شرح لامية الأفعال [12]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فبعد أن أكمل المؤلف الكلام على الأوصاف بدأ الكلام على المصادر، وهي: أصل الاشتقاق؛ ولذلك سميت مصادر؛ لأنها عنها يصدر الفعل والوصف؛ ولهذا قال ابن مالك رحمه الله تعالى في الألفية:

بمثله أو فعل أو وصف نصب وكونه أصلاً لهذين انتخب

(كونه) أي: المصدر، (أصلاً لهذين) أي: الفعل والوصف؛ أي: هو أصل الاشتقاق (انتخب)؛ فهو السابق في التصريف عليها -على الأوصاف والأفعال- وهذا الباب عقده لأبنية المصادر، ولا تحتاج إلى معان، ولا إلى تصاريف؛ لأن التصاريف كلها من تصاريف المصادر، الأفعال كلها مبنية منها، وكذلك المعاني؛ لأن معنى المصدر: الحدث الذي يدل عليه، ويدل على حدث مطلق غير متقيد بزمان ولا بفاعل ولا بمفعول، فمعناه: الحدث، وقد عقد بابين للمصادر، فبدأ بمصادر الفعل الثلاثي، ثم عقد باباً آخر لمصادر ما زاد على الثلاثة، فقال:

وللمصادر أوزان أبينها فللثلاثي ما أبديه منتخلا

(فعل) و(فعل) و(فعل) أو بتاء مؤنـ ـنثٍ أو الألف المقصور متصلا

يقول: وللمصادر أوزان مقيسة، وأخرى مسموعة، هذه المصادر بعضها مقيس، وبعضها مسموع، والفعل الثلاثي لا يشترط أن يكون له مصدر قياسي، بل مصدره مرجعه إلى السماع في أغلب الأحيان، أما غير الثلاثي فلا بد أن يكون له مصدر مقيس، ثم يكون له مصدر سماعي بعد ذلك.

(أبينها) معناه: أنه سيسردها ويعدها أولاً مجملةً، ثم يبين المقيس منها، فسيعد هذه المصادر هنا سرداً، ثم يعد لنا عشرة مصادر هي المقيسة في الأخير أو المطردة، ما بين مقيس ومطرد، فالمطرد مرتبة بين المقيس والشاذ النادر، المطرد: الذي كثر ولم يبلغ درجة القياس؛ فلذلك قال: ( أبينها أولاً مجملةً ثم أفصلها )، هي كلها الأصل: هو السماع، لكن منها ما يصل إلى درجة القياس، فيكون مقيساً في كل وزن هكذا حتى لو لم يسمع من العرب، ومنها ما يكون مطرداً يعني: كثيراً جداً، ومنها ما يكون قليلاً أو نادراً وهو الشاذ.

(فللثلاثي ما أبديه)؛ أي: أظهره حال كونه منتخلاً، أو حال كوني منتخلاً له، فإذا قلت: حال كونه، فقل: منتخلاً، وإذا قلت: حال كوني، فقل: منتخلاً له؛ أي: منتقياً له؛ أي: مزيلاً لنخالته؛ أي: غير مستوف جميع ما سمع، فالنخالة هي ما سمع من غير المقيس، فيزال الشاذ، فهو يزيل تلك النخالة ولا يذكرها؛ فلذلك قال: (ومنتخلاً حال من الفاعل أو المفعول)، عد هذه الأوزان، فقال:

الأوزان (فَعل) و(فُعل) و(فِعل) مجردة وبتاء التأنيث والألف المقصورة

( (فَعل) و(فُعل) و(فِعل)، أو بتاء مؤنث أو الألف المقصور متصلا )، فيأتي المصدر من الثلاثي على وزن فَعَل كضرب وقتل وصبر، ويأتي على وزن فِعل كحلم وعلم وفسق، وطريقة الحسن في ذكر الأمثلة: أن يذكر لك بعد ذكر المصدر الفعل الذي هو له؛ أي: الذي هو مصدره، إذا كان مما يخفى عليك، المصادر التي لا تخفى أفعالها لا يتعرض لها، كضرب وقتل وصبر، أما الأفعال التي تخفى فيتعرض لها؛ فلذلك حلم وعلم وفسق قال فيها: (من حلم ككرم، وفسق كنصر)، فعلم تعرف أنها فعل، لكن حلم لوجود حلِم وحلَم؛ لأن هذا الفعل من الأفعال المثلثة، فيقال فيه: حلَم وحلُم وحلِم، وكل واحد من هذه الأفعال معناه غير معنى الآخر، فحلُم معناه: صار حليماً ككرم، وحلَم بمعنى: رأى حلماً في النوم، وحلِم الجلد بمعنى: فسد، وفسق كنصر، أما فسق فهي فعل مضارعها مضموم على الشهرة يفسق كنصر، وكذلك: فعل كشكر وكفر لشكر وكفر كنصر فيهما، فشكر وكفر مصدران لشكر وكفر.

(كنصر فيهما) أي: إنهما فعل ومضارعهما بالضم على الشهرة، وهذه الأوزان الثلاثة هي أصل بدايات الأوزان؛ لأن الأصل في الأوزان أن يذكر المجرد ويبدأ منه بالمفتوح، وتكون العين ساكنةً مع ذلك، ثم بالمكسور، ثم بالمضموم، فأول وزن في الأسماء هو فَعل ثم فِعل ثم فُعل، ثم بعد هذا تزيد عليها تاء التأنيث، فتكون هذه الكلمات الثلاثة مصادر مجردةً، وتكون أيضاً بتاء التأنيث؛ فلذلك قال: ( أو بتاء مؤنث ).

فهذه الأوزان الثلاثة للمصادر قد تكون مجردةً -مثلما ذكر-، وقد تكون بتاء مؤنث، وقد تكون متصلةً بالألف المقصور، فـ(فَعَل) إذا كان متصلاً بتاء مؤنث كرحمة ورغبة، و(فِعل) إذا ختم بتاء التأنيث -تاء المؤنث- كان كنشدة وحمية، و(فُعل) إذا ختم بالتاء كقدرة وكدرة، ثم بين لك الأفعال التي تحتاج إلى بيانها، فقال: من نشد الضالة؛ أي: نشدة من نشد الضالة كـ(نصر)، بمعنى: طلبها، كأنشدها عرفها، كنشدها بمعنى: عرفها، وفيه أنشدها، والغالب أن العرب يقولون: نشد الضالة إذا سأل عنها، وأنشدها إذا ذكرها وعرفها، فالذي رأى الضالة ويريد أن يخبر صاحبها بمكانها هو المنشد، والذي يسأل عن الضالة ويبحث عنها هو الناشد؛ ولذلك يقول الشاعر:

تصيخ للنبأة أسماعه إصاخة الناشد للمنشد

النبأة: الصوت الخفي، تصيخ للنبأة أسماعه: شدة نباهته، إصاخة الناشد للمنشد، فالناشد يهمه جداً أن يذكر له مكان ضالته، فإذا سمع من يذكرها أنصت له، هذا من أحوال أهل البادية المألوفة، وشيخي رحمه الله يصف بعض هذه الأحوال في قصيدته في سفر سافره في الأعراب، وكان بينهم في غير جنسه، ويذكر أهل التفسير في تفسير قول الله تعالى في قصة سليمان عليه السلام لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا [النمل:21] قال: هو الحبس مع غير الجنس، الهدهد طير ضعيف، كيف يعذب عذاباً شديداً؟ قال: عذابه هو حبسه مع غير جنسه، فالحبس مع غير الجنس مصيبة؛ ولذلك يقول الشاعر محمد بن حمدي العلوي من شعرائنا لما ذهب إلى الحج ومر في طريقه للمغرب، يقول في قصيدة له:

آه لمغترب بالغرب ليس له جنس وإن كان محفوفاً بأجناس

الشيخ يقول في هذه القصيدة:

وبيداء أتيها لا توافق قاصدا ترى الأسد فيها والسليك راصدا

يصد صداها صاحب الذود ناشداً ويعدو عداها طالب الرعي راكباً

تعسفت مجهولاتها غير خائف كأني في جمع من الناس واحدا

أبادر شعثاً لا يوالون منزلاً صلاب العجا لا يتقون الأساود

ترى كل طاو أصحى للصوت شاحب حرام عليه أن يزور المساجد

يطارد قوداً بالموامي هواملاً يحاكين في تلك الموامي الأوابد

يراشي إذا جن الدجى بكراتها إذا بركت يأوي إليهن ساجدا

وقد شد منها هاديات طرائفاً بمرخ وخلى تاريات تلائدا

إذا روحوها حدثوا عن غريبها تذاكر طلاب العلوم الشوارد

فهذا روى عمن رآها تواتراً وهذا روى عمن رآها مفاردا

وترى القوم فيها بين عال ونازل ومضطرب مثنى ثلاثا وواحدا

التورية في مصطلح الحديث.

وقد قوضوا قبل الشروق خباءهم فردوا له سفعاء فدعاء فاقدا

على ذي سماك أخرم الأنف خاشع تعوذ أن لا يبرح الدهر ناشدا

فجاءت به والليل مرخ سدوله ولا صوت إلا العائذات عوائذا

تبيت بجمع منهم متوافر وتصبح في قبر من الأرض واحدا

مقابلة عجيبة في هذا البيت، كل كلمة تقابلها كلمة، من سمع هذا يظن أنه في العصر الجاهلي.

و(قدر) كـ(ضرب)، فالقدرة من مصدر (قَدَرَ) كـ(ضَرَبَ)، وكذلك الكدرة من (كَدَرَ) مثلثةً، والمفتوح منها كان كـ(نَصَر) يعني يكدر، أو الألف المقصور متصلاً، هذه الأوزان كل واحد منها إما أن يكون مجرداً، أو أن يكون متصلاً بالألف المقصور، فـ(فَعل) إذا اتصل بالألف المقصور كـ(دعوى)، و(فِعل) إذا اتصل به كذكرى، و(فُعل) إذا اتصل بالألف المقصور كرجعى، فالدعوى مصدر دعا، والذكرى مصدر ذكر، والرجعى مصدر رجع.

وسيأتينا أنها لغير الثلاثي أيضاً (ادّعى دعوى) يكون أسماء مصادر، دعا دعوى، وذكر ذكرى، وقد أبدع ابن مالك رحمه الله تعالى في الترتيب هنا حيث بدأ بالترتيب الصرفي، فذكر أول وزن من المصادر وهو (فَعْل) بالفتح فالسكون، ثم (فِعل) بكسر فسكون، ثم (فُعْل) بضم فسكون، ثم فَعلة بالتاء، ثم (فِعلة) بالتاء كذلك، ثم (فُعلة) بالتاء، ثم (فَعلى) بالألف المقصور، ثم (فِعلى) بالألف المقصور، ثم (فُعلى) بالألف المقصور.

الأوزان (فَعلان) و(فُعلان) و(فِعلان)

ثم بعد ذلك قال:

(فعلان) (فعلان) (فعلان) ونحو (جلاً) (رضًى) (هدًى) (وصلاحٍ) ثم زد (فعلا)

مجردًا وبتا التأنيث ثم (فعا لةً) وبالقصر و(الفعلاء) قد قبلا

فقال: فَعلان بعد فَعلى، وفِعلان بعد فِعلى، وفُعلان بعد فُعلى.. وكذا مذكورة في غير هذا في محل الاستقصاء في تصريف الأسماء، بالنسبة لفَعَل مثل شَلَل وعَمَل وما يشبهها ستأتي مقيسةً لفاعل بالكسر، هذه خارجة عن المقصود، لكن فعل فيه النادر جداً.

أما المصدر الذي على وزن (فعَل) فهو قياس (فعِل) بالكسر اللازم.

يقول: إن من مصادر الثلاثي فعلان كليان وشنآن، ولم يجئ فيه غيرهما، لم يأت من مصادر الثلاثي ما هو على وزن فعلان إلا شنآن، وفي الأول الكسر في ليان، وبهما روي قول غيلان:

تطيلين لِياني وأنت ملية وأحسن يا ذات الوشاح التقاضي

في الرواية الأخرى:

تطيلين لَياني وأنت ملية وأحسن يا ذات الوشاح التقاضي

وفي الثاني التحريك، والثاني شنآن فيه الشنآن، وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ [المائدة:2].

و(لياني) من لواه بمعنى: مطله، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لي الواجد ظلم )؛ أي: مطل الغني ظلم، وبه روي أيضاً، الحديث المروي: ( مطل الغني ظلم يحل عقوبته ويرضى ).

وشنئه كـ(فَرِحَ)، وفيها أيضاً بالفتح فيها (مَنَعَ). وفعلان كحرمان ورضوان، الحرمان من (حَرَمَ) كـ(ضَرَبَ)، حرمه كضربه، يحرمه، وكذلك الفعلان، فهو من مصادر الثلاثي أيضاً كالغفران والرضوان والشكران، فمصادر رضي أربعة: رِضوان ورُضوان ورِضىً ورُضى بالكسر والضم في كل واحد منهما في الراء.

( (فَعلان) (فُعلان) (فِعلان) ونحو جلا )

كذلك (فعل) كـ(جلا) و(طلب) و(غلب)، من (جلي) كـ(فرح)، فهو أجلى بمعنى: أنزع، وهو الذي قد ذهب مقدم شعر رأسه من الصلع، وطلب كنصر، وغلب كضرب، وكذلك رضىً، ففِعل كرضىً وصغر وعظم، وكذلك فُعل كهدىً، وسرىً ورضىً، ما جاء إلا معتلاً، لم يأت على (وزن) فعل إلا معتلاً، وهذه المصادر ذكر الشيخ سدية النادر منها بقوله:

لم يأت مصدر على فعلان فيما سوى الشنآن والليان

وذكر بعضهم زيادةً عليه وهي زيدان، زيدان بمعنى: الزيادة، يقول فيه شيخي رحمه الله:

وزاد في قاموسه زيدان أجزاه عنا ربنا إحساناً

لاحظوا المصدر الثالث فقط على وزن فعلان.

وفعل لم يأت قط مصدراً إلا تقىً بكىً هدىً بغىً سرى

ألحق لغىً رضىً بغىً سرى رضىً بذا المقال.

ألحق رضىً بذا المقال ولم يسغ من غير ذي اعتلال

فعل لم يأت في المصادر إلا معتلاً.

وفعِل فيه يقل كـ(الكذب)، كذلك فعل قليل كـ(الكذب) و(ضحك) و(حلف) كذا اللعب.

كذلك فعال، لهذا قال: وصلاح، معناه ونحو صلاح معطوفة على المصادر المجرورة قبلها بالإضافة؛ لأنه قال: ( ونحو جلا رضىً هدىً وصلاح )، ونجاح وفساد ونفاد، فالصلاح من (صلح) كـ(منع) و(كرم)، فيها صلح وصلح -كما سبق.

ومضارعها أيضاً فيه الوجهان، و(فسد) كـ(نصر)، مضارعها أيضاً فيه الوجهان، وفسد كنصر، ونفد كفرح، مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [النحل:96].

الوزن (فَعِل) مجرداً وبتاء التأنيث

( ثم زد فعلا )، كذلك من هذه المصادر فعل، سواءً كان مجرداً من التاء ككذب وضحك وسرق من كذب وسرق كضرب فيهما، وضحك كفرح، وهو قرين -كما ذكرنا-، حِلْف من حَلِف أيضاً، ولِعْب من لَعِبَ، هذا إذا كان مجرداً، أو بتاء التأنيث، وذلك كـ(سَرِقة) من (سَرَق) كـ(ضرب) أيضاً، وهذا نادر جداً، نعم هو بدون التاء نادر.

الأوزان (فَعَالة) و(فَعَلَة) و(الفَعْلاء)

( وفعالة ) كذلك من أوزان مصادر الثلاثي فعالة، كالظرافة والنظافة، وسيأتينا أنها مقيسة في فُعل بالضم، (وبالقصر) كذلك فَعَلَة بالقصر كغَلَبة وضبعة ونحوهما، وهذا من المصادر القليلة أيضاً، والضبعة من ضبعت الناقة بمعنى: اشتهت الفحل.

( والفعلاء قد قبلا )، كذلك من أوزان مصادر الثلاثي الفعلاء كالرغباء والرهباء والهلكاء، من غرب ورهب كتعب، وهلك كذلك فيها الكسر والفتح، كـ(ضرب) و(فرح).

الأوزان (فِعَالة) و(فُعَالَة)

(فعالة) و(فعالة) وجئ بهما مجردين من التا و(الفعول) صلا

نحن ذكرنا الفَعالة وبقي الفِعالة والفُعالة، فهما أيضاً مصدران من الثلاثي، فالفعالة كتجارة وكتابة ودراية، -وسنذكرها إن شاء الله تعالى في الأوزان المقيسة-، فالتجارة من تجر كـ(كتب)، معناه: فعل بالفتح مضارعها بالضم، اتجر يتجر، وكذلك الفعالة كالدعابة والخفارة، فالدعابة من (دعب) كـ(فرح) بمعنى: مزح، والخفارة من (خفر) كـ(ضرب) و(كتب) معناه مضارعها فيه الكسر والضم، خُفارةً بالضم ويثلث الخَفارة والخِفارة، ومعناها: أجار، فالخفير هو الضامن الذي يجير على غيره، وجيء بهما مجردين من التاء، كذلك فِعالة وفُعالة يؤتى بهما مجردين من التاء، فيقال: فِعال وفُعال في المصادر أيضاً، ففعال كالنذار والإباء والجماح والجماع، والفُعال كالصراخ والبكاء والدعاء، فبين ما يحتاج إلى البيان من هذه الأفعال، فقال: من نذر كـ(ضرب) و(نصر)؛ لأن مضارعها فيه الوجهان، و(جمح) كـ(منع)، و(صرخ) كـ(نصر).

الأوزان (الفَعُول) و(الفَعِيل) و(الفَعَلاَن)

( والفعول صلا )، كذلك من أوزان مصادر الثلاثي الفعول، وصله بما سبق، كالخروج والشيوع والنُّمِيِّ، فالنُّمِيُّ -مثلما ذكرنا من قبل في القاعدة الصرفية- فأصله نُمُوٌّ أو نُمُويٌّ إذا كان هو من نَماءٍ مختلف في كونها يائية أو واوية أو هما معاً، لكن الأفصح فيها أن تكون يائيةً، كما قال ابن المرحل في منظومته:

نمى المال بمعنى كثر ينمي نمياً إن أردت المصدر

فالنُمِيُّ أصله نمو فاستثقل اجتماع ثلاث واوات، الضمة تعتبر بمثابة الواو، فقلبت الثانية ياءً، وسكنت الواو قبل الياء، فقلبت ياءً، وأدغمت الياء في الياء، وقلبت الضمة كسرةً لمجانسة الياء؛ لئلا تكون سبباً للقلب، لو قيل: نُمُوي لاحتيج إلى القلب؛ فلذلك قلبت الضمة كسرةً فصارت نُمِيّ.

ثم (الفعيل) وبالتا ذان و(الفعلا ن) أو كـ(بينونةٍ) ومشبهٍ فعلا

( ثم الفعيل )، معناه ثم صل الفعيل بما سبق كالرسيم والصهيل والذميل و.. إلى آخره.

( وبالتا ذان )؛ أي: الفعول صله بالتاء أيضاً والفعيل صله بالتاء، فهذان بالتاء وبدون تاء يأتيان مجردين -كما سبق-، ويأتيان بالتاء أيضاً، فالفعول إذا كان بالتاء كالسهولة والصعوبة، والفعيل إذا كان بالتاء كالنصيحة والفضيحة.

( والفعلان )، كذلك من أوزان المصادر الفعلان، معناه: وجيء بالفعلان كالجولان والدوران والهيمان والغليان والردفان والذألان، الذألان من (ذأل) كـ(منع) مشى مشية الذئب، الذئب مشيته هي الذألان.

( أو كبينونة )، كذلك من أوزان المصادر فيعلولة، ولكنها تخفف لثقلها، كبينونة، وأصلها بيَّنونة، لكنها خففت للثقل، وكذلك صيْرورة أصلها صيَّرورة فخففت للثقل؛ لذلك قال المختار بن بونه رحمه الله في الجامع: وعين فيعلولة حتماً ...، ومن النادر سماع إثباتها كقولهم: حتى يكون البحر كينونة، معناها: يتكون كينونةً.

( ومشبه شغلا )، كذلك من أوزان المصادر (فُعُل) كـ(شغل)، و(حلم)، و(نسك)، والشغل يجوز فيه التخفيف شغل -كما سبق-، وبهما قرئ في السبع: إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ [يس:55]، في قراءة الكوفيين، (وفي شغْل فاكهون)، في قراءة من سواهم.

كذلك الحُلُم والحُلْم، والنُسُك والنُسْك، فنظراً لاستثقال هذه الضمة تسكن بالتخفيف، والنسك يثلث، وفي سابقيه الضم فقط، فيقال: (نسَك) و(نسِك) و(نسُك)، وأما (حَلُم) و(حُلُم) و(شغل)، فليس فيهما إلا الضم في الأصل، وأما النسك ففيه النَسك والنِسك بهذا المعنى، لشَغَل شُغل مصدر (شغل) كـ(منع)، والحُلم مصدر (حَلم) كـ(كتب)، وأما (نسك) فكـ(نصر) و(كرم)، هذا مما نظم الشيخ رحمه الله الشغل بالضم، هذه فيها خطأ:

الشغل بالضم وضمتين وجاء بالفتح وفتحتين

ضد الفراغ جمعه وأشغال وجاء في القاموس ذا المقال

الشغل بالضم وضمتين؛ أي: الشغل أيضاً، وجاء بالفتح الشغل وفتحتين، الشغل هو ضد الفراغ، جمعه: أشغال، وجاء في القاموس ذا المقال.

الأوزان (فُعْلَل) و(فَعُول) و(فَعَالِيَةٍ) و(فُعَيْلِيَة) و(فُعُلَّة) و(فَعَلَى)

و(فعللٍ) و(فعولٍ) مع (فعاليةٍ) كذا (فعيلية) (فعلة) (فعلى)

كذلك فُعْلَل من مصادر الثلاثي كسؤدد من ساد يسود سؤدداً، والسؤدد بمعنى: السيادة، وكذلك فَعول كقَبول مصدر قبل الشيء يقبله قبولاً، وعوام الناس يضمونه، هذا لحن فاحش، وهو القبول بالفتح، الحضرمي لم يظفر به في غيره إلا مشروكاً كالهوي، قال الحضرمي: لم أظفر به؛ أي: بفعول، في غيره؛ أي: في غير قبول، إلا مشروكاً، معناه: بلغة أخرى كالهوي، فإن فيه الهَوِيّ والهُوِيّ، وبهما روي قول زهير :

فشج بها الأماعز وهي تجري هَوِيّ الدلو أسلمها الرشاء

أو: هُوِيّ الدلو أسلمها الرشاء.

مضافة إلى ياء المتكلم، ولغة هذيل فيها هَوَيّ، لكن ليست هذه تلك هواء... إذا أضيفت إلى ياء المتكلم، نحن هنا نقصد الهوي، والهوي بمعنى: التدلي، هوى الشيء يهوي هَوياً أو هُوياً، لم أظفر به في غيره إلا مشروكاً، نعم هي المصدر الساقط ... هي من كلام الحضرمي .

( مع فعالية )، كذلك من أوزان المصادر من الثلاثي فعالية مخففاً كالعباقية بمعنى: حسن الرائحة، والكراهية بمعنى: الكره، والطماعية بمعنى: الطمع، أفعالها كـ(فرح) معنى كلها ثلاثية، (عبق) و(كره) و(طمع).

( كذا فعيلية ) مخففاً أيضاً كولدت المرأة وليديةً، وليديةً؛ أي: ولادةً سابقةً لأوانها، ( فعلة )، كذلك من أوزان المصادر النادرة للثلاثي فعلة كغلبة لـ(غلب) كـ(ضرب) يغلب، ومنه قول الراعي النميري في قصيدته التي يخاطب بها عبد الملك بن مروان:

إن الذين أمرتهم أن يعدلوا لم يفعلوا مما أمرت فتيلا

أخذوا المخاض من الفصيل غلبّةً قصراً ويكتب للأمير أفيلا

(أخذوا المخاض من الفصيل)، معناه: من وجب عليه زكاته فصيلاً، يأخذون منه المخاض، مثل ابن اللبون، الفصيل يقصد به ابن اللبون، هو الوحيد الذي يؤخذ من الذكور زكاة، مخيراً فيه بينه وبين بنت مخاض، وهو غير فقيه في أحكام الزكاة؛ لذلك قال:

أخذوا المخاض من الفصيل غلبةً قصراً ويكتب للأمير أفيلا

فهم يأخذون ما ليس لهم، ومع ذلك يكتبون في الأوراق أنهم أخذوا الأقل.

( فعلى ) كذلك من أوزان المصادر الثلاثية القليلة فعلى بالقصر كمرطى وجمزى وبشكى، لمرط كنصر، هذه الفاء بدلها اللام لمرط؛ أي: هي مصادر لمرط كنصر، وجمز كضرب، وبشك ككتب، وكلها بمعنى: أسرع، بدل الفاء لمرطى هذا رقم ستة، لمرطى.

الأوزان (فَعَلُوت) و(فُعُلَّى) و(فُعَلْنِيَة) و(فُعُولِيَّة)

مع (فعلوتٍ) (فعلى) مع (فعلنيةٍ) كذا (فعولية) والفتح قد نقلا

( مع فعلوت فعلى )، كذلك من أوزان مصادر الثلاثي النادرة فعلوت كرهبوت ورغبوت، ويقصران فيقال: رهبوتى ورغبوتى ورحموتى وجبروتى وملكوتى، ومنه قولهم: رهبوتى خير من رحموتى، معناه: أن من يرهبك ويخاف عليك نصيحته لك أكثر من نصيحة من يرحمك ويشفق عليك، وهذا في عرف أهل الجاهلية، من (رهب) و(رغب) و(رحم) كـ(سمع)، هذه المصادر كلها لرغب ورهب ورحم، الرواية دائماً عندنا لكذا؛ لأن هذا مصدر لهذا الفعل وليس منه؛ لأن الفعل هو الذي يشتق من المصدر، وليس المصدر مشتقاً من الفعل، فالرواية: لرهب ورغب ورحم كسمع في كلها، وكذلك ملكوت لملك كضرب، وجبروت لجبر ككتب.

(فُعُـلَّى)، كذلك من أوزان مصادر الثلاثي القليلة فعلى كغُلُبَّ بمعنى: الغلبة، غلب كضرب أيضاً.

( مع فَعلنية )، كذلك من أوزان مصادر الثلاثي النادرة فعلنية كسحبنية، يقال: سحب رأسه سحبنيةً بمعنى: حلقه، وفي القاموس رجل سحبنية محلوق الرأس، فجعل سحبنيةً وصفاً لا مصدراً، لكن قد يكون من المصادر التي يوصف بها.

( كذا فعولية )، كذلك من المصادر القليلة من الثلاثي فعولية تخصصوا بكذا خصوصيةً.

( والفتح قد نقلا )، كذلك نقل فيها الفتح، فيقال: الخصوصية كالخصوصية.

الأوزان (مَفْعَل) و(مَفْعِل) و(مَفْعُل)

و(مفعل) (مفعل) (مفعل) وبتا الت تأنيث فيها وضم قلما حملا

ذكر هنا أن من أوزان مصادر الثلاثي مفعَلاً ومفعِلاً ومفعُلاً، لكن الواقع أن هذه من أسماء المصادر -كما سيبينه إن شاء الله قريباً-، مفعَل كمدخل، ومفعِل كمكبر، ومفعُل كمهلك، وهذه كلها ستأتينا إن شاء الله في أسماء المصادر الميمية، فلا معنى لذكرها هنا في المصادر، وبتاء التأنيث فيها كذلك، فمفعَل بالتاء مفعلة كمرضاة، ومفعِل بالتاء كمحمدة، ومفعُل بالتاء كمهلُكة، كلها ستأتي في أسماء المصادر الميمية.

( وضم قلما حملا ) يقصد أن الضم في المفعل قليل في لغة العرب، قلما حمل عن العرب؛ ولذلك ليس مقيساً، وبهذا انتهت الأوزان التي ذكرها، فيمكن أن نعدها، فقد ذكر فَعلاً وفِعلاً وفُعلاً وفَعلةً وفِعلةً وفُعلةً، وفَعلى وفِعلى وفُعلى، وهذه التسعة في البيت الأول من المصادر، ثم فَعلان وفِعلان وفُعلان وفَعلاً وفِعلاً وفُعلاً وفعالاً وفعلاً وفعلةً وفعالةً وفعلةً فتلك عشرون، والفعلاء، وفعالةً وفعالة وفعالاً وفعالاً والفعول والفعيل والفعولة والفعيلة والفعلان والفيعلولة والفعول وفعللاً وفعولاً وفعاليةً وفعيليةً وفعلةً وفعلى وفعلوةً وفعلى وتلك أربعون مع فعلية وفعولية وفعولية أيضاً ومفعلاً ومفعلاً ومفعلاً، ومفعلةً ومفعلةً ومفعلةً، فتلك تسعة وأربعون مصدراً، لأن الفتح قد نقل ما عدها وزناً مستقلاً، ثم شرع يفصل فذكر عشرة أوزان مقيسةً، وبقيت ثمانية وثلاثون، فالمجموع ثمانية وأربعون، فهذه أيضاً فيها خطأ مطبعي، المضموم من المفعل بدون واو.

الأوزان (فَعْلٌ) المتعدي و(الفُعُول) اللازم و(الفُعَالُ)

(فعل) مقيس المعدى و(الفعول) لغيـ ـره سوى فعل صوتٍ ذا (الفعال) جلا

يقول: (فعل مقيس المعدى)؛ أي: مقيس مصدر المعدى؛ أي: الفعل المعدى من الثلاثي، وهو إما أن يكون من (فَعَلَ)، وإما أن يكون من (فَعِلَ)، ففعل كالضرب، وفعل كاللثم، واللثم التقبيل، وقد قيده بالتسهيل، قيد قياس المصدر فيها (فَعِلَ) بأن تدل على عمل بالفم، كلقِم وقضِم ولعِق ولحِس وسرِط، وقال الحضرمي: هذا القيد إنما هو في غير المضعف، أما المضعف فيكثر فيه (فَعَلَ) في المتعدي منه مطلقاً، كعض وشم ونحوها، قد سبق ذكر ذلك في الأفعال المضعفة، ففعِل بالكسر ذكرنا معها مصادرها في الطرة.

(والفعول لغيره) فالفعول مقيسة لغيره؛ أي: للازم فعل بالفتح إلا ما استثني، وذلك كخرج خروجاً ودخل دخولاً، ففعل اللازم، قياسه في الأصل الفُعول، سوى ما استثني، والمستثنى هو قوله: ( سوى فعل صوت )، ما دل على الصوت كـ(صرخ) و(رغا) و(صاح)، فإنه يأتي مصدره على الفعال؛ فلذلك قال: ( ذا الفعال جلا )؛ أي: هذا الفعل الذي يدل على الصوت، جلا؛ أي: أظهر مصدره الفعال، أو الفعيل، فالفعال كالصُّراخ والرغاء والصياح، والفعيل كالصهيل والنهيق والحنين، ويستثنى أيضاً ما دل على داء أو فرار أو امتناع أو حرفة أو ولاية، فهذه ستأتي أيضاً.

الوزن (فَعِلَ) اللازم

وما على (فعل) استحق مصدره إن لم يكن ذا تعـد كونه فعلا

ذكرنا في الماضي ثلاثة أقسام من أقسام الثلاثي، ففَعَل المتعدي وفعِل المتعدي قياسهما على فَعْل، وفَعَل اللازم قياسه على فُعُول أو فعَال أو فَعِيل، فعول إن لم يكن للصوت، وفِعال وفَعيل إن كان للصوت، وسنذكر استثناءً آخر إن شاء الله تعالى وهو ما دل على داء أو فرار أو امتناع أو حرفة أو ولاية.

والقسم الرابع: فعل بالكسر اللازم، وهذا قوله: (وما على (فَعِل) استحقّ مصدره إن لم يكن ذا تعدّ) معناه: بأن كان لازماً، ( كونه فَعَلا )، استحق كونه على وزن (فَعَلَ)، وذلك كفرح وجوىً وشلل وعور وعمىً، فكل ذلك على وزن فَعَل.

الأوزان (فَعَالَة) و(فُعُولَة)

وقس (فعالة) أو (فعولةً) لـ(فعلـ ـت) كالشجاعة والجاري على سهلا

أما (فَعُلَ) بالضم، وهي القسم الخامس من أقسام الثلاثي فإنها يقاس لمصدرها أن يكون على وزن فَعَالة أو فُعُولة؛ لذلك قال: (وقس (فَعَالة) أو (فُعُولة) لـ(فَعُلتُ) )، معناه: لفعلت، كالشجاعة والظرافة والنظافة، ( والجاري على سهلا ) كالسهولة والصعوبة، ويدخل في مصدر فَعُلَ بالضم أن يأتي على وزن فُعْل قرب وبعد ويسر وعسر وحسر وقبح ونحو ذلك، حتى قيل: بقياسه فيها.

الأوزان (فَعِيل) و(فُعَال) و(فِعَال)

وما سوى ذاك مسموع وقد كثر (الـ ـفعيل) في الصوت، والداء الممض جلا

(ما سوى ذاك) هذه المصادر التي ذكرناها ما سواها من المصادر التسعة والأربعين أو الثمانية والأربعين التي ذكرنا مسموع، إلا أن بعضه مطرد، فذكر ذلك المطرد، فقال: ( وقد كثر الفعيل في الصوت )، كثر كثرة اطراد الفعيل في فعل بالفتح الدال على الصوت -كما تقدم-، وفي السير، كذلك كثر فيه الفعيل كالدبيب والذفيف والرسيم والذميل.. إلى آخره، ضروب السير كلها.

وما سوى ذاك مسموع وقد كثر (الـ ـفعيل) في الصوت، والداء الممض جلا

معناه وزن (فعالٍ) فليقس ولذي فرارٍ أو كفرارٍ بـ(الفعال) جلا

سيان إن ضبطت جلا في البيت الأول بالفتح أو الكسر أو البيت الثاني، لكن لا بد أن تخالف بين الضبطين؛ لئلا يقع الإيقاع.

قال: ( والداء الممض )؛ أي: المؤلم ( جلا معناه وزن فُعال )، ففَعل بالفتح إذا دلت على المرض فإن مصدرها يكون على وزن فُعَال كثيراً كثرة اطراد، أو ينبغي أن يقاس، وإذا قلت: جلا معناه؛ أي: اسم معناه؛ أي: مصدره، وزن فُعال، لكن الشكل فيه مخالف للطرة هنا، الأولى بالكسر، هذا الأحسن، والثانية بالفتح، كالزكام والسعال ومشاء البطن والرعاف، ونحو ذلك صداع، كلها أمراض، ( فليُقَس )، هذا ينبغي أن يقاس فيه.

( ولذي فرار او كفرار بـ(الفِعَال) جلا)، كذلك ظهر قياس مصدر فَعَلَ بالفتح إذا كان لذي فرار أو كفرار؛ أي: ما يشبه الفرار بالفِعال، فما كان للفرار كأبق إباقاً، وشرد شراداً، ونفر نفاراً، وما كان لما يشبه الفرار كالجماح والإباء والعناد، لكن العناد يمكن أن تكون اسم مصدر من عاند، فلا تدخل معنا، كالجماح والإباء.

الأوزان (فَعَالَة) و(فِعَالَة)

(فعالة) لخصالٍ، و(الفعالة) دع لحرفةٍ أو ولايةٍ ولا تهلا

كذلك من المطرد استعمال الفعالة للدلالة على الخصلة، وهي الوصف الحميد من كل فعل كانت، سواءً كان على وزن (فَعَلَ) أو (فَعُلَ) أو (فَعِلَ)، فما كان على وزن (فعُل) كالظرافة والشجاعة، وما كان على وزن فعِل كالسعادة والشقاوة، وما كان مثلثاً كالرجاحة -رجاحة العقل- من رجح؛ لذلك قال: كالشجاعة والسعادة والشقاوة والضلالة ورجاحة العقل، فليس هذا محض تكرار، خلافاً لـبدر الدين بن مالك رأى أن أباه قد كرر هنا؛ لأن فعالةً قد سبق ذكرها في مصادر الثلاثي في فعُل بالضم، حيث قال:( وَقِـسْ (فَعَـالَةً) اوْ (فُـعُـولَةً) لِـ(فَـعُـلْــتُ) كَالشَّـجَـاعَةِ)، وقال: لماذا يقول هنا (فعالة لخصال) مع ما سبق؟ فيجاب عن هذا بأن ما سبق في فَعْل فقط، أما هنا فهي لخصال مطلقاً، سواءً كانت من (فَعَلَ) أو (فَعُلَ)أو (فَعِلَ)، فليس هذا محض تكرار، ويمكن أن تخرج فَعُلَ منها فيكون المذكور هنا ما كان منها مصدراً لفعَل وفعِل.

( والفِعَالة دع لحرفة )، كذلك الفِعَالة بالكسر تطرد في الحرفة والولاية، فالحرفة كالتجارة والكتابة والنجارة، والولاية كالسفارة والوزارة والرئاسة والعمادة ونحو ذلك، بين لك الأفعال التي تحتاج إلى بيان فقال: وزر يزر من باب وعد، وإمارة من أمر، فهو أمير أيضاً، ( ولا تهلا )؛ أي: لا تنس، ولم يذكر هنا فعلاناً، مع أنه ذكره في الألفية، وذكر أنه يقاس في الدال على التقلب فقال:

فأولُ لذي امتناع كأبي والثان للذي اقتضى تقلبا

ما لم يكن مشابها فعالاً أو فعلاناً فادر أو فعالا

فأول لذي امتناع كأبى والثاني للذي اقتضى تقلبا

للدا فعال ولصوت وشمل سيراً وصوتاً الفعيل كصهل

فكان اللازم أن يذكره هنا من المفاهيم المقيسة، أدرك عليه فقط في الطرة، ولم يذكر هنا.

الأوزان (فَعْلَة) و(فِعْلَة) و(فُعْلَة)

لمرةٍ (فعلة) و(فعلةً) وضعوا لهيئةٍ غالبًا كمشية الخيلا

لمرة فَعلة، يقول: إن وزن فعلة يدل على المرة من الثلاثي، سواءً كان لازماً أو متعدياً، من المتعدي كضربه ضَربةً، ومن اللازم كركع رَكعةً، وفرح فَرحةً، والمتعدي من فَعِل كشرب شربةً، و(فعلةً وضعوا لهيئة)، لا مثله في المعنى، الجماح ليس فراراً، والإباء؛ أي: الأنف ليست فراراً، لكن مثله في المعنى، (وفعلةً وضعوا لهيئة غالباً كمشية الخيلا)، أما الفِعلة بالكسر فهي للهيئات، تدل على الهيئات في الغالب، من الثلاثي، كذلك سواءً كان لازماً ومتعدياً، غالباً فيهما؛ أي: في الفتح والكسر -في الفَعلة والفِعلة-، (وشذ لقاءةً) شذ صوغ مرة من الثلاثي على وزن فعالة كلقيته لقاءةً، وكذلك على وزن إفعالة كأتيته إتيانةً، هذا نادر، كمشية الخيلاء، وجلسة البدوي؛ أي:هيئة جلوسه، ومشية الخيلاء؛ أي: هيئة مشيه، نعم البدوي له هيئة في الجلوس، وهنا يشير إلى قول أبي الطيب المتنبي :

يقعي جلوس البدوي المصطلي بأرجل مجدولة لم تجدل

البدوي إذا جلس ليصطلي على النار جلس هذه الجلسة مثل جلسة الكلب الذي يقعي إقعاء الكلب.

كذلك ميتة الجاهلية عائذاً بالله، ما ورد في الأحاديث الكثيرة مثل: ( من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةً جاهلية )، فالمقصود هنا هيئة موت أهل الجاهلية، الموت على سوء الخاتمة، نسأل الله السلامة والعافية.

وكذلك قولهم: يموت المؤمن ميتة حسن ويموت الكافر ميتة سوء؛ أي: هيئة موت كل واحد منهما، وكذلك لبسة المتفضل في قول امرئ القيس:

فجئت وقد نضت لنوم ثيابها لدى الستر إلا لبسة المتفضل

أي: هيئة لباس المتفضل، المتفضل المستعد للنوم ونحوه، أو المتبذل الذي لا يريد مقابلة الناس، وكأنه لم يبق إلا في فضول ملابسه، مشتقة من الفضول.

الفضل نفس الشيء معناها واحداً، وهذا محله إن ... مصدره التاء، وإلا فسيأتي إن شاء الله غير الثلاثي.

و(فعلة) لاسم مفعول وإن فتحت من وزنه العين يرتد اسم من فعلا

ذكر هنا ابن مالك الفَعلة والفِعلة، وبقي عليه الفُعلة، فأراد الحسن إضافتها، فقال: ( وفُعلة لاسم مفعول وإن فتحت من وزنه العين يرتد اسم من فعلا )، هذا ليس من أوزان المصادر، لكنه ذكره تتميماً للفائدة، نحن ذكرنا فَعلةً وفِعلةً وبقي لنا فُعلة، أراد أن يبين لك أنها ليست من هذا الباب، فقال: إن (ووضعوا فُعلةً لاسم مفعول)، كقولهم: رجل لُعْنة؛ أي: يلعنه الناس، ورجل هزأْة؛ أي: يهزأ الناس منه، ورجل ضُحْكة؛ أي: يضحك الناس منه، قال: أي ملعون ومهزوء به ومضحوك منه.

( وإن فتحت من وزنه العين )، فصار فُعَلةً (يرتد اسم من فعل)، يكون اسم فاعل ذلك، وذلك كقولهم: لُعَنة بمعنى: كثير اللعن لغيره، وهُزَأة بمعنى: كثير الهزء من غيره، وضُحَكة بمعنى: كثير الضحك من غيره، هازئ ولاعن وضاحك، ومنه قول الله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة:1]؛ أي: كثير الهمز واللمز.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.