خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/1538"> صفحة د. مساعد الطيار . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/1538?sub=5012"> عرض كتاب الإتقان
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
عرض كتاب الإتقان (38) - النوع التاسع والثلاثون في معرفة الوجوه والنظائر
الحلقة مفرغة
أول من صنف في الوجوه والنظائر
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد:
قال: [ معرفة الوجوه والنظائر ].
ذكر من صنف فيه، والذي ظهر لي أن أول من صنف في هذا العلم هو مقاتل بن سليمان ، وينسب لـابن عباس رضي الله عنه تصنيفاً في هذا العلم، لكنه في نظري ليس صحيحاً نسبته إليه، إلا أن يكون أحد المتأخرين جمع من خلال تفسير ابن عباس ؛ فإنه لم يثبت عندي من خلال الاطلاع على المرويات أن أحداً من الصحابة صنف في التفسير أو في علوم القرآن، وإنما الذي يذكر صحائف جمعت الحديث النبوي مثل صحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره، أما الكتابة في التفسير وعلوم القرآن فلم أجد شيئاً يدل على ذلك، ومجرد النسبة في الكتب ليست مثبتة، بل هي تحتاج إلى إثبات، ويحتج لها ولا يحتج بها؛ لأنكم تجدون في بعض كتب النسب الوجوه والنظائر أو أوليتها لـابن عباس رضي الله عنه.
أما مقاتل بن سليمان فكتابه قد طبع طبعتين: الطبعة الأولى بتحقيق الدكتور عبد الله شحاته رحمه الله تعالى، وسمى الكتاب "الأشباه والنظائر" وتسميته رحمه الله تعالى الكتاب بالأشباه والنظائر خطأ؛ لأن الأشباه هي النظائر، وكتاب مقاتل بن سليمان كل من عرفه يقول: كتاب "الوجوه والنظائر" فالوجوه شيء، والنظائر شيء آخر، أما الأشباه فهي النظائر، ثم تبعه مؤخراً الدكتور حاتم الظامن على نسخة أخرى غير التي طبعها عبد الله شحاته ، ونبه على الخطأ الذي وقع فيه الدكتور عبد الله شحاته في تسميته بالأشباه والنظائر؛ لأنه أخذه من إحدى المخطوطات.
والدكتور حاتم ذكر اسمه بأنه "الوجوه والنظائر" وقد طبع في مركز جمعة الماجد، في جزء لطيف، وقد اعترض الدكتور حاتم على ما طبعه الدكتور عبد الله شحاته وزعم أنه نسخة من كتاب هارون الأعور ، ولكنه لم يبين هذا بياناً تاماً، والذي يظهر -والله أعلم- أن المسألة فيها نظر، لا من هذا ولا من ذاك، خصوصاً أن الكتب القديمة كان يضاف إليها ويزاد، ولو عملنا موازنة بين كتاب الوجوه والنظائر لـهارون الأعور ، المتوفي سنة 170هـ تقريباً، وكتاب مقاتل بن سليمان ، المتوفي 150هـ لوجدنا تشابهاً كبيراً.
ثم أيضاً ما كتبه يحيى بن سلام بعدهما، المتوفي سنة 200هـ، وكتابه اسمه "التصاريف" تجد أيضاً أنه يشابه هذه الكتب.
ثم كل من جاء بعد مقاتل بن سليمان يضيف على كلام مقاتل ، فعمل مقاتل أصل، وكل من جاء بعده فإنه إنما يزيد عليه الوجه والوجهين والكلمة وما سوى ذلك، أما أصل الكتاب فكله لـمقاتل ، فهو أصل العمل؛ ولهذا يمكن أن يقال: إن كل من كتب في الوجوه والنظائر هم عيال على مقاتل بن سليمان .
ومن المتأخرين: ذكر ابن الجوزي ، وأصل عمله هو كتاب مقاتل ثم زاد عليه زوائد، وقد بحث الأخ الفاضل فهد الضالع في قسم الدراسات القرآنية في كلية المعلمين بالرس، بحثاً في الماجستير اسمه: زوائد ابن الجوزي على مقاتل في الوجوه والنظائر، وبحثه جيد وفيه لطائف ونفائس، خصوصاً فيما يتعلق بالقضايا المرتبطة بين المعنى السياقي الذي يذكر في الوجوه والنظائر وبين المعنى اللغوي، وكل من جاء بعدهم وذكرهم، ابن الدامي ... وغيره، هؤلاء كتبهم كلها عمدة على كلام مقاتل .
وكذلك ابن فارس له كتاب اسمه الأفراد وقد حقق في مجلات علمية وطبعه مؤخراً الدكتور حاتم الظامن ، وسنأخذ منه مثالاً ذكره السيوطي في كتابه.
تعريف الوجوه والنظائر
وأما تعريف الوجوه فقال: [ الوجوه: اللفظ المشترك الذي يستعمل في عدة معان؛ كلفظ "الأمة" ].
ثم ذكر بعد ذلك النظائر فقال: [ النظائر: الألفاظ المتواطئة. وقيل: النظائر في اللفظ، والوجوه في المعاني وضعف؛ لأنه لو أريد هذا لكان الجميع في الألفاظ المشتركة، وهم يذكرون في تلك الكتب اللفظ الذي معناه واحد في مواضع كثيرة، فيجعلون الوجوه نوعاً لأقسام، والنظائر نوعاً آخر ].
هذا الكلام يحتاج إلى تفصيل وبسط؛ لأن الكلام كله الذي ذكره رحمه الله تعالى ليس بدقيق فيما يتعلق بعلم الوجوه والنظائر، والدليل على ذلك هو عمل مقاتل بن سليمان ومن جاء بعده.
ما يستدرك على تعريف السيوطي الوجوه والنظائر
لنأخذ قوله الأول لما قال: [ اللفظ المشترك الذي يستعمل في عدة معان ].
اللفظ المشترك الأصل فيه أن يكون محكياً عن العرب، مثل ما نقول: وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ[التكوير:17]، يستخدم لفظ: (عسعس) في أقبل، ويستخدم في أدبر، كذلك قوله: فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ[المدثر:51]، فلفظ قسورة يستخدم في الأسد ويستخدم في الرامي، فإذا قلنا الآن: اللفظ المشترك الذي يستعمل في عدة معان.
لو نظرنا أي نظرة في أي لفظة من الألفاظ التي يذكرها على سبيل المثال نأخذ أي مثال عنده، مثلاً (الهدى) أول مثال ذكره قال: (هدى) يأتي على سبعة عشر وجهاً، بمعنى: (الثبات)، اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ[الفاتحة:6]، والبيان: أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ[البقرة:5]، والدين: قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللهِ[آل عمران:73]، فهل هذه المعاني استخدمتها العرب؟ الجواب: لا، وإنما هذه معان سياقية.
وبناءً على ذلك أقول: إن قوله: (اللفظ المشترك) لا يصلح أن يكون هو المراد بالوجوه.
أيضاً النظائر قال: [ كالألفاظ المتواطئة ] المتواطئ كما في الحاشية: (هو الكلي الذي يكون حصول معناه وصدقه على أفراده الذهنية والخارجية على السوية؛ كالإنسان؛ فإن الإنسان له أفراد في الخارج).
يعني: لما نقول: زيد إنسان وعمرو إنسان، فزيد وعمرو لا يختلفان في الإنسانية.
إذاً الإنسانية معنى كلي، وينطبق على أكثر من فرد، هذا تعريف منطقي، فالمتواطئ من المصطلحات المنطقية.
ولو جئنا إلى النظائر هل هي من المتواطئ؟ النظائر في حقيقتها كما فعل مقاتل هي الآيات التي تأتي على معنى واحد من معاني الوجوه، كما سيأتي إن شاء الله تفصيله، ولنذكر مثالاً سيذكره ابن فارس في قوله سبحانه وتعالى في البعولة، البعولة نقول: البعل: الزوج، ومنه قوله تعالى: وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا[هود:72]، يقول مقاتل : [ ونظيره قوله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ[البقرة:228] ] ومعنى نظيره: ما يناظره في المعنى في هذا الوجه، وهو أن البعل: الزوج، قال تعالى: وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا[هود:72]، بمعنى: زوجي، نظيره: وَبُعُولَتُهُنَّ[البقرة:228]، هذا معنى النظائر؛ فإذاً لا علاقة لها بالألفاظ المتواطئة.
قال: [ وقيل: النظائر في اللفظ والوجوه في المعاني.. ] النظائر في اللفظ يعني: إن اللفظ واحد، الهدى.. والمعاني هي الوجوه، وهذا أيضاً ليس بدقيق.
الصواب في معنى الوجوه والنظائر
الصواب من خلال عمل مقاتل أن مراده بالوجوه: تعدد المعاني التي وردت للفظة الواحدة في القرآن فقد ذكر للهدى -مثلاً- سبعة عشر وجهاً، منها: الثبات، البيان، الدين، الإيمان، فهذه نعتبرها وجوهاً، الوجه الأول، الثاني، الثالث، هذا تعدد معانٍ، بمعنى: أن الثبات غير البيان.
فإذا جاء في أحد الوجوه أكثر من آية فنعتبرها نظائر. مثال ذلك: الدعاء، وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ[الرعد:7] أي: داع، نظيرها في المعنى قوله تعالى: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا[الأنبياء:73]، أي: يدعون، فالوجه الدعاء، والآيات هي النظائر التي ورد فيها هذا المعنى.
فهذا هو عمل مقاتل وعمل من جاء بعده. وأنا أتعجب من العلماء رحمهم الله تعالى الذين ذهبوا هذا المذهب كيف غفلوا عن تتبع مقصد مقاتل دون الاجتهاد في النظر في هذا الأمر تنظيراً! والتطبيق موجود بين أيديهم، ولم أجد من تنبه لهذا المعنى.
وبعض المعاصرين مثل الدكتورة هند شلبي من تونس اجتهدت في تقسيم الوجوه والنظائر بناءً على ما كتبه صاحب البرهان الزركشي وصاحب الإتقان، وعملت مشجرات عسرت فيها فكرة الوجوه والنظائر أكثر من كونها سهلتها، والوجوه سنذكرها إن شاء الله ونحن نأخذ بعض الأمثلة فتتبين بإذن الله.
الاختلاف في الاسم الصحيح لكتاب معترك الأقران
ثم ذكر المؤلف كتاباً له فقال: [ وقد أفردت في هذا الفن كتابا سميته " معترك الأقران في مشترك القرآن " ].
المشهور للسيوطي رحمه الله تعالى "معترك الأقران في إعجاز القرآن" وهو مطبوع بعنوان "معترك الأقران في إعجاز القرآن" والمحقق قال: وأنا لا أدري هل هو يريد هذا، أو يريد كتاباً آخر قريباً من هذا العنوان؛ لأنه في الواقع معترك الأقران في إعجاز القرآن" فهو ذكر وجهاً من وجوه إعجاز القرآن وهو المشترك؛ إذ من وجوه الإعجاز المشترك، والكتاب كله في الإعجاز، فلا أدري هل هو هذا، أو لا؟ ذهب إلى هذا أيضاً محمد بن علي البجاوي في تحقيقه لمعترك الأقران، وزعم أن السيوطي رحمه الله تعالى ذكر هذا الكتاب بهذا الاسم في كتاب الوجوه والنظائر، ولا زلت أحس أن الأمر يحتاج إلى نظر آخر؛ لأنه فرق بين كتاب في الإعجاز وكتاب في المشترك؛ ولهذا قالوا: قد جعل بعضهم ذلك من أنواع معجزات القرآن؛ هذا صحيح، وهو جعله كذلك في كتابه معترك الأقران، وذكر جملة من هذه الوجوه المرتبطة بالمشترك.
نسبة قول: (لا يكون الرجل فقيهاً ...) ومعناه
مقاتل كما ذكر صدر كتابه بحديث مرفوع: (لا يكون الرجل فقيهاً كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوهاً كثيرة)، وهذا لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يثبت عن أبي الدرداء أنه قال في أثر له: (وإنك لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوهاً) وليس مراد مقاتل ما ذهب إليه الباطنية من أن للقرآن وجهاً ظهراً ووجهاً بطناً، وإنما مراد أبي الدرداء على الصواب: أن الآية قد تحتمل أكثر من معنىً صحيح، إذاً لا علاقة لها بالوجوه والنظائر هذه، ولا علاقة لها بكلام الباطنية في الظاهر والباطن، وإنما الصحيح أن مراد أبي الدرداء رضي الله عنه: (أنك لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوهاً) أي: أن الآية قد تحتمل أكثر من وجه، فإذا رأيت العلماء قد حملوه على معان متعددة كلها صحيحة ولا تحتملها؛ فكأنه يقول: من ضيق فقهك أن ترد هذه الأقوال الصحيحة وتبحث عن أن الحق واحد، وليس كل ما ذكر حقاً، هذا مراد أبي الدرداء رضي الله عنه.
مثال على كون القرآن حمال أوجه
ولو رجعنا إلى تفسير السلف سنجد مصداق ذلك في تطبيقاتهم، حتى إن الواحد منهم أحياناً قد يرد أكثر من معنى في الآية، وكل هذه المعاني صحيحة ومتغايرة، أما ما يرد عن مجموعهم أكثر من معنى فهذا كثير، مثل قوله سبحانه وتعالى: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ[الانشقاق:19]، هذه قراءة، أي: (لتركبن أيها الناس سماءً بعد سماء) وهو إشارة إلى عروج الروح بعد الموت، كما هو معلوم في تفسير حديث البراء بن عازب .
وقيل: (لتركبن أيها الناس حالاً بعد حال من أهوال الدنيا وشدائدها). وإذا تأملت هذه المعاني ونظرت إلى سياق الآيات فإن سياق الآيات لا يمنع هذا القول ولا هذا القول، فهذا وجه وهذا وجه، وهناك وجه أغرب من هذا عن الضحاك أو عن عكرمة ، قال: ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ[الانشقاق:19]، قال: لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة) أما على قراءة: ( لتركبن طبقاً عن طبق) فقيل وهو قول ابن مسعود : (لتركبن السماء ضروباً من التغير) كما أخبر الله سبحانه وتعالى عنها فقال: إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ[الانشقاق:1]، وقال: فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ[الرحمن:37]، وقال: يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالمُهْلِ[المعارج:8]؛ فإذاً هي ضروب من التغير. فإذاً حمل على أن المخاطب بـ (لتركبن) السماء، وقيل: لتركبن يا محمد صلى الله عليه وسلم، اختلف في معنى (طبق) فقيل: لتركبن السماء سماءً بعد سماء، إشارة إلى معراجه صلى الله عليه وسلم، وقيل: (لتركبن أحوال الدنيا وأهوالها شدة بعد شدة) مثل ما قيل: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ[الانشقاق:19]، فاختلف الآن المخاطب من هو؟ واختلف أيضاً في المراد بالطبق، وكل هذه المعاني إذا تأملناها هي معانٍ صحيحة، والسياق يحتملها؛ فهذا هو مراد أبي الدرداء : ( بأنك لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوهاً) والمراد الوجوه الصحيحة، وليس المراد فتح الباب على مصراعيه؛ لأنه لو قيل ذلك لصار كل واحد يتكلم في القرآن بما شاء. وليس هذا هو المراد.
ثم ذكر أيضاً عن ابن عباس أن علياً قال له: (اذهب إليهم فخاصمهم ولا تحاجهم بالقرآن؛ فإنه ذو وجوه، ولكن خاصمهم بالسنة) وهذا أيضاً على نفس ما ذكره أبو الدرداء ، أن مراده المعاني، هذا أقرب، وعلي رضي الله عنه أراد من ابن عباس أن يحيد عن الآيات نظراً للاحتمال، وأن يذهب إلى السنة؛ لقلة الاحتمال فيها، وهذا يدلنا على أن المحتملات في القرآن أكثر من المحتملات في شرح السنة النبوية، وهذا صحيح؛ فإن من اطلع على شرح حديث ما وآية ما؛ فإنه ينكشف له هذا المعنى في أن الوجوه التي ترد على الآية الواحدة أكثر من الوجوه التي قد ترد على شرح حديث ما، فالحديث قد لا يبلغ في الوجوه التي تذكر ثلاثة، أما الآية فقد تبلغ عشرة أوجه، وكلها قد تكون صحيحة.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد:
قال: [ معرفة الوجوه والنظائر ].
ذكر من صنف فيه، والذي ظهر لي أن أول من صنف في هذا العلم هو مقاتل بن سليمان ، وينسب لـابن عباس رضي الله عنه تصنيفاً في هذا العلم، لكنه في نظري ليس صحيحاً نسبته إليه، إلا أن يكون أحد المتأخرين جمع من خلال تفسير ابن عباس ؛ فإنه لم يثبت عندي من خلال الاطلاع على المرويات أن أحداً من الصحابة صنف في التفسير أو في علوم القرآن، وإنما الذي يذكر صحائف جمعت الحديث النبوي مثل صحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره، أما الكتابة في التفسير وعلوم القرآن فلم أجد شيئاً يدل على ذلك، ومجرد النسبة في الكتب ليست مثبتة، بل هي تحتاج إلى إثبات، ويحتج لها ولا يحتج بها؛ لأنكم تجدون في بعض كتب النسب الوجوه والنظائر أو أوليتها لـابن عباس رضي الله عنه.
أما مقاتل بن سليمان فكتابه قد طبع طبعتين: الطبعة الأولى بتحقيق الدكتور عبد الله شحاته رحمه الله تعالى، وسمى الكتاب "الأشباه والنظائر" وتسميته رحمه الله تعالى الكتاب بالأشباه والنظائر خطأ؛ لأن الأشباه هي النظائر، وكتاب مقاتل بن سليمان كل من عرفه يقول: كتاب "الوجوه والنظائر" فالوجوه شيء، والنظائر شيء آخر، أما الأشباه فهي النظائر، ثم تبعه مؤخراً الدكتور حاتم الظامن على نسخة أخرى غير التي طبعها عبد الله شحاته ، ونبه على الخطأ الذي وقع فيه الدكتور عبد الله شحاته في تسميته بالأشباه والنظائر؛ لأنه أخذه من إحدى المخطوطات.
والدكتور حاتم ذكر اسمه بأنه "الوجوه والنظائر" وقد طبع في مركز جمعة الماجد، في جزء لطيف، وقد اعترض الدكتور حاتم على ما طبعه الدكتور عبد الله شحاته وزعم أنه نسخة من كتاب هارون الأعور ، ولكنه لم يبين هذا بياناً تاماً، والذي يظهر -والله أعلم- أن المسألة فيها نظر، لا من هذا ولا من ذاك، خصوصاً أن الكتب القديمة كان يضاف إليها ويزاد، ولو عملنا موازنة بين كتاب الوجوه والنظائر لـهارون الأعور ، المتوفي سنة 170هـ تقريباً، وكتاب مقاتل بن سليمان ، المتوفي 150هـ لوجدنا تشابهاً كبيراً.
ثم أيضاً ما كتبه يحيى بن سلام بعدهما، المتوفي سنة 200هـ، وكتابه اسمه "التصاريف" تجد أيضاً أنه يشابه هذه الكتب.
ثم كل من جاء بعد مقاتل بن سليمان يضيف على كلام مقاتل ، فعمل مقاتل أصل، وكل من جاء بعده فإنه إنما يزيد عليه الوجه والوجهين والكلمة وما سوى ذلك، أما أصل الكتاب فكله لـمقاتل ، فهو أصل العمل؛ ولهذا يمكن أن يقال: إن كل من كتب في الوجوه والنظائر هم عيال على مقاتل بن سليمان .
ومن المتأخرين: ذكر ابن الجوزي ، وأصل عمله هو كتاب مقاتل ثم زاد عليه زوائد، وقد بحث الأخ الفاضل فهد الضالع في قسم الدراسات القرآنية في كلية المعلمين بالرس، بحثاً في الماجستير اسمه: زوائد ابن الجوزي على مقاتل في الوجوه والنظائر، وبحثه جيد وفيه لطائف ونفائس، خصوصاً فيما يتعلق بالقضايا المرتبطة بين المعنى السياقي الذي يذكر في الوجوه والنظائر وبين المعنى اللغوي، وكل من جاء بعدهم وذكرهم، ابن الدامي ... وغيره، هؤلاء كتبهم كلها عمدة على كلام مقاتل .
وكذلك ابن فارس له كتاب اسمه الأفراد وقد حقق في مجلات علمية وطبعه مؤخراً الدكتور حاتم الظامن ، وسنأخذ منه مثالاً ذكره السيوطي في كتابه.
وأما تعريف الوجوه فقال: [ الوجوه: اللفظ المشترك الذي يستعمل في عدة معان؛ كلفظ "الأمة" ].
ثم ذكر بعد ذلك النظائر فقال: [ النظائر: الألفاظ المتواطئة. وقيل: النظائر في اللفظ، والوجوه في المعاني وضعف؛ لأنه لو أريد هذا لكان الجميع في الألفاظ المشتركة، وهم يذكرون في تلك الكتب اللفظ الذي معناه واحد في مواضع كثيرة، فيجعلون الوجوه نوعاً لأقسام، والنظائر نوعاً آخر ].
هذا الكلام يحتاج إلى تفصيل وبسط؛ لأن الكلام كله الذي ذكره رحمه الله تعالى ليس بدقيق فيما يتعلق بعلم الوجوه والنظائر، والدليل على ذلك هو عمل مقاتل بن سليمان ومن جاء بعده.
لنأخذ قوله الأول لما قال: [ اللفظ المشترك الذي يستعمل في عدة معان ].
اللفظ المشترك الأصل فيه أن يكون محكياً عن العرب، مثل ما نقول: وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ[التكوير:17]، يستخدم لفظ: (عسعس) في أقبل، ويستخدم في أدبر، كذلك قوله: فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ[المدثر:51]، فلفظ قسورة يستخدم في الأسد ويستخدم في الرامي، فإذا قلنا الآن: اللفظ المشترك الذي يستعمل في عدة معان.
لو نظرنا أي نظرة في أي لفظة من الألفاظ التي يذكرها على سبيل المثال نأخذ أي مثال عنده، مثلاً (الهدى) أول مثال ذكره قال: (هدى) يأتي على سبعة عشر وجهاً، بمعنى: (الثبات)، اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ[الفاتحة:6]، والبيان: أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ[البقرة:5]، والدين: قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللهِ[آل عمران:73]، فهل هذه المعاني استخدمتها العرب؟ الجواب: لا، وإنما هذه معان سياقية.
وبناءً على ذلك أقول: إن قوله: (اللفظ المشترك) لا يصلح أن يكون هو المراد بالوجوه.
أيضاً النظائر قال: [ كالألفاظ المتواطئة ] المتواطئ كما في الحاشية: (هو الكلي الذي يكون حصول معناه وصدقه على أفراده الذهنية والخارجية على السوية؛ كالإنسان؛ فإن الإنسان له أفراد في الخارج).
يعني: لما نقول: زيد إنسان وعمرو إنسان، فزيد وعمرو لا يختلفان في الإنسانية.
إذاً الإنسانية معنى كلي، وينطبق على أكثر من فرد، هذا تعريف منطقي، فالمتواطئ من المصطلحات المنطقية.
ولو جئنا إلى النظائر هل هي من المتواطئ؟ النظائر في حقيقتها كما فعل مقاتل هي الآيات التي تأتي على معنى واحد من معاني الوجوه، كما سيأتي إن شاء الله تفصيله، ولنذكر مثالاً سيذكره ابن فارس في قوله سبحانه وتعالى في البعولة، البعولة نقول: البعل: الزوج، ومنه قوله تعالى: وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا[هود:72]، يقول مقاتل : [ ونظيره قوله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ[البقرة:228] ] ومعنى نظيره: ما يناظره في المعنى في هذا الوجه، وهو أن البعل: الزوج، قال تعالى: وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا[هود:72]، بمعنى: زوجي، نظيره: وَبُعُولَتُهُنَّ[البقرة:228]، هذا معنى النظائر؛ فإذاً لا علاقة لها بالألفاظ المتواطئة.
قال: [ وقيل: النظائر في اللفظ والوجوه في المعاني.. ] النظائر في اللفظ يعني: إن اللفظ واحد، الهدى.. والمعاني هي الوجوه، وهذا أيضاً ليس بدقيق.
الصواب من خلال عمل مقاتل أن مراده بالوجوه: تعدد المعاني التي وردت للفظة الواحدة في القرآن فقد ذكر للهدى -مثلاً- سبعة عشر وجهاً، منها: الثبات، البيان، الدين، الإيمان، فهذه نعتبرها وجوهاً، الوجه الأول، الثاني، الثالث، هذا تعدد معانٍ، بمعنى: أن الثبات غير البيان.
فإذا جاء في أحد الوجوه أكثر من آية فنعتبرها نظائر. مثال ذلك: الدعاء، وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ[الرعد:7] أي: داع، نظيرها في المعنى قوله تعالى: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا[الأنبياء:73]، أي: يدعون، فالوجه الدعاء، والآيات هي النظائر التي ورد فيها هذا المعنى.
فهذا هو عمل مقاتل وعمل من جاء بعده. وأنا أتعجب من العلماء رحمهم الله تعالى الذين ذهبوا هذا المذهب كيف غفلوا عن تتبع مقصد مقاتل دون الاجتهاد في النظر في هذا الأمر تنظيراً! والتطبيق موجود بين أيديهم، ولم أجد من تنبه لهذا المعنى.
وبعض المعاصرين مثل الدكتورة هند شلبي من تونس اجتهدت في تقسيم الوجوه والنظائر بناءً على ما كتبه صاحب البرهان الزركشي وصاحب الإتقان، وعملت مشجرات عسرت فيها فكرة الوجوه والنظائر أكثر من كونها سهلتها، والوجوه سنذكرها إن شاء الله ونحن نأخذ بعض الأمثلة فتتبين بإذن الله.
ثم ذكر المؤلف كتاباً له فقال: [ وقد أفردت في هذا الفن كتابا سميته " معترك الأقران في مشترك القرآن " ].
المشهور للسيوطي رحمه الله تعالى "معترك الأقران في إعجاز القرآن" وهو مطبوع بعنوان "معترك الأقران في إعجاز القرآن" والمحقق قال: وأنا لا أدري هل هو يريد هذا، أو يريد كتاباً آخر قريباً من هذا العنوان؛ لأنه في الواقع معترك الأقران في إعجاز القرآن" فهو ذكر وجهاً من وجوه إعجاز القرآن وهو المشترك؛ إذ من وجوه الإعجاز المشترك، والكتاب كله في الإعجاز، فلا أدري هل هو هذا، أو لا؟ ذهب إلى هذا أيضاً محمد بن علي البجاوي في تحقيقه لمعترك الأقران، وزعم أن السيوطي رحمه الله تعالى ذكر هذا الكتاب بهذا الاسم في كتاب الوجوه والنظائر، ولا زلت أحس أن الأمر يحتاج إلى نظر آخر؛ لأنه فرق بين كتاب في الإعجاز وكتاب في المشترك؛ ولهذا قالوا: قد جعل بعضهم ذلك من أنواع معجزات القرآن؛ هذا صحيح، وهو جعله كذلك في كتابه معترك الأقران، وذكر جملة من هذه الوجوه المرتبطة بالمشترك.