فدعا ربه أني مغلوب فانتصر


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ [السجدة:7-9]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3]، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ [المؤمنون:14-16].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:120]، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، مستو على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10].

وأشهد أن نبينا ورسولنا وشفيعنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]

ثم أما بعد:

أحبتي الكرام! حديثنا بحول الله وتوفيقه وعونه يحمل عنوان: ( فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ) ربنا إنا مغلوبون فانتصر.

أحبتي الكرام! نوح عليه السلام أول رسول أرسله الله إلى البشرية، والبشرية كانت على التوحيد الخالص بعد آدم عليه السلام عشرة قرون كما قال ابن عباس عند البخاري، عشرة قرون بين آدم ونوح على التوحيد وإفراد الله عز وجل بالعبادة وحده لا شريك له، ولكن الشيطان أعلنها، وبينها، حينما أخذ على نفسه أن يضل العباد، فأمهله الله عز وجل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن رب العزة: (إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم)، أي: عن صراط الله عز وجل إلى الشرك وعبادة غير الله.

بعد أن كان الناس على التوحيد حادوا عن طريق التوحيد إلى عبادة الأصنام، وبداية الأمر أن قوماً من الصالحين كان قوم نوح يعظمونهم، فلما ماتوا علقوا لهم صوراً في نواديهم، ثم جاء الجيل الثاني وحول الصور إلى تماثيل، ثم بعد ذلك عبدت التماثيل من دون الله عز وجل، ولذلك فإن الغلو في الصالحين هو طريق الشرك دائماً، وإن أردت أن تعرف فشدد النظر إلى ما يحدث عند الأعتاب والقباب، فستجد شركاً صريحاً واضحاً، فهذا ينادي صاحب القبر: اشفني، وتلك تنادي صاحب الضريح: ارزقني الولد، والله يقول سبحانه: إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ [فاطر:14]، فالذي يملك جلب النفع ودفع الضر هو الله وحده لا شريك له، فكانت بداية الشرك في الأمة تعظيم الصالحين، نقولها لكل من يغلو في حبهم فيطلب منهم المدد من دون الله ويطلب منهم الرزق من دون الله.

فعندما ظهر الشرك في الأرض أرسل الله نوحاً عليه السلام وهو أول رسول إلى أهل الأرض، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ودعوة نوح هي دعوة جميع الرسل، يقول ربنا سبحانه: إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ [نوح:1] وكل نبي كان يبعث في قومه، فهم يعرفون أصله، ويعرفون نسبه، ويعرفون صدقه، ويعرفون أمانته، ولذلك كلما كان الداعي قريباً من المدعو كانت الإجابة أرجى، لذلك جاء نوح إلى قومه، ودعوة نوح هي دعوة الرسل جميعاً، وهي دعوة أتباع الرسل، وهي دعوتنا إلى الآن، الدعوة إلى توحيد الله وإلى إفراد الله بالعبادة وحده لا شريك له، كل نبي جاء يقول لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]، والعبادة هنا تشمل العبادة القولية، والقلبية، والبدنية، فكلها تصرف إلى الله عز وجل، فمن ذبح لغير الله فقد أشرك، ومن نذر لغير الله فقد أشرك، ومن طلب المدد من غير الله فقد أشرك، فقد جاء الرسل ليقولوا لقومهم: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]، وهذه الدعوة هي التي ينبغي أن ننشغل بها ليل نهار: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]، وأن نعرف الناس معنى العبادة.

نوح عليه السلام جاء إلى قومه ورغبهم، وحذرهم، وبشرهم، ورهبهم، وهذه طريقة الأنبياء كما قال سبحانه: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [النساء:165].

وبعض الناس يقول: كفاكم حديثاً عن عذاب القبر، وعن القيامة والنار، حدثوا الناس في أمور واقعها.

ونقول لهم: إن دعوة الأنبياء تقوم على الترغيب والترهيب، فماذا قال نوح لقومه؟ إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ [نوح:1] ماذا قال لقومه؟ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]، ثم قال لهم: إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الأعراف:59].

أحبتي الكرام! وطريق الدعوة إلى الله غير ممهد، وينبغي لأصحاب الدعوات أن يعرفوا ذلك، فإن إجابة القوم: إعراض وسخرية وجدل.

قال نوح: رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا [نوح:5]، فالدعوة إلى الله ليست منبراً، وليست محاضرة، وليست مقالة، وليست كتاباً، إنما الدعوة إلى الله تكون بالليل والنهار، بالسر والعلن.

قال تعالى: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا [نوح:5-14]، قال المفسرون: استخدم كل سبل الدعوة إلى الله: الدعوة الفردية والدعوة الجماعية، والدعوة الجهرية، والدعوة السرية، والدعوة بالليل والنهار، فلم يقصر عليه السلام فقد مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له.

وقد كان الجدال بين نوح وبين قومه على النحو الآتي:

الاعتراض الأول قالوا: يا نوح! إنك بشر والنبوة لا تكون في البشر، لو شاء الله أن يرسل نبياً لأرسل ملكاً.

هذا هو الاعتراض الأول، ولذلك -إخوتي الكرام- أركز هنا على أمر هام إلا وهو بشرية الأنبياء والرسل، الأنبياء جميعاً بشر، ويترتب على هذه البشرية أنهم يمرضون، كما قال الله عن إبراهيم: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء:80]، وأنهم يبتلون، كما قال الله عن يوسف: فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ [يوسف:42]، وأنهم يعملون، كما قال الله عن داود: وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ [الأنبياء:80]، كل ذلك ثابت في حق الرسل، وأنهم يتزوجون، وأنهم يصابون، فلقد أصيب الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يوم أحد بجرح في فمه فنزف الدم من فمه الطاهر عليه الصلاة والسلام، وشج رأسه وأخذ يمسح الدم من على وجهه ويقول: (كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم)، ويوم أن ذهب إلى أهل الطائف يدعوهم إلى العبادة والتوحيد، رموه بالحجارة وهددوه، وهذا هو حال الدعاة إلى الله في كل الأزمنة والعصور، يقذفون بالحجارة، ولكنهم يعطون رطباً جنياً كحال النخلة كما قال علماؤنا.

هذا هو طريق الدعوة إلى الله، ليس مفروشاً بالورود، طريق الأنبياء والرسل، طريق البذل والعطاء، طريق التضحية بالنفس والمال والولد، طريق الأنبياء هو طريق الدعوة إلى الله عز وجل، خرج النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف والناس يرمونه بالحجارة، وزيد يتلقى كل حجر برأسه ليدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى وصلت الحجارة إلى قدم الحبيب محمد فأدمت قدميه، والحديث ضعفه بعض العلماء وصححه البعض، خرج من الطائف والدم يسيل من قدمه وهو يقول: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الرحمين أنت ربي ورب المستضعفين إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أم إلى قريب ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي)، وكذلك كان في غزوة الأحزاب يوم أن تحالفت كل قوى الشرك -كما يحدث الآن- على ضرب الدولة الإسلامية في مدينة رسول الله.

أرسل اليهود وفداً من بني النضير يجوب القرى ويجمع الموافقات لضرب المدينة المنورة، ضربة واحدة لا يقوم للإسلام بعدها دولة أبداً، فجمعوا عشرة آلاف مقاتل، بينما كل من في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصل عددهم إلى هذا الحد، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة آلاف، إذاً: لا توازن في القوى: عشرة مقابل ثلاثة، ولكن النصر لا يأتي بكثرة العدد؟! إن الذي يملك النصر هو رب العالمين سبحانه، ولذلك خرج النبي صلى الله عليه وسلم واستشار أصحابه؛ لأنه لم يكن يوماً ينفرد بقرار، إن لم يكن في المسألة حكم شرعي فإنه يستشير أصحابه، ونزل على رأي سلمان وحفر خندقاً حول المدينة؛ ليحول بين قوة المشركين وبين دخول المدينة، ولم يكتف رسول الله صلى الله عليه وسلم بإصدار الأمر بحفر الخندق وجلس يتابع عن بعد الذين أصدر لهم الأمر لأنه الإمام، يقول البراء بن عازب وجابر بن عبد الله : نظرنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم غزوة الأحزاب والتراب يعلوا صدره ورأسه، وأخذنا ننفض التراب عن رأسه، وكان الصحابة لشدة الجوع يربطون حجراً على بطونهم، فكشف الحبيب عن بطنه فإذا بحجرين على بطن رسول الله، هم يربطون حجراً وهو يربط حجرين، وإذا بالحبيب صلى الله عليه وسلم ينظر إلى وجوه أصحابه فيجد ألم الجوع في وجوههم فيقول (اللهم إن العيش عيش الآخره فاغفر للأنصار والمهاجرة

فيجيبون:

نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما حيينا أبدا).

ويدخل النبي عليه الصلاة والسلام ويتضرع إلى ربه والصحابة نيام: (اللهم يا مجري السحاب ويا منزل الكتاب اهزم الأحزاب)، فإذا بالله عز وجل يرسل ريحاً على المشركين دون قتال: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر:31].

الاعتراض الثاني: أن الذين اتبعوه أراذل القوم، أي: ضعفاء فقراء، قال تعالى: وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ [هود:27]، يا نوح! الذين يتبعونك حفنة، شرذمة خارجة عن الشرعية وخارجة عن الحكم، فلماذا لا يتبعك الأسياد؟!

الاعتراض الثالث: أنكم تريدون أن تكونوا أفضل منا.

الاعتراض الرابع: أن قوم نوح يريدون أن يكونوا سادة وأن يكون الباقون تبعاً لهم، وقد ذكر القرآن الكريم هذه المجادلات والمحاورات، قال سبحانه: قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [هود:32]، وذلك عند يأس نوح من إيمان قومه، فأوحى الله إليه: أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ [هود:36-37]، فلما أوحى الله إليه بذلك دعا نوح ربه فقال كما حكى الله عنه: فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر:10]، فكانت الإجابة: فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [القمر:11-12].

وعندما كان نوح يصنع السفينة بأمر من الله كان يجد الأذى من قومه، قال تعالى: وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ [هود:38]، إذاً: سلاح السخرية من الموحدين سلاح قديم، كان في زمن نوح، فإذا مر بك أحد هؤلاء السفهاء يضحك على التزامك كلما أظهرت سنة لرسول الله، فتذكر قول الله سبحانه وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ [المطففين:29-31].

قال سبحانه عن نوح: وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ [هود:38] يعني: جماعة، مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ [هود:38].

إن من أسباب الردة والخروج من الدين السخرية من شرع رب العالمين، أو التعريض بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليضحك الناس، وهذا دأب البطالين والسفهاء لا يجدون ما يضحكون الناس به إلا القرآن، وإلا السنة، يعرضون بحديث، أو بسنة، أو بقرآن؛ حتى يضحك الناس، وفي غزوة من الغزوات كان مع النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من المنافقين فرأوا حملة القرآن وهم في طريق العودة فقالوا لهم: ما نراكم إلا أرغبنا بطوناً، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء، فإذا بالوحي ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66].

وفي هذا العصر يكتب عربيد في أحد رواياته: الله في مدينتي مشرد طريد، الله في مدينتين تبيعه اليهود! الله سلعة عند هذا الكافر المرتد! وآخر يرسم كاريكاتير لرجل يركب الحمار، وتحت الحمار تسعة نسوة، ثم يكتب تحت الكاريكاتير هذا محمد وأزواجه التسعة! يسخر من سيد البشر محمد خاب وخسر، وتارة يسخرون من النقاب، وتارة من اللحية، ومن تقصير الثياب تارة، ومن صلاة الجماعة تارة: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ [المطففين:29]، فإن ضحك عليك المجرمون فهنيئاً لك؛ لأنك على طريق الحق، ومن ضحك هنا بكى هناك ومن بكى هنا ضحك هناك، قال الله سبحانه: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المطففين:34-36]، ضحكوا هنا على عباد الله، فبكوا هناك بكاءً شديداً، بل زادهم الله على ذلك سواد الوجه قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [عبس:38-42].

وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ [هود:38]، يا نوح! أصبحت نجاراً بعد أن كنت نبياً رسولاً، يا نوح السفينة التي تصنعها متى ستسير؟ وأين الماء الذي ستسير عليه؟

أوحى الله سبحانه إلى نوح بقوله: أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ [هود:36-37]، ثم جعل الله لنوح علامة يعرف بها قرب نزول العذاب، يقول ربنا سبحانه: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ [هود:40] (التَّنُّورُ): هو مكان الخبز، (فَارَ التَّنُّورُ)، فهذه علامة على نزول العذاب، ثم أوحى الله إلى نوح أن: احمل في السفينة: مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ [هود:40]، وكلمة (وَأَهْلَكَ) هنا: يدخل فيها الولد وتدخل فيها الزوجة، لكن الله قال: إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود:40].

أيها الدعاة! لا تنتظروا إلى كثرة العدد فإن العدد لا يقدم ولا يؤخر، إن النبي قد يأتي يوم القيامة وليس معه أحد، مع أنه بلغ، وأقام الحجة، ولكن كما قال الله سبحانه: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272]، فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:21-22].

يقول ربنا تبارك وتعالى: وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ [هود:41-42]، أنزل الله الطوفان على الإنسانية في زمن نوح ولم ينج إلا عدد قليل، ثم أهلك الله الأرض ومن عليها، تقول بعض كتب التفاسير: إن الذين نجو مع نوح في السفينة اثنا عشر شخصاً، فالعبرة ليست بالكثرة، أرسل الله على الإنسانية طوفاناً من أعلى ومن أسفل، والله عز وجل له جنود لا يعلمها إلا هو، اسمع إلى قول الله: فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا [الحاقة:5-7] متتابعة، فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ [الحاقة:7].

أرسل الله الطوفان فأغرق جميع أهل الشرك والكفر ولم ينج إلا من آمن مع نوح.

يقول الله تعالى: وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ [هود:42-43] وهذا فيه إشارة إلى أن النسب الحقيقي هو نسب العقيدة والدين، نوح ينادي ربه ويقول: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي [هود:45]، فيقول الله له: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [هود:46] هذا ولاء وبراء، أخوك الحقيقي هو من يحمل العقيدة التي تحملها، وإن كان أخوك لرحم وخرج عن دائرة الإيمان فهو ليس أخاك.

يقول الله تعالى: إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا [الممتحنة:4]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله)، ولذلك يقول تعالى: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22].

أحبتي الكرام: إن مفتاح النصر لأمة الإسلام هو التضرع والدعاء لله عز وجل؛ لأن الله سبحانه وتعالى قادر، فإن كنا لا نملك شيئاً لإخواننا المسلمين الذي يعذبون الآن بيد إخوان القردة والخنازير فيجب علينا أن ندعو لهم: اللهم اربط على قلوبهم، وسدد رميهم، واجعل الدائرة على أعدائهم، اللهم اهلك عدوهم إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، وأنت حسبنا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

أحبتي الكرام! لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أمره الله عز وجل أن يستقبل المسجد الأقصى كقبلة، والنبي عليه الصلاة والسلام كان لا يحب أبداً أن يشارك أهل الكتاب في شيء، كانوا لا يصلون في نعالهم وكان يصلي في نعله، وكانوا لا يغيرون البياض في لحاهم ورءوسهم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الصحابة بالتغيير، ولما أرادوا دعوة الناس إلى صلاتهم قالوا: نشعل ناراً كما تفعل اليهود، أو يدقون ناقوساً كما تفعل النصارى، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يدق الناقوس أو أن يشعل النيران حتى نزل الوحي بالأذان، فكان يحب أن يخالفهم في كل شيء، ونحن الآن نوافقهم في كل شيء، وإن أردت أن تعرف هذا الواقع فصوب النظر يميناً أو يساراً فستعلم أننا نتبعهم كما قال صلى الله عليه وسلم: (شبراً بشبر، وذراعاً بذراع).

لما أمره الله أن يستقبل المسجد الأقصى امتثل النبي صلى الله عليه وسلم لأمر الله، وامتثل من معه لأمر الله، وكان الأمر على غير رغبتهم، ولكني أقول: متى كان للمؤمن رغبة أمام أمر الله؟ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، ولذلك الدرس الأول من الاتجاه إلى المسجد الأقصى هو: الامتثال الفوري لأمر الله حتى وإن خالف الهوى، فكان صلى الله عليه وسلم يصلي إلى المسجد الأقصى وبعد أن ينتهي من صلاته يقلب بصره في السماء في أدب مع ربه عز وجل سائلاً الله أن يحول القبلة إلى المسجد الحرام؛ لأن اليهود قالوا: محمد تبع قبلتنا وغداً سيتبع ديننا، وأخذوا يرجفون في المدينة، فأنزل الله عليه: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144]، فاستدار النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث: أنه مكث ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، قال ابن حجر في فتح الباري: إن كانت ستة عشر فيكون تحويل القبلة في نصف رجب، وإن كانت سبعة عشر فيكون التحويل في نصف شعبان على اختلاف بين الرواة.

استدار النبي صلى الله عليه وسلم وصلى إلى المسجد الحرام، ووصل الخبر إلى اليهود وهم أساتذة في نشر الشائعات، قالوا: يا محمد -صلى الله عليه وسلم-! إن كانت القبلة خاطئة فلم صليت إليها؟ وإن كانت صحيحة فلم تركتها؟ ثم أخبرنا عن حكم أصحابك الذين ماتوا وهم يصلون إلى المسجد الأقصى، فأنزل الله رداً عليهم فقال سبحانه: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ [البقرة:142]، لذلك هناك كتاب يحمل عنوان: برتوكولات حكماء صهيون، والصواب أن يسمى: برتوكولات سفهاء صهيون، لأن الذي سماهم سفهاء هو الله، قال سبحانه: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ [البقرة:142-143]، أي: المسجد الأقصى الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ [البقرة:143] أي: اختباراً للإيمان، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143] يعني: صلاتكم.

والبخاري لفقهه العالي في كتاب الإيمان يبوب أبواباً، فيقول: باب إقامة الصلاة من الإيمان، باب إلقاء السلام من الإيمان، باب إطعام الطعام من الإيمان، باب اتباع الجنائز من الإيمان، أتدرون لماذا؟ ليجيب على المرجئة الذين قالوا: إن الإيمان قول بدون عمل، كما يقول بعض المسلمين اليوم إذا قيل له صل، فيقول: أنا لا أصلي لكن قلبي أبيض والحمد لله؛ لأن الإرجاء معناه: أن يؤخر العمل عن القول، فأراد البخاري أن يبين: أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان، واعتقاد بالقلب.

أحبتي الكرام! آخر درس -وهو هام جداً-: أنه كان في مسجد قبا جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون وما وصلهم خبر تحويل القبلة إلا في صلاة الفجر، يعني: أنهم صلوا العشاء والمغرب إلى القبلة القديمة: المسجد الأقصى، والقبلة قد تحولت إلى المسجد الحرام، لكن صلاتهم صحيحة؛ لأنهم يعذرون بعدم علمهم، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيدوا المغرب والعشاء، يقول ابن كثير : فالعلم مناط التكليف، قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، ولذلك ما أمرهم بالإعادة.

ولذلك لما قرأ عدي بن حاتم قوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187] فهم الآية فهماً خاطئاً، فأتى بخيط أبيض وأتى بخيط أسود ووضعهما تحت الوسادة، وجعل ينظر إلى الخيطيين فلا يميز فيأكل ويشرب، فظل يأكل ويشرب حتى تبين له الخيطان، فلما وصل ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنك رجل عريض القفا، وإنما هو بياض الفجر وسواد الليل)

ولم يأمره بإعادة الصيام؛ لأن الله قال: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، فالخطأ مرفوع عن أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

أحبتي الكرام! مخرج الأمة في العلم، ولا مخرج لنا إلا بالعلم، فتعلموا العلم الشرعي، عضوا عليه بالنواجذ؛ لأن المشكلة مشكلة عدم فهم للنصوص، فيوم أن نكون على علم لن تحدث الفرقة أبداً، ولن يحدث الاختلاف إلا بغياب نص أو بسوء فهم.

أحبتي الكرام! وشهر شعبان من الأشهر المباركة التي كان يكثر من صيامها النبي صلى الله عليه وسلم، شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله، ونحن على مقربة من شهر القرآن، شهر الصيام، شهر النصر، شهر الفتوحات.

فاللهم إنا ندعوك ونحن في شهر شعبان أن تمكن لدينك في الأرض، اللهم مكن لدينك في الأرض، اللهم مكن لدينك في الأرض.

اللهم انصر عبادك المستضعفين في فلسطين، وانصر عبادك المستضعفين في أفغانستان، وانصر عبادك المستضعفين في كشمير، وانصر عبادك المستضعفين في البوسنة، وانصر عبادك المستضعفين في كل مكان، فأنت ربنا وأنت حسبنا، اللهم سدد رميهم، واجعل الدائرة على أعدائهم، اللهم أيدهم بجنودك فإنك على ما تشاء قدير.

اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.

اللهم من أرادنا والإسلام بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا والإسلام بشر فاجعل كيده في نحره، وأهلكه كما أهلكت عاداً وثمود وفرعون.

اللهم ارحم أطفال أفغانستان، وارحم نساء أفغانستان، وارحم شيوخ أفغانستان، برحمتك الواسعة يا أرحم الراحمين، إنك على ما تشاء قدير، اللهم سلط على عدوهم الأمراض الخبيثة، اللهم أهلكهم بدداً، وأحصهم عدداً ولا تبق منهم أحداً، اللهم جمد الدم في عروقهم إنك على ما تشاء قدير وأنت حسبنا ونعم الوكيل.

اللهم إنا نعوذ بك من السلب بعد العطاء، ونعوذ بك من الذل بعد العز.

اللهم مكن لدينك في الأرض.

اللهم حرر الأقصى من الغاصبين، وحرر الأقصى من الظالمين، واكتب لنا فيه صلاة يا رب العالمين، فإنك على ما تشاء قدير.

اللهم وفق الأمة لما تحبه وترضاه.

اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.

اللهم ارحمنا إذا وارانا التراب، ارحمنا إذا فارقنا الأهل والأحباب، ارحمنا ونحن في القبور فراداً، وبيض وجوهنا عند سواد وجوه، وثبت أقدامنا على الصراط وأمنِّا عند الفزع الأكبر.

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

اللهم اجعلنا من أهل القرآن، وارزقنا حب القرآن، وارزقنا فهم القرآن، وارزقنا نور القرآن، وارزقنا بركة القرآن، واستر عوراتنا بالقرآن، وبارك في أرزاقنا بالقرآن، واحفظ أعراضنا بالقرآن، اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك يا رب العالمين، اللهم علمنا من القرآن ما جهلنا، ذكرنا منه ما نسينا.

وارزقنا علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، وجسداً على البلاء صابراً.

ربنا لا تجعلنا فتنة للذين ظلموا ربنا إنك رءوف رحيم.

اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.

وبعد:

أحبتي الكرام! هناك بعض المعاني الهامة جداً التي نريد أن نبينها، منها: أنه في غزوة الأحزاب -كما بينا- كان الذي جمع قوى الشرك هم اليهود، فبعد إجلاء يهود بني النضير من المدينة حقدوا على دولة الإسلام، فانطلقوا يؤلبون الناس على الإسلام والمسلمين، وهذا يشير إلى أن اليهود هم خلف كل فساد يقع على الأرض، ولذلك يقول ربنا تبارك وتعالى في وصفهم: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران:118]، ويقول سبحانه: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217]، وقال ربنا سبحانه أيضاً في وصفهم: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ [البقرة:109].

وهناك بعض ضعاف الإيمان يقولون: لو أن الحق مع المسلمين فلماذا لا ينصرهم الله؟ وهذا بلاء، وتمحيص، واختبار، ولكن ليعلم الجميع أن العاقبة للتقوى؛ لأن الله قال: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [غافر:51]، فالنصر للرسل وللمؤمنين الذين هم أتباع الرسل ولا شك، ولكن ما معنى النصر؟

قد يكون النصر بالقتل، فإن الغلام الذي جاء في قصة أصحاب الأخدود قتل وانتصرت دعوته، فيوم أن كان الغلام يتردد على الساحر والراهب -كما في صحيح مسلم- وسمع من الراهب ما سمع، وآمن بما يقول الراهب، وفي نهاية الحديث أنه قال للملك الظالم: إنك لن تقتلني إلا إذا فعلت ما أمليه عليك، فقال الملك: ماذا تريد؟ فقال الغلام: اجمع الناس في صعيد واحد، ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم قل: باسم الله رب الغلام، فإن فعلت ذلك فإنك قاتلي.

هنا -أيها الإخوة الكرام- فعل الملك ما أملاه عليه الغلام، أمسك بالسهم وقال: باسم الله رب الغلام، وأطلق السهم فوقع في صدغ الغلام فوضع يده على صدغه فمات، فإذا بالحضور يقولون: آمنا بالله رب الغلام، فالغلام مات وانتصرت دعوته، فالنصر قد يأتي بعد الموت، وهذا مفهوم من مفاهيم النصر.

وهذا زكريا عليه السلام نبي قتله اليهود، ويحيى عليه السلام كذلك قتله اليهود، والله يقول: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا [غافر:51]، إذاً: إذا كان القتل لا يعني نصراً فقتل زكريا ويحيى يعني هزيمة، والله يقول: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [غافر:51].

والله عز وجل إذا أراد أمراً يسر له أسبابه، والعبد لا يعلم، ففرعون لما أخبر أنه سيولد في بني إسرائيل غلام سيكون على يده نهاية ملكه ماذا صنع؟

أصدر قانوناً بأن تتابع كل امرأة في بني إسرائيل، وهذا سلاح التحريات، فإذا وضعت ذكراً قتل، وإذا وضعت أنثى تركت، يقول ربنا في ذلك: وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ [البقرة:49]، وفي هذه الظروف وفي هذه الشدة، وفي وسط هذا القتل ولد موسى عليه السلام، يا فرعون! إن كنت رباً كما تقول فامنع ميلاد موسى، وليس ذلك فحسب وإنما سيربى موسى في بيتك وتحت يدك ويستمد قوته منك، أي: أنه سيكون صاحب حسب وقوة في مصر؛ لأنه تربى في بيت فرعون.

يقول الله تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص:7].

ولد موسى وامتثلت أمه لأمر الله فألقته في التابوت، فسار التابوت في البحر بأمر الله عز وجل حتى وصل إلى الشاطئ، والتقطه آل فرعون، فتح الصندوق فإذا فيه غلام، فاصدر فرعون أمراً بقتله، قالت امرأة فرعون: لا تقتلوه. -والفراعنة كثيراً ما يمتثلون لأمر نسائهم، فنشأ موسى في هذه الظروف وتربى، وكان على يده نهاية فرعون، من الذي رباه؟ فرعون، نشأ تحت عين من؟ فرعون، إن الله عز وجل إذا أراد شيئاً يسر له أسبابه.

أحبتي الكرام: من دأب اليهود قلب الحقائق، كقصة الهيكل كما قلنا قبل، فالذي بنى المسجد الأقصى على الراجح هو داود عليه السلام، والذي جدد البناء ابنه سليمان، كما أن إبراهيم عليه السلام هو رفع قواعد المسجد الحرام، وليس هو أول بأن له إنما هو الذي رفع قواعده، كما قال تعالى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ [البقرة:127]، فالمسجد الحرام هو أول مسجد وضع في الأرض للناس، قال تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ [آل عمران:96]، وسليمان عليه السلام أعاد بناء المسجد الأقصى، فلما أتم بناء المسجد الأقصى بنى قصر الملك الذي يسمى: الهيكل بجوار المسجد، وأخذ فيه مدة أطول من بناء المسجد كما يقول العلماء، واليهود يزعمون أن المسجد الأقصى مبني فوق الهيكل، يعني: أن الهيكل هدم وبني مكانه المسجد الأقصى، فهم يريدون أن يهدموا المسجد الأقصى لأجل أن يقيموا الهيكل بدلاً منه، إذاً قصة الهيكل وأنه مكان المسجد الأقصى كذب وافتراء، فيا من تريدون الهيكل احترموا صاحب الهيكل، ومن صاحب الهيكل؟ إنه سليمان، ولكن ماذا يقولون في سليمان؟ في توراتهم في سفر التكوين أو غيره يقولون: لقد كان ابن داود ساحراً دجالاً، يتهمونه بالسحر والدجل، ولذلك قال ربنا في هذا: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة:102].

ويقولون أيضاً: إن سليمان كان محباً للنساء، ويعشق النساء حتى إن محبته للنساء أنسته أن يبلغ الرسالة، ولذلك يسمونه بسليمان الحكيم ولا يعترفون بنبوته، فإن كانوا يريدون إقامة الهيكل فلماذا لا يوقرون صاحب الهيكل، لكنهم قوم لا خلاق لهم، يقول ربنا تبارك وتعالى عنهم: أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ [البقرة:100]، وكلمة (كُلَّمَا) تفيد الاستمرار والتجديد، ذهب نيتنياهو فجاء باراك ، ذهب باراك فجاء شامير الإرهابي الذي قتل أبناءنا تقتيلاً، وبالأمس سحقت مدن كاملة في فلسطين، والأمة تكتفي بشعارات الشجب والاستنكار والمؤتمرات التي تصدر وصايا، ونتائج، ومقترحات.

يا عباد الله! إن هذه الدماء أمانة في أعناقنا سنسأل عنها بين يدي الله عز وجل.

أحبتي الكرام! في قصة نوح أردت أن أركز على معنى واحد، وهو أن سلاح نوح كان الدعاء، لم يكن مع نوح قنابل، ولا صواريخ، ولا أسلحة دمار شامل، ولا أسلحة كيماوية، ولا نووية، إنما كان مع نوح سلاح الدعاء، قال تعالى: فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر:10] فكانت الإجابة: فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا [القمر:11-12].

ثم بعد أن أهلك الله من في الأرض: وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي [هود:44]، وهذا الأمر من الله إلى الأرض والسماء: وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ [هود:44]، (غِيضَ الْمَاءُ) يعني: جف الماء، وعندما تفتح أبواب السماء بالماء والأرض تتفجر عيوناً فكم هي المدة التي تحتاج إليها الأرض من أجل أن يجف الماء؟ إنها تحتاج لفترة طويلة، لكن الله قال: وَغِيضَ الْمَاءُ [هود:44] يعني: جف، فالذي أمر الأرض أن تجف هو الله، والذي أمر السماء أن تفتح هو الله، فهو قادر على كل شيء.

ولعل هذا البلاء خير للأمة حتى تستيقظ من غفوتها وتعود إلى ربها وتتضرع في سجودها، فقد جاء في الأثر: أن العبد قد يدعو ربه والإجابة تتأخر، فتقول الملائكة: يا رب! عبدك فلان -وليس هذا اعتراضاً، وإنما الملائكة تعرف أن هذا العبد صالح- فيقول الله عز وجل: أجلوا مسألته فإني أحب أن أسمع صوته، فالله عز وجل قد يريد بنا البلاء حتى يعود الناس إلى الله عز وجل.

في الأسبوع الماضي وقع في يدي كتاب يحمل عنوان: (الفاشيون والوطن)، مؤلفه علماني صرف، معروف بعلمانيته، اسمه السيد القمني وأنا لا أعرف من هذا القمني ، لما تقرأ في الكتاب تجد فيه طعناً مباشراً في سنة رسول الله، وطعناً مباشراً في دين رب العالمين، وسأعطيكم نموذجين فقط من كلامه، يقول: وحد الرجم حد تستنكره الطباع وترفضه المجتمعات وتأباه النفوس، لذلك ينبغي أن يلغى ذلك الحد من دين رب العالمين! يريد أن يلغي حد الرجم، وأحاديث الرجم متواترة صحيحة، والنبي قد رجم ماعزاً والغامدية ، وعمر رجم، والصديق رجم، وتواتر حد الرجم، ولم ينكر الرجم إلا الخوارج؛ بل إن الرجم في التوراة: لما زنا رجل يهودي بامرأة يهودية وقرءوا في توراتهم فوجدوا أن حدهما الرجم، قالوا: هيا بنا إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- لعلنا نجد عنده تخفيفاً. قالوا: يا محمد -صلى الله عليه وسلم-! ما عقوبة الزاني المحصن عندكم؟ قال لهم: كما هي عندكم، قالوا: عندنا التعزير -يعني: ليس عندنا الرجم- وكان عبد الله بن سلام واقفاً، فقال صلى الله عليه وسلم: ائتوني بالتوراة. فأتوه بها فقام القارئ ووضع يده على نص الرجم، فقال ابن سلام : ارفع يدك، فإذا بحد الرجم، ولذلك قال ربنا: وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ [المائدة:43] (حُكْمُ اللَّهِ): الرجم، جاء القمني ليقول: لا رجم.

الثانية: يقول: الطلاق كان قديماً يقع بالتلفظ؛ لأنه لم يكن هناك وثائق توثق الطلاق، أما الآن فأقول: إذا تلفظ الرجل بالطلاق على زوجته فلا ينبغي أن يقع إلا إذا وثق عند مأذون، وهذا طعن في الشريعة، ويقول: إن السنة جمعت بعد مدة طويلة، لذلك لا نأمن في نقلها؛ لأن الذين نقلوها رجال يصيبون ويخطئون ولا عصمة إلا للقرآن، أما السنة فليس لها عصمة، يريد أن يرد الناس إلى مصدر واحد، ولذلك يقول ربنا تبارك وتعالى في أمثال هؤلاء: وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [البقرة:118].

أسأل الله تبارك وتعالى أن يردنا إلى الإسلام رداً جميلاً، وأن يحفظ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأن ينجينا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقنا الإخلاص في القول العمل، وفي السر والعلن، إنه ولي ذلك والقادر عليه.