شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [4]


الحلقة مفرغة

طريقة تعريف القرآن بالأحكام الشرعية

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى من والاه، أما بعد:

قال الشاطبي رحمه الله تعالى: [ المسألة الخامسة:

تعريف القرآن بالأحكام الشرعية أكثره كلي لا جزئي، وحيث جاء جزئياً فمأخذه على الكلية إما بالاعتبار، أو بمعنى الأصل؛ إلا ما خصه الدليل مثل خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.

ويدل على هذا المعنى بعد الاستقراء المعتبر أنه محتاج إلى كثير من البيان؛ فإن السنة على كثرتها وكثرة مسائلها إنما هي بيان للكتاب، كما سيأتي شرحه إن شاء الله تعالى، وقد قال الله تعالى: بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، وفي الحديث: ( ما من نبي من الأنبياء إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي؛ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة )، وإنما الذي أعطي القرآن، وأما السنة فبيان له.

وإذا كان كذلك؛ فالقرآن على اختصاره جامع، ولا يكون جامعاً إلا والمجموع فيه أمور كليات؛ لأن الشريعة تمت بتمام نزوله لقوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3]، وأنت تعلم أن الصلاة والزكاة والجهاد وأشباه ذلك لم يتبين جميع أحكامها في القرآن، إنما بينتها السنة، وكذلك العاديات من الأنكحة والعقود والقصاص والحدود وغيرها.

وأيضاً، فإذا نظرنا إلى رجوع الشريعة إلى كلياتها المعنوية، وجدناها قد تضمنها القرآن على الكمال، وهي الضروريات والحاجيات والتحسينيات ومكمل كل واحد منها، وهذا كله ظاهر أيضاً؛ فالخارج من الأدلة عن الكتاب هو السنة والإجماع والقياس، وجميع ذلك إنما نشأ عن القرآن، وقد عد الناس قوله تعالى: لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ [النساء:105]، متضمناً للقياس، وقوله: وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [الحشر:7]، متضمناً للسنة، وقوله: وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:115]، متضمناً للإجماع، وهذا أهم ما يكون.

وفي الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: ( لعن الله الواشمات والمستوشمات.. إلى آخر الحديث، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد، يقال لها أم يعقوب ، وكانت تقرأ القرآن؛ فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت كذا وكذا؟ فذكرته؛ فقال عبد الله : وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله؟! فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته! فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله, عز وجل: وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] ).. الحديث، و عبد الله من العالمين بالقرآن ].

هذه المسألة الخامسة لها ارتباط وثيق بأصول الفقه، وهي وإن كانت من علوم القرآن، إلا أن ارتباطها الوثيق بأصول الفقه أكثر.

وما يتكلم عنه الشاطبي هنا رحمه الله تعالى هو قضية الأحكام الشرعية التي في القرآن، كما ذكر أن أكثرها كلي لا جزئي، وقال: فمأخذه على الكلية، إما بالاعتبار وإما بمعنى الأصل، إلا ما خصه الدليل، فالاعتبار كما قال شارح الكتاب الدكتور دراز أن المراد: المآلات، وبمعنى الأصل: القياس، إلا ما خصه الدليل مثل خصائص النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الخصائص لا تؤخذ لا بالقياس ولا بالمآلات، وإنما تؤخذ بالنص، وما ذكره الإمام الشاطبي بعد ذلك يشير إلى هذا المعنى؛ لأن قوله سبحانه وتعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، هذا يدل على الحاجة إلى الكتاب للسنة؛ ولهذا كما ورد عن الإمام الشافعي أنه قال: السنة مبينة للقرآن، وفي عبارة أخرى قال: إن ما أفتى به الرسول صلى الله عليه وسلم أو قضى به فإنما فهمه من الكتاب، يعني كأنه صار الكتاب أصلاً، والنبي صلى الله عليه وسلم شارحاً لهذا الكتاب.

وهذا لا يقع فيه خلاف عند علماء المسلمين كون السنة شارحة للكتاب وكون النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً للكتاب؛ فليس فيه خلاف.

مدى استيعاب القرآن لجميع أحكام الشريعة

لكن النظر هنا في استيعاب القرآن كل الأحكام. هذه الفكرة التي طرحها الإمام هنا لو تتبعت في كتاب الموافقات؛ لأمكن جمع أطراف هذا الموضوع، وقد أشار إليها في عدد من المواطن في كتابه هذا، وأشار أيضاً إلى صنيع بعض العلماء الذين قصدوا أن يذكروا لمسائل الفقه أو أصول مسائل الفقه أدلة من الكتاب؛ بناءً على قوله سبحانه وتعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38]، على أن المراد بالكتاب وهو أحد وجوه التأويل: القرآن؛ فإذا أخذنا بهذا النظر وقلنا بأن قوله: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38] المراد به القرآن؛ فإن المراد هنا الكليات وليس الجزئيات، بمعنى أنه لا يوجد أصل في الدين إلا والكتاب قد أشار إليه، إما نصاً وإما إشارة، وهذا ما عمله هذا العالم الذي أبهمه الإمام الشاطبي لما تكلم عنه في موطن من المواطن.

ولو رجعنا إلى بعض المفسرين فسنجد أن الإمام القرطبي رحمه الله تعالى قد عمد إلى شيء من هذا، فقد حرص على أن يذكر ما يدل على أبواب الفقه من القرآن؛ ولهذا عندما جاء إلى باب السكنى أورده عند قوله سبحانه وتعالى: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة:35]، وأحكام اللقطة أيضاً ذكرها في آية أخرى، في قوله: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ [القصص:8]، وكل هذا من باب أنه أراد أن ينبه على أن القرآن يدل إما دلالة صريحة، أو إشارة إلى مسائل الفروع، وإن كان هذا ليس لازماً فقد انتقده الإمام رحمه الله تعالى في موطن آخر، إلا أن المقصد أن هذه الفكرة كانت موجودة عند بعض علماء المسلمين واجتهدوا في أن يطبقوها من خلال كتبهم.

ثم ذكر بعد ذلك مسألة ثانية وهذا استدلال آخر على تعريف القرآن بالأحكام تعريفاً كلياً، قال: (فإذا نظرنا إلى رجوع الشريعة إلى كلياتها المعنوية وجدناها قد تضمنها القرآن على الكمال، وهي الضروريات والحاجيات والتحسينات ومكمل كل واحد منها)، وهذا كله ظاهر أيضاً.

أدلة أصول الاستدلال

ثم ذكر الاستدلال على أصول الأدلة، فالكتاب نفسه يدل على نفسه، والذي يدل على القياس قوله: لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ [النساء:105]، فاستنبط من قوله: (أراك) وأدخله في باب القياس وفي قوله: وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [الحشر:7]، دليل على السنة، وقوله: وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:115]، دليل على الإجماع، وهنا يحسن التنبه إلى أن الاستدلال بهذه الأدلة يكون أحياناً من باب اللطائف والملح، وليس من باب متين العلم، أي: لا يحسن الاعتراض عليها من الجهة العلمية الدقيقة، مع أنه قد يكون حالة تحرير، فأحياناً يقع في بعض الأدلة إشكال، لكن نقول: الاستدلال هذا من باب الملح، وباب الملح أوسع من باب متين العلم، فلو اعترض معترض فنقول: ليس الدليل على أن هذه من الأصول، هذا الدليل فقط، بحيث أنه إذا سقط سقط على الأصل، فأدلة كون القياس معتبراً في الشريعة، ليس فقط في هذا الدليل، وكذلك أدلة كون الإجماع معتبراً في الشريعة ليس فقط في هذا الدليل فما دام ليس هذا الدليل، فالاستدلال بمثل هذه الأدلة التي قد يأتي بعض العلماء ويضعفها؛ إنما الاستدلال بها من جهة الاستئناس، واستنباط هذا المعنى من هذه الآيات من باب اللطائف والملح؛ فإن لم تصح في ذاتها من الجهة العلمية، أي: المناقشات العلمية، فلا يعني سقوط الأصل الذي هو كون الإجماع حجة معتبرة، ومعلوم أن العلماء حينما يتكلمون عن مسألة من المسائل؛ فإنهم يحشدون لها الأدلة؛ فيذكرون الأدلة القوية والضعيفة، والأدلة التي يستأنس بها؛ فيذكرونها جملة؛ فنقض أحد هذه الأدلة خصوصاً من الأدلة الضعيفة وغيرها لا يدل على نقض أصل المسألة، وهذه قضية يحسن بطالب العلم التنبه لها.

ذكر الرؤى في الأدلة

فأحياناً قد تجدون من نهج العلماء والتي يعدها بعض الناس من الغرائب، مثل: الرؤى في فلان أو في فلان، فلما نأتي إلى هذا الموضوع الذي هو باب الرؤى في كتب العقائد، هل يحتج بالرؤى في مثل هذه المسائل؟

الجواب: لا؛ لأن ذكرهم مثلاً للرؤى في باب الاحتجاج على بعض أصحاب العقائد ليس استدلالاً أصيلاً، وإنما يذكرونه حتى بعد الاستئناس، وليس من جملة الاستئناس، وأرى أنه دون الاستئناس، أي: مجرد مكمل له، مثل ما يروى أن عمرو بن عبيد عفا الله عنه رؤي وهو يحك كلمة من المصحف، أو رآه آخر وهو يصلي والكعبة خلفه، أو أمثلة من هذه، وهي كلها تشير إلى ابتداعه، فنحن لا نثبت ابتداع عمرو بن عبيد وأنه كان معتزلياً؟ بهذه الرؤى التي ساقوها بل عندنا أدلة مستقلة؛ فذكر هذه الرؤى والمنامات في الأخير ليست من باب الاستدلال المحض، وإنما هي مما يحشد حال ذكر الأدلة؛ فإذاً هذه قضية يحسن بطالب العلم أن ينتبه لها، وهذا عند العلماء المحررين المعتبرين، بخلاف بعض الفرق الذين يعتبرون الرؤى أصلاً يعتمدون عليه، فهنا فرق بين الرؤى عند بعض العلماء المعتبرين كـاللالكائي فإننا نجد أنه أحياناً يعقد باباً في الرؤى، لكنه لا يعتمد عليها في إثبات قضية علمية أو شرعية. بل يذكرها من باب المكملات، بحيث لو سقطت هذه الرؤى أو لم تعرف لا تؤثر على أصل المسألة، لكن بعض الفرق يجعلون الرؤى أصلاً يقننون به ويلزمون به، إذاً هناك فرق بين المنهجين.

وإنما أردت أن أشير إلى هذه المسألة؛ لأنها مسألة علمية مهمة جداً، لما يقرأ الإنسان في كتب أهل العلم وهو لا يعرف تصنيف الأدلة عندهم، وما هي الأشياء المقدمة عندهم إما قد يستغرب وهذا طبيعي أن يستغرب وإما أن يستنكر، وهو أشد من الاستغراب، وإما أن يعترض اعتراضاً شديداً، ويتهم هؤلاء بعدم الفهم، وهذا مشكلة فلابد من فهم مناهج العلماء في التأليف فإن العالم قد يذكر أدلة قوية ثم يذكر أدلة ضعيفة استئناساً.

فإذا أردت أن تحرر مسألة وتركت هذه المسائل فلا أحد سيلومك، فإذا التزمت بالمنهج فهذا منهجك، ويحسن بك إذا أردت أن تدرس مناهج العلماء أن تعرف طريقتهم، وأن تتأدب فيما لو أردت أن تعترض عليهم؛ ففهم هذ مهم جداً.

والمسألة تطول، لكن لعل في هذه الإشارة ما يكفي.

استنباط ابن مسعود لعن الله للواشمة من القرآن

ثم ذكر المؤلف حديث ابن مسعود في أوله: ( لعن الله الواشمات والمستوشمات )، وذكر المرأة التي كانت تقرأ القرآن، وابن مسعود توفي سنة 32 أو سنة 35، على خلاف، فهذه المرأة سألت ابن مسعود قبل سنة خمس وثلاثين.

فهذه المرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب ، قالوا: كانت تقرأ القرآن، أي أنها: قد حفظته؛ ولهذا لما بلغها أن ابن مسعود : لعن الواشمة والمستوشمة، وجعلها من كتاب الله، فاستنكرت، وقالت: أنا قرأت كتاب الله، لا يوجد فيه لعن للواشمة والمستوشمة، من أين جئت بهذا؟! فأخبرها بطريقة تركيب، الدليل وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لعن الواشمة والمستوشمة، والله في كتابه يقول: وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [الحشر:7]؛ فكأن لعن الرسول صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة في كتاب الله، مأخوذ من قوله: وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، فهذا من لطيف علم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ ولهذا قالوا بأنه من العالمين بالقرآن.

وهنا فائدة مرتبطة بتاريخ القرآن وبتاريخ المصحف، فهذه المرأة قبل سنة 35هـ كانت تقرأ القرآن وتحفظه؛ ولهذا تقول: قرأت ما بين لوحي.. وفي رواية: ما بين دفتي المصحف؛ إذاً كانت صاحبة مصحف وكانت تقرأ فيه، والذي قرأ من المصاحف في ذلك الزمن أقل ممن قرأ من جهة الحفظ، نعم.

طرق الاستنباط من القرآن

الملقي: قال رحمه الله: [ فصل:

فعلى هذا لا ينبغي في الاستنباط من القرآن الاقتصار عليه دون النظر في شرحه وبيانه وهو السنة؛ لأنه إذا كان كلياً وفيه أمور كلية..

وفيه جملية،مور جملي كما في شأن الصلاة والزكاة والحج والصوم ونحوها؛ فلا محيص عن النظر في بيانه، وبعد ذلك ينظر في تفسير السلف الصالح له إن أعوزته السنة؛ فإنهم أعرف به من غيرهم، وإلا فمطلق الفهم العربي لمن حصله يكفي فيما أعوز من ذلك، والله أعلم ].

هذا في باب الاستنباط من القرآن، قال: (فعلى هذا لا ينبغي في الاستنباط من القرآن الاقتصار عليه دون النظر في شرحه وبيانه وهو السنة..) فهذا له علاقة بما يسمى اليوم بالتفسير الموضوعي، في الاقتصار على القرآن في استنباط بعض الأمور، دون الاعتماد على السنة أو الاعتماد على فهم السلف الصالح، أو الاعتماد على اللسان العربي؛ فلا شك أنه يورث قصوراً في الاستنباط.

قد يقول قائل: ما علاقة قضية التفسير الموضوعي؟ نقول: إذا كانت في التفسير الموضوعي اقتصار على القرآن فقط في أمور لها مكملات ولها شارحات في السنة، أو في كلام السلف، أو في اللسان العربي، ولم يطلع عليها الباحث في التفسير الموضوعي؛ فإنه سيكون في بحثه تقصير؛ ولهذا نقول: إن الأولى أن يتمم في النظر في هذه المصادر.

إذاً عندنا المصدر الأول: الكتاب الذي اعتمده، ثم المصدر الثاني الذي ذكره وهو السنة، ثم تفسير السلف الصالح، ثم اللغة.

فيمكن أن يكون شبيهاً بما طرحه شيخ الإسلام فيما يتعلق بأحسن طرق التفسير، لكن شيخ الإسلام لما تكلم في مقدمته في أصول التفسير كان يتكلم عن أحسن طرق التفسير؛ وأحسن طرق التفسير على الترتيب، هي: القرآن، ثم السنة، ثم أقوال الصحابة، ثم أقوال التابعين، وأشار إشارة سريعة إلى ما يتعلق بقضية اللغة في آخر كلامه عن التابعين في أن اللغة مرجح بين أقوال التابعين.

لكن كلام الشاطبي هنا عن الاستنباط، والاستنباط غير التفسير، لكن في النهاية فيه نوع من تقارب المصادر التي ذكرها شيخ الإسلام، والتي ذكرها الإمام الشاطبي أيضاً.

أهمية فهم السلف في الاستنباط من القرآن

قال: إن أعوزته السنة، أي: لم يجد في السنة ما يدل على الحكم الذي يريده يرجع إلى فهم السلف الصالح، قال: فإنهم أعرف به من غيرهم، وهذه قضية مهمة جداً، وهي كما أشار إليها الراغب الأصفهاني ، فــالراغب مشهور بالتفسير ولا يختلف أحد في علمه وفقهه، فقد أشار إلى هذه الفكرة، وهي أن المسلم يحسن به إذا رأى شيئاً وراداً عن السلف ألا يستعجل في رده، وأن يتهم نظره أمام نظرهم.

وكذلك أشار إليها ابن فارس في كتابه الصاحبي في فقه اللغة لما ناقش الأحرف المقطعة.

والمقصد من ذلك أن هذه المسألة هي من المسائل الكلية التي يحسن بطالب العلم أن يتأدب بها، وهي: أنهم أعرف بالقرآن من غيرهم، فلا يتصور أن يأتي متأخر ويكون أعرف بمعاني القرآن من الصحابة والتابعين؛ لأن هؤلاء هم الذين شاهدوا أحوال نزول القرآن، وأحوال من نزل فيهم، وهم أهل اللسان، فكيف يتصور أن يكون من جاء بعدهم أكثر إدراكاً للمعاني أو لما يستنبط منهم؟!

والحاصل أنه إما أن يكون عندنا نقص في العلم، وهو ما يسمى الجهل بهذا المصدر، وإما نقص في فهم كلامهم، فلا يتصور في مسلم أن يجعل هؤلاء أصلاً له في التخلي عما قالوا لكن الذي يقع أنه لما يقرأ قد يجهل قولهم ولا يبحث ويتحرى، وإن علم قولهم قد لا يفهم قولهم على وجهه، أو أن يحمله على غير وجهه، أو أن يكون معرضاً عنه؛ فالمقصد من ذلك أنه يجب علينا أن نتأدب مع كلام السلف ونرجع إليه.

قد يقول قائل: هل معنى هذا أننا نقف عند كلامهم ولا نتعداه، سواءً في الاستنباط أو في فهم المعاني؟! نقول: لا، هذا شيء وهذا شيء ومقصدنا في هذا الأمر هو أن نجعل هذا أصلاً نرجع إليه، وأن نبني علمنا عليه، وألا ننقض ما ذكره السلف؛ خصوصاً إذا وقع عندهم إجماع؛ فإن وقع بينهم اختلاف فالأمر فيه سعة، إما أن يختار من أقوالهم على حسب الدليل، وإما أن يزاد على أقوالهم ما لا يبطل جملة أقوالهم، وقد سبق تحرير هذا من جهة التفسير، وعلى هذا سار العلماء المحررون من أهل السنة، واستنبطوا من القرآن معان لم يذكرها الصحابة والتابعون وأتباع التابعين، واعتمدوا على ما استنبطه الصحابة والتابعون وأتباع التابعين، وقد يختارون من أقوالهم، وقد يرجحون بين أقوالهم، كما فعل الطبري وغيره؛ فالمقصد أن هناك مسلكاً علمياً يحسن بنا أن نتعلمه.

أما أن يرد أو ألا يعتبر قول السلف جملة وتفصيلاً، أو أن نجعل أقوالهم مثل أقوال من جاء بعدهم وتقال العبارة المشهورة: "هم رجال ونحن الرجال" فنقول: لا يصح هذا وليس هذا هو منهج العلم في الإسلام، وإنما المنهج الذي صار عليه علماؤنا جيلاً بعد جيل، هو: الرجوع إلى هؤلاء واحترام أقوالهم واعتمادها في فهم كلام الله سبحانه وتعالى والاستنباط منه.

قال: (وإلا فمطلق الفهم العربي لمن حصله يكفي فيما أعوز..) وهذه قضية ركز عليها الإمام الشاطبي كثيراً، وهي فهم القرآن على اللسان العربي، وأشار إليها لما تكلم على أمية الشريعة.

الأدلة على بيان القرآن كافة أصول الشريعة

قال رحمه الله: [ المسألة السادسة:

القرآن فيه بيان كل شيء على ذلك الترتيب المتقدم؛ فالعالم به على التحقيق عالم بجملة الشريعة، ولا يعوزه منها شيء، والدليل على ذلك أمور، منها:

النصوص القرآنية، من قوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3].. الآية.

وقوله: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89].

وقوله: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38].

وقوله: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، يعني: الطريقة المستقيمة، ولو لم يكمل فيه جميع معانيها؛ لما صح إطلاق هذا المعنى عليه حقيقة.

وأشباه ذلك من الآيات الدالة على أنه هدى وشفاء لما في الصدور، ولا يكون شفاء لجميع ما في الصدور إلا وفيه تبيان كل شيء.

ومنها: ما جاء من الأحاديث والآثار المؤذنة بذلك؛ كقوله, عليه الصلاة والسلام: ( إن هذا القرآن حبل الله، وهو النور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن تبعه، لا يعوج فيقوم، ولا يزيغ فيستعتب، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الرد.. ).. إلى آخر الحديث؛ فكونه حبل الله بإطلاق، والشفاء النافع إلى تمامه دليل على كمال الأمر فيه.

ونحو هذا من حديث علي عن النبي عليه الصلاة والسلام، وعن ابن مسعود : (إن كل مؤدب يحب أن يؤتى أدبه، وإن أدب الله القرآن).

وسئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ( كان خلقه القرآن )، وصدق ذلك قوله: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]

وعن قتادة : ما جالس القرآن أحد إلا فارقه بزيادة أو نقصان، ثم قرأ: وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً [الإسراء:82].

وعن محمد بن كعب القرظي في قول الله تعالى: إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ [آل عمران:193]]، قال: هو القرآن، ليس كلهم رأى النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي الحديث: ( يؤم الناس أقرؤهم لكتاب الله )، وما ذاك إلا أنه أعلم بأحكام الله؛ فالعالم بالقرآن عالم بجملة الشريعة.

وعن عائشة : أن من قرأ القرآن؛ فليس فوقه أحد.

وعن عبد الله ، قال: إذا أردتم العلم؛ فأثيروا القرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين.

وعن عبد الله بن عمرو قال: من جمع القرآن؛ فقد حمل أمراً عظيماً، وقد أدرجت النبوة بين جنبيه، إلا أنه لا يوحى إليه، وفي رواية عنه: من قرأ القرآن؛ فقد اضطربت النبوة بين جنبيه، وما ذاك إلا لأنه جامع لمعاني النبوة، وأشباه هذا مما يدل على هذا المعنى ].

هذه المسألة فيها أدلة وهي كما ذكر أنها متممة أو مبنية لما سبق، فقوله سبحانه وتعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3]، استدل بها على أن القرآن فيه بيان كل شيء، قال: وعلى ذلك الترتيب المتقدم، وهو أن القرآن يحتاج إلى السنة، لأنه قال: ذلك الترتيب المتقدم، القرآن ثم السنة؛ لأنه قبل هذه المسألة ذكر أنه لا يجوز الاقتصار على القرآن؛ مع أن بعض العبارات أشار فيها إلى نوع من الاقتصار على القرآن، لكن ليس هذا مراده، وإنما مراده على نفس الترتيب المتقدم؛ ولهذا لما استدل بقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً [المائدة:3]، فإنه قصر على أن القرآن فيه بيان كل شيء، واستدل بقوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3]، نقول: كأنه فسر (دينكم) بالقرآن، وهذا ليس مراده رحمه الله إنما مراده الأدلة هذه التي ذكرها القرآن فالسنة فأقوال الصحابة ففهم السلف فاللغة؛ فلذا لما قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3]، يدخل فيها القرآن ويدخل فيها السنة.

كذلك قوله تعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89]، أي: مضموماً إليه السنة، وكذلك لما استدل بقوله تعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ [الأنعام:38]، على أحد أوجه التفسير، وكذلك لما قال: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، فإذاً المقصد من ذلك أن هذه الأدلة ليس مراده رحمه الله أنها أدلة خاصة بالقرآن فقط، وإنما على نفس الترتيب السابق ذكره.

ثم ذكر أيضاً جملة من الأحاديث في نفس الموضوع وهي كون القرآن هو النور المبين، وهو الشفاء النافع، إلى أن ذكر بعض آثار السلف، منها ما سئلت عنه عائشة لما سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقالت: ( كان خلقه القرآن )، ويجوز كان خلق القرآن، أي: وجهان في الكلام، وهما جائزان، لكن المقصد أنها أحالت في خلق النبي صلى الله عليه وسلم إلى القرآن، ويشهد لذلك قوله سبحانه وتعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].

كذلك ذكر كلام محمد بن كعب القرظي وهو أحد الوجوه أيضاً تفسير: إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ [آل عمران:193]، ذكر أنه القرآن، وهناك قول: أن المراد به الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن لم يسمعه مباشرة فإنه سمعه عن من سمعه، ونحن سمعناه بما يتلى علينا من قوله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا هو معنى: إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ [آل عمران:193]، فيختلف درجة السماع بين المشاهد وهم الصحابة رضي الله عنه ومن جاء بعدهم ممن بلغ هذا السماع المباشر، فالمقصد من ذلك أن كل ما ذكره من هذه الآثار هو يعود على نفس النظام السابق الذي رتبه.

وقد أورد عن عبد الله بن مسعود أيضاً قوله: إذا أردتم العلم فأثيروا القرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين، وهذا ورد بألفاظ متعددة: من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن، وفي رواية: ثوروا القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين، وهذا الأثر من الآثار اللطيفة التي يحسن أن ينتبه لها طالب العلم، وهو أن السلف وهم يقرءون القرآن، كانوا يقرؤونه، ويثورون المسائل، أي كأن عندهم نوع من البحث والتنقيب عن المسائل في القرآن، ولا شك أن هذا نوع من التدبر؛ ولهذا جعل ابن مسعود رضي الله عنه الذي لعن الواشمة والمستوشمة هو الله سبحانه وتعالى، واعتمد على ذلك الدليل المركب الذي سبق قبل قليل، وهو نوع من أنواع تثوير القرآن، ولهذا لو كان للمسلم في قراءته للقرآن نوع من قراءة فيها أسئلة مشكلة عنده، فهذا هو ما يريده عبد الله بن مسعود ، ثم يحاول أن يبحث عن حل هذه الأسئلة.

وأيضاً بعد ذلك سيجد نفسه كلما قرأ القرآن يستجد له جديداً؛ لأنه في بعض الأحيان وهو يتتبع مثل هذه الطرائق يتعجب! كيف مرت به هذه الآية وما انتبه إلى أنها تحل عنده معنىً من المعاني التي قد غفل عنها في قراءته الأولى.. وهكذا، وهذا معنى قوله: ( لا تنقضي عجائبه )؛ إذاً فالمقصد من ذلك أن هذا الأثر الوارد عن عبد الله بن مسعود يعتبر من أصول التدبر، أي من الأصول الدالة على طريقة من طرائق التدبر، وهي تثوير العلم الذي في القرآن، يعني إثارة الأسئلة على الذهن حال قراءة القرآن، مثلاً: ما فائدة افتتاح أول كتاب الله سبحانه وتعالى بالحمد المطلق لله سبحانه وتعالى؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، ما هي الآيات التي ورد فيها الحمد؟ ولم يأتي الحمد؟ مساقات الحمد، ما هي؟ مثلاً هنا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، في آية تبتدئ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً [فاطر:1]، نأتي: الْحَمْدُ لِلَّهِ )) في سورة الأنعام الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [الأنعام:1]، نجد مجموعة مما ذكر فيها: الْحَمْدُ لِلَّهِ )) ثم يأتي بعدها موضوعات متعددة، قاصدين من ذلك أن الإنسان حينما يبدأ يسأل هذه الأسئلة ويسجلها، سيجد أنه خلال قراءته القرآن سنة بعد سنة، تكون عنده من الاستنباطات والفوائد واللطائف الشيء الكثير.

من الأدلة على شمول القرآن جميع الأحكام التجربة

قال رحمه الله: [ ومنها:

التجربة، وهو أنه لا أحد من العلماء لجأ إلى القرآن في مسألة إلا وجد لها فيه أصلاً، وأقرب الطوائف من إعواز المسائل النازلة أهل الظواهر الذين ينكرون القياس، ولم يثبت عنهم أنهم عجزوا عن الدليل في مسألة من المسائل، وقال ابن حزم الظاهري : كل أبواب الفقه ليس منها باب إلا وله أصل في الكتاب والسنة، نعلمه والحمد لله، حاش القراض؛ فما وجدنا له أصلاً فيهما ألبتة.. إلى آخر ما قال، وأنت تعلم أن القراض نوع من أنواع الإجارة, وأصل الإجارة، في القرآن ثابت، وبين ذلك إقراره عليه الصلاة والسلام وعمل الصحابة به ].

أشار إلى التجربة، فكأن هذا العالم يقول: إنه لم يحتج إلى القرآن في مسألة من مسائل الفقه إلا وجد لها أصلاً في الكتاب، إلا هذه المسألة التي هي مسألة: القراض، بالكسر.

فأرجعها الإمام الشاطبي إلى أنها باب من أبواب الإجارة؛ ودل عليها الكتاب؛ فكأنه يقول: كل مسائل الفقه هذه قد دل عليها الكتاب بالطريقة الكلية.

والطريقة الكلية التي سبق أن ذكرها بداية التنبيه على أن القرآن دل على هذه الأمور بالكلية وليس بالتجزئة، نعم.

الرد على من قال: إن بعض الأحكام إنما وجدت في السنة دون القرآن

[ ولقائل أن يقول: إن هذا غير صحيح؛ لما ثبت في الشريعة من المسائل والقواعد غير الموجودة في القرآن، وإنما وجدت في السنة، ويصدق ذلك ما في الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام: ( لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمرى مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدرى، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه )، وهذا ذم، ومعناه اعتماد السنة أيضاً، ويصححه قول الله تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59].. الآية، قال ميمون بن مهران : الرد إلى الله الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كان حياً، فلما قبضه الله؛ فالرد إلى سنته، ومثله: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً [الأحزاب:36].. الآية.

يقال: إن السنة يؤخذ بها على أنها بيان لكتاب الله؛ لقوله: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44], وهو جمع بين الأدلة؛ لأنا نقول: إن كانت السنة بياناً للكتاب؛ ففي أحد قسميها، فالقسم الآخر زيادة على حكم الكتاب؛ كتحريم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها، وتحريم الحمر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع.

وقيل لـعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: (هل عندكم كتاب؟ قال: لا، إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة. قال: قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وألا يقتل مسلم بكافر)، وهذا وإن كان فيه دليل على أنه لا شيء عندهم إلا كتاب الله؛ ففيه دليل أن عندهم ما ليس في كتاب الله، وهو خلاف ما أصلت ].

نلاحظ أن الشاطبي رحمه الله تعالى يذكر الاحتجاج وقد يطول؛ لأن قوله: ولقائل: أن يقول.

عندنا في قوله: ويقال: إن السنة يؤخذ بها.. المحقق أشار إلى الكلام لـدراز أنه: ولا يقال؛ لأن هذا المعترض يقول: لا يعترض علي بهذا القول، أنه يوجد في السنة بعض الأحكام التي لم ترد في القرآن.

فالجواب: نعم.

قال: [ والجواب عن ذلك مذكور في الدليل الثاني، وهو السنة بحول الله.

من نوادر الاستدلال القرآني

ومن نوادر الاستدلال القرآني ما نقل عن علي : أن أقل الحمل ستة أشهر انتزاعاً من قوله تعالى: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً [الأحقاف:15]، مع قوله: وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ [لقمان:14].

واستنباط مالك بن أنس أن من سب الصحابة فلا حظ له في الفيء من قوله: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا [الحشر:10].. الآية، وقول من قال: (الولد لا يملك) من قوله: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ [الأنبياء:26]، وقول ابن العربي : (إن الإنسان قبل أن يكون علقة لا يسمى إنساناً) من قوله: خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ [العلق:2].

واستدلال


استمع المزيد من صفحة د. مساعد الطيار - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [7] 4001 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [3] 3147 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [12] 2946 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [8] 2913 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [9] 2787 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [6] 2737 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [11] 2650 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [5] 2172 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [13] 1689 استماع
شرح قسم الكتاب من الأدلة الشرعية [2] 1669 استماع