شرح لامية الأفعال [15]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فقد عقد ابن مالك رحمه الله تعالى هذا الباب اسم المصدر الميمي، فقال: ( باب المفعَل والمفعِل )، فأراد بذلك بيان هذا النوع من أنواع الاشتقاق، وهذا النوع يدخل معه نوعان آخران، فالنوع الذي نعنيه هو اسم المصدر، النوع الثاني: اسم المكان، والنوع الثالث: اسم الزمان، فهذه ثلاثة أنواع من أنواع الاشتقاق، أو ثلاثة مقاصد من مقاصد الاشتقاق، ولكنها تأتي على هذين الوزنين على (المفعَل) أو على (المفعِل)، على اختلاف القواعد التي سنبينها في ذلك، وأما المفعُل بالضم فلا يقاس في أي شيء؛ فلذلك لم يذكره، وذكره هنا خطأ، فليس من الطرة، وملخص هذا الباب أنه يدور على أربعة قواعد، وما عداها فهو شاذ، فالقاعدة الأولى: بأن الفعل الثلاثي المفتوح المضارع أو المضموم، غير المعتل اللام، ولا واوي الفاء، فإن اسم المصدر منه واسم المكان واسم الزمان بالفتح.

القاعدة الثانية: أن الثلاثي المعتل اللام مطلقاً، معناه: سواءً كان واوي الفاء أو لا، سواءً كان مكسور المضارع أو لا، فإن اسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح أيضاً.

القاعدة الثالثة: أن الثلاثي الواوي الفاء إذا صحت لامه سواءً فتح مضارعه أو كسر أو ضم، أو نقول: فتح مضارعه أو كسر، فإن اسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالكسر.

القاعدة الرابعة: أن الثلاثي المكسور المضارع، غير معتل اللام، ولا واوي الفاء جاء اسم المصدر منه بالفتح، واسم الزمان واسم المكان بالكسر، هذه القواعد الأربعة، ما عداها فهو شاذ، ولكنها هي ملخص الباب، والشاذ كثير؛ ولذلك اعتنى به ابن مالك رحمه الله تعالى هنا وتقصاه، فابتدأ أولاً بذكر هذه القواعد الأربع، فقال:

الثلاثي صحيح اللام غير واوي الفاء وغير منكسر مضارعه

من ذي الثلاثة -لا (يفعل)- له ائت بـ(مفـ ـعلٍ) لمصدرٍ أو ما فيه قد عملا

فافتتاح البيت أن تقول: ائت بمفعل لمصدر أو ما فيه قد عمل من زمان أو مكان، من ذي الثلاثة معناه: من الفعل ذي الثلاثة، معناه: ذي ثلاثة أحرف الصحيح اللام غير واوي الفاء ( لا (يفعل) له )، معناه: وليس مضارعه بالكسر،؛ بأن فتح مضارعه كيذهب، أو ضم مضارعه كيقعد، فإن اسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، قال:

ذهبت من الهجران في غير مذهب ولم يك حقاً كل هذا التجنب

هذه قصيدة علقمة الفحل التي يعارض بها امرأ القيس في قصيدته التي مطلعها:

خليلي مرا بي على أم جندب نقضّ لبانات الفؤاد المعذب

قال: (ذهبت من الهجران في غير مذهب)، فمذهب هنا من ذهب، وهو ثلاثي غير معتل اللام، ولا واوي الفاء، وغير مكسور المضارع، بل هو مفتوح المضارع (يذهَب)، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه على مذهب بالفتح، وهنا في (غير مذهب) إما أن تكون المصدر، معناه: في غير ذهاب، والمصدر يطلق على الحقيقة مطلقاً، فيشمل ذلك الزمان والمكان، أو أن تقول: في (غير مذهب)، معناه: في غير مكان ذهاب، أو في غير زمان ذهاب، وقوله تعالى: وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ [التوبة:118]، لجأ فعل ثلاثي غير معتل اللام، ولا واوي الفاء، وغير مكسور المضارع، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، فقوله تعالى: وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ [التوبة:118]، إما أن تكون اسم مكان، وإما أن تكون اسم مصدر، وهي مفتوحة على كل حال، وكذلك قوله: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:55]، فقعد فعل ثلاثي غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، ولا مكسور المضارع، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، وهنا جاء اسم المكان في هذه الآية فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:55]، (مقعد صدق) اسم المكان.

وكذلك قوله تعالى: يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ [البلد:15-16]، فالمقربة من قرب، وهو فعل ثلاثي، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، ولا مكسور المضارع، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، (ذا مقربة).

كذلك (تربت يداه) فعل ثلاثي، غير معتل اللام، ولا واوي الفاء، ولا مكسور المضارع، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، والمتربة هنا معناها الفقر، فهي اسم المصدر.

الثلاثي معتل اللام مطلقاً دون اعتبار لفائه أو حركة مضارعه

كذاك معتل لامٍ مطلقًا وإذا الـ ـفا كان واوًا بكسرٍ مطلقًا حصلا

القاعدة الثانية هي التي أشار إليها بقوله: ( كذاك معتل لام مطلقاً )، معناه: كذاك ائت بمفعل لمصدر أو ما فيه قد عملا من ذي الثلاثة مطلقاً، معناه: سواءً كان مكسور المضارع أو لا، وسواءً كان واوي الفاء أو لا؛ ولهذا قال: معتل لام مطلقاً، مصدراً أم لا، واوي الفاء أم لا، مكسور المضارع أم لا، وذلك كرمى، فهو فعل ثلاثي، معتل اللام، فمضارعه مكسور يرمي، والمصدر والزمان والمكان منه بالفتح فتقول: مرمىً، وكذلك رعى، فهذا فعل ثلاثي، معتل اللام، ومضارعه غير مكسور، بل مفتوح، لأنه يرعى، فالمصدر والزمان والمكان منه على مفعل، تقول: مرعىً.

ولن تصادف مرعىً ممرعاً أبداً إلا وجدت به آثار منتجع

مرعى هنا معناه: مكان الرعي، وكذلك مغزىً من غزا يغزو، هذا مضموم المضارع، وهو فعل ثلاثي واوي الفاء، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، فتقول: مغزىً للغزو ولمكانه ولزمانه، كذلك أتى يأتي، فهي مثل رمى يرمي؛ لأنها فعل ثلاثي، معتل اللام، مكسور المضارع، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح فتقول: مرمى، وكذلك مثوىً من ثوى يثوي، مثل أتى يأتي، فتقول فيها: مثوىً للزمان والمكان والمصدر، وكذلك مأوىً أيضاً من أوى يأوي، ومنه قول الله تعالى: عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى [النجم:15]، فالمأوى هنا إما أن تكون اسم مصدر معناه: جنة الإيواء، أو مكان الإيواء، فتكون اسم مكان، وكل ذلك بالفتح.

وكذلك قوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [محمد:19]، (مثواكم) هنا مفعل أيضاً من ثوى، وهو فعل ثلاثي، معتل اللام، مضارعه بالكسر، فمصدره وزمانه ومكانه بالفتح، تقول: مثواه، هذا هو اسم المصدر.

الثلاثي صحيح اللام واوي الفاء دون اعتبار لحركة مضارعه

كذاك معتل لامٍ مطلقًا وإذا الـ ـفا كان واوًا بكسرٍ مطلقًا حصلا

القاعدة الثالثة: فقال: (وَإِذَا الفَا كَانَ وَاوً بِكَسْرٍ مُطْلَقًا حَصَلا)، وفي هذه القاعدة أن واوي الفاء إذا كان صحيح اللام، سواءً كان مكسور المضارع أو مفتوحه أو مضمومه، (فكسر مطلقاً)، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان على (المفعِل) بالكسر؛ لذلك قال: ( بكسر مطلقاً )، فسر الإطلاق بقوله؛ أي: سواءً كان مصدراً أو زماناً أو مكاناً، فتح المضارع أو لا، وذلك مثل قول الله تعالى: بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا [الكهف:58]، فاجتمع لنا هنا مثالان في هذه الآية، (موعد)، وعد، فهذا ثلاثي، واوي الفاء، صحيح اللام، ومضارعه بالكسر، والمصدر منه والزمان والمكان بالكسر كذلك، فتقول: موعد، (بل لهم موعد)، إما أن تكون اسم مصدر معناه: بل لهم وعد، أو أن تكون مكاناً أو زماناً، فالمكان هو الساهرة، والزمان هو النفخ في الصور؛ فلذلك قال: بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا [الكهف:58]، كذلك (موئل) من (وأل يئل)، فهو فعل ثلاثي، واوي الفاء، غير معتل اللام، واسم المصدر منه اسم الزمان، واسم المكان بالكسر.

وكذلك وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ [آل عمران:138]، في عدد من الآيات ذكر الموعظة، فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ [البقرة:275]، فالموعظة من وعظ، فهو فعل ثلاثي، واوي الفاء، غير معتل اللام، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالكسر، تقول: موعظة للمصدر؛ أي: وعظاً، أو مكان اتعاظ؛ أي: واقع آية من آيات الله التي تستحق أن يتعظ عندها.

ومثل ذلك قوله تعالى: حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ [يوسف:66]، فوثق فعل ثلاثي، واوي الفاء، غير معتل اللام، مضارع بالكسر الشاذ، وفعل بالكسر الذي انفرد بالكسر، كما ذكرنا من قبل:

وأفرد الكسر فيما من ورث وولي ورم ورعت ومقت مع وفقت حلا

فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالكسر، (موثقاً من الله)، فإما أن تكون اسم مصدر بمعنى: ميثاقاً من الله؛ أي: عهداً، أو أن تكون مكان ثقتكم، وهو أن يعطوه صفقات أيديهم، يبايعوه على ذلك، لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ [يوسف:66]، خلافاً لـبدر الدين في كون مفتوح العين منه كوهب.

فـبدر الدين بن محمد بن مالك خالف أباه في قوله: (مطلقاً) هنا، فرأى أن مفتوح العين منه مصدره بالفتح، وذلك كـ(وهب) و(وضع) و(وجل)، فـ(وهب) مضارعها (يهب)، (وضع) (يضع)، لكن (وهب) من الشاذ، و(وضع) على القياس، وكذلك (وجل) (يوجل) مكسور، وكذلك (ود) (يود)، فتقول فيها: (موهب) و(موضع) و(موجل) و(مودة).

ولا يؤثر كون الواو فاءً إذا ما اعتل لام كمولًى فارع صدق ولا

نظراً لأن ابن مالك أطلق في القاعدتين السابقتين، فقال: (كذاك معتل لام مطلقاً)، وكذلك قال: (وإذا الفاء كان واوً بكسر مطلقاً حصلا)، فظاهره التعارض بين هاتين القاعدتين، فأراد أن يبين لك ما تداخلتا فيه، فقال: ولا يؤثر كسر عينه كون الواو فاءً إذا ما اعتل لام.

القاعدة الأولى -وهي قاعدة معتل اللام- أعم وأشمل من القاعدة الثانية التي هي قاعدة واوي الفعل؛ لذلك قال: ( ولا يؤثر كون الواو فاءً إذا ما اعتل لام )، فإذا كان الفعل الثلاثي معتل اللام فهو على قاعدة معتل اللام، فاسم مصدره واسم زمانه واسم مكانه بالفتح مطلقاً، سواءً كان واوي الفاء أو لم يكن؛ فلذلك قال: ( ولا يؤثر كون الواو فاءً إذا ما اعتل لام )، ما مثال ذلك؟ مولىً وموقىً، فما كان واوي الفاء، معتل اللام، فإن اسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، وذلك كـ(مولىً)، فهو من ولي يلي، فهو ثلاثي، معتل اللام، واوي الفاء، ومع ذلك اسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، تقول: مولىً ولا تقول: مول، والمولى هنا معناه: مكان الولاية أو زمانها، أو المصدر بمعنى: الولاية، لكن يستعمل المولى في غير هذا، المولى لابن العم أو الناصر، والمولى للمعتق والمعتق، المولى الأعلى والمولى الأسفل، هذه غير مقصودة هنا؛ لأنها ليست اسم مصدر، ولا اسم زمان، ولا اسم مكان، بل هي ما سيأتينا -إن شاء الله- اسم المفعول.

(فَارْعَ صِـدْقَ وَلاَ)، هذا تتميم، والمقصود به التنبيه على أن مولىً هنا من الولاية، والولاية تقتضي النصرة والمحبة؛ ولذلك قال: (فارع)؛ أي: راع، (صدق ولا)، بالقصر؛ أي: ولاء، بمعنى: كن صادقاً في محبتك ونصرتك.

الثلاثي صحيح اللام غير واوي الفاء ومنكسر مضارعه

في غير ذا عينه افتح مصدرًا وسوا ه اكسر وشذ الذي عن ذلك اعتزلا

أما القاعدة الرابعة فهي قوله: (فِي غَيْرِ ذَا عَيْنَهُ افْتَحْ مَصْدَرًا وَسِوَاهُ اكْسِرْ)، وقوله: ( وذكر ثالثاً )، فقال: هذا ليس من الطرة، فلا معنى له الآن، هذه القاعدة الرابعة، ( في غير ذا ) المتقدم، وهو مكسور المضارع، غير معتل اللام، ولا واوي الفاء، فهذا هو غير المتقدم؛ لأن أول ما ذكرناه في القاعدة الأولى: غير مكسور المضارع من الصحيح.

القاعدة الثانية: معتل اللام مطلقاً، القاعدة الثالثة: واوي الفاء مطلقاً، فالآن نصل إلى غير ما ذكر، وهو مكسور المضارع من الصحيح، معناه: غير معتل اللام، وغير واوي الفاء، فهذا على التفصيل (عينه افتح مصدراً)، بمعنى: اسم المصدر، وسواه اكسر؛ أي: زماناً ومكاناً، ومنه قول الله تعالى: يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أينَ الْمَفَرُّ [القيامة:10]، معناه: إلى أين الفرار، فأين: إلى أين الفرار.

يا لبكر أنشروا لي كليباً يا لبكر أين أين الفرار

كذلك هنا أين المفر بمعنى: أين الفرار.

وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [طه:39]، محبةً بالفتح مصدر بمعنى: حباً مني، وهي من (حب يحب)، فهو مكسور المضارع، مثل فر يفر مكسور المضارع، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام؛ ولذلك اسم المصدر منه بالفتح، واسم الزمان واسم المكان بالكسر، نعم، يحب حباً، وكمنزل، فنزل فعل ثلاثي، مكسور المضارع، ينزل غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، فاسم المصدر منه بالفتح، واسم الزمان واسم المكان بالكسر، فتقول: نزل منزلاً بمعنى: نزولاً، ومنزلاً بمعنى: مكان نزول وزمانه، وَقُلْ رَبِّ أَنزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ [المؤمنون:29]، الآية الأخرى التي فيها قرئت بالوجهين، فقراءة شعبة : (وقل رب أنزلني مَنزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين)، وقراءة من سواه: (مُنزلاً مباركاً)، فمنزلاً مباركاً من (نزل)، فهي مكان نزول، لو قلت: مَنزلاً بالفتح لكانت اسم مصدر، أما إن كسرت فهي إما للمكان أو للزمان، والمقصود بها هنا: المكان.

وكذلك المجلس، فإذا أردت اسم المصدر فإنك تقول: مجلَس بمعنى: جلوس، وإذا أردت اسم المكان أو اسم الزمان فإنك تقول: مجلِس بالكسر؛ لأنها من (جلِس) فعل ثلاثي، مكسور المضارع، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، وكذلك (صرف صرفه يصرفه)، فهو فعل ثلاثي، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، وهو مكسور المضارع، فاسم المصدر منه بالفتح، واسم الزمان واسم المكان بالكسر، ومن المكان قول الله تعالى: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا [الكهف:53]، فمصرفاً هنا من صرف وهو المكان، وكذلك قوله تعالى: حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196]، محِل بالمكان بمعنى: نزل يحل، فهي فعل ثلاثي، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، ومضارعه بالكسر، اسم المصدر منه بالفتح، واسم الزمان واسم المكان بالكسر، فتقول: (محِله)، معناه: مكان حلوله، وهو مكة؛ لذلك حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196].

وكذلك ( محلي حيث حبستني ) في حديث ضباعة بنت الزبير .

من ذي الثلاثة -لا (يفعل)- له ائت بـ(مفـ ـعلٍ) لمصدرٍ أو ما فيه قد عملا

فافتتاح البيت أن تقول: ائت بمفعل لمصدر أو ما فيه قد عمل من زمان أو مكان، من ذي الثلاثة معناه: من الفعل ذي الثلاثة، معناه: ذي ثلاثة أحرف الصحيح اللام غير واوي الفاء ( لا (يفعل) له )، معناه: وليس مضارعه بالكسر،؛ بأن فتح مضارعه كيذهب، أو ضم مضارعه كيقعد، فإن اسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، قال:

ذهبت من الهجران في غير مذهب ولم يك حقاً كل هذا التجنب

هذه قصيدة علقمة الفحل التي يعارض بها امرأ القيس في قصيدته التي مطلعها:

خليلي مرا بي على أم جندب نقضّ لبانات الفؤاد المعذب

قال: (ذهبت من الهجران في غير مذهب)، فمذهب هنا من ذهب، وهو ثلاثي غير معتل اللام، ولا واوي الفاء، وغير مكسور المضارع، بل هو مفتوح المضارع (يذهَب)، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه على مذهب بالفتح، وهنا في (غير مذهب) إما أن تكون المصدر، معناه: في غير ذهاب، والمصدر يطلق على الحقيقة مطلقاً، فيشمل ذلك الزمان والمكان، أو أن تقول: في (غير مذهب)، معناه: في غير مكان ذهاب، أو في غير زمان ذهاب، وقوله تعالى: وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ [التوبة:118]، لجأ فعل ثلاثي غير معتل اللام، ولا واوي الفاء، وغير مكسور المضارع، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، فقوله تعالى: وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ [التوبة:118]، إما أن تكون اسم مكان، وإما أن تكون اسم مصدر، وهي مفتوحة على كل حال، وكذلك قوله: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:55]، فقعد فعل ثلاثي غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، ولا مكسور المضارع، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، وهنا جاء اسم المكان في هذه الآية فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:55]، (مقعد صدق) اسم المكان.

وكذلك قوله تعالى: يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ [البلد:15-16]، فالمقربة من قرب، وهو فعل ثلاثي، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، ولا مكسور المضارع، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، (ذا مقربة).

كذلك (تربت يداه) فعل ثلاثي، غير معتل اللام، ولا واوي الفاء، ولا مكسور المضارع، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، والمتربة هنا معناها الفقر، فهي اسم المصدر.

كذاك معتل لامٍ مطلقًا وإذا الـ ـفا كان واوًا بكسرٍ مطلقًا حصلا

القاعدة الثانية هي التي أشار إليها بقوله: ( كذاك معتل لام مطلقاً )، معناه: كذاك ائت بمفعل لمصدر أو ما فيه قد عملا من ذي الثلاثة مطلقاً، معناه: سواءً كان مكسور المضارع أو لا، وسواءً كان واوي الفاء أو لا؛ ولهذا قال: معتل لام مطلقاً، مصدراً أم لا، واوي الفاء أم لا، مكسور المضارع أم لا، وذلك كرمى، فهو فعل ثلاثي، معتل اللام، فمضارعه مكسور يرمي، والمصدر والزمان والمكان منه بالفتح فتقول: مرمىً، وكذلك رعى، فهذا فعل ثلاثي، معتل اللام، ومضارعه غير مكسور، بل مفتوح، لأنه يرعى، فالمصدر والزمان والمكان منه على مفعل، تقول: مرعىً.

ولن تصادف مرعىً ممرعاً أبداً إلا وجدت به آثار منتجع

مرعى هنا معناه: مكان الرعي، وكذلك مغزىً من غزا يغزو، هذا مضموم المضارع، وهو فعل ثلاثي واوي الفاء، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، فتقول: مغزىً للغزو ولمكانه ولزمانه، كذلك أتى يأتي، فهي مثل رمى يرمي؛ لأنها فعل ثلاثي، معتل اللام، مكسور المضارع، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح فتقول: مرمى، وكذلك مثوىً من ثوى يثوي، مثل أتى يأتي، فتقول فيها: مثوىً للزمان والمكان والمصدر، وكذلك مأوىً أيضاً من أوى يأوي، ومنه قول الله تعالى: عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى [النجم:15]، فالمأوى هنا إما أن تكون اسم مصدر معناه: جنة الإيواء، أو مكان الإيواء، فتكون اسم مكان، وكل ذلك بالفتح.

وكذلك قوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [محمد:19]، (مثواكم) هنا مفعل أيضاً من ثوى، وهو فعل ثلاثي، معتل اللام، مضارعه بالكسر، فمصدره وزمانه ومكانه بالفتح، تقول: مثواه، هذا هو اسم المصدر.

كذاك معتل لامٍ مطلقًا وإذا الـ ـفا كان واوًا بكسرٍ مطلقًا حصلا

القاعدة الثالثة: فقال: (وَإِذَا الفَا كَانَ وَاوً بِكَسْرٍ مُطْلَقًا حَصَلا)، وفي هذه القاعدة أن واوي الفاء إذا كان صحيح اللام، سواءً كان مكسور المضارع أو مفتوحه أو مضمومه، (فكسر مطلقاً)، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان على (المفعِل) بالكسر؛ لذلك قال: ( بكسر مطلقاً )، فسر الإطلاق بقوله؛ أي: سواءً كان مصدراً أو زماناً أو مكاناً، فتح المضارع أو لا، وذلك مثل قول الله تعالى: بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا [الكهف:58]، فاجتمع لنا هنا مثالان في هذه الآية، (موعد)، وعد، فهذا ثلاثي، واوي الفاء، صحيح اللام، ومضارعه بالكسر، والمصدر منه والزمان والمكان بالكسر كذلك، فتقول: موعد، (بل لهم موعد)، إما أن تكون اسم مصدر معناه: بل لهم وعد، أو أن تكون مكاناً أو زماناً، فالمكان هو الساهرة، والزمان هو النفخ في الصور؛ فلذلك قال: بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا [الكهف:58]، كذلك (موئل) من (وأل يئل)، فهو فعل ثلاثي، واوي الفاء، غير معتل اللام، واسم المصدر منه اسم الزمان، واسم المكان بالكسر.

وكذلك وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ [آل عمران:138]، في عدد من الآيات ذكر الموعظة، فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ [البقرة:275]، فالموعظة من وعظ، فهو فعل ثلاثي، واوي الفاء، غير معتل اللام، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالكسر، تقول: موعظة للمصدر؛ أي: وعظاً، أو مكان اتعاظ؛ أي: واقع آية من آيات الله التي تستحق أن يتعظ عندها.

ومثل ذلك قوله تعالى: حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ [يوسف:66]، فوثق فعل ثلاثي، واوي الفاء، غير معتل اللام، مضارع بالكسر الشاذ، وفعل بالكسر الذي انفرد بالكسر، كما ذكرنا من قبل:

وأفرد الكسر فيما من ورث وولي ورم ورعت ومقت مع وفقت حلا

فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالكسر، (موثقاً من الله)، فإما أن تكون اسم مصدر بمعنى: ميثاقاً من الله؛ أي: عهداً، أو أن تكون مكان ثقتكم، وهو أن يعطوه صفقات أيديهم، يبايعوه على ذلك، لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ [يوسف:66]، خلافاً لـبدر الدين في كون مفتوح العين منه كوهب.

فـبدر الدين بن محمد بن مالك خالف أباه في قوله: (مطلقاً) هنا، فرأى أن مفتوح العين منه مصدره بالفتح، وذلك كـ(وهب) و(وضع) و(وجل)، فـ(وهب) مضارعها (يهب)، (وضع) (يضع)، لكن (وهب) من الشاذ، و(وضع) على القياس، وكذلك (وجل) (يوجل) مكسور، وكذلك (ود) (يود)، فتقول فيها: (موهب) و(موضع) و(موجل) و(مودة).

ولا يؤثر كون الواو فاءً إذا ما اعتل لام كمولًى فارع صدق ولا

نظراً لأن ابن مالك أطلق في القاعدتين السابقتين، فقال: (كذاك معتل لام مطلقاً)، وكذلك قال: (وإذا الفاء كان واوً بكسر مطلقاً حصلا)، فظاهره التعارض بين هاتين القاعدتين، فأراد أن يبين لك ما تداخلتا فيه، فقال: ولا يؤثر كسر عينه كون الواو فاءً إذا ما اعتل لام.

القاعدة الأولى -وهي قاعدة معتل اللام- أعم وأشمل من القاعدة الثانية التي هي قاعدة واوي الفعل؛ لذلك قال: ( ولا يؤثر كون الواو فاءً إذا ما اعتل لام )، فإذا كان الفعل الثلاثي معتل اللام فهو على قاعدة معتل اللام، فاسم مصدره واسم زمانه واسم مكانه بالفتح مطلقاً، سواءً كان واوي الفاء أو لم يكن؛ فلذلك قال: ( ولا يؤثر كون الواو فاءً إذا ما اعتل لام )، ما مثال ذلك؟ مولىً وموقىً، فما كان واوي الفاء، معتل اللام، فإن اسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، وذلك كـ(مولىً)، فهو من ولي يلي، فهو ثلاثي، معتل اللام، واوي الفاء، ومع ذلك اسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، تقول: مولىً ولا تقول: مول، والمولى هنا معناه: مكان الولاية أو زمانها، أو المصدر بمعنى: الولاية، لكن يستعمل المولى في غير هذا، المولى لابن العم أو الناصر، والمولى للمعتق والمعتق، المولى الأعلى والمولى الأسفل، هذه غير مقصودة هنا؛ لأنها ليست اسم مصدر، ولا اسم زمان، ولا اسم مكان، بل هي ما سيأتينا -إن شاء الله- اسم المفعول.

(فَارْعَ صِـدْقَ وَلاَ)، هذا تتميم، والمقصود به التنبيه على أن مولىً هنا من الولاية، والولاية تقتضي النصرة والمحبة؛ ولذلك قال: (فارع)؛ أي: راع، (صدق ولا)، بالقصر؛ أي: ولاء، بمعنى: كن صادقاً في محبتك ونصرتك.

في غير ذا عينه افتح مصدرًا وسوا ه اكسر وشذ الذي عن ذلك اعتزلا

أما القاعدة الرابعة فهي قوله: (فِي غَيْرِ ذَا عَيْنَهُ افْتَحْ مَصْدَرًا وَسِوَاهُ اكْسِرْ)، وقوله: ( وذكر ثالثاً )، فقال: هذا ليس من الطرة، فلا معنى له الآن، هذه القاعدة الرابعة، ( في غير ذا ) المتقدم، وهو مكسور المضارع، غير معتل اللام، ولا واوي الفاء، فهذا هو غير المتقدم؛ لأن أول ما ذكرناه في القاعدة الأولى: غير مكسور المضارع من الصحيح.

القاعدة الثانية: معتل اللام مطلقاً، القاعدة الثالثة: واوي الفاء مطلقاً، فالآن نصل إلى غير ما ذكر، وهو مكسور المضارع من الصحيح، معناه: غير معتل اللام، وغير واوي الفاء، فهذا على التفصيل (عينه افتح مصدراً)، بمعنى: اسم المصدر، وسواه اكسر؛ أي: زماناً ومكاناً، ومنه قول الله تعالى: يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أينَ الْمَفَرُّ [القيامة:10]، معناه: إلى أين الفرار، فأين: إلى أين الفرار.

يا لبكر أنشروا لي كليباً يا لبكر أين أين الفرار

كذلك هنا أين المفر بمعنى: أين الفرار.

وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [طه:39]، محبةً بالفتح مصدر بمعنى: حباً مني، وهي من (حب يحب)، فهو مكسور المضارع، مثل فر يفر مكسور المضارع، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام؛ ولذلك اسم المصدر منه بالفتح، واسم الزمان واسم المكان بالكسر، نعم، يحب حباً، وكمنزل، فنزل فعل ثلاثي، مكسور المضارع، ينزل غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، فاسم المصدر منه بالفتح، واسم الزمان واسم المكان بالكسر، فتقول: نزل منزلاً بمعنى: نزولاً، ومنزلاً بمعنى: مكان نزول وزمانه، وَقُلْ رَبِّ أَنزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ [المؤمنون:29]، الآية الأخرى التي فيها قرئت بالوجهين، فقراءة شعبة : (وقل رب أنزلني مَنزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين)، وقراءة من سواه: (مُنزلاً مباركاً)، فمنزلاً مباركاً من (نزل)، فهي مكان نزول، لو قلت: مَنزلاً بالفتح لكانت اسم مصدر، أما إن كسرت فهي إما للمكان أو للزمان، والمقصود بها هنا: المكان.

وكذلك المجلس، فإذا أردت اسم المصدر فإنك تقول: مجلَس بمعنى: جلوس، وإذا أردت اسم المكان أو اسم الزمان فإنك تقول: مجلِس بالكسر؛ لأنها من (جلِس) فعل ثلاثي، مكسور المضارع، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، وكذلك (صرف صرفه يصرفه)، فهو فعل ثلاثي، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، وهو مكسور المضارع، فاسم المصدر منه بالفتح، واسم الزمان واسم المكان بالكسر، ومن المكان قول الله تعالى: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا [الكهف:53]، فمصرفاً هنا من صرف وهو المكان، وكذلك قوله تعالى: حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196]، محِل بالمكان بمعنى: نزل يحل، فهي فعل ثلاثي، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، ومضارعه بالكسر، اسم المصدر منه بالفتح، واسم الزمان واسم المكان بالكسر، فتقول: (محِله)، معناه: مكان حلوله، وهو مكة؛ لذلك حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196].

وكذلك ( محلي حيث حبستني ) في حديث ضباعة بنت الزبير .




استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح لامية الأفعال [16] 3830 استماع
شرح لامية الأفعال [9] 3369 استماع
شرح لامية الأفعال [2] 3342 استماع
شرح لامية الأفعال [11] 2938 استماع
شرح لامية الأفعال [12] 2937 استماع
شرح لامية الأفعال [13] 2917 استماع
شرح لامية الأفعال [14] 2917 استماع
شرح لامية الأفعال [5] 2908 استماع
شرح لامية الأفعال [7] 2759 استماع
شرح لامية الأفعال [4] 2406 استماع