شرح لامية الأفعال [2]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فلما كان الفعل ينقسم إلى: مجرد من الزوائد، ومزيد فيه بدأ بالمجرد، والكلام عليه من ثلاثة أوجه: الوجه الأول: من جهة بنائه ووزنه، والوجه الثاني: من جهة معانيه، والوجه الثالث: من جهة تصاريفه، وفي هذا قال ابن مالك: (أبنية المجرد وتصاريفه).

معنى أبنية الفعل المجرد

أضاف الحسن: (ومعانيه) وأدخلها بين الأبنية والتصاريف، فالأبنية: جمع بناء، والبناء والمبنى والصيغة والوزن ألفاظ مترادفة، والمقصود بها: الهيئة التي يكون عليها الفعل، والمجرد معناه: الذي لم تتصل به الزوائد، وأصلها: من جرده، بمعنى: خلع ملابسه، فكأن الزوائد ملابس فأزيلت عنه، جرد منها، وإن كان الأصل: عدم التجريد، معناه: عدم اتصالها به لا يجرد منها؛ فالأصل: أن يكون خاليًا من الزوائد، لكن لفظة الخالي استعمالها في هذا المكان استعمال قبيح؛ لأن الخالي في لغة العرب من لا زوجة له، ومنه قول أبي تمام:

إحدى بني بكر بن زيد مناهي بين الكثيب الفرد كالأمواه

ألق النصيف فأنت خاذلة المهى أمنية الخالي ولهو اللاهي

بعواذل أمثالها لم تجتمع لولا صفات في كتاب الله

فهنا قال: (أمنية الخالي ولهو اللاهي)، وكذلك قول امرئ القيس:

وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي

الخالي معناه: من لا زوجة له، والمقصود بالخالي هنا: معناه: الفعل الذي ليست فيه زوائد أصلًا.

معنى زيادة الحسن: (ومعانيه)

(ومعانيه): هي جمع معنًى، والمقصود بها: ما يدل عليه في الأصل، وتصاريفه: جمع تصريف، والمقصود بها: أوجه تصريفه، وإن كان الأصل أن التصريف لا يجمع؛ لأنه مصدر، والمصدر يدل على ما في علم الله من مادته كلها، فلا يحتاج إلى الجمع فيه، لكن نظرًا لاختلاف أوجه التصريف اضطررنا للجمع، وهذا الجمع للتنويع فقط.

يقول الحسن: (ومعانيه): (جمع معنًى، مفعَل بمعنى مفعول)، معانيه: جمع معنًى، وهو مفعل، هذا وزنها، مفعَل بالجر بدل قوله: معنًى، مفعَل بدل من معنى، معناه وزنها على وزن مفعل، بمعنى مفعول، معناه: معني: أي مقصود، من عناه يعنيه، بمعنى قصده.

تصاريف الفعل

(وهي كثيرة كالتصاريف، كما ترشد إليه الصيغة): (وهي)؛ أي: المعاني، (كثيرة): فكل وزن من أوزان المجرد له معانٍ تدل عليها، وذلك أن الاسم كل معنًى من معانيه وضع له وزن مستقل، فاسم الفاعل: يدل على الحدث وفاعله، واسم المفعول: يدل على الحدث ومفعوله، وأفعل التفضيل: تدل على التفضيل بين الأفراد المشتركة في الوصف، والمصدر: كذلك له وزن مستقل، فإذًا: المعاني يفرق بينها بالأوزان في الأسماء، وأما الأفعال فليس لها ذلك؛ لأن صيغ المجرد في الأصل أربعة فقط، كما سيتبين، ولا يمكن أن نضع لكل معنى صيغة مستقلة به ووزنًا مختصًا به؛ فلهذا احجتنا إلى أن نضع له معاني تميزه، فهذه المعاني على وجه الأغلبية والأكثرية لا على وجه الحصر، فإذا قلنا: إن (فَعَل) مثلًا تدل على الجمع فليس معناه: أنه لا يدل على الجمع سواها، وإذا قلنا: فَعِل تدل على السجايا فليس معناه: أنه لا يدل على السجايا سواها، وهكذا، لكن إذا وجدت مادة تدل على السجية وأردت أن تصوغ منها فعلًا فإن الأصل أن تصوغه على وزن (فعِل)، وإذا وجدت مادة تدل على الجمع أو التفريق وأردت أن تصوغ منها فعلًا فالأصل أن يكون ذلك على وزن (فعَل)، وهكذا، فيسهل عليك هذا؛ ولهذا قال: (وهي كثيرة، كالتصاريف): معناه: كما أن التصاريف كذلك فهي كثيرة أيضًا، (كما ترشد إليه الصيغة): كما ترشد إليه، معناه: تهدي إليه الصيغة، فالمعاني جاءت على وزن مفاعل، وهي للكثرة، والتصاريف كذلك وزن من أوزان الكثرة، بخلاف الأبنية فجاءت على وزن أفعلة التي هي من الجموع التي تدل على القلة؛ فلهذا قال: (كالتصاريف، كما ترشد إليه الصيغة): صيغة الجمعين من جموع التكثير لا من جموع التقليل.

أبنية الفعل المجرد

(وأما الأبنية فأربعة على المشهور): وأما الأبنية فهي قليلة، وحدد تلك القلة بقوله: (فأربعة على المشهور)، ومقابل المشهور أنها خمسة، وهو ما ذهب إليه ابن مالك في الألفية؛ لأن ابن مالك في الألفية جعلها خمسًا، فجعل أبنية الثلاثي أربعة، وهي: فعَل وفعِل وفعُل وفُعِل، فجعل البناء للمفعول وزنًا مستقلًّا؛ لأن من الأفعال ما يكون غير مسموع في لسان العرب إلا أن يلي النائب الذي عني به ونحو ذلك؛ ولهذا قال ابن مالك:

وافتح وضم واكسر الثاني من شعر ثلاثي وزد نحو ضمن

(وزد نحو ضمن): فجعله الرابع، وعلى هذا فـ(فعلل) هي الوزن الخامس؛ ولهذا قال هنا: (فأربعة على المشهور).

ثم أراد أن يعلل انحصار الفعل المجرد في هذه الأوزان الأربعة، فقال: (إذ لا ينقص عن ثلاثة أحرف)؛ لأن الفعل لا يمكن أن ينقص عن ثلاثة أحرف، وهذه الأحرف الثلاثة كل حرف له محله، حرف ابتداء، وحرف وقف، وحرف فاصل بينهما؛ فلهذا قال: (لا ينقص عن ثلاثة أحرف): حرف ابتداء؛ لأنك حادث لا بد أن تبتدئ، وحرف وقف؛ لأنه النهاية أيضًا لا بد منه، وحرف فاصل بينهما؛ أي: بين البداية والنهاية؛ لأنه يصعب أن تكون البداية هي النهاية، يكون في حرفين فقط، (حرف ابتداء، وحرف وقف، وحرف فاصل بينهما)، (ولم يسكن ثانيه؛ لأنه قد يتصل به ضمير الرفع المتحرك فيسكن آخره فيلتقيان)، (لم يسكن ثانيه): الحرف الثاني منه لا يمكن تسكينه؛ لأنك إذا قلت: فعْل فإن ذلك يقتضي سكون الوسط فإذا اتصل به الضمير سكن آخره فيلتقي ساكنان حينئذٍ؛ لأن التاء مثلًا ونحوها من الضمائر المتحركة- ضمائر الرفع المتحركة- إذا اتصلت بآخر الفعل سكن لها، مثل: فعلْتُ، فاللام هي آخر الفعل (فعلْت) تسكن، لكن إذا كان مسكن الوسط وكانت العين ساكنة فإن العين ستسكن مع اللام ويلتقي ساكنان، ولا يمكن النطق بهما في وسط الكلمة؛ فلهذا قال: ولم يسكن ثانيه؛ لأنه قد يتصل به ضمير الرفع المتحرك فيسكن آخره فيلتقيان؛ أي: فيلتقي الساكنان، يلتقي الوسط والآخر- وهما ساكنان- وهذا محظور في لغة العرب.

(ولا يكون سداسيًّا؛ لئلا يتوهم أنه كلمتان): يقول: ولا يكون الفعل المجرد سداسيًّا؛ لئلا يتوهم أنه كلمتان؛ لأنك عرفت أنه يمكن أن يتركب من ثلاثة حروف فعل، فإذا وجدت فعلًا متركبًا من ستة أحرف كان بالإمكان أن يتوهم بعض الناس أنه كلمتان؛ لأن كل ثلاثة أحرف يمكن أن يتركب منها فعل.

(ولا خماسيًّا؛ لأنه قد يتصل به الفاعل- وهو كجزئه- فيكون به ستة): ولم يجعلوه خماسيًا أيضًا؛ لأنه قد يتصل به الفاعل، ضمير الرفع، (وهو كجزئه)؛ لأنه إذا اتصل بالفعل كان كجزئه، فيكون به ستة، وحينئذٍ تكون الكلمة ستة حروف، فنعود إلى المحظور الذي لم نجعل الفعل المجرد سداسيًّا بسببه.

(وحركوه بالفتحات تخفيفًا): يقول: إن الفعل المجرد حركه العرب بالفتحات تخفيفًا، فجعلوا الحرف الأول منه مفتوح دائمًا، والحرف الأخير مفتوح دائمًا، وفيه حرف أيضًا في الوسط مفتوح، لكنه حينئذٍ إما أن يكون الثاني، وإما أن يكون الأول؛ فلهذا قال: (وأدخلوا فيها ساكنًا): أدخلوا فيها؛ أي: في هذه الفتحات ساكنًا؛ لأنه لو كان لدينا أربع فتحات في وقت واحد لصعب النطق بذلك، فأدخلوا فيها ساكنًا، هذا الساكن، أين جعلوه؟ فـ(أدخلوا فيها ساكنًا؛ لئلا يتوالى منها أربع؛ وجعلوه الثاني؛ لئلا يسكن آخره عند اتصال ضمير الرفع المتحرك به فيلتقيا)،لم يجعلوه الثالث؛ لئلا يتصل الضمير بآخر الفعل فيسكن له آخر الفعل فيلتقي الساكنان حينئذٍ؛ فلهذا قالوا: فعْلل، ولم يقولوا: فعلْل؛ لأنه إذا سكن اللام الأخير لأجل اتصال ضمير الرفع المتحرك به (فعللت) لالتقى ساكنان حينئذٍ، فلم يبق لنا إلا أربعة أوجه: الوجه الأول: أن يكون الفعل رباعيًّا ويسكن ثانيه ويفتح ثالثه، وهذا هو (فعلل)، أو أن يكون ثلاثيًّا، والثلاثي أوله مفتوح قطعًا وآخره مفتوح قطعًا؛ ولهذا قال: فلازم أوله الفتح كآخره لخفته، والحرف الأوسط منه إما أن يكون مفتوحًا، وإما أن يكون مكسورًا، وإما أن يكون مضمومًا، ولا احتمال آخر، لا يمكن أن يزيد فيه احتمال آخر؛ لأنه لا يمكن أن يسكن وسط الثلاثي؛ لما ذكرنا؛ لأنه قد يتصل بآخره الضمير. فعلى هذا تعين انحصار أبنية الفعل المجرد في أربعة.

(وذكرها الناظم)؛ أي: وذكر هذه الأبنية الأربعة، (الناظم) وهو: محمد بن مالك (مقدمًا الأثقل فالثقيل؛ اعتناءً بما يثقل فيقل الكلام عليه)، (مقدمًا الأثقل): أشدها ثقلًا أولًا، ثم الثقيل الذي يليه في الثقل، ثم الذي يليه في الثقل، وهكذا، (اعتناءً بما يثقل فيقل الكلام عليه)؛ لأن ما يثقل النطق به يقل الكلام عليه عادة، وهو يندر في العربية، ومن هنا يسهل أن نتخلص منه فنصل إلى ما سواه، وهذه قاعدة في التأليف أن يبدأ بالأسهل، وهي أيضًا معمول بها في جدول الأعمال في الإدارة، وهو ما يسمى: بجدول أعمال الجرس، يبدأ أولًا بالقضايا السهلة التي يمكن أن يتخذ فيها القرار، وتؤخر القضايا الصعبة حتى وسط الاجتماع؛ لأنه بالإمكان أن يفشل الاجتماع عند ملاقاة القضايا الصعبة، فإذا بدئ بها فحصل الفشل كان الاجتماع غير ناجح بالكلية.

لكن إذا بدئ بالقضايا السهلة فاتخذ فيها القرار كان الاجتماع ناجحًا على كل حال؛ لأنه أسفر عن قرارات، فكذلك هنا بدأ في التأليف بالأثقل فالثقيل، فقال: بـ(فعلل)، وهذا أثقلها؛ لأنه رباعي، وثقله بزيادة حرف، ثم قال: أو فعل، وهذا ثقله بالضمة؛ لأنها أثقل من الكسرة، ثم قال: ومكسور عين، وهذا ثقله بالكسر؛ لأنه أثقل من الفتح، ثم قال: أو على (فَعَل)، وهذا أسهل.

إعراب قوله: بـ(فعلل) الفعل ذو التجريد أو (فعلا).. يأتي ومكسور عين أو على (فعلا)

وأعرب الحسن البيت:

بـ(فعلل) الفعل ذو التجريد أو (فعُلا) يأتي ومكسور عين أو على (فعَلا)

فقال: (الفعل: مبتدأ، ذو التجريد: نعت، يأتي: خبر، بفعلل أو فعلا ومكسور عين أو على فَعَلا: أحوال متعاطفة)، فأصل ترتيب الكلام: الفعل ذو التجريد يأتي بـ(فعلل): معناه: يأتي على وزن (فعلل)، أو فعُل، أو مكسور عين، أو على فعُل، وهذه كلها أحوال، إعرابها أنها حال، الجار والمجرور في قولنا: بـ(فعلل): حال، أو فعُلا: حال أيضًا، ومكسور عين: حال أيضًا، أو على فعلا حال أيضًا، والفعل: مبتدأ، وذو التجريد: نعت له، ويأتي: خبر الفعل، معناها: يأتي الفعل المجرد من الزوائد على وزن (فعلَلَ)، ويأتي على وزن فعُل، ويأتي مكسور عين، يأتي حال كونه مكسور عين، ويأتي حال كونه على وزن فَعَلَ.

ثم بدأ الحسن في تكميل الكلام على الأبنية- على الأوزان- وبعده ينتقل إلى المعاني.

و الحسن توفي 1315هـ. جدي قد رآه لكن لم يدرس عليه، رآه كبير السن، قد عاش هو طويلًا حتى احدودب.

همزة الوصل التي يتوصل بها للساكن وكذلك التاء

قوله: (ولم يبدأ بساكن إذ يلزم منه همز الوصل) أي: معناه أنه لو كان الفعل مبدوءًا بالساكن لسُكِّنَ الحرفُ الأول منه، لاقتضى ذلك ألا يُنطق به قبل التوصل إليه بأداة الوصل، وأداة الوصل هي: الهمزة أو التاء، فيتوصل إلى الساكن بالهمزة كثيرًا، وهذا في أكثر لغة العرب، مثل: (اضرب)، فالهمزة التي فيها- همزة الوصل- يتوصل بها للساكن، وليست من أصل الكلمة، وإذا زادت فإن الفعل لم يعد مجردًا لزيادة الهمزة فيه، والتاء فالتوصل بها نادر، مثل: (ترمس) بمعنى: رمس، ولكن توصل بها للنطق بالساكن، من دفن واقتبر، والرمس: القبر، وفي هذا يقول جدي الددو رحمه الله، يقول:

أيا من حوى علم اللغات بأسره وترمس كتب الصرف طُرًا بصدره

أبن حرف وصل غير همز لسائل وإن لم تكن تدري جوابي فادره

لأنه موجود في الأبيات ..ودائمًا يأتي بالألغاز، وحلها، مثلًا قوله:

إيَّاي علم مضمرًا لمضمر أضيف تبدي غامضًا وتظهر

هو إياي هذه.. توفي سنة 1335ه.

أضاف الحسن: (ومعانيه) وأدخلها بين الأبنية والتصاريف، فالأبنية: جمع بناء، والبناء والمبنى والصيغة والوزن ألفاظ مترادفة، والمقصود بها: الهيئة التي يكون عليها الفعل، والمجرد معناه: الذي لم تتصل به الزوائد، وأصلها: من جرده، بمعنى: خلع ملابسه، فكأن الزوائد ملابس فأزيلت عنه، جرد منها، وإن كان الأصل: عدم التجريد، معناه: عدم اتصالها به لا يجرد منها؛ فالأصل: أن يكون خاليًا من الزوائد، لكن لفظة الخالي استعمالها في هذا المكان استعمال قبيح؛ لأن الخالي في لغة العرب من لا زوجة له، ومنه قول أبي تمام:

إحدى بني بكر بن زيد مناهي بين الكثيب الفرد كالأمواه

ألق النصيف فأنت خاذلة المهى أمنية الخالي ولهو اللاهي

بعواذل أمثالها لم تجتمع لولا صفات في كتاب الله

فهنا قال: (أمنية الخالي ولهو اللاهي)، وكذلك قول امرئ القيس:

وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي

الخالي معناه: من لا زوجة له، والمقصود بالخالي هنا: معناه: الفعل الذي ليست فيه زوائد أصلًا.

(ومعانيه): هي جمع معنًى، والمقصود بها: ما يدل عليه في الأصل، وتصاريفه: جمع تصريف، والمقصود بها: أوجه تصريفه، وإن كان الأصل أن التصريف لا يجمع؛ لأنه مصدر، والمصدر يدل على ما في علم الله من مادته كلها، فلا يحتاج إلى الجمع فيه، لكن نظرًا لاختلاف أوجه التصريف اضطررنا للجمع، وهذا الجمع للتنويع فقط.

يقول الحسن: (ومعانيه): (جمع معنًى، مفعَل بمعنى مفعول)، معانيه: جمع معنًى، وهو مفعل، هذا وزنها، مفعَل بالجر بدل قوله: معنًى، مفعَل بدل من معنى، معناه وزنها على وزن مفعل، بمعنى مفعول، معناه: معني: أي مقصود، من عناه يعنيه، بمعنى قصده.

(وهي كثيرة كالتصاريف، كما ترشد إليه الصيغة): (وهي)؛ أي: المعاني، (كثيرة): فكل وزن من أوزان المجرد له معانٍ تدل عليها، وذلك أن الاسم كل معنًى من معانيه وضع له وزن مستقل، فاسم الفاعل: يدل على الحدث وفاعله، واسم المفعول: يدل على الحدث ومفعوله، وأفعل التفضيل: تدل على التفضيل بين الأفراد المشتركة في الوصف، والمصدر: كذلك له وزن مستقل، فإذًا: المعاني يفرق بينها بالأوزان في الأسماء، وأما الأفعال فليس لها ذلك؛ لأن صيغ المجرد في الأصل أربعة فقط، كما سيتبين، ولا يمكن أن نضع لكل معنى صيغة مستقلة به ووزنًا مختصًا به؛ فلهذا احجتنا إلى أن نضع له معاني تميزه، فهذه المعاني على وجه الأغلبية والأكثرية لا على وجه الحصر، فإذا قلنا: إن (فَعَل) مثلًا تدل على الجمع فليس معناه: أنه لا يدل على الجمع سواها، وإذا قلنا: فَعِل تدل على السجايا فليس معناه: أنه لا يدل على السجايا سواها، وهكذا، لكن إذا وجدت مادة تدل على السجية وأردت أن تصوغ منها فعلًا فإن الأصل أن تصوغه على وزن (فعِل)، وإذا وجدت مادة تدل على الجمع أو التفريق وأردت أن تصوغ منها فعلًا فالأصل أن يكون ذلك على وزن (فعَل)، وهكذا، فيسهل عليك هذا؛ ولهذا قال: (وهي كثيرة، كالتصاريف): معناه: كما أن التصاريف كذلك فهي كثيرة أيضًا، (كما ترشد إليه الصيغة): كما ترشد إليه، معناه: تهدي إليه الصيغة، فالمعاني جاءت على وزن مفاعل، وهي للكثرة، والتصاريف كذلك وزن من أوزان الكثرة، بخلاف الأبنية فجاءت على وزن أفعلة التي هي من الجموع التي تدل على القلة؛ فلهذا قال: (كالتصاريف، كما ترشد إليه الصيغة): صيغة الجمعين من جموع التكثير لا من جموع التقليل.