عرض كتاب الإتقان (45) - النوع الخامس والأربعون في عامه وخاصه


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

أما بعد:

فعندنا في كتاب الإتقان لـلسيوطي رحمه الله تعالى النوع: الخامس والأربعون في عامه وخاصه، وهو الذي يسمى أيضاً بالعموم والخصوص.

معنى العام وبيان صيغه

ذكر السيوطي رحمه الله تعالى تعريف العام، فقال: العام لفظ يستغرق الصالح له من غير حصرٍ، ثم ذكر ما يسمى بصيغ العموم، مثل: كل، والذي، والتي، وأولئك، والذين، واللائي، وأي، وما، ومن الشرطية أو الاستفهامية أو الموصولة، وذكر أمثلة لكل واحدٍ منها في كل هذه الصيغ.

وفائدة معرفة هذه الصيغ هي: أنها تدل على العموم فيها، فإذا عرفنا مثلاً أن اسم الجنس المضاف أحد صيغ العموم، عند قوله سبحانه وتعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ[النور:63]، أنه يشمل أي أمر من أوامر الله سبحانه وتعالى؛ لأن الإضافة تدل على التعميم، أو المعرف بأل في مثل قوله: قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ[المؤمنون:1]، أن (أل) دلت على العموم في أهل الإيمان، أي: قد أفلح كل من آمن.

أقسام العام

ومما ذكره بعد ذلك في الفصل الذي بعده قال: [ العام على ثلاثة أقسام: فذكر الأول الباقي على عمومه، وذكر قول البلقيني رحمه الله تعالى في أن مثاله عزيز قال: ما من عامٍ إلا ويُتخيل فيه التخصيص ]، وذكر أمثلة ذلك في قوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ[النساء:1]، قال: قد يخُص منه غير مكلف.

فإذاً: التقوى من غير مكلف غير ممكنة، فكأنه يقول: إن هذا العموم في: يَا أَيُّهَا النَّاسُ[النساء:1]، يخرج منه غير المكلف.

بعد ذلك ذكر أن الزركشي خالفه في مثل هذا وقال: إنه كثير، من حيث أن العموم كثير، وأورد منه: وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[البقرة:282]، وأورد كذلك: إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا[يونس:44]، وكذلك: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا[الكهف:49]، وكذلك: اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ[الروم:40].. إلى آخر الآيات التي ذكرها الزركشي ، وأراد أن يخرج السيوطي رحمه الله تعالى قول البلقيني بقوله، قال: قلت في هذه الآيات كلها في غير الأحكام الفرعية، فالظاهر أن مراد البلقيني أنه عزيز في الأحكام الفرعية.

ثم ذكر أنه استخرج آية بعد الفكر، أي: تكون عامة غير مخصوصة، وهي قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ[النساء:23]، فهي عامة غير مخصوصة، أي: لا خصوص فيها، فنجزم بأن للعام الذي لا خصوص فيه كما ذكر الزركشي أمثلته الكثيرة.

أما كون العام الذي لا خصوص فيه في الأحكام عزيز، فهذا يحتاج إلى استقراء الأحكام، وكذلك إلى صحة أن يكون مخصوصاً، لأنه أحياناً لا يكفي في قضية تخيل التخصيص، وإنما أن يكون التخصيص واقعاً بالفعل.

النوع الثاني من أنواع العموم: العام المراد به الخصوص، والنوع الثالث: العام المخصوص.

إذاً: عندنا عام باق على عمومه، وعام أُريد به الخصوص، وعام مخصوص.

الفرق بين العام المخصوص والعام المراد به الخصوص

فذكر الفرق بينهما أي: بين العام الذي يُراد به الخصوص والعام المخصوص، الأول لم يرد شموله لجميع الأفراد، لا من جهة تناول اللفظ، ولا من جهة الحكم، بل هو ذو أفراد استعمل في فرد منها، والثاني: أُريد به عمومه وشموله لجميع الأفراد من جهة تناول اللفظ له، لا من جهة الحكم، أي أن اللفظ يشمل العموم، لكن الحكم يدل على الخصوص، وبالمثال يتبين والخلافات كثيرة في هذا، لكن هذا بالذات يوضح المعنى يتبين بالمثال.

مثال العام المراد به الخصوص

قال: ومن أمثلة العام المراد به الخصوص: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ[آل عمران:173]، عندنا الآن لفظ: (الناس) في الموطنين على حسب ما ورد في السيرة أن الذي قال للمسلمين بعد غزوة أحد: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ[آل عمران:173]، هو نعيم بن مسعود كما هو معروف من قصة أُحد، فلما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجمع فلول جيشه من الصحابة رضي الله عنهم، وأراد أن يلحق بقريش تهيبت قريش من هذا، فأرسلوا نعيم لكي يخذل النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه بأن يقول: إن كفار مكة الذين هم قريش قد جمعوا لكم مرة أخرى لكي يخافوا، فالناس في الأولى إذا قلنا أنه نعيم بن مسعود يكون لفظ عام لكنه أريد به الخصوص، أي: عام في اللفظ خاص في الحكم، لأنه ورد في نعيم بن مسعود فقط، وهو فرد واحد، كذلك الناس في الثانية أيضاً فيمكن أن نقول: إنه عام أُريد به الخصوص أيضاً، فليس كل الناس، وإنما المراد به من كان مع أبي سفيان في تلك الحال حتى ليس كل قريش، وإنما من كان مع أبي سفيان في تلك الحال، إذاً: هذا العموم ليس مراداً به كل ما يشمله لفظ الناس، وإنما يُراد به الناس الذين كانوا مع أبي سفيان في ذلك الوقت، إذاً هذا مثال للعام الذي أُريد به الخصوص، وله أمثلة كثيرة.

أقسام العام المخصوص ومثاله

أما العام المخصوص فأمثلته كثيرة جداً، وذكر منها ما يكون مخصصه متصل أو منفصل، وذكر من المتصل الاستثناء، مثل قوله سبحانه وتعالى: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ[الشعراء:224]، فلفظ الشعراء عام، وكأننا نقول: كل شاعرٍ فإنه يتبعه كل غاوٍ لكنه بالاستثناء في قوله: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا[الشعراء:227]، صار تخصيصاً للعموم بالشعراء وللعموم بالمتبعين، فـ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ[الشعراء:224]هذا عموم في الشعراء وفي المتبعين، فخصصه بقوله: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ[الشعراء:227]، فإذاً الفرق بين النوع الأول الذي هو العام الذي يريد به الخصوص، والنوع الثاني الذي هو العام المخصوص أصبح واضحاً الآن.

نرجع الآن ونقول: بحث العام الذي أُريد به الخصوص من البحوث اللطيفة التي تحتاج إلى استقراء من خلال كلام المفسرين، خصوصاً تفاسير السلف؛ لأنهم إذا حكموا بأن هذا عام أُريد به الخصوص، فهذا يدل على أن عندهم أثراً نقلياً يجعل هذا اللفظ خاصاً في الحكم، وسيأتينا إشارة إلى قوله: هل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب، لكن المقصد أن يكون اللفظ هكذا، فهذا مثل قوله سبحانه وتعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ[البقرة:199]، فبعضهم قال: أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ[البقرة:199]، المقصود بالناس هنا هو: إبراهيم عليه السلام، فهذا يكون عام أُريد به الخصوص، أما على قراءة سعيد بن جبير: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسِ[البقرة:199]، بالياء فهذه وهي قراءة شاذة فإن المراد به آدم عليه السلام، التي هي في قوله: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا[طه:115]، فكأنه يقول: أفيضوا من حيث أفاض آدم عليه السلام، وكأن فيه إشارة أن الحج كان من شرائع آدم عليه السلام.

فإذاً: المقصد من ذلك إذا أخذنا بمن قال من السلف أن المراد بالناس إبراهيم عليه السلام كأنه يقول: إن هذا من العام الذي أُريد به الخصوص، وكذلك في قوله: فَنَادَتْهُ المَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي[آل عمران:39]، فالسلف فسروا أن المراد بالملائكة: جبريل، فيكون عاماً أُريد به الخصوص، وهذا مبحث له أمثلة كثيرة في تفسير السلف.

أما القسم الثاني: وهو العام المخصوص، وأغلب كلام العلماء عليه.

وإذا قيل: العموم والخصوص أو العام والخاص فأغلب كلامهم ينطبق على هذا النوع، أما النوع الأول والنوع الثاني فالبحث فيه أقل، والنوع الثالث الذي هو العام المخصوص هو الذي يرتبط بالأحكام ارتباطاً كثيراً، ولهذا لو تأملنا الأمثلة التي أوردها السيوطي رحمه الله تعالى فإنا سنجد أن أغلب هذه الأمثلة هي من قبيل الأحكام، وإن كان قد أورد أمثلة من قبيل الأخبار، مثل قوله سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا[الفرقان:68]، قال: إِلَّا مَنْ تَابَ[الفرقان:70]، هذا إخبار في قوله: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا[الفرقان:68]، أي: من يفعل من هذه الأفعال فإنه يلقى أثاماً إلا من تاب. أما بقية الأمثلة وأغلبها فإنها مرتبطة بالأحكام.

مثال ذلك مما ذكره في قضية الأمثلة المنفصلة وقد ذكرنا سابقاً مثالاً للاستثناء المتصل في قوله: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ[الشعراء:224]وهذا خبر، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا[الشعراء:227]، فمن الأمثلة في الأحكام التي أوردها في قوله سبحانه وتعالى: وَالمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ[البقرة:228]، ففي قوله: وَالمُطَلَّقَاتُ[البقرة:228]، عام يشمل كل مطلقة، هذا هو الأصل، لكن المطلقة الحامل تخرج بدلالة قوله سبحانه وتعالى: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ[الطلاق:4]، إذاً هذا العام مخصوص بقوله: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ[الطلاق:4]، أي: إن كل مطلقة إلا أولات الأحمال، كل مطلقة إلا الصغيرة التي لم تحمل؛ لأن لها حكماً آخر. فإذاً: المقصد أن هذا النوع يكثر عند الفقهاء والأصوليين الحديث عنه؛ لأنه مرتبط بالأحكام.

ثم عندنا أيضاً مما ذكره السيوطي رحمه الله تعالى قضية ما خُص بالسنة وما خُص بالإجماع، فكل هذه الأمثلة التي أوردها أغلبها مرتبط بالأحكام، ففي مثل قوله: فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ[النور:2] قال: خُص منه العبد بالقياس على الأمة المنصوص عليها في قوله: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المُحْصَنَاتِ[النساء:25]، وقد أورد هذا في ما خُص بالإجماع، وذكر آية المواريث وخُص منها الرقيق، وذكر مثال عن مكي الذي هو تخصيص آية الجلد كما ذكره مكي .

والمقصود بالمخصص المتصل أن يكون في نفس السياق، والمنفصل في آيات أخرى.

ثم ذكر من الفروع فيما يتعلق بقضية العموم والخصوص قضايا فيما إذا سيق العام للمدح أو للذم، وأن هناك خلافاً بين العلماء هل هو باق على عمومه أو لا؟ وكذلك ذكر أنه اختلف في الخطاب الخاص بالنبي صلى الله عليه وسلم هل يشمل الأمة أو لا؟ وكذلك ذكر الخلاف في الخطاب في: يَا أَيُّهَا النَّاسُ[البقرة:21]، هل يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم أو لا؟

كذلك ذكر في الأصح في الأصول أن الخطاب في: يَا أَيُّهَا النَّاسُ[البقرة:21]، يشمل الكافر والعبد لعموم اللفظ، وكذلك ذكر في الخامس أنه اختلف: هل تتناول الأنثى أو لا؟ وذكر القول الصحيح عنده، كذلك ذكر الخطاب بيا أهل الكتاب هل يشمل المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أو هو خاص باليهود والنصارى؟ كل هذه الأشياء ذكرها في المتممات، في ما يتعلق بالفروع المنثورة المتعلقة بالعموم والخصوص.

معنى الخاص

وكما نلاحظ أن الإمام رحمه الله تعالى لم يعرف الخاص، وإنما عرف العام فقط، فإذا رجعنا إلى ما كتبه علماء الأصول فسنجد أن الخاص ضد العام، فالعام قلنا: لفظ يستغرق الصالح له من غير حصرٍ، فالخاص يتناول واحد أو أكثر على سبيل الحصر، كاثنين أو ثلاثة؛ لأن هذا كلها مخصوصة أو مرتبطة بالأعداد، فإذاً يتناول واحد أو أكثر على سبيل الحصر، فهذا يسمى الخاص.

وللتخصيص تعريف آخر هو: قصر اللفظ العام على بعض أفراده لدليل يدل عليه، وهو النوع الثالث الذي ذكره، قصر اللفظ العام على بعض أفراده لدليل يدل عليه، سواءً كان منفصلاً أو متصل، الذي هو الدليل يكون منفصل أو متصل كما ذكر السيوطي .

أصل العموم والخصوص من حيث النقل والعقل وعلاقته بغيره من العلوم

من خلال النظرة السريعة لما يتعلق بالعام والخاص، هل الأصل في هذا المبحث أنه مبحث عقلي أو نقلي؟ نعم، المبحث الأصل أنه عقلي، فهل له أثر في فهم المعنى؟ نعم، الأصل أن له أثراً في فهم المعنى، وبناءً عليه فإنه من علوم التفسير، وما دام من علوم التفسير فهو أيضاً من علوم القرآن بلا ريب، إذاً: هذا العلم يكون من علوم التفسير وكذلك يكون من علوم القرآن.

ثم هل له تعلق بالأحكام الفقهية التي في القرآن أو لا؟ الجواب: نعم له تعلق، فكما نلاحظ أن له تعلقاً ببعض الأحكام القرآنية، كما قلنا: إن أغلب أنواع التخصيص الذي هو النوع الثالث أغلبه في الأحكام، إذاً له تعلق بالأحكام الفقهية، فهذا النوع من أنواع علوم القرآن وهو أحكام القرآن يرتبط به موضوع العام والخاص، ثم هل له تعلق بعلم آخر له علاقة بالقرآن؟ نقول: نعم، وهو علم من أصول الفقه، وكذلك علم الفقه، علم الفقه الذي يبحث في الأحكام.

ولما نأتي إلى مسألة مهمة وهي أن الناظر في هذا الباب الذي ذكرناه الآن، قد يقول: إن هذا المبحث الذي هو العام والخاص ليس من مباحث علوم القرآن، أي: مما يستدرك على السيوطي ومن كتب على شاكلته: أن هذا المبحث إنما هو من مباحث أصول الفقه، وليس من مباحث علوم القرآن، فهل هذا الاستدراك صحيح أو لا؟

والجواب أن هذا الاستدراك غير صحيح؛ لتعلقه بفهم المعنى، وأيضاً هذا كتعليم، لكن هل نتكلم عنه كأصل، نقول الأصل اعتبار العام والخاص من أصول علم التفسير؛ لأن العام والخاص ليس مرتبط بالأحكام فقط، إذاً: هو مرتبط بالأحكام وبالأخبار، وما دام مرتبطاً بالأحكام والأخبار، ننظر الآن هل التخصيصات التي وردت على شيء من الآيات التي فيها عموم، هل يتأثر بها المعنى أو لا يتأثر؟ الجواب يتأثر بها المعنى، وبما أنه يتأثر بها المعنى إذاً: هي مرتبطة بالتفسير، لكن الشبه التي وقعت لمن يقول بهذا القول أو يستدرك بهذا الاستدراك، أن الشبه وقعت من جهة أنه نظر إلى أن من ألف في أصول الفقه قد استوعب هذه المسائل، وكان تدوينه لها قبل تدوين علماء علوم القرآن، إذاً الشبهة التي وقعت هي: أن من دون في أصول الفقه كان سابقاً لمن دون في علوم القرآن، وكان مستوعباً لمسائل هذا الموضوع، الذي هو العام والخاص، فظن أن هذا ليس من علوم القرآن، وإنما هو من أصول الفقه، فنقول: لا، ولهذا يجب أن ننتبه إلى قاعدة مهمة جداً، وسبق أن طرحتها في بداية التعليق على الإتقان.

ذكر السيوطي رحمه الله تعالى تعريف العام، فقال: العام لفظ يستغرق الصالح له من غير حصرٍ، ثم ذكر ما يسمى بصيغ العموم، مثل: كل، والذي، والتي، وأولئك، والذين، واللائي، وأي، وما، ومن الشرطية أو الاستفهامية أو الموصولة، وذكر أمثلة لكل واحدٍ منها في كل هذه الصيغ.

وفائدة معرفة هذه الصيغ هي: أنها تدل على العموم فيها، فإذا عرفنا مثلاً أن اسم الجنس المضاف أحد صيغ العموم، عند قوله سبحانه وتعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ[النور:63]، أنه يشمل أي أمر من أوامر الله سبحانه وتعالى؛ لأن الإضافة تدل على التعميم، أو المعرف بأل في مثل قوله: قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ[المؤمنون:1]، أن (أل) دلت على العموم في أهل الإيمان، أي: قد أفلح كل من آمن.

ومما ذكره بعد ذلك في الفصل الذي بعده قال: [ العام على ثلاثة أقسام: فذكر الأول الباقي على عمومه، وذكر قول البلقيني رحمه الله تعالى في أن مثاله عزيز قال: ما من عامٍ إلا ويُتخيل فيه التخصيص ]، وذكر أمثلة ذلك في قوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ[النساء:1]، قال: قد يخُص منه غير مكلف.

فإذاً: التقوى من غير مكلف غير ممكنة، فكأنه يقول: إن هذا العموم في: يَا أَيُّهَا النَّاسُ[النساء:1]، يخرج منه غير المكلف.

بعد ذلك ذكر أن الزركشي خالفه في مثل هذا وقال: إنه كثير، من حيث أن العموم كثير، وأورد منه: وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[البقرة:282]، وأورد كذلك: إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا[يونس:44]، وكذلك: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا[الكهف:49]، وكذلك: اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ[الروم:40].. إلى آخر الآيات التي ذكرها الزركشي ، وأراد أن يخرج السيوطي رحمه الله تعالى قول البلقيني بقوله، قال: قلت في هذه الآيات كلها في غير الأحكام الفرعية، فالظاهر أن مراد البلقيني أنه عزيز في الأحكام الفرعية.

ثم ذكر أنه استخرج آية بعد الفكر، أي: تكون عامة غير مخصوصة، وهي قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ[النساء:23]، فهي عامة غير مخصوصة، أي: لا خصوص فيها، فنجزم بأن للعام الذي لا خصوص فيه كما ذكر الزركشي أمثلته الكثيرة.

أما كون العام الذي لا خصوص فيه في الأحكام عزيز، فهذا يحتاج إلى استقراء الأحكام، وكذلك إلى صحة أن يكون مخصوصاً، لأنه أحياناً لا يكفي في قضية تخيل التخصيص، وإنما أن يكون التخصيص واقعاً بالفعل.

النوع الثاني من أنواع العموم: العام المراد به الخصوص، والنوع الثالث: العام المخصوص.

إذاً: عندنا عام باق على عمومه، وعام أُريد به الخصوص، وعام مخصوص.

فذكر الفرق بينهما أي: بين العام الذي يُراد به الخصوص والعام المخصوص، الأول لم يرد شموله لجميع الأفراد، لا من جهة تناول اللفظ، ولا من جهة الحكم، بل هو ذو أفراد استعمل في فرد منها، والثاني: أُريد به عمومه وشموله لجميع الأفراد من جهة تناول اللفظ له، لا من جهة الحكم، أي أن اللفظ يشمل العموم، لكن الحكم يدل على الخصوص، وبالمثال يتبين والخلافات كثيرة في هذا، لكن هذا بالذات يوضح المعنى يتبين بالمثال.




استمع المزيد من صفحة د. مساعد الطيار - عنوان الحلقة اسٌتمع
عرض كتاب الإتقان (77) - النوع السادس والسبعون في مرسوم الخط وآداب كتابته [1] 3814 استماع
عرض كتاب الإتقان (47) - النوع السابع والأربعون في ناسخه ومنسوخه 3593 استماع
عرض كتاب الإتقان (79) - النوع السابع والسبعون في معرفة تفسيره وتأويله وبيان شرفه والحاجة إليه 3585 استماع
عرض كتاب الإتقان (69) - النوع السابع والستون في أقسام القرآن 3541 استماع
عرض كتاب الإتقان (49) - النوع التاسع والأربعون في مطلقه ومقيده 3537 استماع
عرض كتاب الإتقان (74) - النوع الثالث والسبعون في أفضل القرآن وفاضله 3481 استماع
عرض كتاب الإتقان (34) - النوع السادس والثلاثون في معرفة غريبه [1] 3477 استماع
عرض كتاب الإتقان (7) - النوع الرابع - النوع الخامس - النوع السادس 3442 استماع
عرض كتاب الإتقان (53) - النوع الثالث والخمسون في تشبيهه واستعاراته 3418 استماع
عرض كتاب الإتقان (38) - النوع التاسع والثلاثون في معرفة الوجوه والنظائر 3410 استماع