خطب ومحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
خطورة الولاء الفكري لأعداء الله
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن منهج التربية الإسلامية ينبغي أن يكون متكاملاً للفرد المسلم، فيعرف معاني كلام الله ومعاني حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك ينبغي أن يلمَّ بتاريخه الإسلامي، وينبغي أن يكون واعياً لما يدبره أعداء الإسلام من كيد للمسلمين، والذين يغفلون الجانب الأخير من جوانب التربية -وهو تربية الفرد المسلم على الوعي، وعلى ضرورة تتبع مخططات أعداء الإسلام- يخسرون كثيراً؛ لأنهم سيعيشون في زاوية مظلمة لا يشعرون بما يحاك حولهم، وهذا المعنى أيها الإخوة مهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على فضح مكائد اليهود وخطط المنافقين، وكان القرآن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مبيناً هذا الأمر.
السبب في ملاحقة المسلمين لحضارة الغرب
لقد نشأت أجيال من المسلمين في هذا العصر تتبنى آراء الكفرة وتعتقد بها وتدعو إليها، وحصلت نتيجة هذا ونتيجة نشرهم لأفكارهم في أوساط المسلمين أضرار عظيمة على المسلمين، لا نزال نلمسها بين حين وآخر حتى في بيوتنا.
والأخذ من الكفرة وتبني مواقفهم دليل على الزيغ وعلى النفاق والعياذ بالله، والله عز وجل حذرنا أن نتولى الكفار، فقال سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] ومن يتولهم سواء أعانهم أو ناصرهم أو حماهم أو دافع عنهم أو تبنى أفكارهم أو دخل في عقدهم أو أقام بينهم محباً لهم: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51]، وقال عليه الصلاة والسلام: (من تشبه بقوم فهو منهم) أي: تشبه بأفكارهم أو بمظهرهم.
وكثير من أبناء المسلمين مع الأسف قد وقعوا فيما حذر الله ورسوله، فتبنى كثير منهم آراء الكفرة ودعوا إليها ونافحوا عنها، وربما كانوا أكثر حماساً من أصحابها الأصليين، وصادف ذلك جهلاً في أوساط المسلمين حملهم على التقليد الأعمى لهذه الشعارات والمذاهب التي طرحت في الساحة، والرسول صلى الله عليه وسلم حذرنا وقال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة -وفي رواية: حذو النعل بالنعل- حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، وحتى لو أن أحدهم نكح أمه علانية لكان في أمتي من يفعل ذلك) القذة: ريش السهم المجتمعة في النصل، فأنت تراها متتابعة ومتقاربة آخذ بعضها ببعض، وهكذا سيتبع كثير من المسلمين الكفرة كما أخبر عليه الصلاة والسلام متابعة شديدة لصيقة لما عليه الكفار من الآراء والمعتقدات، وهذا ما حصل وبالذات بشكل واضح في هذا العصر، حيث حصل من هذا التشبه وهذه المتابعة للكفرة ما لم يحصل في تاريخ المسلمين في أي زمان مضى.
ولذلك نجد أن حال المسلمين اليوم من الضعف والمهانة لم يصلوا إليها من قبل قط، وأحد الأسباب الرئيسية هي قضية (لتتبعن سنن من كان قبلكم) فتابعناهم في الأفكار والمعتقدات والمذاهب السائدة عندهم، وفي أشكالهم وهيئاتهم وملابسهم وطريقة حديثهم وكلامهم وهكذا.
بداية التخطيط للغزو الفكري
وعندما ندرس كيفية انتشار بعض المذاهب الهدامة في بلدان المسلمين كـالقومية مثلاً، فإننا سنجد أيها الإخوة أن المسألة بدأت من بعض الكفار الذين يعيشون في بلدان المسلمين كالنصارى مثلاً الذين لهم اتصال وثيق أصلاً بالكفار، فنقلوا مبادئ الكفار إلى بلدان المسلمين، وساعد هؤلاء -الطابور الخامس- الكفرة على ترحيل أجيال من أبناء المسلمين إلى بلدان الكفار ليتربوا هناك فينشئوا على الكفر ثم يعودوا إلينا.
ولذلك عندما تدرس أي مذهب هدام انتشر في بلدان المسلمين كـالقومية أو الشيوعية أو الوطنية أو زمالة الأديان أو المذاهب الأدبية الهدامة أو الدعوة لتحطيم اللغة العربية، تجد أنها نشأت في الأصل من اتصال وثيق بين مرتدين وكفرة يعيشون بين المسلمين وبين الكفرة في بلدان الكفار، ثم بعد ذلك انتقلت محلياً إلى أبناء المسلمين؛ فنشأ الآن جيل من أبناء المسلمين لا يحتاج الكفار بعد ذلك أن يخططوا كثيراً من أجل تقويته ومن أجل النفوذ إلى أوساط المسلمين؛ لأنه قد نشأ بين المسلمين من يحمل هذه الأفكار وينافح عنها ويدعو إليها.
وأساس البلاء أيها الإخوة هو مخالفة واضحة لذكر من أذكار الصباح والمساء الذي نقوله يومياً، وعدم اعتراف به، وهذا هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً) هؤلاء لم يرضوا لا بالله رباً، ولا بالإسلام ديناً، ولا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً، فلذلك استوردوا لنا هذه الأفكار ونقلوها إلينا، وكان بينهم وبين الكفرة اتصال وثيق -كما ذكرت آنفاً- تعبر عنه هذه الآية، يقول الله عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ [محمد:26].
تقولات لمن يوصمون بالولاء الفكري
فلنأخذ على سبيل المثال بعض الأمور التي انتقلت إلى بلدان المسلمين وصار لها خطورة واضحة جداً فمثلاً: الدعوة إلى الارتماء في أحضان الكفار وأخذ حضارتهم دون وعي ولا تمييز، عندما نأخذ شخصية مثل طه حسين الذي لقبوه بعميد الأدب العربي ورشح يوماً من الأيام لجائزة نوبل، هذا الرجل الذي ذهب إلى فرنسا وتربى هناك ورضع من ألبان الكفرة فكرياً، لما ألف كتابه: مستقبل الثقافة في مصر يقول فيه: بل نحن قد خطونا أبعد جداً مما ذكرت، فالتزمنا أمام أوروبا أن نذهب مذهبها في الحكم، ونسير سيرتها في الإدارة، ونسلك طريقها في التشريع، التزمنا هذا كله أمام أوروبا لأننا حريصون على التقدم والرقي.
وهذا سلامة موسى صديق طه حسين يقول متحدثاً عن نفسه: إنه شرقي مثل سائر مواطنيه، ولكنه ثار على الشرق -وهم يعبرون بكلمة الشرق عن بلاد الإسلام ومهبط والوحي وديار الرسالة الخاتمة- عندما أيقن أن عاداته تعوق التقاءه، ودعا إلى أن يأخذ الشرقيون بعادات الغربيين كي يقووا مثلهم. فهو إذاً يدعو صراحة إلى هذا.
ومن هؤلاء أيضاً: أحمد لطفي وصهره إسماعيل مظهر وقاسم أمين ؛ هؤلاء دعوا إلى نفس الفكرة أن نحذو حذو الكفار، وأن نأخذ الحضارة الغربية بحلوها ومرها، لكي نتقوى مثلهم.
هؤلاء هل هم يجهلون أن القوة في التمسك بالإسلام؟! أم أنهم يريدون أن يرسخوا في أذهان أبناء المسلمين هذه الحقيقة الكفرية، وكذلك احتقار الماضي الإسلامي وتربية الأجيال تربية لا دينية؟!
ويقول صاحب كتاب: مصر ورسالتها : عندما فتح العرب مصر .
انظر إلى الكيفية التي يعبرون بها عن إرادتهم لسلخ أبناء المسلمين عن ماضيهم، وعن تاريخهم الإسلامي، هم يريدون قطع الصلة بين النشء المسلم وبين التاريخ الإسلامي.
يقول: عندما فتح العرب مصر عام ستمائة وأربعين للميلاد كانت ولاية بيزنطية تحكم من القسطنطينية ، وعندما غزا الفرنسيون مصر عام (1798) وجدوها ولاية عثمانية تحكم من نفس القسطنطينية.
فبين عام (640) وبين (1798) تقريباً اثنا عشر قرناً، ألف ومائتا سنة، هذه الفترة التي حكمت فيها مصر حكماً إسلامياً من دخول المسلمين بقيادة عمرو بن العاص إلى مصر وحتى انتهاء سلطة الخلافة العثمانية على مصر باحتلالها.
يقول: لم يكن حالها عام (1798) بأحسن من حالها عام (640) كان الناس في بؤس وذل، وكان البلد في خراب، ثم يقول: فكأن اثني عشر قرناً من تاريخ ضاعت سدى، كأن هذه السنوات الكثيرة قد انقضت ونحن نيام بعيدين -هكذا على حد تعبيره- عن الوجود.
ثم يقول: شيء لم يحدث في تاريخ بلد مثل مصر أبداً، تصور اثني عشر قرناً ونصف تذهب سدى. معناها: هذه فترة الحكم الإسلامي في مصر كلها كانت هباءً منثوراً، ما استفادت منها البلد ولا شيء، فإذاً يقول: نحن نريد أن نستمر الآن ونبتدئ حياة جديدة بعد عصور الذل التي عشناها.
لقد سلخ أبناء الأمة المسلمين عن التاريخ الإسلامي وعن القيادات الإسلامية التي حكمتهم.
وموضوعنا في هذه الليلة يتصل بهذه القصية اتصالاً وثيقاً جداً، وهو موضوع له خطورة وشأن وحساسية، وهذا الموضوع هو: (خطورة الولاء الفكري لأعداء الله) وبعبارة أخرى: خطورة تبني أفكار الكفار.
لقد نشأت أجيال من المسلمين في هذا العصر تتبنى آراء الكفرة وتعتقد بها وتدعو إليها، وحصلت نتيجة هذا ونتيجة نشرهم لأفكارهم في أوساط المسلمين أضرار عظيمة على المسلمين، لا نزال نلمسها بين حين وآخر حتى في بيوتنا.
والأخذ من الكفرة وتبني مواقفهم دليل على الزيغ وعلى النفاق والعياذ بالله، والله عز وجل حذرنا أن نتولى الكفار، فقال سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] ومن يتولهم سواء أعانهم أو ناصرهم أو حماهم أو دافع عنهم أو تبنى أفكارهم أو دخل في عقدهم أو أقام بينهم محباً لهم: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51]، وقال عليه الصلاة والسلام: (من تشبه بقوم فهو منهم) أي: تشبه بأفكارهم أو بمظهرهم.
وكثير من أبناء المسلمين مع الأسف قد وقعوا فيما حذر الله ورسوله، فتبنى كثير منهم آراء الكفرة ودعوا إليها ونافحوا عنها، وربما كانوا أكثر حماساً من أصحابها الأصليين، وصادف ذلك جهلاً في أوساط المسلمين حملهم على التقليد الأعمى لهذه الشعارات والمذاهب التي طرحت في الساحة، والرسول صلى الله عليه وسلم حذرنا وقال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة -وفي رواية: حذو النعل بالنعل- حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، وحتى لو أن أحدهم نكح أمه علانية لكان في أمتي من يفعل ذلك) القذة: ريش السهم المجتمعة في النصل، فأنت تراها متتابعة ومتقاربة آخذ بعضها ببعض، وهكذا سيتبع كثير من المسلمين الكفرة كما أخبر عليه الصلاة والسلام متابعة شديدة لصيقة لما عليه الكفار من الآراء والمعتقدات، وهذا ما حصل وبالذات بشكل واضح في هذا العصر، حيث حصل من هذا التشبه وهذه المتابعة للكفرة ما لم يحصل في تاريخ المسلمين في أي زمان مضى.
ولذلك نجد أن حال المسلمين اليوم من الضعف والمهانة لم يصلوا إليها من قبل قط، وأحد الأسباب الرئيسية هي قضية (لتتبعن سنن من كان قبلكم) فتابعناهم في الأفكار والمعتقدات والمذاهب السائدة عندهم، وفي أشكالهم وهيئاتهم وملابسهم وطريقة حديثهم وكلامهم وهكذا.
وتبدأ القصة عندما وجد أعداء الإسلام الذين احتلوا بعضاً من بلدان المسلمين أو أجزاء كبيرة جداً من بلدان المسلمين، وجدوا أن القهر بالقوة لا يفيد في مسخ الشخصية الإسلامية، بل إنه سيتولد عنه جهاد إسلامي ضد هؤلاء المحتلين المعتدين، ففكروا مراراً وتكراراً -من يوم أن أسر ذلك الملك الكافر في المنصورة ثم أطلق سراحه- في كيفية وضع منهج يتغلغلون فيه في بلاد المسلمين حتى يطيحوا بعقيدة المسلمين، ويجعلوا أبناء المسلمين تبعاً وأذناباً لهم.
وعندما ندرس كيفية انتشار بعض المذاهب الهدامة في بلدان المسلمين كـالقومية مثلاً، فإننا سنجد أيها الإخوة أن المسألة بدأت من بعض الكفار الذين يعيشون في بلدان المسلمين كالنصارى مثلاً الذين لهم اتصال وثيق أصلاً بالكفار، فنقلوا مبادئ الكفار إلى بلدان المسلمين، وساعد هؤلاء -الطابور الخامس- الكفرة على ترحيل أجيال من أبناء المسلمين إلى بلدان الكفار ليتربوا هناك فينشئوا على الكفر ثم يعودوا إلينا.
ولذلك عندما تدرس أي مذهب هدام انتشر في بلدان المسلمين كـالقومية أو الشيوعية أو الوطنية أو زمالة الأديان أو المذاهب الأدبية الهدامة أو الدعوة لتحطيم اللغة العربية، تجد أنها نشأت في الأصل من اتصال وثيق بين مرتدين وكفرة يعيشون بين المسلمين وبين الكفرة في بلدان الكفار، ثم بعد ذلك انتقلت محلياً إلى أبناء المسلمين؛ فنشأ الآن جيل من أبناء المسلمين لا يحتاج الكفار بعد ذلك أن يخططوا كثيراً من أجل تقويته ومن أجل النفوذ إلى أوساط المسلمين؛ لأنه قد نشأ بين المسلمين من يحمل هذه الأفكار وينافح عنها ويدعو إليها.
وأساس البلاء أيها الإخوة هو مخالفة واضحة لذكر من أذكار الصباح والمساء الذي نقوله يومياً، وعدم اعتراف به، وهذا هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً) هؤلاء لم يرضوا لا بالله رباً، ولا بالإسلام ديناً، ولا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً، فلذلك استوردوا لنا هذه الأفكار ونقلوها إلينا، وكان بينهم وبين الكفرة اتصال وثيق -كما ذكرت آنفاً- تعبر عنه هذه الآية، يقول الله عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ [محمد:26].
والله يعلم المؤامرات التي حاكوها والدسائس التي دبروها، هؤلاء الذين يعيشون بين المسلمين قالوا للكفار: سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ [محمد:26] سنأخذ منكم ونتلقى عنكم ونتبنى مواقفكم وآراءكم ومذاهبكم ومعتقداتكم.
فلنأخذ على سبيل المثال بعض الأمور التي انتقلت إلى بلدان المسلمين وصار لها خطورة واضحة جداً فمثلاً: الدعوة إلى الارتماء في أحضان الكفار وأخذ حضارتهم دون وعي ولا تمييز، عندما نأخذ شخصية مثل طه حسين الذي لقبوه بعميد الأدب العربي ورشح يوماً من الأيام لجائزة نوبل، هذا الرجل الذي ذهب إلى فرنسا وتربى هناك ورضع من ألبان الكفرة فكرياً، لما ألف كتابه: مستقبل الثقافة في مصر يقول فيه: بل نحن قد خطونا أبعد جداً مما ذكرت، فالتزمنا أمام أوروبا أن نذهب مذهبها في الحكم، ونسير سيرتها في الإدارة، ونسلك طريقها في التشريع، التزمنا هذا كله أمام أوروبا لأننا حريصون على التقدم والرقي.
وهذا سلامة موسى صديق طه حسين يقول متحدثاً عن نفسه: إنه شرقي مثل سائر مواطنيه، ولكنه ثار على الشرق -وهم يعبرون بكلمة الشرق عن بلاد الإسلام ومهبط والوحي وديار الرسالة الخاتمة- عندما أيقن أن عاداته تعوق التقاءه، ودعا إلى أن يأخذ الشرقيون بعادات الغربيين كي يقووا مثلهم. فهو إذاً يدعو صراحة إلى هذا.
ومن هؤلاء أيضاً: أحمد لطفي وصهره إسماعيل مظهر وقاسم أمين ؛ هؤلاء دعوا إلى نفس الفكرة أن نحذو حذو الكفار، وأن نأخذ الحضارة الغربية بحلوها ومرها، لكي نتقوى مثلهم.
هؤلاء هل هم يجهلون أن القوة في التمسك بالإسلام؟! أم أنهم يريدون أن يرسخوا في أذهان أبناء المسلمين هذه الحقيقة الكفرية، وكذلك احتقار الماضي الإسلامي وتربية الأجيال تربية لا دينية؟!
ويقول صاحب كتاب: مصر ورسالتها : عندما فتح العرب مصر .
انظر إلى الكيفية التي يعبرون بها عن إرادتهم لسلخ أبناء المسلمين عن ماضيهم، وعن تاريخهم الإسلامي، هم يريدون قطع الصلة بين النشء المسلم وبين التاريخ الإسلامي.
يقول: عندما فتح العرب مصر عام ستمائة وأربعين للميلاد كانت ولاية بيزنطية تحكم من القسطنطينية ، وعندما غزا الفرنسيون مصر عام (1798) وجدوها ولاية عثمانية تحكم من نفس القسطنطينية.
فبين عام (640) وبين (1798) تقريباً اثنا عشر قرناً، ألف ومائتا سنة، هذه الفترة التي حكمت فيها مصر حكماً إسلامياً من دخول المسلمين بقيادة عمرو بن العاص إلى مصر وحتى انتهاء سلطة الخلافة العثمانية على مصر باحتلالها.
يقول: لم يكن حالها عام (1798) بأحسن من حالها عام (640) كان الناس في بؤس وذل، وكان البلد في خراب، ثم يقول: فكأن اثني عشر قرناً من تاريخ ضاعت سدى، كأن هذه السنوات الكثيرة قد انقضت ونحن نيام بعيدين -هكذا على حد تعبيره- عن الوجود.
ثم يقول: شيء لم يحدث في تاريخ بلد مثل مصر أبداً، تصور اثني عشر قرناً ونصف تذهب سدى. معناها: هذه فترة الحكم الإسلامي في مصر كلها كانت هباءً منثوراً، ما استفادت منها البلد ولا شيء، فإذاً يقول: نحن نريد أن نستمر الآن ونبتدئ حياة جديدة بعد عصور الذل التي عشناها.
لقد سلخ أبناء الأمة المسلمين عن التاريخ الإسلامي وعن القيادات الإسلامية التي حكمتهم.
وسوف أتكلم في محاضرة خاصة عن أهداف المستشرقين في تحطيم التاريخ الإسلامي في أذهان المسلمين، والذين تابعوهم كيف تابعوهم؟ وما هي الآثار التي حصلت من جراء طرح تلك الأفكار الاستشراقية في أوساط المسلمين؟
مخططات الأعداء في التربية والتعليم
وسلك أعداء الإسلام في تحقيق ذلك سبيلين:
الأول: السيطرة على التعليم في الداخل وعلى منهاج التعليم في العالم الإسلامي.
الطريق الثاني: مسلك البعثات إلى الدول الكافرة.
فأما سيطرتهم على التعليم في الداخل، فيتمثل في استبعاد تعليم العلوم الشرعية كلياً، وفي البعض الآخر من البلدان جعلت دراسة العلوم الشرعية دراسة غير أساسية في مناهج التعليم، بحيث إنه لا يترتب عليها نجاح ولا رسوب، وعندما ينظر الطالب إلى حقيقة الأمر وهو أن المواد الدينية لا يترتب عليها نجاح ولا رسوب، ولا يتقدم ولا يتأخر شأنه في القبول في الكليات العلمية، ماذا سيحدث؟
إن ذلك سيحدث ردة فعل في نفسه، وإهمال هذه المواد، فكيف إذا أضيف إلى ذلك تفاهة تلك المقررات التي تدرس في كثير من بلدان العالم الإسلامي، فكيف إذا أضيف إلى ذلك أن وضع مدرس الدين من ناحية المرتب والمكانة والسمعة وصل إلى الحضيض، فماذا تتوقع بعد ذلك من النشء الذين يدرسون المواد الدينية في المدارس؟
وكذلك حصل في بلدان المسلمين أن وضعت مقررات دينية نصفها إسلامي ونصفها نصراني، بزعمهم حتى تواكب احتياج الطلاب فيما يوجد في المدارس في بلدان المسلمين من نصارى، ففي بعض المقررات تجد نصفها عن الإسلام ونصفها عن النصرانية، هذه مادة العقيدة، أو مادة الثقافة الإسلامية مثلاً.
وبالنسبة للتربية والتعليم أيضاً، حصلت هناك مؤتمرات لتنفيذ الخطط التي وضعها أعداء الإسلام، فمثلاً: في نشرة المؤتمر المسمى الحلقة الدراسية العربية الأولى للتربية وعلم النفس، يقول أحد الذين ألقوا كلمة أو قدموا أوراق بحث في هذه المؤتمرات يقول: فالمواطن العربي يجب أن يكون شخصاً تقدمياً يؤمن بفلسفة التغير والتطور، يجب أن يعتبر نفسه مسئولاً عن المستقبل لا عن الماضي.
لا حظ العبارة، ما معنى يكون مسئولاً عن المستقبل لا عن الماضي؟
معناها: ينبذ التاريخ الإسلامي وراء ظهره.
يقول: ومسئولاً أمام الأجيال القادمة لا أمام رفات الموتى. يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز والعز بن عبد السلام والنووي وابن حجر وشيخ الإسلام ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ، هذا كله كلام على جنب، يقول: بل إنه عليه أن ينظر إلى المستقبل لا إلى رفات الموتى.
ويقول كذلك أحدهم في بحث له في هذا المؤتمر: في تجاربنا الخاصة أن أخطر ما تتعرض له سيكولوجية الأطفال في هذا الصدد هو التعصب الديني. يقول: أخطر شيء في عملية تربية الطفل التعصب الديني.
ويشن بعضهم غارات على قضية التلقين، أي: تحفيظ الأطفال القرآن والسنة مثلاً، يقول: هذه تهدم شخصية الطفل وتمسح مواهبه وإمكاناته. هذا كلام التجاني الماحي في الورقة التي قدمها لذلك المؤتمر.
وكذلك يقول أحدهم: يرى الكثيرون أن الكتب السماوية ليس من أغراضها أن تكون موسعات يبحث المؤمنون فيها عن مشاكل العصر كي يجدوا فيها حلاً لمشكلة العمال في القرن العشرين على سبيل المثال.
يقول: هذا القرآن والسنة ما فيها حل لمشكلات العصر، كيف نجد حلاً لمشكلات العمال في القرن العشرين في الكتاب والسنة؟! هذا كلام كفر بواح؛ لأن الله أنزل هذا الدين ليحكم في جميع نواحي الحياة صغيرها وكبيرها، وفي جميع الطبقات، وفي جميع الأوقات والأزمنة والأمكنة فكتاب الله يحكم على الجميع.
خطر الاقتباس من مناهج الغرب الكفرية
له كتاب أصل الأنواع ، وهي أشياء كثيرة منها أشهر شيء على ألسنة العامة: أن الإنسان أصله من القردة، وبعض الناس يظنون أن دارون يقول: إن الإنسان أصلاً حيوان، ولكن ليس بصحيح لأننا نحن المسلمين نقول: إن الإنسان حيوان، طبعاً ستعترضون عليّ، ولكن لأننا قد لا نعرف كلمة الحيوان في اللغة العربية، فنستنكر هذا القول، الحيوان: هو كل كائن فيه حياة، ولذلك يقول الله عز وجل: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ [العنكبوت:64] ما معنى الدار الآخرة لهي الحيوان؟
يعني هي الحياة الأبدية التامة الكاملة، حياة النعيم والسرور واللذة التي لا تنتهي، هذا بالنسبة للمسلمين، وبالنسبة للكفار: فهي حياة في جهنم، حياة سيئة لدرجة أن صاحبها لا يموت فيها ولا يحيا.
فإذا قال شخص: أنت حيوان، فينبغي ألا تتهمه وتسارع إلى اتهامه بأنه قليل أدب؛ لأن المسألة في اللغة العربية صحيحة، حيوان كل كائن حي، لكن الإنسان له تركيب غير تركيب البهائم، لذلك لا تلاحظ في القرآن أنه أطلق على البهائم حيوانات، لاحظ في القرآن تجد بهيمة الأنعام، ما تجد أنه سماها حيوانات، فحيوانات هذه تسمى في كتاب الأحياء الذي درسناه، وإلا كلمة الحيوان لها مدلول غير المستقر في أذهان الناس الآن.
فهذه نظرية دارون تدرس في مناهج كثير من المدارس والجامعات على أنها حقيقة علمية في مواد كثيرة كالأحياء والتاريخ الطبيعي وعلم الأرض، مع أنه قد ثبت فشلها حتى لدى الكفار أثبتوا أنها فاشلة، لكن ما زالت تدرس في أوساط المسلمين، ونظرية فرويد المتهافتة نجدها مقررة في أقسام علم النفس قاطبة على أساس أنها نظرية علمية، وفي أقسام الاجتماعيات تدرس نظرية دوركايم ، بل يدرس علم الاجتماع بكامله على المنهج الغربي.
ونحن نعلم أن علم الاجتماع الموجود الآن كتبه هو كعلم النفس ليس له أسس إسلامية، فللأسف علم النفس وعلم الاجتماع لم يصغ حتى الآن صياغة إسلامية، ولم تؤلف فيه كتب ومراجع إسلامية حتى يعتمد عليها، وبدأت الآن محاولات نسأل الله أن تتم وأن تنتهي إلى خير، لكن لو قلت الآن لواحد من طلاب علم النفس أو علم الاجتماع ما هي مواضيعكم التي تدرسونها وما هي مراجعكم؟ فستجد أن أكثر المواضيع وأكثر المراجع هي مراجع كتبها الكفرة ومن ترجمها من أبناء المسلمين، أو كتبها بعض أبناء المسلمين المتأثرين بتلك الكتب التي كتبها الكفار المستقاة من نظرياتهم التي وضعوها بعيداً عن الدين وعن القرآن والسنة طبعاً، وفي أقسام الكيمياء والفيزياء والفلك والطب تدرس مناهج محشوة بإيحاءات فلسفية وثنية كقولهم مثلاً: المادة لا تفنى ولا تستحدث، مع أن الله خلق السموات والأرض من العدم، (كن فيكون) أو كذلك تجد عبارات: خلقت الطبيعة كذا، وشاءت الطبيعة كذا، ومنحت الطبيعة للكائن الفلاني أو الحيوان الفلاني القدرة على التأقلم مع العوامل الجوية والبيئة إلى آخره، فتجد كلمة (منحت الطبيعة) مبثوثة ومنتشرة، أو تفسير وقوع الزلزال وسقوط النجوم وتكوين الأجنة تفسير مادي صرف لا علاقة له بأن الله قدر ذلك وخلقه وشاءه، وأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يزلزل الأرض، وأن هذه عقوبات من الله عز وجل، لا ذكر لهذه الأشياء مطلقاً.
وكذلك تجد عبارات مثلاً: كان الناس قبل ظهور العلم الحديث يعتقدون كذا، فلما جاء العلم الحديث بين المسألة ووضح أنه من قبل كانت خرافات وأوهاماً، أو كانت الكتب القديمة تقول كذا، ثم جاء العلم الحديث وبين المسألة وأظهرها وكشف القضية، وكان الناس قديماً ينسبون ما يعجزون عن تفسيره إلى القوة الغيبية الخفية، ويقولون: آلهه وكذا، فالآن جاء العلم وأثبت أن المسألة لها تفسيرات يفسرها، لكن لا يذكر أن الله قدر ذلك، أو أن كل ما يجري من هذه القوانين في الطبيعة وضعها رب العزة في الكون، وأن هناك سنناً ربانية، لا يوجد أي شيء من التعرض لهذه الأشياء.
هدم الغرب لحقائق التاريخ الإسلامي
وقلت لكم: إننا سنتوسع في هذا الموضع على حدة.
وأما لو ذهبت تنظر مثلاً في مواد المطالعة فإنك ترى أنها موجز للغزو الثقافي الغربي، ولا سيما إذا تصفحت الموضوعات التي تطرق إليها في كتب المطالعة، فستجد عناوين مثل: ماجلان قاهر البحار -كيف اكتشفت أمريكا ؟- إبراهيم لنكولن محرر العبيد، تحرير المرأة، ظهور القومية العربية، نابليون فاتح أوروبا ، عمر بن أبي ربيعة الشاعر الماجن -ما وجدوا إلا الشاعر الماجن عمر بن أبي ربيعة - الوطنية الصادقة ... وهكذا.
أفكار استوردت من الغرب
قضية تحكيم العقل في كل شيء، هذا مذهب المعتزلة قديماً، ولكن هناك فلسفات غربية مثل: فلسفة كمنت العقلية، نفس المنهج، حتى إن تصور أن بعض المسلمين تأثروا من فلسفة كمنت العقلية في تحكيم العقل في كل شيء أكثر مما تأثروا من فلسفة المعتزلة ، مع أن المعتزلة نشأت في أوساط إسلامية، لكن من أرضية بدعية طبعاً، فتجد مثلاً محمد عبده ظاهر في أفكاره جداً تأثره بـكمنت هذا وبفلسفته وبتحكيم العقل في القرآن وفي السنة.
ومع الأسف الشديد تجد أن هذه الجرثومة قد انتقلت إلى بعض المفكرين الإسلاميين مثل ما حصل لـحسن الترابي في نزول المسيح عيسى بن مريم وقال: أنا لا أناقش الحديث من حيث سنده، وإنما أراه يتعارض مع العقل، ونادى بتجديد بعض كتب أصول الفقه وعنده آراء عجيبة غريبة.
وكذلك ما حصل من الغزالي المتأخر المسكين الذي تراجع تحت مطارق أعداء الإسلام وهم يتهمون الإسلام بأشياء، فحاول المسكين أن يدافع عنها بأمور فظهرت حديثاً في كتبه وكان لها أثر سيئ في بعض القراء الذين قرءوا له، وهذا الموضع طويل جداً وإنما كان لهذا الرجل أيضاً نصيب من تحكيم العقل في نصوص الشرع، فتجده يقول في إحدى محاضراته أمام الطلبة: تريدوني أن أذهب إلى بريطانيا لأدعو إلى الإسلام، وعندما يسألوني: هل يجوز للمرأة أن تتولى الحكم؟ أقول لهم: لا.
ويحكم عقله في أشياء كثيرة فيقول مثلاً: إن دية المرأة مثل دية الرجل، وأن الأحكام الفقهية أن دية المرأة نصف دية الرجل، هذا كلام مرفوض، يعني كلام طويل جداً وإنما كان هذا الرجل وغيره من الإسلاميين ليسوا من عموم المسلمين بل من الإسلاميين الذين يدافعون عن الإسلام قد تأثروا فعلاً وتشربوا كثيراً من هذا المذهب السيئ وهو تقديم العقل على نصوص الشرع.
ولذلك أنكروا أحاديث، كما ذكرت أحاديث نزول عيسى بن مريم الذي أنكره الترابي وكذلك مثل ما أنكر الغزالي حديث لطم موسى لعين ملك الموت، وأحاديث أخرى.