شرح لامية الأفعال [11]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: ( أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين )، وفي بعض الروايات: ( والصفات المشبهات بهما ).

وهذا الباب معقود لأوزان الأوصاف، والوصف: وجه من أوجه الاشتقاق في الأسماء، فالمصدر اسم يدل على الحدث، فيصاغ منه الفعل، وهو النوع الأول من أوجه الاشتقاق للدلالة على الحدث وزمانه، ويصاغ منه الوصف، وهو الوجه الثاني من أوجه الاشتقاق للدلالة على الحدث وفاعله أو مفعوله، فإن دل على الحدث وفاعله سمي في الإطلاق العام: اسم فاعل، وفي الإطلاق الخاص: فصل، فجعل منه ما يدل على الحدث وفاعله مرتبطاً بزمان باسم الفاعل، وما يدل على الحدث وفاعله غير مرتبط بزمان مخصوص بالصفة المشبهة، وما دل على الحدث وفاعله، وكثرة حدوثه سمي: بأمثلة المبالغة أو أوزان المبالغة، وما دل على الحدث ومفعوله قسم واحد في الغالب إلا أنه قد يلحق بعضه بالصفات المشبهة، فالصفة المشبهة في الأصل تكون مشبهةً باسم الفاعل، وهذا كثير، ولكنها قد تكون من اسم المفعول أيضاً مشبهةً له؛ لأنها لا تكون مرتبطةً بزمنه، اسم المفعول إذا لم يكن متقيداً بزمان، فكان آخذاً من الأزمنة الثلاثة، كان كالصفة المشبهة من هذا الوجه، والصفة المشبهة آخذة من الأزمنة الثلاثة، وليست هي في الماضي فقط، ولا في المستقبل فقط ولا في الحال فقط، كقولك: فلان حسن، معناه: كان حسناً قبل قولك، ووقت قولك، وسيكون حسناً بعد قولك، بخلاف ضارب، فلان ضارب فلاناً الآن، أو قاتل أمس، فاسم الفاعل منقطع، وكذلك مضروب.

لكن من أسماء المفعولين ما يكون مستمراً، مثل: فلان محمود المقاصد، هذا مثل: حسن المقاصد، آخذ من الأزمنة الثلاثة، فهذا النوع يرشد له باسم المفعول، فيكون صفةً مشبهةً باسم المفعول.

وعلى هذا فالصفة المشبهة تنقسم إلى قسمين: صفة مشبهة باسم الفاعل، وصفة مشبهة باسم المفعول، وأوزان المبالغة لا تكون إلا من اسم الفاعل فقط؛ فبهذا تكون الأوصاف من أوجه الاشتقاق خمسةً:

الوجه الأول: هو الذي نسميه اسم فاعل.

والثاني: نسميه صفةً مشبهةً.

والثالث: نسميه اسم مفعول.

والرابع: نسميه وزن مبالغة.

والخامس: هو أفعل التفضيل الذي هو على صيغة أفعل دائماً، وسنذكر ما يشتق منه، لكنهم في الغالب لا يذكرونه في الكلام على الأوزان المجردة؛ لبعده عن الفعل؛ فلذلك لا يذكر في تصريف الأفعال، وإنما يذكر في تصريف الأسماء فقط، ومن هنا لم يذكر له وزناً مستقلاً هنا، وإنما أتى بأوزان أسماء الفاعلين والمفعولين، والصفات المشبهة بهما، فقال:

كوزن (فاعلٍ) اسم فاعلٍ جعلا من الثلاثي الذي ما وزنه فعلا

يقول: (جعل) اسم فاعل من الثلاثي الذي ليس وزنه على فعُل بالضم كوزن فاعل، يقصد أن الوصف الذي يدل على الحدث وفاعله مطلقاً سواء كان صفةً مشبهةً أو اسم فاعل، إذا كان من ثلاثي مفتوح العين أو مكسورها، فإنه يأتي في الأصل على وزن فاعل، وهذا هو المقيس فيه.

(فعل) بالفتح متعدية ولازمة وبالكسر متعدية

والثلاثي خمسة أقسام:

القسم الأول: فعل بالضم، ولا تكون إلا لازمةً، ويندر فيها الوقوع -كما ذكرنا من قبل-، فالوقوع فيها إنما يكون بتضمين؛ فلذلك لا يذكر فصلاً مستقلاً، ففعل بالضم قسم واحد، فعَل بالفتح قسمان: متعد، ولازم، وفعِل بالكسر كذلك قسمان: متعد ولازم، واللزوم فيها أكثر من التعدي، فإذاً هذه هي خمسة أقسام: ثلاثة منها وهي: فعَل بالفتح متعديةً، وفعَل بالفتح لازمةً، وفعِل بالكسر إذا كانت متعديةً، فهذه الثلاثة الوصف منها غالباً يكون على وزن فاعل، وهذا هو القياس فيها.

قال: كوزن فاعل: مقيس اسم فاعل، (جعلا): من ثلاثة أقسام من الثلاثي وهي: فعل مطلقاً كضرب وجلس، ضرب هذا المتعدي، وجلس هذا اللازم، وفعل بالكسر واقعاً؛ أي: متعدياً كشرب وعلم، ورابعها؛ لازمه سيأتي.

(رابعها) أي: رابع أقسام الثلاثي، لازمه؛ أي: لازم فعل بالكسر، وسيأتي بيان أوصافه إن شاء الله تعالى.

وخامسها هو قوله: ( ما وزنه فُعُل )، و(ما) هنا نافية، معناه: الذي ليس وزنه فُعُل بالضم، فتحتاج الآن إلى أن يبين لك وزن اسم فاعل فُعُل بالضم، ومن فَعِل بالكسر اللازم، وهو ما سيأتي.

أما فعل بالفتح المتعدي كضرب فقد عرفت أنه على ضارب، واللازم كجلس فقد عرفت أنه على جالس، وفعل بالكسر المتعدي كشرب وعلم فقد عرفت أنه على وزن شارب وعالم، فأراد أن يجيب السؤال الأول، وهو سؤال عن وصف لازم الثلاثي الذي هو على وزن فَعُل بالضم، فقال:

ومنه صيغ كـ(سهلٍ) و(الظريف) وقد يكون (أفعل) أو (فعالاً) أو (فعلا)

وكـ(الفرات) و(عفرٍ) و(الحصور) و(غمـ ـرٍ) (عاقرٍ) (جنبٍ) ومشبهًا (ثملا)

(فعل) بالضم مطلقاً

يقول: إن اسم الفاعل بمعناه العام: الاسم الذي يدل على الحدث وفاعله، صيغ المقيس منه من فعُل بالضم منه؛ أي: من المضموم، وهو خامس أقسام الثلاثي كـ(سهل)، معناه: على وزن فعل كـ(سهل)، وعلى وزن فعيل كـ(الظريف)، وهذان الوزنان هما المقيسان في وصف فعلا بالضم، والغالب أن ما كان على وزن فعل فمصدره على وزن فعولة، وما كان على وزن فعيل فمصدره على وزن فعالة، سنبين أن قياس مصدر فعُل بالضم إما أن يكون على فعولة، وإما أن يكون على فعالة، (فسهل الأمر يسهل سهولةً)، هذا مصدره: فعولة، فالوصف منه: سهل، و(صعب يصعب صعوبةً) الوصف منه صعب، هذا في الغالب، وقد يكون وزن فعل وصفاً لفعل التي مصدرها الفعالة، وذلك كـ (سمح)، فهو سمح، فمصدرها: السماحة، لكن هذا قليل، وأما فعيل فهو وصف -كما ذكرنا- لفعل التي مصدرها فعالة في الغالب، وذلك كـ(ظرف ظرافةً فهو ظريف)، وسمج (سماجةً فهو سميج)، (وبهج بهاجةً فهو بهيج)، و(ثقل ثقلاً فهو ثقيل)، وهذه مصدرها ليس على القياس، وفي الترقيم سقط فقط على (سهل) رقم سبعة، و(سمح) و(صعب)، والظريف، والسهل: خلاف الصعب، والسمح: الكريم وحسن الأخلاق، والسميج: القبيح، والبهيج: المبتهج المسرور، وقد يكون أفعل، قد يكون على غير القياس، وهذا قليل، على وزن أفعل، وذلك كـ(حمق فهو أحمق)، (وخرق فهو أخرق)، فهذا الوصف من فَعُلَ بالضم، جاء على وزن أفعل، وأخرق من الخرق كالحمق وزناً ومعنى.

أو (فعالا)ً؛ معناه: وقد يكون أيضاً على وزن فعال، وهذا أيضاً من النادر ليس من المقيس، فيقال: (جبن فهو جبان)، ويقال: (حصنت المرأة فهي حصان)، والحصان: العفيفة، ومنه قول حسان رضي الله عنه في عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها:

حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

أو( فَعَلَ)، كذلك من غير المقيس من أوصاف فَعُلَ بالضم أن الوصف منها يأتي على وزن فَعَلَ، وهو قليل كـ(حسن فهو حسن)، و(بطل فهو بطل)، و(برم فهو برم)، و(خلف فهو خلف)، ونحو ذلك، وهو قليل جداً؛ فلذلك قال الشيخ رحمه الله:

وقل في فعلت وزن فعل كخلق وحسن وبطل

وبرم وغير هذه الأربع من وزنه عندهم لم يسمع

ويلحق بها (الضَرَع), بمعنى: الضعيف، (ضرع فلان فهو ضرع), بمعنى: الضعيف.

أقلد أمركم لا خاب سعيكم ولا على الغر من آرائكم

فضعوا مستحكم الرأي لا هيابةً ضرعاً في القصد لا حبذا الهيابة الضرع

الضرع: الضعيف.

لا شيخُنا ضَرَعٌ تلين قناته كلَّا ولا الشّرخ الطّريّ يذوبُ

والضرع الضعيف من قوم ضرع ألحق بها كما به المجد صدع

صاحب القاموس.

وكذلك قد يكون الوصف من فِعَل بالضم على وزن فعال نادراً، كـ (الفرات), بمعنى: العذب أو الحلو، والزعاق, بمعنى: المر، وكلاهما يوصف به الماء، فيقال: ماء فرات، وماء زعاق، من فرت الماء، وزعق، فرت, بمعنى: عذب، وزعق, بمعنى: مر، وكذلك شجع فهو شجاع هي الوصف منها أيضاً، وقد يأتي أيضاً على وزن فعل نادراً، يأتي الوصف من فعل بالضم على وزن فعل نادراً، كـ(عفر), بمعنى: داهٍ ماكر، يقال: فلان عفر،كما يقال: عفريت أيضاً, بمعنى: داهٍ ماكر، وكذلك بدع وهي: غاية فيما ينعت به، معناه: الشيء الذي لم يسبق إلى مثله: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:9]، وكذلك حرم, بمعنى: حرام، حرُم الشيء فهو حِرم، وبه قرئ: (وحِرم على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون)، وأما حرام فهي على ما سبق على وزن حصان ورزان.

وكذلك قد يأتي الوصف من فعُل بالضم على وزن فعول نادراً كـ (حصور)، (حصُر الرجل فهو حصور)، معناه: لم يكن له أرب فيهن؛ أي: في النساء، ومنه قول الله تعالى: وَسَيِّدًا وَحَصُورًا [آل عمران:39]، ويطلق كذلك على الناقة، حيث يقال: (حصرت الناقة) فهي حصور أي: ضيقة الإحليل وهو مكان خروج اللبن من أثدائها، ومن ضرعها، فإن ضاق سميت: حصوراً وعزوزاً كما سبق، فعزوز أيضاً من هذا الوصف؛ لأنها من عزُزت الناقة، وقد يأتي على وزن فُعل نادراً أيضاً، فيكون الوصف من فعُل بالضم على وزن فُعل بالضم، كـ(غُمر من غمُر غمارةً فهو غمر وهم أغمار)، فجمع غمر أغمار، وهي: بهاء، أي: أن الوصف للمؤنث يقال فيه: امرأة غمرة أيضاً بالتأنيث، فتأنيثها يكون بهاء التأنيث، ومعنى الغمر الذي لم يجرب الأمور، ذكر في القاموس أن هذا مما يثلث، يقال: (غمر وغمر وغمر), بمعنى: الذي لم يجرب الأمور، ويحرك، يقال: غمر أيضاً بهذا المعنى، وإذا قال صاحب القاموس: يحرك؛ أي: بالفتحات، قاعدة: إذا قال: ويحرك؛ أي: بالفتحات، فتحة على الفاء، وفتحة على العين.

وكذلك قد يأتي على وزن فاعل، وهي: أكثر من سابقتها، وذلك كقولهم: (عقرت المرأة فهي عاقر)، و(عقر الرجل كذلك فهو عاقر)، يوصف به المذكر والمؤنث، من عقرت بالضم فهي عاقر وهو معناه: الرجل كذلك عقر فهو عاقر، وجاء كـ (ضرب) أي: إنه يستعمل هذا الفعل على وزن فعل بالفتح فيقال: عقرت، هي عاقر وقد سبق ذكر هذا في محله في الثلاثي، عقراً وعقاراً هذا المصدر منه.

وكذلك (نبه فلان فهو نابه)، ضد الخامل، النابه ضد خامل الذهن؛ أي: المشهور المعروف بين الناس المذكور بالصفات الحميدة، ومنه قول الشاعر:

لقيم بن لقمان من أخته وكان ابن أختٍ له وابنما

ليالي حمقت فاستحصنت إليه فغر بها مظلما

فأحبلها رجل نابه فجاءت به رجلاً محكما

رجل نابه؛ أي: مشهور معروف، كذلك (ودُع فهو وادع) ووادع, بمعنى: هادئ وساكن، ومنه قول الشاعر:

فتملأ الهجم عفواً وهي وادعة حتى تكاد شفاه الهجم تنثلم

يصف ناقةً غزيرة اللبن، فيقول: إنها إذا حلبت تملأ الهجم؛ أي: الإناء الضخم الكبير، عفواً؛ أي: بدون بذل جهد، وهي: وادعة؛ أي: غير متحركة، حتى تكاد شفاه الهجم أي: أطرافه تنثلم مما يتساقط منه من الرغوة وصراح اللبن، نعم والشكل هنا خطأ.

كذلك قد يأتي الوصف من فعل بالضم على وزن فعل نادراً، فيقال: (جنُب الرجل فهو جُنُب) جنابةً هي المصدر، كـ (أجنب) معناه: أنه يستعمل منها الرباعي، ويستوي فيه المفرد وغيره، سقط الضمير من هنا وغيره، وربما جمع فيقال: قوم أجناب، وهذا نادر، فالأكثر أن يستوي فيه المفرد وغيره، يقال: رجل جنب، ورجلان جنب، وامرأة جنب، ونساء جنب، وكذلك غرب، غرب فلان معناه: تغرب عن أهله ووطنه، فيقال فيه: هو غُرُب، ويطلق هذا أيضاً على المذكر والمؤنث والمفرد والتثنية والجمع فيقال: رجل غُرُب، وامرأة غُرُب، ورجلان غُرُب، ورجال غُرُب، ونساء غُرُب، وربما ثني نادراً كقول الشاعر:

وما كان غض الطرف منا سجيةً ولكننا في مذحج غربان

غربان أي: غريبان، والغريب ينبغي أن يغض الطرف، هو يقول: إنه لو كان في بلاده وأهله لكان محل عزة ولم يكن ممن يغض الطرف ويتغاضى عن الظلم، ولكنه غريب في بلاد مذحج، فليس من أهل تلك البلاد، هذا اعتبار فقط.

كذلك قد يأتي الوصف من فعُل بالضم، على وزن فعِل، وهو قوله: ( ومشبه (ثمِلا) ) وثمِل ليست من هذا الباب؛ لأنها من فعِل بالكسر، وإنما ذكرها للتمثيل فقط، وذلك كـ (سمج) من سمج، تطلق على خبيث الطعم وتطلق على القبيح، فيقال فيه: سمج، كما يقال فيه: سميج، وقد ذكرناها من قبل، وكذلك بهج من بهُج بالضم، فهو بهيج، وقد سبق الفعيل منه في معنى: حسن أو سر، (لا ثمل فمن المكسور)، أما ثمل التي مثل: بها هنا فلا يقصد أنها من هذه القاعدة وإنما هي من فعل بالكسر كما سيأتي.

وصيغ من لازمٍ موازنٍ فعلاً بوزنه كـ(شجٍ) ومشبهٍ (عجلا)

(فعل) بالكسر لازمة

بقي قسم واحد من أقسام الثلاثي: وهو فعل بالكسر اللازم، فيقول: وصيغ مقيس الوصف من لازم موازن فعِل بالكسر، فهو آخر أقسام الثلاثي الخمسة بوزنه؛ أي: يأتي على وزن فعل أيضاً، وهذا هو قياسه، وله ثلاثة أوزان مقيسة: ( فعل وأفعل وفعلان)، هذه الثلاثة هي المقيس؛ فلذلك قال: بوزنه معتلا، كان كـ (شج) فهو من المنقوص، أصله: شجي، وكذلك عم من وعمِي، شجي أصيب بالشجاء وهو: الحزن، وعمي أصيب بالعمى وهو: ضد البصر، وكذلك لهِي، فهو له أيضاً, بمعنى: شغل، أو من غير المعتل كـ(عجِل فهو عجل)، وما يشبه ذلك ومشبه عجل، وذلك كـ (زمِل) التي سبقت من زمل, بمعنى: سكر، وسكر من سكر أيضاً، وأشِر من أشر, بمعنى: اشتد طربه وفرحه، وكذلك (بطِر فهو بطر)، و(فرِح فهو فرح)، نعم، هذه كانت من هذا الوجه.

و(الشأز) و(الأشنب) (الجزلان) ثمت قد يأتي كـ(فانٍ) وشبه واحد البخلا

والشأْز معناه: وقد يأتي الوصف من فعِل بالكسر اللازم على وزن فعْل كشئز المكان فهو شأز، بمعنى: كثرت حجارته، وهذا في الأصل تخفيف الشيء فيه، ففَعْل كله إذا سمعته من فعل بالكسر اللازم فاعلم أنه في الأصل تخفيف فاعله؛ فإذاً هذا الوزن مكمل لسابقه، لا وزن مستقل.

والأشنب معناه: وقد يأتي الوصف من فعل بالكسر اللازم على وزن أفْعَل، كـ(عوِر فهو أعور)، و(سوِد فهو أسود)، و(شنِب فهو أشنب)، ونحو ذلك، (حمِر فهو أحمر)، (شهِب فهو أشهب)، وهكذا في الألوان كلها.

الوزن الثالث من أوزان اسم فعِل بالكسر أن يكون على وزن فعلان، كجزل فهو جزلان، لذلك قال: ( والأشنب الجزلان )، وعجل فهو عجلان، وشبع فهو شبعان، وروِي فهو ريان ونحو ذلك، وهذه الأوزان الثلاثة مقيسة، وقد تجتمع كأجرب وجربان، وشعث وأشعث وشعثان، لذلك قال المختار بن بونة رحمه الله في الجامع:

وربما اجتمعن نحو جرب ونحو جربان ونحو الأجرب

وربما اجتمعن نحو شعث ونحو شعثان ونحو الأشعث

تجتمع الأوزان الثلاثة في كلمة واحدة.

(ثُمّت قد يأتي كـ(فان) وشبه واحد البخلا)

ونبه هنا بانتهاء المقيس، فقال: ( ثمت ), أي: ثم وتلحق بها التاء، وهذه التاء يجوز كتابتها بالتاء أو بالهاء؛ لأنها تشبه تاء التأنيث المتحرك ما قبلها، فيقال: ثمت وربت، ثمت قد يأتي؛ أي: الوصف من فعِل بالكسر اللازم قليلاً على وزن فاعل، أو على وزن فعيل حملاً على غيره، ليس بالأصالة، وإنما هو من باب الحمل والنيابة؛ فلذلك قال: ( كـ(فان) ) وهو فاعل من فني يفنى فهو فان، ( وشبه واحد البخلا )، وهو بخيل بخل فهو بخيل، فإذاً يأتي على وزن فاعل وفعيل، ففاعل ذكرنا أن الأصل فيه: أنه لفعل بالفتح مطلقاً، ولفعيل بالكسر إذا كانت متعديةً، وفعيل ذكرنا أن الأصل فيه أنه من فعُل بالضم، لكنه قد يأتي عليهما الوصف من فعِل بالكسر إذا كانت لازمةً حملاً على غيره من مفتوح أو مكسور لفاعل، أو مضموم لفعيل، كان اللازم أن يذكر أيضاً المكسور؛ لأن فعل بالكسر إذا كانت متعديةً سبق أن وصفها يكون على وزن فاعل، كشرب وعلم، وشارب وعالم، بنسبة بينهما من مشابهة ومضادة، إنما يحمل على غيره وينوب عنه الوصف من غيره بنسبة، والنسبة هي: ما يتعقل بين شيئين إلى اصطلاح منطقي قد سبق بيانه في المنطق، وذكرنا أن النسبة تكون بين اللفظين، وبين المعنيين، وبين اللفظ والمعنى، وبين المفهوم وما صدق في حق الكل، وذكرنا أنواع هذه النسب الأربع، وذكرنا منها أن النسبة بين المعنيين تنقسم إلى أربعة أقسام:

القسم الأول منها: التباين، وذكرنا أن التباين إما أن يكون بالمضادة، وإما أن يكون بالمناقضة، وإما أن يكون بالمخالفة، وإما أن يكون بالمماثلة أربعة أصناف سبق تفصيلها في المنطق، فهنا النسبة التي من أجلها تحمل فعِل بالكسر على فعَل أو على فعُل هي المشابهة أو المضادة، لذلك قال: ( لنسبة بينهما من مشابهة أو مضادة )، فـ (فان) من المحمول على المفتوح طبعاً؛ لأنه على وزن فاعل وهذا المفتوح، فهي محمولة على ما يشابهها وهو ذاهب مثلاً من ذهب، وكذلك راض من فعل بالكسر من رضي، فالوصف منها راض، وهي: محمولة على ما يشابهها من فعل بالكسر وهو شاكر مثلاً من شكر، وكذلك صاعد من صعد من فعل بالكسر، فهي محمولة على ما يشابهها من فعل وهو: عال، وكذلك ضافر فهي محمولة على ما يشابهها من فعل بالفتح وهو: فائز، فهذه كلها من المشابهة حملت على ما يشابهها في المعنى، فـ(فان كذاهب)، و(راض كشاكر)، و(صاعد كعالٍ)، و(ظافر كفائز)، وأما بخيل ونحوه، فهو من المحمول على المضموم، بخيل وحريص وسقيم، فبخيل محمولة على كريم من كرم فهو كريم للمضادة بينهما، وحريص كذلك محمولة على لئيم للمشابهة بينهما، وسقيم محمولة على ضعيف للمشابهة بينهما من ناحية المعنى، فبخيل من بخل، وحريص من حرص، وسقيم من سقم، وكلها من فعل بالكسر، وقد حملت على ما يضادها أو يشابهها من فعل بالضم ككريم من كرم، ولئيم من لؤم، وضعيف من ضعف، فكريم ضد بخيل، ولئيم مثل حريص، وضعيف مثل سقيم؛ فلذلك حملت عليها، فصيغ الوصف من فعِل بالكسر على وزن فعيل حملاً على فعل بالضم للمشابهة أو المضادة.

الوصف من (فعل) بالفتح

حملاً على غيره لنسبةٍ كـ(خفيـ ـفٍ) (طيبٍ) (أشيبٍ) في الصوغ من فعلا

خرجنا مما كنا فيه، وانتقلنا إلى حمل آخر ليس من فعل بالكسر؛ فلذلك قال: ( وهذا كحمل خفيف طيب أشيب في الصوغ من فعل ).

فجمع النظائر هنا، وذكر أن فعَل بالفتح أيضاً قد يأتي الوصف منها على وزن فعيل؛ حملاً على الوصف من فعل بالضم لنسبة بينهما، من مشابهة أو مضادة، أو يأتي على وزن أشيب أفعل؛ حملاً على فعل بالكسر، لنسبة أيضاً بينهما، فالوصف من فعَل بالفتح في الأصل: يكون على وزن فاعل، ولكنه قد يأتي على وزن فعيل، وقد يأتي على وزن أفعل، فإتيانه على وزن فعيل هو من حمل فعَل على فعُل، ومجيئه على وزن أفعل هو مِن حَمل فعل على فعِل؛ لذلك قال: ( وهذا كحمل خفيف طيب )، وقد جعلهما وزناً واحداً؛ لأن فيعلاً أخو فعيل، ففعيل طبعاً عرفت من الأوصاف السابقة، لكن طيب على وزن فيعل، وفيعل لم نذكرها من الأوصاف فيما سبق، لكنها تحمل على فعيل؛ لأنها هي أقرب الأوزان إليها، فكلاهما فيه الياء، إما أن تكون قبل العين أو بعدها، وكلاهما؛ أي: خفيف وطيب من فعل بالفتح، ويحملان على خبيث وثقيل بالمضادة، فالخبيث يحمل على الثقيل، خفيف من خف الذي هو فعل بالفتح، وقد سبق أن هذه الأوزان تنوب فيها فعل عن فَعِل؛ لأنها من السجايا، قد سبق أن وصفها على فعيل أو فيعل أخيه كطيب، فلذلك قال: ( على خبيث وثقيل ) خبيث حمل عليه طيب؛ لأنه ضده، وثقيل حمل عليه خفيف؛ لأنه ضده، وهذا من اللف والنشر المعكوس بالمضادة، وفيعل أخو فعيل، طيب وإن كانت ليست على وزن فعيل فهي قريبة منها؛ فلذلك قال: وفيعل أخو فعيل، وفعل بالفتح ينوب عن فعل بالضم أيضاً في المضعف ويائي العين في الماضي، الفعل الماضي كما سبق.

وكحمل أشيب في الصوغ من فعل بالفتح على أعور، وأشيب من فعل بالكسر؛ لأن أفعل هو وصف لفعل بالكسر اللازم، ولكننا وجدناه من فعل بالفتح فيقال: شاب الرجل، فهو أشيب، وأفعل ليست من أوصاف فعل بالفتح، لكنها هنا حملت على فعِل بالكسر؛ لأن الشيب يشبه العيوب وألحق بها؛ فلذلك قال أحدهم:

كفى الشيب عيباً أن صاحبه إذا أردت به وصفاً له قلت أشيب

وكان قياس الوصف لو قيل شائب ولكنه من جملة العيب يحسب

التمييز بين ما كان اسم فاعل من الثلاثي وما كان صفة مشبهة

انتهينا إذاً من أوصاف الثلاثي، لكن ينبغي أن نميز بين ما كان منها اسم فاعل، وما كان صفةً مشبهةً، والتمييز بينهما من وجهين: إما من جهة المعنى، وإما من جهة المبنى، فمن جهة المعنى: أن اسم الفاعل يكون مقترناً بالزمان إما بالزمان الماضي أو الحال أو الاستقبال، والصفة المشبهة آخذة من الأزمنة الثلاثة دائماً، فاسم الفاعل يدل على التجدد والحدوث، والصفة المشبهة تدل على الثبات والاستقرار، إذاً هذا من ناحية المعنى.

أما من ناحية المبنى فاسم الفاعل لا يكون إلا على وزن فاعل، لكنه يصاغ من كل فعل من أنواع الثلاثي الخمسة على هذا الوزن، والصفة المشبهة تأتي على الأوزان السابقة، إما أن تكون على فاعل، وإما أن تكون على فعيل، أو فعْل، أو أفعل، أو فعِل، أو فعلان.. إلى آخر ما سبق، فقياسها هو أن تكون على فاعل إذا كانت من فعَل، أو من فعِل المتعدية، وأن تكون على فعْل أو فعيل إذا كانت من فعل بالضم، وأن تكون على أفعل أو فعيل أو فعلان إذا كانت من فعل بالكسر اللازم، وما عدا ذلك فيها فهو على السماع، بين هذين الفرقين بقوله:

و(فاعل) صـالح في كـلٍ ان قـصد الـ ـحـدوث نحـو (غدًا ذا جـاذل جـذلا)

يقول: ( وفاعل )؛ أي: هذا الوزن، ( صالح ) أي: يجوز صياغته ( من كل ) أي: من كل ثلاثي، ( إن قصد الحدوث ) معناه: إن قصد بالوصف الدلالة على الحدوث والتجدد، فيقترن بزمان مخصوص، فقولك: (غدا ذا جاذل جذلا)، نحو غداً ذا جاذل أي: فارح، جذلاً أي: فرحاً، وزيد جاذل، أو شاجع اليوم، فقولك: جاذل من جذل، وفارح من فرح، وجابن من جبن، فإذا كانت من فعل بالكسر اللازم، ومن فعل بالضم يصاغ الوصف على وزن فاعل، فمن باب أولى من فعل بالفتح مطلقاً، ومن فعل بالكسر إذا كانت متعديةً؛ لأن الصفة المشبهة بها في الأصل كذلك؛ فلذلك تقول: زيد ضارب اليوم، أو ضارب عمراً أمس، هذا من فعل، وكذلك: زيد جالس اليوم للإفتاء، أو جالس اليوم للقضاء، من فعل اللازم، وكذلك من فعل بالكسر اللازم، فتقول: زيد عالم اليوم بكذا، أو زيد شارب اليوم دواءً، نفس الشيء، أو شارب غداً الدواء، أو قادم غداً إلى مكان كذا، من فعل وفعل هذا الأصل، من فعل أيضاً -مثل ما ذكرنا- كجاذل وفارح، أو من فعل كجابن وشاجع، ومنه قول الشاعر:

فما أنا من رزءٍ وإن جل جازع ولا بسرور بعد موتك فارح

فما أنا من رزءٍ وإن جل جازع، وهنا جاء بفاعل من فعِل بالكسر وجزع، ولا بسرور بعد موتك فارح كذلك من فرح، بدل جزع وفرح، ومنه قوله:

تلوم على الإهلال في غير ضلة وهل لي ما أمسكت إن كنت باخلا

رأيت التطاول جود خير تجارة رباحاً إذا ما المرء أصبح ثاقلا

فقوله: تلوم على الإهلال، يقصد أن امرأته تعذله وتلومه على الإهلال أي: الإعطاء، وهي: من (أهل السيف بفلان) إذا قطع منه كما في القاموس، والمقصود بذلك: على قطع جزء من ماله أي: إعطائه لغيره، وروي على الإهلاك؛ أي: إتلاف المال في غير ضلة؛ أي: في غير سفه.

(وهل لي ما أنفقت إن كنت باخلاً): يستفهم هاهنا فيقول: هل لي ما أنفقت، هل هو باق لي حياتي إن كنت باخلاً؛ أي: إن تجدد علي البخل فبخلت به، بمعنى: المتصف بالبخل في زمان محصور، فجاءت على وزن فاعل، ولو كانت صفةً مشبهةً لقيل: بخيل، إن كنت بخيلاً، فإذاً هذا كله هو: اسم الفاعل، فعرف أن اسم الفاعل يدل على التجدد والحدوث، ولا يكون إلا على وزن فاعل، وأنه يصاغ من كل فعل من الثلاثي على هذا الوزن، وأما الصفة المشبهة فإنها آخذة من الأزمنة الثلاثة، وتكون على الأوزان التي سبقت فتكون من فعَل مطلقاً على وزن فاعل، ومن فعِل بالكسر المتعدي كذلك، ومن فعُل بالضم على وزن فعيل أو فعِل، ومن فعل بالضم اللازم على وزن أفعل أو فعيل أو فعلان كما سبق، انتهينا من الفاعل من الثلاثي، وأدرجنا معه الصفة المشبهة.

اسم (فاعل) غير الثلاثي

نصل الآن إلى اسم فاعل غير الثلاثي، فقال:

وباسم فاعل غير ذي الثلاثة جي وزن المضارع لكن أولا جـعـلا

ميم تضم وإن ما قبل آخره فتحت صار اسم مفعولٍ وقد حصلا

من ذي الثلاثة بالمفعول متزنًا وما أتى كـ (فعيلٍ) فهو قد عدلا

يقول: وجي بمقيس اسم فاعل (غير ذي الثلاثة) معناه: من الرباعي مجرداً أو مزيداً فيه، ومن الخماسي والسداسي ولا يكونان إلا من المزيد فيه، ( جي به وزن المضارع )؛ أي: موازناً للمضارع منه، ( لكن أولا جعلا ميماً تضم )، الفرق بينه وبين مضارعه: أن المضارع يفتتح بأحرف المضارعة السابقة، والوصف منه يفتتح بالميم، فالرباعي المجرد كـ(دحرج)، المضارع منه يدحرج، الوصف منه: مدحرج، والرباعي غير المجرد كأكرم، مضارعه يكرم، والوصف منه مكرم، وكذلك علم يعلم، والوصف منه معلم، فاسم فاعله دائماً على وزن المضارع، لكن حرف المضارعة تجعل في مكانه ميم مضمومة، وهذه قاعدة سهلة، إن الوصف من غير الثلاثي على وزن مضارعه، لكن يجعل بدل حرف المضارعة ميم مضمومة، وهكذا في الخماسي: انطلق، ينطلق، منطلق، وفي السداسي استخرج يستخرج مستخرجاً.

وشذ مجيء الوصف من غير الثلاثي على وزن الوصف من الثلاثي كـ(أورس النبت)، بمعنى: اصفر، فهو وارس، ولم يقولوا: مورس، وكذلك أينع العشب، فهو: يانع اشتدت خضرته ولم يقولوا: مونع، وكذلك أبقل المكان، فهو باقل، ولم يقولوا: مبقل، بمعنى: كثر فيه البقل، وكذلك: أعشب المكان، فهو عاشب، ولم يقولوا: معشب، وكذلك أيفع الغلام، فهو يافع ولم يقولوا: موفع، وأيفع, بمعنى: ناهز البلوغ.

قال ويخطو على صم صلاب كأنها حجارة غيل وارسات بطحلب

أورد الحسن رحمه الله هذا البيت هنا شاهداً على استعمال (وارس) للرباعي، وليس البيت كذلك؛ لأن وارسات التي فيه ورست الصخرة بكسر العين؛ أي: علاها الطحلب حتى تخضر، وقال:

وما زلت أبغي الخير مذ أنا يافع وليداً وكهلاً حين شبت وأمردا

وهذا من شعر الأعشى، من قصيدته التي يقول في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويافع هي الشاهد، وهذه الميم التي يفتتح بها الوصف من غير الثلاثي تكون مضموماً دائماً سواءً كان حرف المضارعة فيه مضموم كحال الرباعي، أو كان مفتوحاً كغيره، إلا على لغة أهل نجد؛ فلذلك قال: ضم أول الآتي أم لا، كمكرم ومنطلق ومستخرج، ومن النادر كسر هذه الميم كمِغير ومِعين ومِبين، وذلك تبع لكسر الحرف الذي يليها فهذا من باب الإتباع، فمغير من أغارت الخيل على المكان تغير، فهي مغيرة، لكن الحرف الثاني مكسور ممدود بالياء، فربما أتبع الحرف الأول له والعرب تتبع من قبل ومن بعد، فيقولون: مغير، وكذلك أعانه يعينه، فهو معين، يتبعون هذه الضمة بالكسرة التي بعدها فيقولون: مِعين، كذلك أبان الشيء يبينه فهو مبين له، فيقولون: مِبين يتبعون الضمة بالكسرة التي بعدها فيكسرونها.

وهذا كله سماعي، وهذا مثل: البيوت، بيوت في قراءة شعبة و قالون في القرآن كله، سواءً كانت معرفةً أو منكرة، بدل: البيوت، وكذلك الغيوب في قراءة شعبة في القرآن أيضاً ونحوها، شعبة هذا الوزن كله يكسر أوله في القرآن كله، مراعاة الياء.

قال أحمد بن ...:

شذ مغير ومعير ومعين ومبين مسهب ومحصن بدون مين

مسهب ومحصن هذه على اسم الفاعل لكنها جعلت على اسم المفعول، وهذا شاذ نادر، وسيذكر ذلك، فيقال: أسهب فلان فهو مسهب, بمعنى: كثير الكلام، الأصل: أن يقال: مسهب، لكنها سمعت بفتح يقال: مسهب، كأنه لا يتحكم في نفسه؛ فأصبح مفعولاً المثال، ومنه قول الشاعر:

يتفيهق الغمر المغمر مسهباً والمسقع العد القريحة موجز

والله يعلم أن هذا عاجز فيما يقول وأن هذا معجز

كالوعد يقوى المخلفون بحمله ويهاب عقدة حمله من ينجز

كذلك يقال: فلان محصن من (أحصن الرجل أو المرأة)، فيقال: فلان محصن، وامرأة محصنة، كل واحد منهما أحصن الآخر، وهي: مع ذلك صفة, بمعنى: اسم الفاعل، كان اللازم أن يقال: رجل محصن لأهله، لكن لما نظر فيها معنى العفاف، فقد أحصنته زوجته وهو أيضاً أحصنها، هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187].

وكذلك ملفج من اللفج, بمعنى: أفلس، فهو ملفج، ولم يقولوا: ملفج، وسمع أُلفج مبنياً للمفعول؛ وعلى هذا فلا شذوذ؛ لأنه يكون مبنياً للمفعول؛ ولهذا جاء في القاموس: (ألفج أفلس فهو مُلْفَج) بفتح الفاء نادر، واللفج: الذل، والإلفاج: الإلجاء إلى غير أهله، والمستلفج: الملفج، والذاهب الفؤاد فرقاً، واللاصق بالأرض هزالاً، مع كسر ما قبل آخره مطلقاً، لفظاً أو تقديراً، معناه: سواءً كسر ما قبل الآخر في المضارع منه أو لم يكسر، فكسر ما قبل الآخر لازم فيه مطلقاً، هذا الفرق بينه وبين المضارع هنا، لفظاً أو تقديراً، لفظاً: إذا كان المحل قابلاً لذلك، أو تقديراً: إن لم يكن قابلاً لظهور الكسرة عليه.

وشذ مسهب كما سبق، وملفج ومحصن ومخول معناه: نسيب في القبيلة حسيب، ولهذا قال في المصباح: وبعضها جاء على صيغة اسم المفعول؛ لأن فيه معنى المفعولية نحو أحصن الرجل فهو محصن إذا تزوج، وجاء الكسر على الأصل، وألفج, بمعنى: أفلس فهو ملفج وسمع ألفج مبنياً للمفعول، وعلى هذا فلا شذوذ، أسهب إذا أكثر كلامه فهو مسهب؛ لأنه كالعيب فيه، وأما أسهب إذا كان فصيحاً: فاسم الفاعل على الأصل، وأعم وأخول إذا كثرت أعمامه وأخواله، فهو معم ومخول.

وقال أبو زيد: أعم وأخول بالبناء فيهما للمفعول؛ فعلى هذا ليسا من الباب، وأحصن الرجل زوجته: إذا أعفها، وأحصنته: إذا أعفته، إذا كثر كلامه في الخطأ؛ لأنه كالعيب فيه، كأنه هو لا يتحكم في نفسه، وأما السهب إذا أكثر كلاماً في الصواب، فعلى القياس، يقال: مسهب في كذا، لكن يحدد الكلام الذي يتكلم فيه، واعتمد هذه التفرقة بين المعنيين شارح ديوان الستة الأندلسي، ونقله أبو عبيدة معمر بن المثنى عن الأصمعي.

( وإن ما قبل آخره فتحت صار اسم مفعول ).

نحن ذكرنا أن الوصف من غير الثلاثي الذي هو اسم الفاعل إذا أردت أن تبنيه فخذ مضارعه، واجعل مكان حرف المضارعة ميماً تضم، واجعل ما قبل آخره مكسوراً دائماً، فإذا فتحت ما قبل آخره كان اسم مفعول، أبق الميم مكانها وافتح ما قبل الآخر كان اسم مفعول، وهذا شروع في أبنية أسماء المفعولين، وبدأ فيها بالرباعي بالمزيد فيه قبل المجرد قبل الثلاثي؛ لجمع النظائر؛ لأنها تشبه اسم الفاعل من غير الثلاثي، والفرق بينهما فقط أن هذا الوزن من اسم الفاعل مكسور ما قبل آخره، واسم المفعول مفتوح ما قبل آخره؛ فلذلك قال: ( وإما قبل آخره فتحت ), بمعنى: وإن فتحت ما قبل آخره صار اسم مفعول، كمكرم ومعلم، ومستخرج، ونحو ذلك، فهذا من الذي ذكر فيه الفتح لفظاً.

وأما التقدير فهو مثل: مختار، ومضطر، فهذه إن كنت تريد اسم الفاعل فقدر الكسر، وإن كنت تريد اسم المفعول فقدر الفتح، ولكن صورتهما واحدة، (اختار زيد كذا فهو مختار له)، والشيء نفسه مختار لدى زيد هو اسم مفعول، وكذلك: (ضار فلان وفلاناً يضاره)، (ضار زيد عمراً يضاره) فزيد مضار؛ أي: مضارر، وعمرو مضار؛ أي: مضارر، ولكنها مدغمة في الأمرين في الحالين: مختار ومضار.

انتهينا من أوصاف ما زاد على الثلاثي، فالأمر فيها سهل؛ لأن قاعدتها: أنك إذا أردت أن تصوغ الوصف من غير الثلاثي، فخذ المضارع منه، واجعل بدل حرف المضارعة ميماً مضمومةً، فإن كسرت ما قبل الآخر كان اسم فاعل، وإن فتحته كان اسم مفعول، القاعدة واضحة، والشاذ منه ما اختلف فيه الشكل فيما قبل الآخر -كما ذكرنا-، أو كان على وزن فاعل ما ألحق بالثلاثي.

ما يأتي على وزن (مفعول) من الثلاثي

( وقد حصلا من ذي الثلاثة بالمفعول متزناً ).

يقول: إن اسم المفعول قد حصل من ذي الثلاثة؛ أي: من الثلاثي متزناً بالمفعول؛ أي: على وزن مفعول، فاسم المفعول من الثلاثي مطلقاً مما يمكن أن يصاغ من أنواعه الخمسة؛ لأن المتعدي مطلقاً يصاغ منه اسم المفعول، لكن اللازم ينقسم إلى قسمين: إلى قاصر وصادر، فالصادر: يصاغ منه اسم المفعول أيضاً معدىً من حرف، والقاصر: لا يصاغ منه اسم مفعول أصلاً، يأتي على وزن مفعول كـ(سطره فهو مسطور)، (ونشره فهو منشور)، ومنه قول الله تعالى: وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ [الطور:1-3]، وعمره فهو معمور أيضاً: وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ [الطور:4]، ورفعه فهو مرفوع: وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ [الطور:5]، وسجره فهو مسجور: وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ [الطور:6]، كلها على وزن مفعول.

ومدعو، ومرمي، ومبيع، ومصون، كذلك مما هو على وزن مفعول من الثلاثي: مدعو من (دعاه، يدعوه، فهو مدعو)، أصلها: مدعوو، فدغمت الواو في الواو، فقيل: مدعوّ، وكذلك: مرمي، أصلها: مرموي، فاجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون فوجب، قلب الواو ياءً، وادغام الياء في الياء، فقيل: مرمي.

وكذلك مبيع، أصلها: مبيوع، فـ(مبيع) هنا وزنها: مفعول، لكن بعد الإعلال صارت هكذا، وكذلك مصون، أصلها: مصوون، فللتخفيف حذفت الواو الأخرى التي حصل بها التكرار والاستثقال، فقيل: مصون، ونقلت حركتها إلى الصاد، هذه هي الإعلالات التي تحدت، وهي: راجعة إلى قواعد تبين في تصريف الأسماء، ليست من تصريف الأفعال، ولكنه هنا أراد بها تنويع الأمثلة، أما مدعو، أصلها: مدعوو بواوين: واو مفعول، ولام الكلمة، فإذاً ادغمت الأولى في الثانية لاجتماع المثلين، فقيل: مدعو، ويندر فيها الإعلال، أن يقال: مدعي، ومنه قول الشاعر:

وقد علمت عرسي مليكة أنني أنا الليث معدياً عليّ وعاديا

فـ(معدياً) هنا أصله: معدوو، وكان الأقوى أن يقول: معدواً علي وعادياً، لكنه أعله فقال: معدياً علي وعادياً، والصحيح في هذا أولى من الإعلال؛ ولذلك قال ابن مالك رحمه الله تعالى:

وصحح المفعول من نحو عدا أو أعلل لم تتحر الأجود

وكذلك (مرضي) فأصله: مرضوو بواوين، أولهما: واو المفعول، وثانيهما: لام الكلمة، فقلبت اللام ياءً حملاً للاسم على الفعل، يعني: اسم رضي، فحمل عليه الاسم هنا، وهو الوصف، فلو كان هذا في الفعل لوجب الإعلال فيه، فوجب ذلك في الاسم؛ إذ الحرف الذي قبل الآخر مكسور، فصار مرضوياً مثل: اللفظ صار مرضوياً، فاجتمع فيها الواو والياء، وسبقت إحداهما بسكون، فقلبت الواو ياءً، وادغمت الياء في الياء على القاعدة، ثم أبدلت الضمة كسرةً لتسلم الياء من القلب، فقيل: مرضي، قلبت الضمة كسرةً لتسلم الياء من القلب، فقيل: مرضي، وأما مرمي، فأصله: مرموي، فاجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، ثم قلبت الواو ياءً، وقلبت الضمة كسرةً، لتسلم الياء من القلب، وادغمت الياء المنقلبة عن الواو في الياء الأصلية لاجتماع المثلين، فقيل: مرمي، وأما مبيع ومصون فأصله: ما مبيوع ومصؤون، والقاعدة في مثلهما أن صيغة المفعول تعل بالنقل والحذف، ويجب بعد النقل بذوات الواو حذف إحدى الواوين لالتقاء الساكنين، والصحيح عند سيبويه أنها الثانية؛ لأنها الزائدة؛ ولأنها الأقرب من الطرف، هذا خلاف طويل بين سيبويه و الخليل و الأخفش و الفراء، في الجهة الأخرى ذهب الأخفش و الفراء إلى أن المحذوف عين الكلمة؛ لأنها عوض عنها ولا تعويض إلا من أصلي، ويجب في ذوات الياء الحذف وقلب الضمة كسرةً لئلا تقلب الياء واواً فتلتبس ذات الياء بذوات الواو، فمصون مصوغ ومقول أصلها: مصووغ، ومقوول، ومصوون بواوين: الأولى: عين الكلمة والثانية: واو مفعول، فنقلت حركة العين إلى ما قبلها، فالتقى ساكنان، وهما الواوان، فحذفت واو مفعول عند سيبويه، وحذفت عين الكلمة عند الأخفش، المهم أنه حذفت إحدى الواوين في مثل ذلك، فعندما نقلت الضمة إلى الصاد؛ صارت مصوون، فاجتمع لنا واوان؛ فحذفت إحداهما؛ فصارت مصون، وهكذا مصوغ ومقول.

وأما ذوات الياء فهي مثل: مبيع، ومدين، فأصلهما: مبيوع ومديون نقلت حركة العين إلى ما قبلها، فالتقى ساكنان مبيوع، فالضمة التي على الياء نقلت إلى ما قبلها، فقيل: مبيوع( مبي) وبعد ذلك الواو وبعد ذلك العين، لا يصح النطق بهذا، نعم، لا ينطق بها، فالتقى ساكنان، فحذفت واو مفعول فصارت مُبيع، ثم كسر ما قبل الياء لتثبت فقيل: مبيع، فجعلت الياء مداً للكسرة التي قبلها، فقيل: مبيع، فتمر إذاً بعدد من الإعلالات، أولاً: النقل، نقل حركة الياء إلى ما قبلها إلى الباء، ثم بعد ذلك بالتقاء الساكنين حذف أحدهما، -حذف واو مفعول طبعاً-، ثم بعد ذلك بتغيير الضمة التي قبل الياء كسرةً، ثم بعد ذلك بجعل الياء حرف مد، بدل أن كانت حرف لين، وإنما كسر ما قبل الياء؛ لئلا تنقلب واوً؛ فيلتبس بالواوي، (متزناً)؛ أي: موزوناً على هذا الوزن؛ أي: مصوغاً على هذا الوزن.

ما يأتي على وزن (فعيل) من الثلاثي

من ذي الثلاثة بالمفعول متزنًا وما أتى كـ (فعيلٍ) فهو قد عدلا

به عن الأصل واستغنوا بنحو (نجًا) و(النسي) عن وزن مفعولٍ، وما عملا

قال: ( وما أتى كـ(فعيل) فهو قد عدلا به عن الأصل ): فإذاً الأصل في اسم المفعول من الثلاثي أن يكون على وزن مفعول مطلقاً، لكنه قد يعدل به عنه، فيؤتى به على وزن فعيل؛ فلذلك قال: (وما أتى) دالاً عليه؛ أي: دالاً على اسم المفعول، وهو كفعيل؛ أي: على وزنه، فهو فرع سماعي، -هذا الرقم بعد الضمير-، فهو فرع لا أصل؛ لأن الأصل في اسم المفعول من الثلاثي أن يكون على وزن مفعول، سماعي؛ أي: ليس راجعاً للقياس، ( عدلا به عن الأصل )؛ فلذلك يسمى: المعدول، (قد عدلا به عن الأصل) الذي هو مفعول، وقيل: يقاس مطلقاً، وقيل: يقاس فيما ليس له فعيل, بمعنى: فاعل، ففعيل, بمعنى: مفعول اختلف فيها، فقيل: هي فرع سماعي فقط، وقيل: قياسي مطلقاً، وقيل: يقاس فيما ليس له فعيل, بمعنى: فاعل؛ لئلا يقع الإلباس.

وقد يروى عن العرب اسم المفعول على وزن فعيل من المادة التي فيها فعيل, بمعنى: فاعل، وذلك كـ(نبي) فيمكن أن تكون فعيلاً, بمعنى: فاعل، أو أن تكون فعيلاً, بمعنى: مفعول، فإن كانت فعيلاً, بمعنى: فاعل فمعناها: المنبئ عن الله، وإن كانت, بمعنى: مفعول فمعناها: المنبؤ؛ أي: الذي يأتيه الخبر من السماء، أو أن تكون من النبوة، وهي: الارتفاع، فتكون أيضاً فعيلاً, بمعنى: فاعل؛ أي: المرتفع شأنه، أو المرفوع شأنه، فتكون, بمعنى: مفعول، وقيل: يقاس مطلقاً، وقيل: فيما ليس له فعيل, بمعنى: فاعل نحو: ضريب، فهذه ليس لها فعيل, بمعنى: فاعل، فقيل: يقاس منها ضريب, بمعنى: مضروب، ويطلق ذلك على اللبن إذا مخض؛ فيسمى ضريباً، ومنه قول أبي الطيب المتنبي:

وما تنكر الدهماء من رسم منزل سقتها ضريب الشول فيه الولائد

أي: المضروب الممخوض من اللبن. لا كـ(قدير ورحيم وسميع وبصير)، فهذه فيها فعيل, بمعنى: فاعل، فلا يقاس منها فعيل, بمعنى: مفعول.

(واستغنوا) أي: استغنى العرب بالاستعمال بنحو: فَعَل محركاً كنجاً وقنص ونقض، فالنجا جلد، من نجاه: إذا سلخه، وكذلك القنص بمعنى: المقنوص، وهو المصيد، وكذلك النقض،, بمعنى: المنقوض، ومن هذا قول عنترة:

يا شاة ما قنص لمن حلت له حرمت علي وليتها لم تحرم

معنى يا شاة قنص؛ أي: مقنوصة، وكذلك استغنوا بنحو فعل، بفعل أيضاً كالنسي, بمعنى: المنسي، والذبح, بمعنى: المذبوح، والطحن, بمعنى: المطحون، وبه قرئ في السبع: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا [مريم:23]، وهي: قراءة نافع و ابن كثير بالكسر، نعم: وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات:107]، طبعاً هذه في كل القراءة، لكن أنا أقصد: (نسياً منسيًّا)، فقراءة الكوفيين (نسياً)، استغنوا بها عن وزن مفعول، فنجا, بمعنى: منجو، وكذلك نسي, بمعنى: منسي؛ ولذلك أكده في الآية وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا [مريم:23].

و(ما عملا): هذا تبرع منه رحمه الله بحكم ليس من أحكام الصرف، وإنما هو من أحكام النحو، وذلك أن الأوصاف تعمل، فاسم المفعول: يعمل عمل الفعل المبني للنائب، واسم الفاعل يعمل عمل الفعل معدى لواحد، والصفة المشبهة كذلك بشروط، لكن هذا المعدول لا يعمل، ولهم حينئذ وجهان أحدهما: أن يكون معنى (وما عملا)؛ أي: ما عمل ما كان على وزن فَعَل، وما كان على وزن فِعْل من المعدول به عن مفعول، أو أن تكون الألف للإطلاق مدة روي فيكون الكلام (وما عملا)؛ أي: ما عمل المعدول مطلقاً، سواءً كان على وزن فعيل أو فعل، أو فعل، نعم؛ فلذلك قال: (وما عملا) المعدول مطلقاً خلافاً لـ