عرض كتاب الإتقان (88) - النوع الثامن والسبعون في معرفة شروط المفسر وآدابه [9]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

لم يبقَ عندنا من كتاب الإمام السيوطي الإتقان في علوم القرآن في النوع الثامن والسبعين إلا فصل وفائدة، ولعلنا نأخذها سريعًا.

ذكر نقلًا عن الزركشي قوله: (يجب على المفسر أن يتحرى في التفسير مطابقة المفسر، وأن يحترز بذلك من نقص عما يحتاج إليه في إيضاح المعنى أو زيادة لا تليق بالغرض، ومن كون المفسر فيه زيغ عن المعنى وعدول عن طريقه، وعليه بمراعاة المعنى الحقيقي والمجازي، ومراعاة التأليف والغرض الذي سيق له الكلام، وأن يؤاخي بين المفردات، ويجب عليه البداءة بالعلوم اللفظية، وأول ما تجب البداءة به منها تحقيق الألفاظ المفردة، فيتكلم عليها من جهة اللغة ثم التصريف ثم الاشتقاق، ثم يتكلم عليها بحسب التركيب، فيبدأ بالإعراب، ثم بما يتعلق بالمعاني ثم البيان ثم البديع ثم يبين المعنى المراد ثم الاستنباط ثم الإشارات).

طبعًا هذا الكلام تنظير، ولو ذهبنا نبحث في كتب التفسير كلها عن تطبيق لهذا الترتيب، فيمكن أن نقول: لا نجد هذا إلا نادرًا؛ لكي لا ننفي عدم الوجود مطلقًا، لكن كما نلاحظ هذا التنظير لا يكاد يوجد، ولذا أقول: إن التفاسير كل واحد منها على منهج وطريقة تختلف عن الآخر، وليست متناسقة على منهج واحد، هذا المنهج الذي طرحه الزركشي رحمه الله تعالى لا تكاد تجده على هذا الترتيب، صحيح أنه يوجد بعض التفاسير رتبت على حسب علوم القرآن كما سبق التنبيه على هذا، وبعضها يرتب على حسب المقاطع، وهذا هو الأغلب منها، بحيث أنه يأخذ الجمل، جملة جملة ولكن بهذا الترتيب الذي ذكره لا يكاد يوجد، وأقول: إن المفسر حينما يبدأ بالتفسير، هو أمام خلط من المعلومات تترتب عنده على حسب ما يتهيأ حال كتابته، ولهذا يبتدئ بمعلومة مرة ولا يبتدئ بهذه المعلومة مرة أخرى، على حسب الأنواع المذكورة، فقد يبتدئ ببيان اللفظ، ومرة يبتدئ ببيان السبب، وقد يبين المعنى ثم ينتقل إلى الألفاظ، فإذاً: ليس هناك طريقة متناسقة يمشي عليها المفسرون كما ذكر الزركشي .

مطابقة التفسير المفسر

أما قوله: (يتحرى في التفسير مطابقة المفسر) فهذا أيضًا من حيث التنظير لو تأملناه فإنه قد يكون مطلبًا، لكن عمل المفسرين، خصوصًا عمل مفسري السلف على خلافه في كثير من التفسير، والسبب في هذا هو أن بعض المعاني الخفية لا تأتي بأسلوب المطابقة، لا بد من أسلوب التضمن وأسلوب الالتزام، ولهذا عندنا تفسير باللازم، وتفسير بالنتيجة وبيان المقصد، وكذلك تفسير بجزء من المعنى، فكل هذه هي خروج عن المطابقة بين التفسير والمفسر وعدول عنها، وهذا الخروج والعدول له مقاصد تتحقق به ولا تتحقق بالمطابقة، ولهذا نقول: هذا المطلب فيما لو أراد أن ينشئ تفسيرًا فنعم، ولكن الواقع في تفاسير المتقدمين خلاف هذا الغرض الذي ينشده الزركشي .

ذكر أسباب النزول قبل البدء بالتفسير

أيضًا: الزركشي ذكر في أوائل البرهان؛ لأنه تكلم عن أسباب النزول في أول الكتاب أنه: (جرت عادة المفسرين أن يبدءوا بذكر سبب النزول)، ثم قال: (ووقع البحث في أنه أيهما أولى البداءة به بتقدم السبب على المسبب، أو بالمناسبة؛ لأنها المصححة لنظم الكلام وهي سابقة على النزول).

وهذا أيضًا نفس القضية تنظير، وعمل المفسرين على خلافه في الغالب، ولكن أيضًا بحث مثل هذه الدقائق مهم وجيد، بحيث أن طالب العلم عنده بصر ومعرفة بهذه الأمور، ولهذا ذكر هو: (أن التحقيق في هذا التفصيل بين أن يكون وجه المناسبة متوقف على سبب النزول)، أو لا يكون متوقفاً على سبب النزول، ثم بدأ يفصل في هذا الموضوع، فقال هنا: (إذا كان وجه المناسبة متوقفًا على سبب النزول.. قال: فهنا ينبغي فيه تقديم ذكر السبب؛ لأنه حينئذٍ من باب تقديم الوسائل على المقاصد)؛ لأنها لا تفهم المناسبة إلا بفهم السبب.

قال: وإن لم يتوقف على ذلك فالأولى تقديم وجه المناسبة، أي: المناسبة بين الآية والآية.

ذكر فضائل السور قبل البدء بالتفسير

وفي موضع آخر ذكر: ما جرت عليه عادة المصنفين في ذكر فضائل القرآن، وعادة يذكرونها في كل أوائل كل سورة إلا الزمخشري فإنه كان يذكرها في آخر السورة.

فضائل السورة بما أنها من علوم السورة، فذكرها في أوائل السورة أولى، إلا أن عمل الزمخشري في جعلها في آخر السورة كان له نظرة فيها، ولما سأله مجد الأئمة عبد الرحيم بن عمر الكرماني: لماذا وضعتها في الآخر، مع أن المصنفين يضعون الفضائل في أول السورة؟ قال: لأنها صفات لها، يعني: فضل السورة صفة للسورة، والصفة تستدعي تقديم الموصوف، فكأن السورة موصوفة بهذا الفضل! فانظروا إلى مثل هذه الفلسفة الذي نظر إليها الزمخشري وجعلها مقصدًا من مقاصد التآليف عنده، فأخر الفضائل لهذه العلة.

أما قوله: (يتحرى في التفسير مطابقة المفسر) فهذا أيضًا من حيث التنظير لو تأملناه فإنه قد يكون مطلبًا، لكن عمل المفسرين، خصوصًا عمل مفسري السلف على خلافه في كثير من التفسير، والسبب في هذا هو أن بعض المعاني الخفية لا تأتي بأسلوب المطابقة، لا بد من أسلوب التضمن وأسلوب الالتزام، ولهذا عندنا تفسير باللازم، وتفسير بالنتيجة وبيان المقصد، وكذلك تفسير بجزء من المعنى، فكل هذه هي خروج عن المطابقة بين التفسير والمفسر وعدول عنها، وهذا الخروج والعدول له مقاصد تتحقق به ولا تتحقق بالمطابقة، ولهذا نقول: هذا المطلب فيما لو أراد أن ينشئ تفسيرًا فنعم، ولكن الواقع في تفاسير المتقدمين خلاف هذا الغرض الذي ينشده الزركشي .




استمع المزيد من صفحة د. مساعد الطيار - عنوان الحلقة اسٌتمع
عرض كتاب الإتقان (45) - النوع الخامس والأربعون في عامه وخاصه 3936 استماع
عرض كتاب الإتقان (77) - النوع السادس والسبعون في مرسوم الخط وآداب كتابته [1] 3814 استماع
عرض كتاب الإتقان (47) - النوع السابع والأربعون في ناسخه ومنسوخه 3594 استماع
عرض كتاب الإتقان (79) - النوع السابع والسبعون في معرفة تفسيره وتأويله وبيان شرفه والحاجة إليه 3585 استماع
عرض كتاب الإتقان (69) - النوع السابع والستون في أقسام القرآن 3541 استماع
عرض كتاب الإتقان (49) - النوع التاسع والأربعون في مطلقه ومقيده 3537 استماع
عرض كتاب الإتقان (74) - النوع الثالث والسبعون في أفضل القرآن وفاضله 3481 استماع
عرض كتاب الإتقان (34) - النوع السادس والثلاثون في معرفة غريبه [1] 3477 استماع
عرض كتاب الإتقان (7) - النوع الرابع - النوع الخامس - النوع السادس 3442 استماع
عرض كتاب الإتقان (53) - النوع الثالث والخمسون في تشبيهه واستعاراته 3418 استماع