Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

شرح لامية الأفعال [4]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول ابن مالك رحمه الله:

والضم من (فَعُلَ) الزم من المضارع وافـ تح موضع الكسر في المبني من (فَعِلا)

وقد مهد الحسن رحمه الله في الطرة لهذا البيت بقوله: (إن شرع في التصاريف فقال)، (شرع في التصاريف) معناه: أنه بدأ في الكلام على أبنية المجرد، وعلى معانيه، بدأ في تصاريفه، وأهم التصاريف صياغة المضارع؛ فلذلك أكمل باب المجرد كله بالمضارع فقط، وإنما تذكر الأوصاف والمصادر عرضًا وتنزيلًا في الطرة فقط، لكن الذي يركز عليه هنا هو الفعل المضارع، أما الأمر، فسيعقد له فصل مستقل نجمع فيه أطرافه، وكذلك المصادر- المصادر الثلاثية- كذلك أسماء المصادر الثلاثية، وأسماء الأوصاف أيضًا سيعقد لها باب مستقل.

بدأ (بفعُل) على عادته، كما ذكرنا في تقديم الأخف: الأقل، قال: (والضم من فعل الزم في المضارع)، فيقول: الزم الضم في المضارع من فعُل بالضم، بلا شذوذ، فلم يشذ منه شيء، فمضارع فعُل بالضم كله بالضم.

(فموهمة تداخل)، موهمه تداخلًا، معناه: وما يوهم الشذوذ من ذلك فهو من باب التداخل، والتداخل معناه استعمال ماضي لغة مع مضارع لغة أخرى، فيكون للفعل الواحد فيه لغتان، إحداهما بالفتح، والأخرى بالضم... في الماضي، فيستعمل مضارع الضم مع الفتح، ومضارع الفتح مع الضم مثلًا، ولعل ما ذكر القاموس في (لَبَّ) منه، لعل الذي ذكره القاموس من قبل في (لب) أن مضارعها (تلَب) بالفتح، وذكرنا أنها لا نظير لها، لعله من باب التداخل؛ لأننا ذكرنا أنها جاءت أيضًا على وزن (فعِل) بالكسر، قلنا: وجاءك (فرِح)، وهذه الكلمة فيها (تلَب) فقط، لكن (فعُل) بالضم لم يسمع مضارعها؛ لأن مضارع (فعُل) أهمل، وهو (تلُب)، أهمل، واستعمل مكانه مضارع (فعِل) بالكسر، فقيل: تلَب، (التداخل) معناه: أن الفعل الماضي جاء على وزن (فعُل)، وهو (لببُت) بالضم، والمضارع جاء من مضارع (فعِل) بالكسر، قلنا: (تلَب)، فلفقنا بين ماضي هذه ومضارع هذه، نعم. هذا معنى التداخل.

وهنا التنبيه على أمرين:

الأول: أن قولنا: وجاءك (فرِح)، وجاءك (ضرَب)، وجاءك (نصَر) ونحوها، هذه هي الأفعال المشهورة المضارع، فإذا ذكرناها، فمعناه: أنها معيار لما يشبه بها، إذا قلنا مع فعل: وجاءك (فرح)، معناه: جاء على وزن (فعِل) بالكسر، ومضارعه (يفعَل) بالفتح على القياس، وإذا قلنا: وجاءك (نصر)، معناه: أنه جاء في لغة من لغات العرب على وزن (فعَل) بالفتح، ومضارعه (يفعُل) بالضم على الشهرة، وإذا قلنا: وجاءك (ضرَب)، معناه: أنه جاء في لغة بعض العرب على وزن (فعَل) بالفتح، ومضارعه (يفعِل) بالكسر على الشهرة، وإذا قلنا: وجاءك (سأل) أو وجاءك (منع) فمعناه: أنه جاء في لغة بعض العرب على وزن (فعَل) بالفتح، ومضارعه يفعل بالفتح على القياس، وإذا قلنا: وجاءك (وعد) أو كـ(وقف) مثلًا، فكذلك معناه: أنه في لغة بعض العرب على وزن (فعَل) بالفتح- واوية الفاء- فمضارعه (يفعِل) بالكسر على القياس، وكذلك في القاموس يستعمل هذه الألفاظ، إلا أن القاموس يستعمل (كتب) مع (نصر)، يقول: وجاءك (كتب) مثلما نقول نحن: وجاءك (نصر)، ومثله: (تصدى)، كما ذكرنا من قبل، إذا قلنا: وجاءك (صد) معناه: جاء على وزن (فعل) في لغة بعض العرب، على وزن (فعَل) بالفتح مضاعفًا، مدغمًا، متعديًا، فمضارعه ...

التنبيه الثاني: أن قولنا: لا نظير له، معناه: لم يسمع له نظير في لسان العرب، والحسن ينقلها عن القاموس، كلما قال: لا نظير له، معناه: أن ذلك من كلام الفيروزآبادي في القاموس، مثلما قال هنا في (لب).

وقد جمع الحسن من أمثلة الصرف التي لا نظير لها في الثلاثي في أبيات له يقول:

يحِب يقسِم مضارع خصَم غلَب في الخصام من له وصَم

يهَب يابى ويجدن ويلب نظير هذه يعز من طلب

إلا أبى فمنه أثَّ الشعر وهلك العاتي وعض الصفر

الأمور التي قال فيها القاموس: لا نظير لها في الثلاثي هي هذه المشهورات، أولها: (يحِب)، فهو (فعَل) بالفتح مضعف لازم، مضارعه بالكسر على القياس، لكن لم يسمع منه إلا هذه الكلمة وحدها.

(يحِب) هكذا، ما فيه (يحُب)، هو الأصل أن يكون على وزن (يحُب)، قياسه (يحُب) بالضم مضعف متعدي، من (فعَل) بالفتح، مضارعه بالضم- كما سنذكره- مثل: (ردَه، يردُه)، و(شدَه، يشدُه)، و(مدَه، يمدُه).

هذه الثلاثي أصلها، هي أصلها، فـ(حَبه، يحِبه) ولم يسمع فيها القياس، فهي مضاعف متعد من (فعل) بالفتح، وقياسه الضم، ولم يسمع فيه، وإنما سمع فيه الكسر الشاذ في هذه الكلمة، ولا نظير له، وهذه سنذكرها إن شاء الله عند قول: (فذو التعدي بكسر حبَه)، لم يسمع منه غير هذه الكلمة، وأما (يخصِم) كذلك (خصمه، يخصِمه) بمعنى: غلبه في الخصام، فهي فعل بالفتح؛ للدلالة على بذل الفخر، وقياسها الضم، ومع ذلك سمع فيها الكسر، مع أنها ليس فيها جانب الكسر، وإنما فيها جانب الفتح، وهو الخاء، نعم، فكان القياس أن يقال: (يخصُمه)، الضم، لكن لم تسمع، وإنما سمع (يخصِمه) بالكسر، الخاء يجلب الفتح، لكن جالب الضم أقوى من جالب الكسر، جالب الضم هنا هو بذل الفخر، أنها تدل على بذل الفخر- كما سنذكره- بذل الفخر لما لبذل مفاخر وليس له، بذل الفخر، معناه: الغلبة في التفاخر كما سنذكره.

وكذلك (يهَب) فهي (فعل) بالفتح، واوية الفاء، حلقية العين، فقياسها أن يغلب جانب الكسر، الذي هو الواو فاءً، كان القياس أن يقال: (يهِب)، لكن لم تسمع، فشذ في (فتح)؛ ولذلك قال:

فتنش الذود كهَب عن كثرة كما عن ضمت شذت

(يهَب) بالفتح: يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا[الشورى:49]، لكن قياسها (يهِب) ولم تسمع، غير مسموعة، ولم يسمع من هذا الشذوذ إلا هذه الكلمة وحدها.

كذلك (يأبى) (أبى)، (فعَل) بالفتح، يائية اللام، وقياس مضارعها الكسر كما سنذكره، كان القياس أن يقال: (أبى، يأبي)، لكن لم تسمع في لغة العرب، وإنما سمع (يأبى) على غير القياس، ولا نظير لها إلا أفعال سنذكرها، كان فيها الحرف الأول حلقيًا، ففتح مضارعها، نحن سنذكر في مضارع (فعل) بالفتح أن قياسه له دواع، له عشرة دواعي في الجوالب، فأربعة جوالب الكسر، وأربعة للضم، وجالبان للفتح، سنذكر ذلك قريبًا إن شاء الله.

(يجدْن) كذلك (وجَد) و(وجِد)، وكلتاهما ستأتينا قريبًا؛ (فوجِد) فعل بالكسر، ومضارعها كان اللازم أن يكون بالفتح، وقد يشذ بالكسر؛ لأن فاءها واو، وأما (وجَد) ففعل بالفتح، فهي واوية الفاء، فمضارعها بالكسر على القياس، وسمع فيها (يجُد) بالضم، وهذا الأصل لا نظير له، (وجَد الضالة، يجدُها)، هذا نادر جدًا، لا نظير له، كذلك (يلَب) هذه ذكرناها، قال: (نظير هذه يعز من طلب)، كلها بفقد النظير، لا نظير له، إلا (أبى)، (أبى) وحدها، فقد سمع بعض الأفعال التي كان الحرف الأول منها حلقيًا، ففتح مضارعها، مثل: (أثَّ الشعر)، فهذه (فعَّل) بالفتح، مضاعف، لازم، وقياس مضارعه بالكسر، كان اللازم أن يقال: (يئِثُّ)، لكن لم يسمع فيها ذلك، وإنما سمع فيها يأَثُّ، فيمكن أن تكون الفاء إذا كانت حلقية جالبًا للفتح؛ لأننا وجدناها في هذه الكلمة، وفي كلمة (يأبى)، وفي كلمة (هلك)، (هلك العاتي)، العاتي معناه: المتجبر، قوله: (هلك العاتي): (فعل) بالفتح، وليس فيها جالب، وكان اللازم أن يكون مضارعها بالشهرة بالكسر، (يهلِك): لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ[الأنفال:42]، ولكنها سمعت (يهلَك) فيها بالفتح، لكن هذا من باب التداخل؛ لأنها فيها أيضًا (هلِك، يهلَك)، فهو من باب التداخل، استعمل مضارع (فعِل) لماضي (فعَل).

كذلك (عضت الصفر)، فهي (فعَّل) بالفتح، مضاعف، لازم، كان قياسه أن يقال: (يعِضُّ)، ولكن مضارعها (يعَضُّ) فلا نظير لها، فهي من هذه الأفعال التي وجد فيها الفتح في المضارع بسبب الحرف الحلقي في الفاء، مع أن الفاء الحلقية ليست جالبة للفتح عند الصرفيين، لكن وجدت مع الفتح في هذه الأفعال التي هي: (أبى) و(أثَّ) و(هلَك)، و(عضَّ)، وعض أيضًا يمكن أن تكون من باب التداخل؛ لأننا سنذكرها قريبًا في باب فعل بالكسر؛ لأنها فيها (عضِض) فتكون من باب التداخل، لكن (أثَّ) و(أبى) لا تداخل فيهما، سنذكرها قريبًا.

قال: (وموهمه تداخل): ولعل ما ذكر القاموس في لب منه؛ أي: من التداخل.

انتهينا من مضارع (فعُل) بالضم، ولم نجد فيه نتوءات ولا شذوذًا؛ لأنه لم يشذ منه إلا كلمة واحدة، فلا إشكال فيه، القاعدة: أن كل ما ضمت عينه في الماضي ضمت عينه في المضارع، إلا (لب) وحدها، وأجبنا عما ذكر فيها أنه قد يكون من باب التداخل، بأي نوع من الأنواع كان، سواء كانت (فعُل) صحيحة، أو كانت مثالًا، أو كانت معتلة الوسط، أو كانت معتلة اللام، وسواء كانت واوية أو يائية، فكل ذلك مضارعه بالضم، فمثال (فعُل) الصحيحة (كرُم)، هذه كل حروفها حروف صحيحة، ومضارعها (يكرُم)، ومثال ما اعتل الحرف الأول منها: (وضُؤ)، هذه بالواو، فتقول فيها: (يوضُؤ) بالضم، ومثال ما اعتل أوله بالياء: (يمُن)، فمضارعه بالضم أيضًا، ومثال ما اعتل الحرف الأوسط منه بالواو، (طال)، فمضارعه بالضم أيضًا، ومثال ما الحرف الأوسط منه معتل بالياء في (فعُل) بالضم: هيُؤ، ومثال ما الحرف الأخير منه معتل بالواو: (سرُو)، ومثال ما الحرف الأخير منه معتل بالياء: (رمو)، (رمو) من الرمي، فالواو التي فيها منقلبة عن ياء، ومثال المضعف (لبَّ) وأخواتها؛ فإذًا جميع هذه مضارعها بالضم، جميع هذه الأنواع من (فعُل) بالضم، مضارعها بالضم، كل هذه هي التي ذكرنا لازمًا ومتعديًا مثل رحبكم الدخول، وإن بصرًا قد طلع اليمن، التي قلنا.

قال: (وافتح موضع الكسر في المبني من فعِلا)،، القاعدة الثانية من قواعد التصاريف هي أن مضارع فعِل بالكسر قاعدته تفتح عينها، قال: وافتح موضع الكسر في المبني من فعِلا؛ أي: افتح العين التي هي موضع الكسر، العين في الماضي هي موضع الكسر من (فعِل)، (فعِل) ما المكسور منها؟ العين، إذا كانت في المضارع فإنها تفتح، فهذه هي القاعدة، أن المضارع المبني معناه المصوغ من (فعِل) بالكسر يفتح موضع الكسر فيه، معناه أن العين فيه تفتح.

كـ (فرِح) (يفرَح).

من (فعِل) مطلقًا، مثل هذا الإطلاق الذي ذكرناه في (فعُل) بالضم؛ أي: في الأنواع المختلفة؛ ولذلك قال: ثم بيَّن الإطلاق بقوله: (مضاعفًا مدغمًا أم لا كحسَّ به)، فهذا البيت قد بينه في الأمثلة المذكورة.

وفي البيت احتباس، ذكر الحسن أن في هذا البيت- بيت ابن مالك هذا- نوعًا من أنواع البديع اللفظي، يسمى بالاحتباس، والاحتباس هو: حذفك من جملة ما تأتي به في أخرى، ويمثل بقول الله تعالى: يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ[القيامة:10-12]، يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ[القيامة:10]، معناه: والوزر والمستقر، كَلَّا لا وَزَرَ[القيامة:11]، معناه: ولا مفر ولا مستقر، إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ[القيامة:12]، فتكون الكلمات الثلاثة مكررة في كل الجمل، لكن حذف من كل جملة ما ذكر في الأخرى، فاستغني بذلك عن التكرار، مع أن المعنى واضح: يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لا وَزَرَ[القيامة:10-11]، هذا لا يكون جوابًا لــ: أَيْنَ الْمَفَرُّ[القيامة:10]، إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ[القيامة:12]، أيضًا لا يكون تعقيبًا على ما مضى، إلا بالمحو، لكن هذا الذي قاله في البيت هنا يقصد به أن قوله: (والضم من فعل الزم في المضارع)، ولم يقل: المبني؛ أي: المصوغ من (فعُل)، (وافتح موضع الكسر في المبني)، ولم يقل: في المضارع المبني (من فَعِلَا)، فحذف في الجملة الأولى المبني، وحذف في الثانية المضارع، لكن لا يسلم له أن في البيت احتباسًا؛ لأن قوله: (والضم من فعُل الزم في المضارع)، ليس مثل قوله: (وافتح موضع الكسر في المبني من فعِلَا)؛ لأن إعراب الجملتين مختلف، إعراب المضارع في الموضعين مختلف، فهنا: والزم الضم في المضارع من (فعُل)، وافتح موضع الكسر فيما بني من (فعِل) بالكسر، فلا يقصد به الاحتباس.

مضاعفاً مدغماً أم لا كحس به وعض مص وحم مله مللا

(ثم بيَّن الإطلاق)، (بين): يقصد نفسه، الحسن هو الذي بيَّن الإطلاق، فقال: (مضاعفًا مدغمًا أم لا كـ(حَسَّ بِهِ))، مضاعفًا، معناه: سواء كان الماضي الذي هو على وزن (فعِل) بالكسر صحيحًا، أو كان مضاعفًا، والمضاعف معناه: الذي تماثل عينه ولامه، وكما ذكرنا من قبل أن التضعيف هو تماثل العين واللام، مضاعفًا (أم لا)، معناه: أو غير مضاعف، فبدأ بغير المضاعف فقال: كـ(فرِح) و(علِم) و(رضِي) و(قنِي) و(لزِم) و(خاف) و(هاب)، ستة، فالأول الصحيح الذي ليس فيه معتل نهائيًا، فهو مثل: (فرح) إذا كان لازمًا، ومثل: (علم) إذا كان متعديًا، وبدأ باللازم قبل المتعدي؛ لأنه أكثر في (فعِل) بالكسر، ومعتل اللام إما أن يكون يائيًا، وإما أن يكون واويًا، فإن كان واويًا فهو مثل: (رضِي)، فهي مشتقة من الرضوان، فالياء التي فيها منقلبة عن واو، والمعتل بالياء مثل: (قنِي)، (قنِي الشيء) معناه: لزمه، و(قنِي غريمه) معناه: أمسك به حتى يقضيه دينه، ومنه قول عنترة:

فاقني حياءك لا أبَا لكِ واعلمي أني امرؤ سأموت إن لم أقتل

(فاقني حياءك) معناه: الزمي حياءك، (لا أبا لك واعلمي أني امرؤ سأموت إن لم أقتل)، وفسرها بقوله: (لزم)، و(قنِي): لزم، وهذه من طريقة الحسن في الاختصار: أن يذكر التفسير في سرده للأفعال، أو أن يكون الاعتلال في الوسط، فإن كان الاعتلال في العين، فإما أن يكون بالواو أو بالياء، فالاعتلال بالواو مثل: (خاف)؛ لأنها من الخوف، وهي على وزن (فعِل) بالكسر؛ ولذلك مضارعها (يخاف)، والاعتلال بالياء مثل: (هاب)؛ لأنها من الهيبة، فمضارعها (يهاب) أيضًا.

(خاف) من الخوف، و(هاب) من الهيبة، فهذه ستة أمثلة لغير المضاعف، فالصحيح له مثالان: لازم، ومتعد، نعم، ومعتل الوسط له مثالان؛ لأنه بالواو أو بالياء، والمعتل اللام له مثالان؛ لأنه إما بالواو أو بالياء، مدغمًا أم لا، المضاعف إما أن يكون مدغمًا أو غير مدغم، والمدغم هو الذي أدغمت عينه في لامه، وسكنت العين لتدخل في اللام، والإدغام في اللغة: الإدخال، سواء كان ذلك المضاعف مدغمًا أو غير مدغم، فبدأ بغير المدغم لقلته، فقال: كـ(حَيِيَ) و(عَيِيَ)، هذا غير مدغم، (حَيِيَ) هذا تماثلت عينه ولامه، وهو مشتق من الحياء، وعينه ولامه كلتاهما ياء، لكنه لم يدغم هنا، لم يقل: (حي) مع أنها واردة في لغة العرب، مقروء بها، و(عيي) كذلك من العي، وهو الحصَر، حصَر اللسان، فتقول: (عَيِيَ فلان يَعْيَا)، و(حَيِيَ يحيا)، كذلك (لَحِحَت عينه) معناه: قلب جفنها من الرمص، والرمص: قلة شعر العين، وهذا عيب من عيوب العيون، فتقول فيها: (لَحِحَت عينه)، فتماثلت العين واللام هنا حصل التضعيف، ولم يقع الإدغام، لم يقل: (لحت عينه)، وكذلك (لخخت عينه) أيضًا بالخاء بنفس المعنى، فمضارعها: (تلَحُّ وتلَخُّ).

كذلك (قَطِط الشعر)، معناه: اشتدت جعودته وتثنى، فتقول فيه: (قَطِطَ يَقَطُّ)، فهو مضاعف غير مدغم، هو من (فعِل) بالكسر مضارعه بالفتح، كذلك (ألِلَ السقاء) معناه: تغيرت ريحه، فتقول فيه: (يأَلُّ) بالفتح، وقد تماثلت العين واللام؛ فلم يقع إدغام هنا، ومضارعه بالفتح، وفيه مثال آخر وهو المهموز، فيه مثال لـ(فعِل) المهموزة، يعني: المهموز نوعٌ من أنواع الفعل.

أنواع الفعل في التصريف

وأنواع الفعل في التصريف سبعة، وقد نظمها أحدهم بقوله:

وللفعل في التصريف سبعة أضرب لها أنا في بيت من الشعر واصف

صحيح ومهموز مثال وأجوف لفيف ومنقوص البناء مضاعف

هذه أنواعه، فأولها الصحيح، وهو الذي ليس فيه حرف علة ولا همز، مثلما ذكرنا (فرح) و(علم)، والمهموز هو ما كان فيه حرف همز، وهذا إما في الأول مثل في: (فعل)، مثل: (أكل)، أو في الوسط مثل: (سأل)، أو في اللام مثل: (خبأ)، مثال: وهو ما كان واوي الفاء، الحرف الأول منه واو، نعم، وهذا كثير في فعل بالكسر، سنذكر عددًا منه مثل: (ورِث) و(وجِد) و(وثِق) و(ومِق).. إلخ، وأجوف: وهو معتل الوسط، فإما أن يكون بالواو كـ(خاف)، أو بالياء كـ(هاب)، واللفيف: هو ما اجتمع فيه حرفا علة، كانت عينه ولامه معًا من حروف العلة، مثل: (حيي) و(عيي) ينسبان لـابن مالك، والمعتل هذا إما أن يكون لفيفًا، اللفيف إما أن يكون لفيفًا مقرونًا، وإما أن يكون لفيفًا مفروقًا، واللفيف المقرون: هو إذا اجتمع حرفا علة، العين واللام أقصد، مثل: (حَيِيَ)، والمفروق: هو ما كان الحرف الأول منه حرف علة، والحرف الأخير حرف علة، وفرِق حرف صحيح، ومنقوص البناء؛ كذلك ناقصه البناء، معناه: الذي نقص الشيء من حروفه، ... يألال ... حصل فيه (يألال)، فإذا كان الحرف الأخير وحده معتلًا يسمى منقوص البناء، مثل: (دعا) و(رجا) و(خشي)، هذا لأنه إذا جزم حذف الحرف الأخير منه: ((ولم يخش إلا الله)).

مضعف هو النوع السابع، وهو الذي تماثلت عينه ولامه، وهذا يمكن أن يقع في المعتل، ويمكن أن يقع في الصحيح، ففي الصحيح مثل: (ردَّ)، (شدَّ)، وفي المعتل مثل: (حَيِيَ) و(عَيِيَ)، وأما المدغم فهو النوع الثاني من أنواع المضاعف، وقد أخر في التمثيل اعتناءً به لخفائه؛ لأنه قال: (مضاعفًا مدغمًا أم لا)، فبدأ في الذكر بالمدغم، لكنه عند التمثيل بدأ بالتمثيل لقوله: (أم لا)، وهذه طريقته مثلما قال في البداية: (مضاعفًا أم لا)، فبدأ بغير المضاعف في التمثيل، (مضاعفًا أم لا): كـ(فرح) و(علم)، معناه: الذي غير مضاعف، وهو كـ(فرح) و(علم)، كذلك (مدغمًا أم لا): فالذي هو غير مدغم كـ(حَيِيَ) و(عيِيَ)، وأما المدغم الذي أخر اعتناءً به لخفائه؛ لأنه يخفى وزنه، حيث يسكن محل الكسر منه، فلا تدري من أي الأوزان هو، فهو يحتاج إلى أن يعد بالحصر؛ لئلا يلتبس عليك المدغم من المضاعف من (فعَل) بالفتح، ومن (فعِل) بالكسر، فأنت تميز بينهما بالمعاني- كما سبق- لأنك تعرف أن ما كان من الطبع والأعراض ونحو ذلك فهو من (فعِل) بالكسر، وما كان من غير ذلك من المعاني ... (فعَل) بالفتح، مثلما ذكرنا من قبل، لكن احتاج إلى أن يعد لك أمثلته، وقد فاته بعضها، وقد أضافه بعض الناظمين، وذكروا أشياء كثيرة فيها غلط، وهو صاحب دقة؛ إذا ذكر شيئًا فمعناه أنه صحيح.

الأفعال (حسّ) و(عضّ) (مصّ) (حمّ) (ملّ)

قال: كـ(حَسَّ به)، فهو كـ(حس به)، مثال المدغم: (حَسَّ به) بالحاء، معناه: علم به، وهذا دليل على أنها (فعِل) بالكسر؛ لأن معناها: (علِم)، و(علِم) (فعِل)، ومنه الحواس، منه اشتقاق الحواس؛ لأنها من (حس بالشيء يحَس به)، وفيه (أحَسَّ)، معناه: وجاء فيه في لغة بعض العرب (أحَسَّ)، فيقال في لغة بعض العرب: (أحَسَّ)، وعليه قول الله تعالى: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ[آل عمران:52]، بمعنى: علم منهم الكفر، قد يخفف (أَحَسَّ) فتكون (أحَسَ) بالتخفيف، فيظنها ظان (فَعَل) بالفتح، والواقع غير ذلك، إنما خففت للإدغام فقط، إذا سمعت (أحَسَ)، وقيل لك: ما وزن (أحَسَ) فإنك تقول: (أفعل)، ولا تقول (فعل)؛ لأن الهمزة التي فيها زائدة قطعًا على الوزن؟ ولذلك حذف آخرها للتخفيف، ومنه قول الشاعر:

سوى أن العتاق من المطايا أحسن به فهن إليه شوس

هو يصف أسدًا كان يسري وراء قافلة، وينتظر نزولهم حتى يعتدي على بعض ما معهم قال:

معاود جرأة وقف الهوادي أشم كأنه رجل عبوس

فباتوا يدلجون وبات يسري بصير بالدجى ورد هموس

إلى أن عرسوا فأغب عنهم قريبًا ما يحس له حسيس

سوى أن العتاق من المطايا أحسن به فهن إليه شوس

يقول: (معاود جرأة وقف الهوادي)، يقول: إنه معاود وقف الهوادي؛ أي: متعود على وقف الهوادي، وهي التي تسير أمام غيرها من البهائم، فهذه يتعود الأسد على وقفها وأخذها، (جرأة) معناه: شجاعة، أشم كأنه رجل عبوس، (أشم) معناه: مرتفع الأنف، (كأنه رجل عبوس)؛ أي: قمطرير الوجه، مقطبه، (فباتوا يدلجون): بات هؤلاء يدلجون، والإدلاج: السير أول الليل، و(الادّلاج): السير آخره.

(إلى أن عرسوا فأغب عنهم)، (أغب) معناه: استقر، وتطلق على الاختفاء، (أغب فلان في المكان)، معناه: اختفى فيه، (قريبًا ما يحس له حسيس): لا يشعرون به، (سوى أن العتاق من المطايا)، (ما يحس): هذه من (أحس)، والحسيس بمعنى: الصوت، ومنه قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا[الأنبياء:101-102]، معناه: صوتها، (ما يحس له حسيس، سوى أن العتاق من المطايا): الخيل الحرائر، هذه فقط التي شعرت به، (سوى أن العتاق من المطايا أحسن به)، معناه: أحسسن به، (أحسْن): كانت السين ساكنة، فنقلت حركتها إلى الحاء، فقلنا: (أحسن)، وحذفت السين الأخيرة، هي الأصل: أَحْسَسْنَ، فالسكون الذي على الحاء أخرناه إلى السين، وحذفنا السين الأخرى حين التقى ساكنان، يعني: صارت أحَسْسْن، فالتقى ساكنان؛ فحذف الأخير منهما تخفيفًا فقط.

(فهن إليه شوس)؛ أي: ينظرنه بمؤخر أعينهن، والأشوس: الذي ينظر بمؤخر عينه، وتطلق على المتكبر؛ لأنه لا ينظر إلى الناس إلا بمؤخر عينه تعاظمًا، هذه (حَسَّ).

وبالخاء يعني: (خَسَّ) (فعِل) بالكسر أيضًا مدغم، ومضارعه بالفتح على القياس، تقول فيها: (خَسَّ، يَخَس)، خسة هي مصدرها، فهو خسيس، هذا الوصف منها، (تفسيرها: لؤم)، معناها: كان لئيمًا، وجاءك (ضَرَب)، معناه: أن فيها (فَعَل) بالفتح، ومضارعها بالكسر، فتقول فيها: (خَسَّ، يَخِسُّ)، على أنها (فَعَل)، من (خَسَسَ، يخِس) بالكسر، ففي ماضيها لغتان: الفتح والكسر، وفي مضارعها لغتان: الفتح والكسر، وبينهما تخالف، فالفتح في الماضي له الكسر في المضارع، والكسر في الماضي له الفتح في المضارع.

(وعَضَّ) من أمثلة (فَعِل) بالكسر المضاعف المدغم، الذي مضارعه بالفتح على القياس، (عضه)، فتقول فيه: (يعضُّه)؛ فلذلك قال هنا: (عضه)؛ لينبهك على أنه متعد، (عض)، نعم، (ـهُ) فقط، الضمير هنا.

لينبهك على أنه متعدٍّ؛ لأنه إذا كان الفعل لازمًا لا يذكر بعده مفعولًا، وإذا كان متعديًا أتى بعده بالضمير؛ لينبهك على ذلك.

(عضه بالإهمال)، بالإهمال، معناه: بإهمال الحرف الأول الذي هو العين، ويقال: عض عليه أيضًا، فتكون متعدية، وتكون لازمة، قال: (عضه)، ويقال: (عض عليه).

ومن تعديتها بـ(على): قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (عضوا عليها بالنواجذ)، (عضه)، و(عليه): بإهمال الأول، وإعجام الثاني، إهمال الأول، وهو العين، وإعجام الثاني: وهو الضاد، ومصدرها: عضًا وعضيضًا أيضًا، ومنه قول الله تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ[الفرقان:27]، فجاء المضارع مفتوحًا، وعدي بـ(على) (عضوا عليها بالنواجذ)، كذلك كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر فيها الأمر، والأمر يدلنا على هيئة المضارع؛ لأنه إذا فتح العين في الأمر دل ذلك على أنها مفتوحة في المضارع، سيأتينا الكلام فيه، في الحديث ما سمع، لا يقال: عضُوا.

(وبالعكس)، (وبالعكس)، معناه: بإعجام الأول، وإهمال الثاني؛ أي: (غصَّ)، فهي أيضًا (فَعِل) بالكسر مضاعف مدغم، ومضارعها بالفتح (يغَص) بالفتح، غصصًا هي المصدر؛ فهو (غاصٌّ) هذا الوصف، وغصَّان وصف آخر، (شُرِقَ) هذا تفسيرها.

قال:

أبلغ النعمان عني مألكًا أنني قد طال حبسي وانتظاري

لو بغير الماء حلقي شرق كنت كالغصان بالماء اعتصاري

هذا اعتذار للنعمان بن المنذر، أرسله إليه عدي بن زيد وهو في سجنه، فيقول:

(أبلغ النعمان عني مألكًا)، معناه: رسالة، (أنني قد طال حبسي وانتظاري)، (لو بغير الماء حلقي شرق كنت كالغصان بالماء اعتصاري)، معناها: لو كانت مصيبتي من غيره هو لشكوت إليه هو، لكن لما كانت المصيبة منه هو كنت كالذي يغص بالماء، بماذا يزيل غصته؟ إذا غص الإنسان بأي شيء آخر يزيل غصته بالماء، لكن إذا غص بالماء، بماذا يزيل غصته؟ (لو بغير الماء حلقي شرق كنت كالغصان)، وهذا محل استشهاد هنا (كالغصان) من الوصف، جاء الوصف على وزن (فعلان) هنا، نعم.

(بالماء اعتصاري)، والاعتصار: إزالة الغصة، (اعتصر الغصة)، معناه: أزالها بالماء، (أكاد أغص بالماء الفرات) أو (بالماء الحميم)، كلها رواية (أغَصُّ)، فهي (فَعِل) بالماء الحميم، وبالماء الزلال أو بالماء الفرات، كلها روايات.

(مَصَّ)، (مصه) كذلك، أتى بالضمير؛ لينبهك على أنها من المعدى، بالإهمال؛ أي: بإهمال الصاد، ليس فيها حرف يعجم ويهمل إلا الصاد، فتقول فيها: (مَصِصْتُ الشيء أَمَصُّه) بالفتح، فهي (فَعِلَ) بالكسر مضاعف مدغم، ومضارعه بالفتح على القياس، ومعناها: شربه شربًا رفيقًا، مَصَّ الشيء معناه: شربه شربًا رفيقًا، وهذا في الأصل، وإلا فقد تطلق على غير ذلك، مثل: مص الشفاه؛ كما قال ابن مالك:

ومص الظمى لولا الظماء غدًا منى فشمر ولا يوهن بداك بداء

مص الظمى، لا يقصد به الشرب، وإنما يقصد به: الوصف، ومنه المصمصة، تطلق على المضمضة، (فجاءك نصر)، يقصد: أن (مَصَّ) فيها لغة أخرى على وزن (فَعَل) بالفتح، ومضارعها بالضم، فالماضي فيه لغتان: الفتح، والكسر، والمضارع فيه لغتان أيضًا: الفتح، والضم، فالفتح لـ(فَعِلَ) بالكسر، والضم لـ(فَعُل) بالضم، فتقول فيها: (مَصَّ الشيء، يَمُصُّه) من (فَعَل)، وتقول فيها: (مَصَّه يَمَصُّه) من (فعِل) بالكسر، البيت من مقصور، يقول:

ومص الظمى لولا الظماء غدًا منى فشمر ولا يوهن بداك بداء

(مص الظمى)؛ أي: مص الشفاه، (لولا الظماء غدًا)، معناه: لولا أن اتباع الشهوات يؤدي إلى العطش يوم القيامة، الظما: الشفاه اللمياء، والظمآء بالمد: العطش، (غدًا منى فشمر)، معناه: شمر عن ساعدك للعمل الأخروي، (ولا يوهن بداك)؛ أي: اجتهادك، (بداء)، والبداء: تغير الرأي.

(فجاءك نصر)؛ أي: إنها جاءت في لغة بعض العرب (فَعَل) بالفتح، ومضارعها بالضم، ومنه قول أبي بكر رضي الله عنه في خطابه لـعروة بن مسعود رضي الله عنه: (امصُص بظر اللات)، (امصُص) بالضم، فهي من (فَعَل) بالفتح، إذ لو كانت من (فعِل) بالكسر لقال: امصَص، وهذا الكلام قاله أبو بكر حين قال عروة ما يقتضي منه ذلك، وذلك أن عروة كان من عباد اللات، وهي: صنم من ثقيف، وحين أرسلته قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقنعه بالرجوع عنه إلى الحُدَيْبِيَة، قال: (يا محمد، إن قومك لبسوا جلود النمور، وصحبوا العوذ المطافيل، يعاهدون الله ألا تدخلها عليهم عنوة أبدًا، وما أرى معك إلا أشابة من الناس، جدير أن يفروا عنك، ويتركوك)، فغضب أبو بكر من هذا الكلام؛ لأن هذا الكلام يفت في أعضاد الناس، وفيه إزراء بالصحابة، قال أبو بكر: (امصص بظر اللات، أنفر ونترك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!).

ثم قال: (وبالإعجام)، هذا (مَصَّ) بالإهمال، وبالإعجام؛ أي: (مض)، أيضًا (فَعِل) بالكسر مضاعف مدغم، مضارعه بالفتح على القياس، كـ(مضِضت) مضضًا، (مضِضت): ينبهك هنا على أنها من اللازم، (مضِضت) معناه: تألمت، مَضَضًا: هذا مصدرها، ومضيضًا: هذا مصدر آخر، وتفسيرها: تألمت، طبعًا بالفتح، ذكرنا أن كل هذه مضارعها الفتح (يمَضُّ)، (ويتعدى بالفتح)، أما إذا أردت تعديتها فاجعلها على وزن (فَعَل) بالفتح، فتقول فيها: مضضته بمعنى: آلمته، كمضضته بمعنى: آلمته، (وبالهمز)، كذلك تتعدى بالهمز، مثل غيرها، فتقول فيها: (أمَضَّه)، فتكون رباعية حينئذ، ولم تكن من الثلاثية، (أمضه) بمعنى: آلمه كما في المصباح، ذكر هذا الفيومي في المصباح المنير، ووصفه: (مَضٌّ) و(ومُمِضٌّ)، يقول: إن الوصف منه يأتي على وزن (مَضٍّ)؛ أي: على وزن (فَعْل)، يأتي على وزن (فَعْلٍ)، فتقول: (مَضٌّ)، ويأتي على وزن (مُفعِل) (كمُمِد)، (ففَعْل) لوصف الثلاثي، و(مُفْعِل) لوصف الرباعي، (مَضٌّ) من (مَضَّ)، و(مُمِضٌّ) من (أَمَضَّ).

كذلك (حَمَّ) الماء بمعنى: سخن؛ فهي أيضًا (فعِل) بالكسر مضاعف مدغم، ومضارعه بالفتح على القياس، فتقول: (حَمَّ الماء بالحاء)، معناه: سخن، و(حَمَّت الجمرة)، معناه: اسودت، فتقول: الماء حميم، وتقول: الجمرة حممة، وهذا معنى قوله: (فهو حميم)؛ أي: الماء الوصف منه: حميم للمذكر، وهي- أي: الجمرة- مؤنثة: حممة.

أشجاك الربع أم قدمه أم رماد دارس حممه

جمع حممة، قد طفأت ناره، فاسود، فأصبح حممًا، نعم.

هذا ما كان بالإهمال، بالحاء.

أما ما كان بالجيم، قال: (وجمت الشاة بالجيم)، فهي أيضًا (فعِل) بالكسر، مضاعف مدغم مضارعه بالفتح على القياس، (جمت الشاة بالجيم)، معناه: لم ينبت لها قرن، وهي من جنس ما ينبت له قرن، إذا كانت من جنس ما ينبت له قرن، فلم ينبت لها قرن، فيقال لها: (جمت)، وهي جماء؛ فهي جماء، وهو أجم، وهو- أي: المذكر- أجم، وفي المثل: في النطاح يغلب الكبش الأجم، الأجم: الذي ليس له قرن، وهو من جنس ما ينبت له قرن.

(لا جم الماء، فسيأتي): أما جم الماء بمعنى: ازداد، فهذه (فَعَل) بالفتح، وليست من هذا الباب؛ ولذلك قال: (لا جم الماء، فسيأتي)، وهنا لاحظ الدقة في قوله: (حم الماء بالحاء)، لماذا لم يقل: بالإهمال، مثلما قال في (عض) و(مض)؟ لأنه لو قال: بالإعجام لأوهم ذلك، يمكن أن يكون (خم) أو (جم)، فهذه ثلاثة حروف متشابهة، الإعجام فيها لا يميز؛ لأن فيها حرفين معجمين.

(مَلَّه مَلَلًا)، كذلك من (فعِل) بالكسر المضاعف المدغم الذي مضارعه بالفتح على القياس: (مله، مللًا)، وهذه متعدية، بمعنى: سئم، و(مللًا)، الملل، هذا مصدر من مصادرها، والملُّ أيضًا: مصدر، والملة كذلك، والملال، والملالة، هذه كلها مصادر (مَلَّ)، فهو ملول، هذا الوصف منها، سئم، هذا تفسيرها، سئمه، ومنه قول الشنفرى:

صليت مني هذيل بخرق لا يمل الشر حتى يملوا

هذه من قصيدته التي مطلعها:

إن بالشعب الذي دون سلع لقتيلا دمه ما يطلُّ

ترك العبء علي وولى أنا بالعبء له مستقلُّ

ووراء الثأر منه ابن أخت مصع عقدته ما تحلُّ

مطرق يرشح موتًا كما أطـ ـرق أفعى ينفث السم صلُّ

صليت مني هذيل بخرق لا يمل الشر حتى يملوا

(صليت) بمعنى: اقتربت من ناره، والمقصود: أنها تعرضت لضرره وشره، (مني هذيل)، هذيل: هذه قبيلة، بنو هذيل، حيث قتلوا خاله، وهو تأبط شراً، (صليت مني هذيل بخرق)، والخرق: هو الرجل الشجاع، (لا يمل الشر حتى يملوا)، لا يمل الشر، معناه: لا يسأم الحرب، (حتى يملوا)، معناه: حين يملونها، (حتى) هنا بمعنى: (حين)؛ لأنه لو كان يمل إذا ملوا لم يكن له مزية عليهم، وعلى هذا حمل قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله حيي كريم، لا يمل العطاء حتى تملوا الدعاء)، معناه: حين تملون الدعاء؛ ولذلك هذا الحديث لا يثبت صفة الملل لله سبحانه وتعالى؛ لأن (حتى) هنا بمعنى: (حين) فيقتضي النفي، ولا يقتضي الإثبات.

(لا مل الخبزة)، مل الخبزة، بمعنى: شواها في الملة، فهذه سنذكرها إن شاء الله لأنها من المفتوح، من (فعَل) بالفتح، فليست من هذا الباب.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.