شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [11]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ المسألة الثانية عشرة: ربما أخذ تفسير القرآن على التوسط والاعتدال، وعليه أكثر السلف المتقدمين، بل ذلك شأنهم، وبه كانوا أفقه الناس فيه، وأعلم العلماء بمقاصده وبواطنه، وربما أخذ على أحد الطرفين الخارجين عن الاعتدال، إما على الإفراط، وإما على التفريط، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم.

فالذين أخذوه على التفريط قصروا في فهم اللسان الذي به جاء وهو العربية، فما قاموا في تفهم معانيه ولا قعدوا كما تقدم عن الباطنية وغيرها، ولا إشكال في اطراح التعويل على هؤلاء.

والذين أخذوه على الإفراط أيضاً قصروا في فهم معانيه من جهة أخرى، وقد تقدم في كتاب المقاصد بيان أن الشريعة أمية، وأن ما لم يكن معهوداً عند العرب فلا يعتبر فيها، ومر فيه أنها لا تقصد التدقيقات في كلامها، ولا تعتبر ألفاظها كل الاعتبار إلا من جهة ما تؤدي المعاني المركبة، فما وراء ذلك إن كان مقصوداً لها فبالقصد الثاني، ومن جهة ما هو معين على إدراك المعنى المقصود؛ كالمجازي والاستعارة والكناية، وإذا كان كذلك فربما لا يحتاج فيه إلى فكر، فإن احتاج الناظر فيه إلى فكر خرج عن نمط الحسن إلى نمط القبح والتكلف، وذلك ليس من كلام العرب، فكذلك لا يليق بالقرآن من باب أولى.

وأيضاً فإنه حائل بين الإنسان وبين المقصود من الخطاب من التفهم لمعناه، ثم التعبد بمقتضاه، وذلك أنه إعذار وإنذار وتبشير وتحذير، ورد إلى الصراط المستقيم، فكم بين من فهم معناه ورأى أنه مقصود العبارة، فداخلة من خوف الوعيد ورجاء الموعود ما صار به مشمراً عن ساعد الجد والاجتهاد، باذلاً غاية الطاقة في الموافقات، هارباً بالكلية عن المخالفات، وبين من أخذ في تحسين الإيراد والاشتغال بمآخذ العبارة ومدارجها، ولما اختلفت مع مرادفتها، مع أن المعنى واحد، وتفريع التجنيس ومحاسن الألفاظ.

والمعنى المقصود في الخطاب بمعزل عن النظر فيه، كل عاقل يعلم أن مقصود الخطاب ليس هو التفقه في العبارة، بل التفقه في المعبر عنه والمراد به، هذا لا يرتاب فيه عاقل].

هذه المسألة الثانية عشرة بناها على المسألة السابقة، وذكر فيها قضية جملية في أخذ التفسير عند الأقوام، فذكر أن تفسير القرآن على التوسط والاعتدال هو منهج السلف في أخذ التفسير، ثم ذكر أنه ربما أخذ على أحد الطرفين الخارجين عن الاعتدال، إما على الافراط، والمراد به تجاوز الحد أو على التفريط الذي هو التقصير في فهم المراد.

المراد من إنزال القرآن الكريم

ومن خلال الكلام الذي طرحه الشاطبي رحمه الله تعالى يحسن قراءة المقدمات التي تقدم بها الكتاب، فعنده نظر للعلم الذي يحسن أن يُتعلم، وهو ما يكون فيه أثر علمي على المتعلم، وأن أي علمٍ يراد به القضايا الذهنية، ولا يكون له أثر عملي فإنه لا يعده من العلوم المستحسنة؛ لأن المراد الأول من كتاب الله سبحانه وتعالى هو أن يُفهم وهذه مرحلة التفسير، والمراد الثاني: أن يستنبط منه ما يُحتاج إليه في التكليف، والمرحلة الثالثة: هي التطبيق، يعني: تطبيق هذا القرآن.

إذاً عندنا المراحل الثلاث: فهم المعنى، والتدبر الذي يدخل فيه الاستنباط والتطبيق.

والمصنف أشار إلى هذه المرحلة التي هي مرحلة التطبيق فقال: [وأيضاً فإنه حائلٌ- يعني: الإفراط- بين الإنسان وبين المقصود من الخطاب من التفهم لمعناه، ثم التعبد بمقتضاه].

حال المفرطين في تفسير كتاب الله عز وجل

هذه القضية فيها تداخل، ومثل هذه القضايا مشكل، فإذا نظرنا إلى الصنف الأول الذي ذمه، قال: [الذين أخذوه على التفريط قصروا في فهم اللسان الذي جاء به].

فإذاً: عندنا كل من قصر في فهم اللسان في أي طائفة من الطوائف، وإن كان يظهر -كما قال المصنف- عند الباطنية أكثر، فإنهم يعتبرون ممن قد أخل بفهم هذا الكتاب، إذاً هذا هو القسم الأول.

ولو تأملنا الزمن الذي نعيشه، وبعض التفسيرات للقرآن التي تخرج، ولو كانت تفسيرات جزئية، سنجد بالفعل أن هناك خللاً من هذه الجهة، وأن بعض من يتعاطى تفسير الآيات يكون عنده خلل من جهة اللسان الذي نزل به، فكل من حمل القرآن على ما لم تدل عليه اللغة فإنه مقصرٌ فيه من هذه الجهة؛ لأن الله سبحانه وتعالى أنزله قرآناً عربياً، فلا يمكن أن يُفهم القرآن بلغة غير لغة العرب، فتفسيره بالمصطلحات الحادثة يعتبر من باب التقصير باللسان.

والباطنية عندما نتأمل تفسيراتهم والأمثلة في اشتراط الكبيرة، سنجد بالفعل أنها خارجة عن اللسان، ولا يدل عليه اللسان بحال، مثلما يفسر بعضهم قوله سبحانه وتعالى: وَالشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ [الإسراء:60]، يقول: إن الشجرة الملعونة في القرآن هي عائشة ! -عليه من الله ما يستحق-، وهذا إذا جئنا إليه من جهة اللسان لا يستقيم، فهذا تقصير من هذه الجهة.

الآخرون الذين أخذوه من جهة الإفراط، بمعنى أنهم تجاوزوا الحد في فهم اللسان العربي المراد في القرآن.

دلالة اللغة العربية على المعاني

وقد ذكر المصنف جملة مسائل في هذا، وأول مسألة ذكرها قال: (ومر فيها أنها لا تقصد التدقيقات في كلامها، ولا تعتبر ألفاظها كل الاعتبار إلا من جهة ما تؤدي المعاني المركبة، فما رأى ذلك إن كان مقصوداً لها فبالقصد الثاني)، ومراده بالقصد الثاني؛ ننقل كلامه في ذلك المكان؛ لكي يتضح مراده في هذه المسألة.

يقول هناك: في المسألة الثانية من موضوع بيان قصد الشارع بوضع الشريعة للإفهام، ويتضمن مسائل، ثم ذكر المسألة الأولى ثم الثانية، قال: (للغة العربية من حيث هي ألفاظ دالة على معاني القرآن نظران: أحدهما: من جهة كونها ألفاظاً وعبارات مطلقة دالة على معاني مطلقة وهي الدلالة الأصلية، والثاني: من جهة كونها ألفاظاً وعبارات مقيدة دالة على معاني خادمة وهي الدلالة التابعة).

الجهة الأولى هي التي يشترك فيها جميع الألسنة، وإليها تنتهي مقاصد المتكلمين ولا تختص بأمة دون أخرى، فإنه إذا حصل في الوجود فعل لزيد مثلاً كالقيام، ثم أراد كل صاحب لسان الإخبار عن زيدٍ بالقيام فإنه تأتى له ما أراد من غير تكلف، ومن هذه الجهة يمكن في اللسان العربي الإخبار عن أقوال الأولين ممن ليسوا من أهل اللغة العربية، وحكاية كلامهم، ويتأتى بلسان الأعاجم حكاية أقوال العربي والإخبار عنها، وهذا لا إشكال فيه.

إذاً: هذا الدلالة الأصلية.

وأما القصد الثاني الذي هو الجهة الثانية، فهي التي يختص بها لسان العربي في تلك الحكاية وذلك الإخبار، فإن كل خبر يقتضي في هذه الجهة أموراً خادمة لذلك الإخبار بحسب الخبر والمخبر.. والمُخبر والمخبر عنه والمخبر به، ونفس الإخبار في الحال والمساق ونوع الأسلوب من الإيضاح والإخفاء والإيجاز والإطناب وغير ذلك، وذلك أنك تقول في ابتداء الإخبار: قام زيد، إذا لم تكن ثمة عناية بالمخبر عنه بل بالخبر، فإن كانت العناية بالمخبر عنه قلت: إن زيداً قام.. إلى آخر كلامه.

إذاً عندنا الآن الدلالة الأصلية، وهذه التي يمكن أن يتفاهم بها جميع الخلق، حتى من طريق الترجمة، فإذا أراد -كما قال- أن نخبر عن فعل قام في زيد فالصيني يستطيع أن يعبر عن زيد بلغته، والعربي يستطيع أن يفهم هذا المعنى المترجم، لكن المعاني التابعة والدلالات التابعة في اللغة تختص بدلالاتها الخاصة، لكن أوسع هذه اللغات بالقصد الثاني أو الدلالات التابعة، أو ما يسمى الآن بالمعاني الثانوية هي اللغة العربية، وهذا ليس بشهادة العرب، بل بشهادة من خالطهم من الأمم وسمع كلامهم، وهذه الدلالة التابعة قد لا يستطاع ترجمتها، والمصنف وهو يتكلم عنها قال: إن كان مقصوداً لها فبالقصد الثاني من جهة ما هو معين على إدراك المعنى المقصود، كالمجازي والاستعارة والكناية، وإذا كان كذلك فربما لا يحتاج فيه إلى فكر.

قال: فإن احتاج الناظر فيه إلى فكرٍ خرج عن نمط الحسن إلى نمط القبح والتكلف، وذلك ليس من كلام العرب، فكذلك لا يليق بالقرآن من باب أولى.

علم البلاغة وعلاقته بالمعاني

وكلام الشاطبي رحمه الله تعالى سيتوجه إلى ما نسميه الآن بعلم البلاغة، وسيخص أحد أنواع علم البلاغة بالحديث من خلال كلامه، وعلم البلاغة استقر من حيث المصطلحات إلى ثلاثة أنواع:

النوع الأول: علم المعاني.

والنوع الثاني: علم البيان.

والنوع الثالث: علم البديع.

وهو الآن سيوجه نقده بالذات إلى أحد هذه الأنواع الثلاثة، وهو علم البديع؛ لأنه سيأتي كلامه كله الذي هو تفريع التجنيس ومحاسن الألفاظ، هذا كله في علم البديع، وستأتي أمثلة لذلك.

يحتاج أهل الحقيقة في مثل هذا الأمر إلى توازن في الطرح، قلنا: إن النظر إلى القرآن يحتاج إلى ثلاثة أمور، أول قضية: تفهم المعنى للتفسير، والثاني: الاستنباط، ويمكن أن نقول: إن أغلبه قائم على التدبر، والثالث: التطبيق، تطبيق الأوامر والنواهي.

إذا جئنا الآن إلى التفسير، فإن علم البلاغة لا يعتبر من الأصول التي يمكن أن يستفاد منها في التفسير وفي بيان المعاني، بل يمكن الاستغناء عن كثير مما في علم البلاغة في فهم المعاني، وإنما الذي يحتاج علم البلاغة أمر آخر ألا وهو الإعجاز، فمن أراد أن يتكلم في الإعجاز فإنه محتاج إلى الكلام في البلاغة، قال في المسائل البيانية والمنازع البلاغية: (فقد حصل فهم الظاهر -ظاهر القرآن- ومن هنا حصل إعجاز القرآن عند القائلين: بأن إعجازه بالفصاحة)، وأقصد من ذلك أن عبارته هذه تدل على أن من أراد أن يتحدث عن إعجاز القرآن وفصاحته يحتاج إلى الحديث عن هذه العلوم، يعني من أراد أن يتحدث عن فصاحة القرآن وإعجازه من جهة الفصاحة فلا بد له من علم البلاغة، لكن من أراد أن يبين المعاني فإنه لا يلزم أن يحتاج إلى علم البلاغة.

التدقيق في اللغة العربية بين النفي والإثبات

الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى لما أدخل هذه العلوم بعضها ببعض في التفسير اضطر إلى أن ينتقد هذا الانتقاد الذي ذكره، ولكن هل صحيح أن العرب لا تقصد التدقيقات في كلامها؟ يعني: من جهة النظر في كلامها، أو لا تنظر إلى عباراتها ولا تختارها، ولا تترك بعض العبارات؟

هذا الكلام فيه نظر، لأن من قرأ مثلاً المعلقات وجد أن الشاعر يختار من الألفاظ ما يتناسب مع الحال أو المقال الذي يريده، وكون بعض المتأخرين يقول: إن هذه الكلمة غريبة، أو إنها من حواشي الألفاظ، هذا فيه نظر، هي من حواشي الألفاظ بالنسبة لك أنت؛ أما لما كان يقولها في وقته فإنها لم تكن من غريب الألفاظ ولا من حواشيه، فلا يمكن أن تقيس غرابة اللفظة، أو أنها من الحواشي التي لا تستعمل إلا قليلاً بالنظر إلى ما وصلك أنت، ولكن إذا رجعت إلى كلامهم ستجد أنه كان معروفاً بينهم، لكن بسبب جهلك بهذا تقول: إنها كلمة غريبة، والواقع الذي نعيشه اليوم يدل على ذلك، فلو جلست مع بعض كبار السن، وهو يتكلم بكلام قد يخرج بعض المفردات التي لا تفهمها، وتقول: هذه غريبة، لكن لما يأتي من هم في طبقته ويتكلمون بهذا، كل واحد يفهم عن الآخر.

فإذاً: لا يصلح قياس الغرابة أو الحكم على لفظة بأنها من الحواشي.

القضية الثانية: قضية التدقيقات في كلام العرب، فالذي يقرأ في المعلقات ويقرأ في خطبهم يعرف أنهم كانوا يقصدون هذه الدقائق، وبهذا برعوا وتميزوا، فكلام الشاطبي رحمه الله تعالى في أنهم ما كانوا يقصدون هذه التدقيقات، ولا كانت العرب تعتبر ألفاظها! هذا الكلام فيه نظر.

وأشار الدكتور عبد الله دراز في تعليقه على هذا الكلام، إلى القصة المشهورة في قصة الخنساء ، ونقدها لـحسان النقد المشهور الذي في قوله: (لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى)، وهذا من أوائل ما يعتبر من نقد، فإذا ثبت أن النابغة كان يجلس للشعراء ويسمع منهم، ويقوم الشعراء، فإذا ثبت أصل هذه القصة فهذا لا شك أنه من أكبر الأدلة على عناية هذه الأمة بألفاظها.

نأتي الآن إلى القضية الأخرى التي طرحها وهي مهمة جداً عند قوله: (وذلك ليس من كلام العرب، فكذلك لا يليق بالقرآن من باب أولى)، وهذا كلام منتقد؛ لأن العرب كان لها عناية بهذه الأمور.

علوم الآلة وأهميتها

ثم قضية أخرى وهي: هل هذه العلوم والتعمق فيها يحول بين الإنسان وبين المقصود من الخطاب أو لا؟ هذه مسألة مهمة، وأيضاً يجب أن يكون عندنا توازن واعتدال، ويكون عندنا احتمال للنقد في ذلك.

فإذا نظرنا إلى هذه العلوم سواء علوم البلاغة أو علم النحو، أن ينينونحن نقرأ علوم البلاغة أو علم النحو، ونحاول أن نطبقها في القرآن، فهل التطبيقات ذهنية فقط أو ذهنية موصلة إلى أن الإنسان يمكن أن يترجم هذه التطبيقات إلى تطبيقات عملية؟ أي إلى ما يتعلق بالتكليف الذي تكلم عنه؛ لأنه قال: (ثم التعبد بمقتضاه، وذلك أنه إعذار وإنذار وتبشير وتحذير، ورد إلى الصراط المستقيم).

هل هذه العلوم توصل إلى التعبد بمقتضاه أو لا توصل التعبد بمقتضاه؟

هذا سؤال يحتاج منّا إلى تأمل، ولا يلزم أن نحكم عليه الآن، ولكن يحتاج منّا إلى تأمل.

فإن لم تكن موصلة-هذا على سبيل الافتراض فلا نقل: هي مرفوضة، بل هي من العلوم المهمة، وهي العلوم التي سموها بعلوم الآلة وهي علوم مساعدة، والإغراق فيها قد يبعد عن الاهتداء بهدي القرآن، لكن الأخذ منها بقدر يوصل إلى تفهم المعاني، وإلى إدراك جلالة هذا القرآن وإعجازه، فهذا لا شك أنه يعمق اليقين والإيمان.

فإذاً: المقصد من ذلك أنا ننظر نظرة تكاملية وشمولية لهذه العلوم وعلاقتها بقضية الاهتداء.

لأن الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى ضبطها بقضية التعبد، أما لو كنا خارج قضية التعبد في قضية العلم، فنقول: لا شك أنها من العلوم المهمة التي يحتاجها قارئ القرآن، وأن على من أراد أن يفسر القرآن، وأن يتبحر فيه وأن يوصل رسالته إلى الناس، عليه أن يكون عارفاً بهذه العلوم؛ لأنها علوم أساسية وأدوات إذا هو استلهمها واستفاد منها استطاع أن يوصل القرآن إلى الناس.

ما ذكره الآن من قضية التجنيس والتفريع لعله سيشير إليها.

التعمق في علوم الآلة والاشتغال بها

قال المصنف رحمه الله: [ ولا يصح أن يقال: إن التمكن في التفقه في الألفاظ والعبارات وسيلة إلى التفقه في المعاني بإجماع العلماء، فكيف يصح إنكار ما لا يمكن إنكاره؛ ولأن الاشتغال بالوسيلة والقيام بالفرض الواجب فيها دون الاشتغال بالمعنى المقصود لا ينكر في الجملة، وإلا لزم ذم علم العربية بجميع أصنافه، وليس كذلك باتفاق العلماء؛ لأنا نقول ما ذكرته في السؤال لا ينكر بإطلاق، كيف وبالعربية فهمنا عن الله تعالى مراده من كتابه؟ وإنما المنكر الخروج في ذلك إلى حد الإفراط الذي يشك في كونه مراد المتكلم، أو يظن أنه غير مراد، أو يقطع به فيه؛ لأن العرب لم يفهم منها قصد مثله في كلامها، ولم يشتغل بالتفقه فيه سلف هذه الأمة، فما يؤمننا من سؤال الله تعالى لنا يوم القيامة؟ من أين فهمتم عني أني قصدت التجنيس الفلاني بما أنزلت من قولي: وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف:104] نأ، أو قولي: قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ [الشعراء:168]؟!

فإن دعوى مثل هذا على القرآن، وأنه مقصود للمتكلم به خطراً، بل هو راجع إلى معنى قوله تعالى: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ [النور:15]، وإلى أنه قولٌ في كتاب الله بالرأي، وذلك بخلاف الكناية في قوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43]، وقوله: كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ [المائدة:75]، وما أشبه ذلك، فإنه شائع في كلام العرب مفهوم من مساق الكلام، معلومٌ اعتباره عند أهل اللسان ضرورة، والتجنيس ونحوه ليس كذلك، وفرق ما بينهما خدمة المعنى المراد وعدمه، إذ ليس في التجنيس ذلك، والشاهد على ذلك ندوره من العرب الأجلاف البوالين على أعقابهم، كما قال أبو عبيدة ومن كان نحوهم، وشهرة الكناية وغيرها، ولا تكاد تجد ما هو نحو التجنيس إلا في كلام المولدين ومن لا يحتج به.

فالحاصل أن لكل علم عدلاً وطرفا إفراط وتفريط، والطرفان هما المذمومان، والوسط هو المحمود].

الآن في هذا السؤال والجواب ركز على جانب المحسنات اللفظية، وأشار إلى أنه لا ينكر بإطلاق هذه المسألة، وكأنه يقول: إن الإيغال في هذا الجانب هو المذموم، أما الأخذ منه بطرف فهو محمود.

وذكر في كونه منكراً وخارجاً عن الحد أمرين:

الأمر الأول: قال: لأن العرب لم يفهم منها قصد مثله في كلامها.

والأمر الثاني: قال: لم يشتغل بالتفقه فيه سلف هذه الأمة، ثم قال: (فما يؤمننا من سؤال الله تعالى لنا يوم القيامة، من أين فهمتم عني أني قصدت التجنيس الفلاني في قوله: وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف:104]، أو في قوله: قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ [الشعراء:168]؟! فالتجنيس في يحسبون ويحسنون، وقال: والقالين، يعني هذا الذي هو التجنيس.

والسؤال الذي يرد هذين الشرطين أو التنبيهين اللذين ذكرهما: أن العرب لم يفهم منها قصد مثله في كلامها، هذا كلام مجمل، هل يمكن إدراك ما قصدته العرب من كلامها دون ما لم تقصده؟

هذا سؤال، وإذا كان يمكن أن يعرف ما قصدته العرب من كلامها دون ما لم تقصده فإن اعتراض الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى في هذا المقام اعتراضٌ وجيه.

حكم العلوم التي تركها السلف ولم يشتغلوا بها

كذلك عندنا القضية الأخرى: هل كل علم لم يشتغل بالتفقه فيه سلف الأمة لا يكون أيضاً علماً صحيحاً مراداً؟ وهذا مشكل آخر، وقد كرر هذا الموضوع الذي هو عدم اشتغال السلف به في أكثر من موضع، وهو مشكل؛ لأننا إذا جئنا إلى علم البلاغة برمته، هل هو مما اعتنى به الصحابة والتابعون؟ وعلم النحو هل هو مما اعتنى به الصحابة والتابعون؟

فإذاً: يورد هذا الكلام إشكالاً في مثل هذا الأمر، وليس مراده هذا.

وقد يقول قائل: إن هذه العلوم أصلاً من سجيتهم، كقضية علم البلاعة وعلم النحو، فنقول: ليس كل ما هو من سجيتهم تركوه، فلماذا لا يقال: إن من سجيتهم معرفة معاني القرآن، ولماذا أبانوا عن معانيه اللغوية وهم يعرفونها، فهذا ليس صحيحاً على الإطلاق.

هذه مسألة شائكة، وتحتاج إلى من يفك قضية العلوم نفسها وهي العلوم الإسلامية، وما مدى حاجة طالب العلم منها؟ وما هو الزائد الذي يكون من باب حد الإفراط، أو الزائد الذي يمكن يطلبه طالب العلم، لكنه يكون من القدر الزائد، هذه قضية.

القضية الثانية: ما هو القدر الذي يحتاجه من هذه العلوم عند كلامه في التفسير؟ ولكي يكون الكلام واضحاً نأتي بمثال لعلم النحو، لما نأتي إلى تفسير الصحابة والتابعين وأتباع التابعين المنقول، لا نجد فيه مسائل النحو، وهذا باتفاق؛ لأن تفسيرهم موجود ومبثوث، من قرأ الدر المنثور من أوله إلى آخره لا يكاد يجد مسألة نحوية.

بيان المراد من اشتراط النحو للمفسر للقرآن

لكن إذا جئت إلى تفسير الطبري تجد فيه مسائل نحوية، وكذلك تفسير القرطبي ، وتفسير الزمخشري ، وتفسير ابن عطية ، وتفسير أبي حيان ، وكل تفاسير المتأخرين قل أن تخلو من النحو، إذا رجعنا إلى شروط بعض العلماء وجدنا أنهم يشترطون علم النحو من شروط المفسر، ويجعلونه من العلوم التي يحتاجها المفسر.

ولو جئنا إلى تفسير الشيخ السعدي مثلاً من المتأخرين، فليس فيه مسائل نحوية، والآن المشكلة أننا إذا نظرنا إلى كتب السلف وجدنا أنها تخلو من المسائل النحوية، وإذا نظرنا إلى بعض كتب المتأخرين نجد أنها أيضاً تخلو من المسائل النحوية، فهذه التي خلت من المسائل النحوية هل أخلت بشرطٍ من شروط المفسر أو بعلم من العلوم التي يحتاجها المفسر أو هي كاملة؟

والذي أدخل النحو في كتب التفسير، هل إدخاله صحيح أو غير صحيح؟

صحيح من جهة، وفيه إشكال من جهة أخرى، فهو صحيح من جهة أنه يبين عن بعض المعاني التي لا تدرك إلا بمعرفة النحو. وهنا نقول: إن من أخلى كتابه من النحو خصوصاً المتأخرين لا يعني أنه أغفل الأداة النحوية في تفسيره، بل وهو يفسر فإنه يفسر على مقتضى النحو العربي، وإن لم يذكر مسائل النحو، فالشيخ السعدي رحمه الله تعالى كمثال لما ننظر إلى تفسيره لا نجد فيه مسائل نحوية، هل معنى ذلك أن تفسيره يخالف قواعد النحو؟ نقول: لا، لكن الإشكالية هنا أن بعض من تعرض للتفسير أدخل الخلاف النحوي في التفسير، فبعض من يقرأ في التفسير يفهم أن هذا الخلاف النحوي هو المراد بقولهم: أن يكون عارفاً بالنحو، نقول: لا، الخلاف النحوي الذي دخل في كتب التفسير هذه ليس من علم التفسير، وإنما محله كتب النحو، وإنما يؤخذ من علم النحو بقدر ما يُفهم به الخطاب العربي الموجود في القرآن، أما ما زاد على ذلك من التشقيقات والتدقيقات في علم النحو فمحلها كتب النحو.

مراد الشاطبي رحمه الله في كون علوم الآلة قد تكون حائلة عن مقصود الخطاب القرآني

وهنا نقول: ما ذكره الشاطبي لما قال: (فإنه حائل بين الإنسان وبين المقصود من الخطاب): مثل هذه المسائل وإيرادها في كتب التفسير قد تكون حائلة عن المقصود، بحيث أن الإنسان ينشغل بالقضايا النظرية المرتبطة بالنحو القرآني، ويترك المقصد الأسمى وهو الاهتداء بالقرآن.

وقس على ذلك غيره من العلوم، مثل: علم البلاغة، فالإغراق في البلاغة قد يكون مبعداً عن تفهم وتطبيق القرآن الذي أشار إليه الشاطبي لما قال: (ثم التعبد بمقتضاه).

إذاً: هذه العلوم أخذها بحظ مناسب هو الصحيح، وأما الإغراق فيها فقد يكون مبعداً عن التعبد بمقتضى القرآن، ونحن ندرس هذه العلوم؛ لكي ننطلق من الخلاف النحوي إلى فهم المعنى، والوااأولون من الصحابة والتابعون وأتباع التابعين، ومن فسر القرآن من المتقدمين ينطلقون من المعنى إلى القضية النحوية، فنحن نشترط معرفة مبادئ النحو لأننا لا نستطيع أن نفهم كل شيء إلا من هذا الطريق، ولكن إذا رجعت مثلاً إلى كتاب أبي حيان أو الدر المصون، في الخلاف النحوي وجدت أنها تتركب من هذا الخلاف النحوي، وهي معانٍ غير مرادة من هذا الكتاب العزيز، قد نبه على هذا بعض العلماء، ومنهم أبو حيان رحمه الله تعالى، مع أنه نبه على أنه سيترك كثيراً من الإعرابات الشاذة وغيرها من الإعرابات، إلا أنه مع ذلك قد يذكر من الإعرابات ما يكون المعنى فيه مخالفاً للمعنى الأول.

فإذاً تكثير هذه الخلافات يخرجنا عن المعاني الأولى إلى المعاني التي هي أقل من ذلك، فالمشكلة ما زالت باقية في مثل هذه، وهذه للمجرب الذي قد جرب أو دخل في خلافات النحو، وربطها بالمعاني سيتضح له ذلك.

ولعلنا نرجع إلى قوله سبحانه وتعالى: وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ [البقرة:217]، في تفسير ابن جرير الطبري ، وقد أطال الكلام في ذلك، وذكر خلافات النحويين فيها، ثم نبه على أن أصح هذه الإعرابات ما كان موافقاً لقول السلف.

فانظر ما هي المعاني التي ستتركب من خلال الخلاف النحوي؟

وما هو المعنى الأول الذي هو موافق لمعنى السلف؟ فهذا الإشكال الذي أريد أن ننتبه له.

مراتب العلوم بالنظر إلى اهتمام السلف بها

وعندنا مسألة أيضاً مفيدة في قضية العلم، لما قال: (ولم يشتغل بالتفقه فيه سلف هذه الأمة). هل من شرط العلم أن يكون متفقهاً فيه عند سلف الأمة؟

يعني: من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين أم لا؟

نقول: من ناحية ترتيب العلوم، فإذا كان مما اعتنى به سلف الأمة فلا شك أن هذا في المقام الأول، وهذا لا خلاف في كونه مراداً لذاته، ولكن لما نأتي إلى علم المبهمات مثلاً أي: مبهمات القرآن، ما اعتنى به سلف الأمة، ولكن في آثارهم إشارة إلى هذا العلم تدل على أنهم تكلموا في المبهمات.

مثال المبهمات: ابن عباس يقول: (مكثت سنة أريد أن أسأل عمر عن المتظاهرتين من هما) حتى تحين فرصة وهو ذاهب مع عمر إلى الحج، وطلب منه أن يحظر له وضوءاً؛ فسأله في ذلك الموقف، وهذا فيه إشارة إلى عناية السلف، فإن لم تظهر العناية؛ فأقل ما يمكن أن نقول: إنه يكون له أصل في كلام السلف، وهذا في المرتبة الثانية.

تأتي المرتبة الثالثة وهي: إذا لم نجد للسلف فيه كلاماً؛ فكيف نعرف أنه من العلوم الحسنة أو من العلوم غير الحسنة؟ أي ما هو الميزان في ذلك؟ مثلاً علم البلاغة؛ هل نجد له في آثار السلف شيئاً؟ قد نجد لهم كلاماً يحيله العلماء على معنى البلاغة، ولكن إن لم نجد لهم كلاماً؛ فنسأل عن علم البلاغة، هل له أثر حسن أو ليس له أثر حسن؟ أي: ما هو أثره الحسن فيما يتعلق بالقرآن؟

نقول: إن أثره الحسن هو إظهار إعجاز القرآن البلاغي، فلو قيل: إن علم البلاغة لم يتكلم فيه السلف؛ نقول: لكنه مطلب؛ لكني يتبين به إعجاز القرآن، ولكن علم الفلسفة أو علم المنطق، الأصل أنه لا يحتاج إليه في العلوم الإسلامية، وبهذا لو فقد عالم مسلم علم الفلسفة أو علم المنطق فلا تنقص مادته العلمية أو طريقته في أداء العلم.

فإذاً نقول: إن علم الفلسفة أو علم المنطق لا يلزم تعلمه، بخلاف علم البلاغة.

فالمقصد من ذلك أننا نقول: إنه لا يلزم أن يكون كل علم تكلم فيه المتأخرون أن يكون مما اعتنى به السلف، فإن كانوا اعتنوا به فلا شك أن فيه دلالة واضحة وظاهرة على أهميته، فإن وجدنا له أصلاً في كلامهم - وإن لم يكن كثيراً - دل على صحة تعلمه، فإن وجدنا له أثراً حميداً في فهم القرآن أو ما يتعلق به فإنه يدل أيضاً على أهميته، وأنه يكون من العلوم التي يحسن تعلمها؛ لأن الشاطبي رحمه الله تعالى كثيراً ما يعول على هذه القضية، وهو كون العلوم مما اشتغل بها السلف.

أثر الكنايات في فهم معاني الآيات

واستثنى من ذلك قوله سبحانه وتعالى، فقال: (وذلك بخلاف كناية في قوله: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43]، أو قوله: كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ [المائدة:75] وهذا من الكناية والاستعارة، وهو يرى أنها من العلوم التي اعتنت بها العرب، فما المراد بقوله: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43]؟ كأنه يقول: ليس المراد اللمس المعروف، وإنما المراد به المباشرة بالجماع.

كذلك قوله: كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ [المائدة:75]، هل المراد الإخبار عن أكلهما للطعام فقط، أو عن لازم هذا الأكل؟ الجواب: هو إخبار عن أكلهما وعن لازم هذا الأكل؛ فكأن هذا فيه نوع من العفة في ذكر بعض القضايا التي لا يحسن ذكرها.

فيرى الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى أن هذا وما أشبهه شائع في كلام العرب مفهوم من مساق الكلام، معلوم اعتباره عند أهل اللسان ضرورة.

أما التجنيس ونحوه، فهل التجنيس أو الترصيع أو الطباق أو غيره يخدم المعنى أو لا يخدمه؟ هو يرى أنها لا تخدم المعنى، بخلاف الكناية أو الاستعارة فإنها تخدم المعنى.

فإذاً: الضابط في علم البلاغة عنده أن ما خدم المعنى فإنه محمود مطلوب، وما لم يخدم المعنى فإنه بخلاف ذلك.

قال: (إذ ليس في التجنيس ذلك والشاهد عليه..) قال: (ندور عن العرب الأجلاف البوالين على أعقابهم كما قال أبو عبيدة .. ).

بيان هذا هو أنه أخذ من كلام أبي عبيدة (البوالين على أعقابهم)، والعبارة التي ذكرت في ترجمة أبي عبيدة لما كتب مجاز القرآن أتى إليه أبو عمر الجرمي ، وقال: من أين جئت بهذا فإنه خلاف تفسير الفقهاء؟ قال: هذا أخذته عن العرب الأجلاف البوالين على أعقابهم، يقصد بذلك أنه أخذه من شواهد الشعر العربي، فإذاً: نحن أخذناه بهذه المعاني من كلام العرب مباشرة.

ومن خلال الكلام الذي طرحه الشاطبي رحمه الله تعالى يحسن قراءة المقدمات التي تقدم بها الكتاب، فعنده نظر للعلم الذي يحسن أن يُتعلم، وهو ما يكون فيه أثر علمي على المتعلم، وأن أي علمٍ يراد به القضايا الذهنية، ولا يكون له أثر عملي فإنه لا يعده من العلوم المستحسنة؛ لأن المراد الأول من كتاب الله سبحانه وتعالى هو أن يُفهم وهذه مرحلة التفسير، والمراد الثاني: أن يستنبط منه ما يُحتاج إليه في التكليف، والمرحلة الثالثة: هي التطبيق، يعني: تطبيق هذا القرآن.

إذاً عندنا المراحل الثلاث: فهم المعنى، والتدبر الذي يدخل فيه الاستنباط والتطبيق.

والمصنف أشار إلى هذه المرحلة التي هي مرحلة التطبيق فقال: [وأيضاً فإنه حائلٌ- يعني: الإفراط- بين الإنسان وبين المقصود من الخطاب من التفهم لمعناه، ثم التعبد بمقتضاه].

هذه القضية فيها تداخل، ومثل هذه القضايا مشكل، فإذا نظرنا إلى الصنف الأول الذي ذمه، قال: [الذين أخذوه على التفريط قصروا في فهم اللسان الذي جاء به].

فإذاً: عندنا كل من قصر في فهم اللسان في أي طائفة من الطوائف، وإن كان يظهر -كما قال المصنف- عند الباطنية أكثر، فإنهم يعتبرون ممن قد أخل بفهم هذا الكتاب، إذاً هذا هو القسم الأول.

ولو تأملنا الزمن الذي نعيشه، وبعض التفسيرات للقرآن التي تخرج، ولو كانت تفسيرات جزئية، سنجد بالفعل أن هناك خللاً من هذه الجهة، وأن بعض من يتعاطى تفسير الآيات يكون عنده خلل من جهة اللسان الذي نزل به، فكل من حمل القرآن على ما لم تدل عليه اللغة فإنه مقصرٌ فيه من هذه الجهة؛ لأن الله سبحانه وتعالى أنزله قرآناً عربياً، فلا يمكن أن يُفهم القرآن بلغة غير لغة العرب، فتفسيره بالمصطلحات الحادثة يعتبر من باب التقصير باللسان.

والباطنية عندما نتأمل تفسيراتهم والأمثلة في اشتراط الكبيرة، سنجد بالفعل أنها خارجة عن اللسان، ولا يدل عليه اللسان بحال، مثلما يفسر بعضهم قوله سبحانه وتعالى: وَالشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ [الإسراء:60]، يقول: إن الشجرة الملعونة في القرآن هي عائشة ! -عليه من الله ما يستحق-، وهذا إذا جئنا إليه من جهة اللسان لا يستقيم، فهذا تقصير من هذه الجهة.

الآخرون الذين أخذوه من جهة الإفراط، بمعنى أنهم تجاوزوا الحد في فهم اللسان العربي المراد في القرآن.




استمع المزيد من صفحة د. مساعد الطيار - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [7] 4004 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [4] 3345 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [3] 3149 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [12] 2948 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [8] 2919 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [9] 2789 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [6] 2738 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [5] 2175 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [13] 1692 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [2] 1671 استماع