبين النداء بـــ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة:21]، أو بـــ: يَا بَنِي آدَمَ [الأعراف:26].

والفرق بين ترك العطف في قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ [البقرة:6]، والعطف في قوله: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [لقمان:6]، وكلاهما قد تقدم عليه وصف المؤمنين.

والفرق بين تركه أيضاً في قوله: مَا أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا [الشعراء:154]، وبين الآية الأخرى: وَمَا أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا [الشعراء:186].

والفرق بين الرفع في قوله: قَالَ سَلامٌ [هود:69]، والنصب فيما قبله من قوله: قَالُوا سَلاماً [هود:69].

والفرق بين الإتيان بالفعل في التذكر من قوله: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا [الأعراف:201]، وبين الإتيان باسم الفاعل في الإبصار من قوله: فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201].

أو فهم الفرق بين إذا وإن في قوله تعالى: فَإِذَا جَاءَتْهُمْ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ [الأعراف:131]، وبين (جاءتهم) و(تصبهم) بالماضي مع إذا، والمستقبل مع إن.

وكذلك قوله: وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ [الروم:36]، مع إتيانه بقوله: (فرحوا) بعد إذا و (يقنطون) بعد إن، وأشباه ذلك من الأمور المعتبرة عند متأخري أهل البيان، فإذا حصل فهم ذلك كله على ترتيبه في اللسان العربي؛ فقد حصل فهم ظاهر القرآن ].

يتكلم المؤلف في قضية المسائل البيانية، والمنازع البلاغية، يقول: (لا معدل بها عن ظاهر القرآن)؛ فجعل علم البلاغة القرآنية من ظاهر القرآن، فصار عندنا في ظاهر القرآن أمران: ظاهر التلاوة من جهة المعنى، وكذلك ظاهره من جهة المنازع البلاغية.

أمثلة على المنازع البلاغية

وذكر المصنف أمثلة يمكن الرجوع إلى تفصيلاتها في تحقيق الدكتور عبد الله دراز رحمه الله تعالى فقد بين وجه استشهاد المؤلف بها؛ فنأخذ بعض هذه الأمثلة:

مثلاً هنا لما ذكر الفرق بين: يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً [الأنعام:125]، وبين (ضائق)؛ فالأول، الذي هو ضيق يخالف في الصيغة (ضائق)، فالأول كما ذكر الدكتور دراز صفة مشبهة دالة على الثبوت والدوام، ومعروف أن العلماء يرون في الصفة المشبهة أنها تدل على صفة ثابتة في الشخص، واسم الفاعل لضائق يدل على الحدوث والتجدد، هكذا ذكر، وإن كان هذا فيه نزاع، لكن المقصد أنه لا شك أن هناك فرقاً بين استخدام ضيق، وبين استخدام ضائق.

كذلك الخلاف في النداء في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:104]، وقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا [التحريم:7]، وكذا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة:21]، و: يَا بَنِي آدَمَ [الأعراف:26]، من جهة أن قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:104]، كما يقول دراز مدني خاص، و: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا [التحريم:7] مكي خاص، و: يَا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة:21]، قال: للناس كافة، و: يَا بَنِي آدَمَ [الأعراف:26]، للناس كافة.

ويمكن أن ينظر إلى قضية أخرى، أنه عندما يقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة:21]، غير أن يقال: يَا بَنِي آدَمَ [الأعراف:26]؛ فالثاني فيه التنبيه على أصل هؤلاء البشر، وأنهم من أصل واحد؛ بخلاف: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)؛ فإنه لا يلزم منه الإشارة إلى هذا الأصل.

ومن الأمثلة التي ذكرها وهي مشهورة قوله تعالى: قَالَ سَلامٌ [هود:69]، وهم: قَالُوا سَلاماً [هود:69]، والإتيان بقوله: (قَالَ سَلامٌ) يدل على الثبوت، وقولهم: (سَلاماً)، يدل على التجدد، فقالوا: إن الثبوت أبلغ من التجدد.

كل هذه القضايا التي ذكرها في المنازع البلاغية من ظاهر القرآن؛ فظاهر القرآن يشمل عنده بيان المعنى، وكذلك يشمل المعاني الثانوية، وهي المعاني البلاغية التي ذكرها؛ ولهذا قال: فإذا حصل فهم ذلك كله على ترتيبه في اللسان العربي؛ فقد حصل فهم ظاهر القرآن.

الإعجاز في القرآن الكريم من جهة الفصاحة

ثم قال رحمه الله: [ ومن هنا حصل إعجاز القرآن عند القائلين بأن إعجازه بالفصاحة؛ فقال الله تعالى: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة:23].. الآية.

وقال تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ [هود:13]، وهو لائق أن يكون الإعجاز بالفصاحة لا بغيرها؛ إذ لم يؤتوا على هذا التقدير إلا من باب ما يستطيعون مثله في الجملة، ولأنهم دعوا وقلوبهم لاهية عن معناه الباطن الذي هو مراد الله من إنزاله، فإذا عرفوا عجزهم عنه؛ عرفوا صدق الآتي به وحصل الإذعان، وهو باب التوفيق والفهم لمراد الله تعالى.

وكل ما كان من المعاني التي تقتضي تحقيق المخاطب بوصف العبودية، والإقرار لله بالربوبية؛ فذلك هو الباطن المراد والمقصود الذي أنزل القرآن لأجله ].

بعد أن ذكر هذه المنازع البلاغية ذكر أنه من هنا حصل إعجاز القرآن عند القائلين بأن إعجازه بالفصاحة.

وهنا ملحوظة: فقد استخدام العلماء مصطلحات عدة مرتبطة بهذا النوع من الإعجاز، مثل: الإعجاز باللسان العربي، أو الإعجاز بالنظم العربي، أو الإعجاز بالبلاغة، أو الإعجاز بالفصاحة، والمراد بها في النهاية واحد، وهو الإعجاز بهذا النظم العربي من حيث هو كلام عربي، لكن قد تختلف تعبيرات العلماء عن هذا النوع من الإعجاز.

الجانب المتحدى به من القرآن

الإمام هنا يذكر في قوله: (لم يؤتوا على هذا التقدير إلا من باب ما يستطيعون مثله في الجملة) قضية مهمة في تحديد ما الذي وقع به التحدي؛ لأن الأصل أن تكون الأداة موجودة عند المتحدى، ثم يقع التحدي، فالأداة معه إلا أنه لا يستطيع أن يأتي بمثل هذا الشيء، فهذه قاعدة التحدي.

وقد تكلمنا عن قضية تمايز معاني كلام العرب، فأفضل ما تكلم به العرب إما أن يكون في خطبة وإما أن يكون في مثل وإما أن يكون في شعر؛ فلو جمعنا كلامهم في خطبهم وأمثالهم وشعرهم، ونظرنا إلى الموضوعات التي تطرقوا لها، ثم نظرنا إلى القرآن وإلى الموضوعات التي تطرق لها؛ فإنا سنجد هنا تمايزاً واضحاً بين هذه الموضوعات، وأن القرآن جاء بموضوعات لم تكن معهودة عند العرب.

فإذا قلنا: بأن الإعجاز أو التحدي أيضاً كائن بمثل هذه الموضوعات؛ فكأننا نقول: إن العرب قد طولبوا بهذه المعاني، وهذا أصلاً ليس في مقدورهم ألبتة؛ لأن مثل هذه المعاني لا يتصور أن تطلب منهم، وهذا شبيه بما لو قلت لرجل مقعد: أتحداك أن تسبقني من كذا إلى كذا! هذا لا يصلح؛ لأنه لا يتصور منه المشي؛ فإذا كانت هذه موضوعات العرب ولا يعرفون إلا هذا؛ فكيف يتحدوا بما لا يستطيعون إدراكه أصلاً؟! والصواب أنهم تحدوا بهذا النظم العربي من حيث هو نظم عربي؛ فهذا الكلام العربي بين أيديكم ولا تستطيعون الإتيان بمثله؛ فإذا قلنا بهذا فإنه لا يعني نفي أوجه الإعجاز الأخرى؛ ولهذا بعض من يقرأ أو يسمع مثل هذا الكلام يفهم أن القرآن ليس بمعجز إلا بنظمه، وهذا ليس بصحيح.

نحن نقول: يجب أن نفرق بين أمرين: بين موضوع ما تحدي به العرب، والموضوع الآخر: وجوه الإعجاز الأخرى؛ فلابد أن نفصل بين الأمرين لواقع الحال؛ لأنه لا يتحدى الإنسان إلا بما لا تكون أداته معه، والذي كانت أداته موجودة عند العرب هو ذلك الكلام العربي والنظم العربي، لكنهم لم يستطيعوا ولن يستطيع أحد أن يأتي بمثل هذا القرآن؛ ولهذا أذعنوا له وسلموا، فما سمع بأن أحداً من العرب قبل هذا التحدي وقال: أنا آتي بمثله، ما سمع بهذا أبداً.

فلما انقضى هذا الجيل، الذي هو جيل الفصاحة البالغة، ولم ينقض التحدي؛ فمن باب أولى أن يكون التحدي قد ثبت على جميع الجن والإنس؛ لأنه لن يأتي أحد بعد العرب فيكون أفقه بلغتهم، فالعقل يؤدي هذا قطعاً؛ فما نسمعه اليوم من بعض الترهات من معارضة القرآن أو ما سمعناه بعد ذلك؛ فكل هذا يدل على قمة الجهل، فأنه لا يمكن أن تتصور معارضته، فهؤلاء الفصحاء، الذين كان اللسان هو أبرع ما عندهم تركوا هذا وأذعنوا إجماعاً منهم على عدم قدرتهم وحاربوا؛ مع أنهم كانوا يستطيعون أن يجتمعوا ويأتوا بمثل سورة منه، ومع ذلك لم يفعلوا وحاربوا، فدل على أنهم أذعنوا للعجز، وأعلموا كل الخلق أنهم لا يستطيعون أن يأتوا بمثله، وهم أصحاب هذا اللسان؛ فمن باب أولى من جاء بعدهم؛ فإذاً: هذه قضية مهمة للتفريق بين ما تحدي به ووجوه الإعجاز الآخر.

مقصود التحدي ونتيجته

وهذه قضية أخرى في الإعجاز وهي أيضاً مهمة، وهي: ما هو المقصود من التحدي، وما هي النتيجة التي يسعى إليها من ناقش وجوه الإعجاز، يعني لماذا يتكلم العلماء مثلاً عما يسمى بالإعجاز العلمي؟ وما هي النتيجة التي يريدون التوصل إليها؟ وما هي النتيجة التي يؤول إليها التحدي؟ هل هي مختلفة أو واحدة؟ لو تأملنا نجد أن النتيجة واحدة، وهي الدلالة على صدق القرآن وأنه من عند الله سبحانه وتعالى؛ فكونهم تحدوا به ولم يؤتوا بمثله؛ فالنتيجة أن هذا آية من آيات الله؛ دال على صدق محمد صلى الله عليه وسلم، وكونه يأتي فيه أشياء من الإخبار بالغيب، ما يسمى مثلاً بالإعجاز الغيبي، وتقع هذه الغيبيات إما في السابق يكتشف ما يصدقها وإما في اللاحق فتقع؛ فهذا أيضاً دلالة على أنه من عند الله سبحانه وتعالى، كذلك تناسق التشريع ويسميه بعضهم بالإعجاز التشريعي وهذا كذلك راجع إلى هذا المعنى.

إذاً كل وجوه الإعجاز التي يبحث فيها حتى هذا الوجه الذي وقع فيه التحدي مآله ونتيجته هو الدلالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر عن ربه، وأن هذا الكتاب منزل من عند الله، وأن الله سبحانه وتعالى قد تكلم به حقيقة.

هذا المآل الذي تؤول إليه جميع هذه الوجوه يحسن التنبه له ونحن نناقش قضايا الإعجاز، بحيث لا ندخل في قضايا الإعجاز ما يمكن أن يقع فيه الإنخرام من جهة.

الجهة الثانية: أننا لا نفتعل في قضية من قضايا الإعجاز ما يمكن أن يقع فيه لبس أو خطأ، وهذا المثال لكي تتضح مسألة الإعجاز التاريخي:

فيوسف عليه السلام حكم مصر، وأيضاً وقع في عهده قضية شهدها العالم ويمكن أن يؤرخ بها، التي هي السبع السنين العجاف، وجاءه الناس من جميع أقطار الأرض المعمورة في وقته؛ لكي يأخذوا مؤنهم؛ فمثل هذا الحدث نجده في التاريخ المدون لمصر.

ولو تأملنا سنجد أن بعض من ناقش هذه المسألة ينكر هذا الحدث، فبعض من يدرس التاريخ دراسة خارج إطار الأديان، طبعاً نحن لا ننكر هذا؛ لأنه واضح عندنا في الكتاب أن الأمر انتهى، وليس الآن النقاش في هذه المسألة؛ لأنه هناك مسألة يجب أن ننتبه لها ونحن نناقش في هذا، وهي هل يلزم في كل حدث تاريخي أن يكون له واقع مكتوب؟. نقول: لا يلزم؛ لأنه كم من القضايا التاريخية التي تركت وهي أهم من ذلك؛ فالمقصد من ذلك أنه عندما نأتي إلى مثل هذا لا نتمحل في البحث في التاريخ المصري؛ لإثبات وقوع سبع سنين عجاف وقبلها سبع سنين من الخصب، لا يلزم؛ لأن هذا ثابت عندنا من كتاب ربنا ولا نحتاج نحن المسلمين إلى إثباته في الواقع وفي التاريخ، فالذي ينكر مثل هذا الحدث ليس المقام مقام طمع في إيمانه لو أثبت له وقوع ذلك، وأنه توجد شواهد تاريخية على الأرض تدل على ذلك؛ فالمسألة بالنسبة له مسألة محاجة ومخاصمة ومسألة علمية ليس إلا، وإذا ثبت له ذلك؛ ما يعدو أن يكون الأمر عنده سيان، وهذا قد وقع من بعض الذين يقع بينهم وبين المخالفين من اليهود أو النصارى أو بعض الملاحدة في بعض القضايا المرتبطة بالإعجاز العلمي أو غيره، يقع مثل هذا؛ فهو إنما أراد الاحتجاج والاختصام ليس إلا.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فصل:

فكل ما كان من المعاني العربية التي لا ينبني فهم القرآن إلا عليها؛ فهو داخل تحت الظاهر.

فالمسائل البيانية، والمنازع البلاغية لا معدل بها عن ظاهر القرآن، فإذا فهم الفرق بين (ضيِّق) في قوله تعالى: يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً [الأنعام:125]، وبين ضائق في قوله: وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ [هود:12]، والفرق بين النداء بـــ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:104]، أو: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا [التحريم:7]، وبين النداء بـــ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة:21]، أو بـــ: يَا بَنِي آدَمَ [الأعراف:26].

والفرق بين ترك العطف في قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ [البقرة:6]، والعطف في قوله: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [لقمان:6]، وكلاهما قد تقدم عليه وصف المؤمنين.

والفرق بين تركه أيضاً في قوله: مَا أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا [الشعراء:154]، وبين الآية الأخرى: وَمَا أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا [الشعراء:186].

والفرق بين الرفع في قوله: قَالَ سَلامٌ [هود:69]، والنصب فيما قبله من قوله: قَالُوا سَلاماً [هود:69].

والفرق بين الإتيان بالفعل في التذكر من قوله: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا [الأعراف:201]، وبين الإتيان باسم الفاعل في الإبصار من قوله: فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201].

أو فهم الفرق بين إذا وإن في قوله تعالى: فَإِذَا جَاءَتْهُمْ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ [الأعراف:131]، وبين (جاءتهم) و(تصبهم) بالماضي مع إذا، والمستقبل مع إن.

وكذلك قوله: وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ [الروم:36]، مع إتيانه بقوله: (فرحوا) بعد إذا و (يقنطون) بعد إن، وأشباه ذلك من الأمور المعتبرة عند متأخري أهل البيان، فإذا حصل فهم ذلك كله على ترتيبه في اللسان العربي؛ فقد حصل فهم ظاهر القرآن ].

يتكلم المؤلف في قضية المسائل البيانية، والمنازع البلاغية، يقول: (لا معدل بها عن ظاهر القرآن)؛ فجعل علم البلاغة القرآنية من ظاهر القرآن، فصار عندنا في ظاهر القرآن أمران: ظاهر التلاوة من جهة المعنى، وكذلك ظاهره من جهة المنازع البلاغية.

وذكر المصنف أمثلة يمكن الرجوع إلى تفصيلاتها في تحقيق الدكتور عبد الله دراز رحمه الله تعالى فقد بين وجه استشهاد المؤلف بها؛ فنأخذ بعض هذه الأمثلة:

مثلاً هنا لما ذكر الفرق بين: يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً [الأنعام:125]، وبين (ضائق)؛ فالأول، الذي هو ضيق يخالف في الصيغة (ضائق)، فالأول كما ذكر الدكتور دراز صفة مشبهة دالة على الثبوت والدوام، ومعروف أن العلماء يرون في الصفة المشبهة أنها تدل على صفة ثابتة في الشخص، واسم الفاعل لضائق يدل على الحدوث والتجدد، هكذا ذكر، وإن كان هذا فيه نزاع، لكن المقصد أنه لا شك أن هناك فرقاً بين استخدام ضيق، وبين استخدام ضائق.

كذلك الخلاف في النداء في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:104]، وقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا [التحريم:7]، وكذا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة:21]، و: يَا بَنِي آدَمَ [الأعراف:26]، من جهة أن قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:104]، كما يقول دراز مدني خاص، و: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا [التحريم:7] مكي خاص، و: يَا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة:21]، قال: للناس كافة، و: يَا بَنِي آدَمَ [الأعراف:26]، للناس كافة.

ويمكن أن ينظر إلى قضية أخرى، أنه عندما يقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة:21]، غير أن يقال: يَا بَنِي آدَمَ [الأعراف:26]؛ فالثاني فيه التنبيه على أصل هؤلاء البشر، وأنهم من أصل واحد؛ بخلاف: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)؛ فإنه لا يلزم منه الإشارة إلى هذا الأصل.

ومن الأمثلة التي ذكرها وهي مشهورة قوله تعالى: قَالَ سَلامٌ [هود:69]، وهم: قَالُوا سَلاماً [هود:69]، والإتيان بقوله: (قَالَ سَلامٌ) يدل على الثبوت، وقولهم: (سَلاماً)، يدل على التجدد، فقالوا: إن الثبوت أبلغ من التجدد.

كل هذه القضايا التي ذكرها في المنازع البلاغية من ظاهر القرآن؛ فظاهر القرآن يشمل عنده بيان المعنى، وكذلك يشمل المعاني الثانوية، وهي المعاني البلاغية التي ذكرها؛ ولهذا قال: فإذا حصل فهم ذلك كله على ترتيبه في اللسان العربي؛ فقد حصل فهم ظاهر القرآن.