شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [6]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقسم هو مأخوذ من عادة الله تعالى في إنزاله وخطاب الخلق به، ومعاملته لهم بالرفق والحسنى من جعله عربياً يدخل تحت نيل أفهامهم، مع أنه المنزه القديم، وكونه تنزل لهم بالتقريب والملاطفة والتعليم في نفس المعاملة به، قبل النظر إلى ما حواه من المعارف والخيرات، وهذا نظر خارج عما تضمنه القرآن من العلوم، ويتبين صحة الأصل المذكور في كتاب الاجتهاد، وهو أصل التخلق بصفات الله والاقتداء بأفعاله ].

هذه المسألة السابعة، وهي: العلوم المضافة إلى القرآن، وقد ذكر الإمام رحمه الله تعالى أنها تنقسم إلى أقسام، وهو في قضية العلوم المضافة إلى القرآن يريد أن يبين ما هي العلوم التي يمكن أن يقال: إنها علوم القرآن، وما هي الأشياء التي تنسب إلى علوم القرآن، وهي خارجة عنه.

ذكر من العلوم ما يكون كالأداة لفهمه، وذكر في ذلك ستة علوم، وهي: علم العربية، وعلم الناسخ والمنسوخ، وعلم الأسباب، وعلم المكي والمدني، وعلم القراءات، وعلم أصول الفقه، ومما قال: (فهذا لا نظر فيه هنا)، فهو يريد أن يذكر العلوم التي تضمنها الكتاب نفسه.

ثم ذكر القسم الثاني، وهو المأخوذ من جملته من حيث هو كلام، وهو يريد في هذا القسم الاحتجاج لإعجاز القرآن: كون القرآن معجزاً.

ثم ذكر هنا القسم الثالث، وهو: (المأخوذ من عادة الله في إنزاله وخطاب الخلق به، ومعاملته لهم بالرفق والحسنى، من جعله عربياً يدخل تحت نيل أفهامهم)، وهذه قضية مهمة ينتبه لها في كون الله سبحانه وتعالى تكلم بهذا الكلام وسمعه منه جبريل، ثم نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم قد أسمعه الصحابة، فهذه قضية يحسن التنبه لها في عظمة ما يحصل للمسلم من أنه يقرأ كلام الله سبحانه وتعالى الذي تكلم به في عليائه، ومع أنه كلامه سبحانه وتعالى إلا أنه في مقدور فهم البشر، وهذا يدل على أنه لا يوجد في كلام الله سبحانه وتعالى ما لا يفهم معناه، بل كل ما أنزله الله سبحانه وتعالى في كتابه فإنه معلوم المعنى، وهذا من باب الفائدة.

والذي أراد أن ينبه عليه المؤلف هو أن هذا النظر خارج عما تضمنه القرآن من العلوم، يعني من كونه نزل عربياً، ومن كونه يدركه المسلم ويفهم معناه، وما ذكره الآن وما سيذكره بعد قليل من المسائل التي أدخلها في هذا سنلاحظ أن أغلبها يدخل في باب الاستنباطات.

مدى صحة عبارة: التخلق بصفات الله والاقتداء بأفعاله

وذكر في هذا أن هذه المسألة تتبين من كتاب الاجتهاد من أصل التخلق بصفات الله والاقتداء بأفعاله، وهذه العبارة التي هي عبارة (التخلق) فيها إشكال من جهة المصطلح، وكذلك فيها إشكال من جهة الاقتداء بأفعال الله أو التخلق بصفات الله، كما قرر بعض العلماء في التعليق على هذه العبارة أن الأولى في ذلك -كما هو موجود عندنا في الحاشية- أن العبارة المطابقة إما التعبد، أو تؤخذ العبارة المطابقة للقرآن وهي الدعاء المتضمن للتعبد والسؤال، يعني دعاء العبادة ودعاء المسألة.

وهذا التخلق إذا أخذناه بمفهوم الإمام الشاطبي هل أمر الله سبحانه وتعالى بالتخلق بصفاته والاقتداء بأفعاله، وهل أوصى بهذا أو أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم؟ هذا أيضاً من الأشياء التي تشكل على هذه العبارة، وإنما المأمور به من حيث العموم والاقتداء هو أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه.

فهذه العبارة، التي هي: التخلق بصفات الله، ممن ذكرها الإمام الغزالي في كتابه، الذي هو في الأسماء الحسنى، وقد قيل في ذلك إنه أخذها من أصل عند الفلاسفة، وهذا الأصل عند الفلاسفة هو التشبه بالإله قدر الطاقة، وتعلمون أن الفلاسفة ليس عندهم وحي؛ ولهذا يقع عندهم من الضلال في هذا الباب الشيء الكثير، والأصل في باب الإلهيات عندهم هو الضلال؛ لأنه ليس عندهم شيء يهتدون به ويقتدون، وغاية ما يحصل عندهم من العلم إن حصلوا على ذلك شيء من إثبات علم الربوبية لا غير، لكن عندهم هذا المبدأ، الذي هو: مبدأ التشبه بالإله؛ فأخذه الغزالي من هذا الأصل الذي عندهم وعبر فيه بهذه العبارة؛ ولهذا كل اسم من أسماء الله إذا قرأتموه في كتابه تجدونه يحاول أن يذكر ما يمكن للعبد أن يتخلق به من هذا الاسم، حتى إنه ذكر في بعض الأسماء التي هي ممنوعة مثل: الجبار والمتكبر، وأمثالها، كيف يتخلق بها العبد، ولا شك أن هذه الصفة مذمومة، وهي في حق الله سبحانه وتعالى فقط.

وذكر في هذا أن هذه المسألة تتبين من كتاب الاجتهاد من أصل التخلق بصفات الله والاقتداء بأفعاله، وهذه العبارة التي هي عبارة (التخلق) فيها إشكال من جهة المصطلح، وكذلك فيها إشكال من جهة الاقتداء بأفعال الله أو التخلق بصفات الله، كما قرر بعض العلماء في التعليق على هذه العبارة أن الأولى في ذلك -كما هو موجود عندنا في الحاشية- أن العبارة المطابقة إما التعبد، أو تؤخذ العبارة المطابقة للقرآن وهي الدعاء المتضمن للتعبد والسؤال، يعني دعاء العبادة ودعاء المسألة.

وهذا التخلق إذا أخذناه بمفهوم الإمام الشاطبي هل أمر الله سبحانه وتعالى بالتخلق بصفاته والاقتداء بأفعاله، وهل أوصى بهذا أو أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم؟ هذا أيضاً من الأشياء التي تشكل على هذه العبارة، وإنما المأمور به من حيث العموم والاقتداء هو أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه.

فهذه العبارة، التي هي: التخلق بصفات الله، ممن ذكرها الإمام الغزالي في كتابه، الذي هو في الأسماء الحسنى، وقد قيل في ذلك إنه أخذها من أصل عند الفلاسفة، وهذا الأصل عند الفلاسفة هو التشبه بالإله قدر الطاقة، وتعلمون أن الفلاسفة ليس عندهم وحي؛ ولهذا يقع عندهم من الضلال في هذا الباب الشيء الكثير، والأصل في باب الإلهيات عندهم هو الضلال؛ لأنه ليس عندهم شيء يهتدون به ويقتدون، وغاية ما يحصل عندهم من العلم إن حصلوا على ذلك شيء من إثبات علم الربوبية لا غير، لكن عندهم هذا المبدأ، الذي هو: مبدأ التشبه بالإله؛ فأخذه الغزالي من هذا الأصل الذي عندهم وعبر فيه بهذه العبارة؛ ولهذا كل اسم من أسماء الله إذا قرأتموه في كتابه تجدونه يحاول أن يذكر ما يمكن للعبد أن يتخلق به من هذا الاسم، حتى إنه ذكر في بعض الأسماء التي هي ممنوعة مثل: الجبار والمتكبر، وأمثالها، كيف يتخلق بها العبد، ولا شك أن هذه الصفة مذمومة، وهي في حق الله سبحانه وتعالى فقط.

قال رحمه الله: [ ويشتمل على أنواع من القواعد الأصلية، والفوائد الفرعية، والمحاسن الأدبية؛ فلنذكر منها أمثلة يستعان بها في فهم المراد:

عدم المؤاخذة قبل الإنذار

فمن ذلك: عدم المؤاخذة قبل الإنذار، ودل على ذلك إخباره تعالى عن نفسه بقوله: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15]؛ فجرت عادته في خلقه أنه لا يؤاخذ بالمخالفة إلا بعد إرسال الرسل، فإذا قامت الحجة عليهم فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29]، ولكل جزاء مثله.

البلاغ في إقامة الحجة

ومنها: الإبلاغ في إقامة الحجة على ما خاطب به الخلق؛ فإنه تعالى أنزل القرآن برهاناً في نفسه على صحة ما فيه، وزاد على يدي رسوله عليه الصلاة والسلام من المعجزات ما في بعضه الكفاية.

عدم المؤاخذة بالذنب من أول وهلة

ومنها: ترك الأخذ من أول مرة بالذنب، والحلم عن تعجيل المعاندين بالعذاب، مع تماديهم على الإباية والجحود بعد وضوح البرهان، وإن استعجلوا به.

الكناية فيما يستقبح ذكره إلا إذا وجد مقتض للتصريح

ومنها: تحسين العبارة بالكناية ونحوها في المواطن التي يحتاج فيها إلى ذكر ما يستحيا من ذكره في عادتنا؛ كقوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ [النساء:43]، وقوله: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ [التحريم:12]، وقوله: كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ [المائدة:75].

حتى إذا وضح السبيل في مقطع الحق، وحضر وقت التصريح بما ينبغي التصريح فيه؛ فلا بد منه، وإليه الإشارة بقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26]، لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ [الأحزاب:53].

التأني والتثبت في الأمور

ومنها: التأني في الأمور، والجري على مجرى التثبت، والأخذ بالاحتياط، وهو المعهود في حقنا؛ فلقد أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم نجوماً في عشرين سنة؛ حتى قال الكفار: لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً [الفرقان:32]، فقال الله: كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ [الفرقان:32]، وقال: وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً [الإسراء:106]، وفي هذه المدة كان الإنذار يترادف، والصراط يستوي بالنسبة إلى كل وجهة وإلى كل محتاج إليه، وحين أبى من أبى من الدخول في الإسلام بعد عشر سنين أو أكثر بدءوا بالتغليظ بالدعاء، فشرع الجهاد لكن على تدريج أيضاً، حكمة بالغة، وترتيباً يقتضيه العدل والإحسان، حتى إذا كمل الدين، ودخل الناس فيه أفواجاً، ولم يبق لقائل ما يقول: قبض الله نبيه إليه، وقد بانت الحجة، ووضحت المحجة، واشتد أس الدين، وقوي عضده بأنصار الله؛ فلله الحمد كثيراً على ذلك ].

هذه الأمثلة -وسيأتي إن شاء الله تتمة الأمثلة لها- كما ذكر تشتمل على قواعد أصلية وفوائد فرعية ومحاسن أدبية.

أغلب هذه كما نلاحظ أخذها على أنها قواعد مستنبطة من خطاب الله سبحانه وتعالى في كتابه؛ على سبيل المثال لو سئلت مثلاً عن عدم المؤاخذة بالذنب قبل الإعذار، هل ورد في القرآن ما يدل على ذلك؟ تجد ذلك في قوله سبحانه وتعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15]؛ فكأنه يقول: جرت عادته في خلقه ألا يؤاخذ في المخالفة إلا بعد إرسال الرسل.

هذه المعلومة وما شابهها مما سيأتي بعدها ليست من علوم القرآن التي يريدها الشاطبي ، وإنما هي معروفة من عادة الله تعالى في إنزال خطابه.

كذلك قضية الإبلاغ في إقامة الحجة على ما خاطب به الخلق، وقضية التحدي بالقرآن الذي هو المعجز، ثم إن الله سبحانه وتعالى أقام أيضاً على يدي رسوله صلى الله عليه وسلم من مثل هذه المعجزات ما فيه الكفاية لأن يؤمن به الناس.

كذلك ترك الأخذ من أول مرة بالذنب، ويحلم عن تعجيل المعاندين، فكل هذه المسائل التي ستأتي إذا تأملناها نجد أنها مستنبطة من الآيات.

وأيضاً مسألة تحسين العبارة بالكناية في المواطن التي يحتاج فيها إلى ذكر ما يستحيا من ذكره، ولكن إذا كان في موطن آخر؛ فإنها قد تذكر ولا يكنى بها، فهذه أيضاً كمعلومة مستنبطة من عادة الله سبحانه وتعالى في خطابه، كقوله: أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ [النساء:43]، فبدلاً من أن يذكر الجماع ذكر لفظ الملامسة، كذلك قوله تعالى: كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ [المائدة:75]، فهو إشارة إلى أن من يأكل يحتاج إلى الإخراج، وهذا كله أدب في الخطاب.

يقول: لكن إذا احتاج الأمر إلى التصريح فإنه يصرح، وذكر مثال ذلك بقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26]؛ فنفى الاستحياء هنا مع أنه في المواطن الأخرى لم يذكر مثل الجماع أو غيره من باب تحسين العبارة.

كذلك التأني في الأمور والتثبت فيها، والأخذ بالاحتياط، ذكر مثلاً لذلك وهو قضية تنزيل القرآن نجوماً، وأن هذا داخل ضمن هذا الباب، وهو باب التأني وعدم العجلة في الأمور؛ للتثبت.

وكل هذه التي يذكرها وما بعدها إذا لاحظنا وجدنا أنها قواعد وفوائد عامة مستنبطة من القرآن، لكنها أيضاً ليست من علوم القرآن التي يريد أن ينص عليها الإمام رحمه الله تعالى.

أسلوب الدعاء في القرآن

قال رحمه الله: [ ومنها: كيفية تأدب العباد إذا قصدوا باب رب الأرباب بالتضرع والدعاء، فقد بين مساق القرآن آداباً استقرئت منه، وإن لم ينص عليها بالعبارة؛ فقد أغنت إشارة التقرير عن التصريح بالتعبير، فأنت ترى أن نداء الله للعباد لم يأت في القرآن في الغالب إلا بـــ (يا) المشيرة إلى بعد المنادي؛ لأن صاحب النداء منزه عن مداناة العباد، موصوف بالتعالي عنهم والاستغناء، فإذا قرر نداء العباد للرب أتى بأمور تستدعي قرب الإجابة:

منها: إسقاط حرف النداء المشير إلى قرب المنادى، وأنه حاضر مع المنادي غير غافل عنه؛ فدل على استشعار الراغب هذا المعنى؛ إذ لم يأت في الغالب إلا (ربنا)، (ربي) كقوله: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا [البقرة:286]، وقوله: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا [البقرة:127]، وقوله: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي [آل عمران:35]، وقوله: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى [البقرة:260].

ومنها: كثرة مجيء النداء باسم الرب المقتضي للقيام بأمور العباد وإصلاحها؛ فكان العبد متعلقاً بمن شأنه التربية والرفق والإحسان، قائلاً: يا من هو المصلح لشئوننا على الإطلاق أتم لنا ذلك بكذا، وهو مقتضى ما يدعو به، وإنما أتى (اللهم) في مواضع قليلة، ولمعان اقتضتها الأحوال.

ومنها: تقديم الوسيلة بين يدي الطلب؛ كقوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:5-6].. الآية، وقوله: رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا [آل عمران:16]،

رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ [آل عمران:53]، وقوله: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ [آل عمران:191]، وقوله: رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً [يونس:88].. الآية، وقوله:

رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ [نوح:21] إلى قوله: وَلا تَزِدْ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً [نوح:28]، وقوله: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا [البقرة:127].. إلى غير ذلك من الآداب التي تؤخذ من مجرد التقرير.

ومن ذلك أشياء ذكرت في كتاب الاجتهاد في الاقتداء بالأفعال، والتخلق بالصفات، تضاف إلى ما هنا، وقد تقدم أيضاً منه جملة في كتاب المقاصد.

والحاصل أن القرآن احتوى من هذا النوع من الفوائد والمحاسن التي تقتضيها القواعد الشرعية على كثير يشهد بها شاهد الاعتبار، ويصححها نصوص الآيات والأخبار ].

كما نلاحظ هذه فوائد وقواعد استقاها من خلال القرآن، وليست من علوم القرآن التي يريد الشاطبي أن يتحدث عنها.

وبعد أن يقرر ما هي علوم القرآن، سنرجع وننظر إلى هذه الأشياء التي أخرجها، لماذا أخرجها؟ فمصطلح علوم القرآن الذي أراده الشاطبي غير مصطلح علوم القرآن الذي يتحدث عنه السيوطي أو يتحدث عنه الزركشي أو يتحدث عنه أيضاً البلقيني وغيرهم.

فمن ذلك: عدم المؤاخذة قبل الإنذار، ودل على ذلك إخباره تعالى عن نفسه بقوله: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15]؛ فجرت عادته في خلقه أنه لا يؤاخذ بالمخالفة إلا بعد إرسال الرسل، فإذا قامت الحجة عليهم فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29]، ولكل جزاء مثله.

ومنها: الإبلاغ في إقامة الحجة على ما خاطب به الخلق؛ فإنه تعالى أنزل القرآن برهاناً في نفسه على صحة ما فيه، وزاد على يدي رسوله عليه الصلاة والسلام من المعجزات ما في بعضه الكفاية.




استمع المزيد من صفحة د. مساعد الطيار - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [7] 3996 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [4] 3338 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [3] 3144 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [12] 2944 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [8] 2909 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [9] 2783 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [11] 2649 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [5] 2170 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [13] 1687 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [2] 1666 استماع