سلسلة السيرة النبوية ما بعد بدر


الحلقة مفرغة

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فمع الدرس التاسع من دروس السيرة النبوية في العهد المدني، وكنا قد تحدثنا في الدروس السابقة عن غزوة بدر وعن الملابسات التي أدت إلى قيام الغزوة وعن صفات الجيش المنتصر، وعن جنود الرحمن سبحانه وتعالى في هذه الغزوة، ووصلنا إلى أن هذه الغزوة فعلاً من أعظم الغزوات في تاريخ المسلمين، وقد سماها رب العالمين سبحانه وتعالى بيوم الفرقان؛ وما ذلك إلا لأنها فرقت بين مرحلتين مهمتين من مراحل الدعوة الإسلامية والأمة الإسلامية، والذي يتذكر الوضع قبل غزوة بدر ويدرس الوضع بعد غزوة بدر يلاحظ الفرق الهائل بين حال المسلمين قبل الغزوة وبعدها.

إنَّ غزوة بدر كان لها آثار ضخمة هائلة على الجزيرة العربية بكاملها بل وعلى العالم بصفة عامة، وما زال لغزوة بدر إلى يومنا هذا آثار، وسيكون لها آثار إلى يوم القيامة، فهي فعلاً يوم الفرقان.

أثر غزوة بدر في الميلاد الحقيقي للدولة الإسلامية بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم

أول آثار غزوة بدر وأعظمها هو الميلاد الحقيقي للدولة الإسلامية بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم، والجيش الإسلامي الذي ولد في هذه الغزوة هو الذي على أكتافه أنشئت الدولة العظيمة دولة الإسلام، وقد تعرفنا في غزوة بدر على صفات الجيش المنتصر، وعرف الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم هذه الصفات، ودرسوها بإتقان، وبعد هذا طبقوها في كل المعارك التي انتصر فيها المسلمون، وإذا خالف المسلمون نقطة أو بعض النقاط من هذه الصفات أتت الهزيمة والمصائب؛ لذلك فإن غزوة بدر تعتبر معياراً أو مقياساً يجب أن يقيس المسلمون عليه أحوالهم، فإن كانوا يطيقون هذه الصفات فلله الحمد والمنة والفضل، وإن كانوا غير ذلك فلا بد أن يعدلوا مسارهم؛ ليعودوا إلى الطريقة التي سار عليها أهل بدر رضي الله عنهم أجمعين.

ولدت أمة الإسلام بعد غزوة بدر، وأصبح لها هيبة في الجزيرة العربية بكاملها، وبدأ الناس في كل الجزيرة يتساءلون عن الإسلام والمسلمين، فقد كانوا يتخيلون من قبل أن الأمر مجرد خلاف داخلي داخل مكة، هذا الخلاف هو رجل من مكة خرج بشيء اعترض عليه قومه، وظهر له أتباع، فهي مجرد حرب أهلية في داخل مكة المكرمة، ثم بعد ذلك لفتت أنظار العرب الهجرة إلى المدينة المنورة، لكن اللفت الحقيقي للأنظار كان بعد بدر، فالانتصار الضخم كان له أثر مهول على الجزيرة بكاملها، فبدأ الناس يتساءلون: من هم المسلمون؟ ما هو الإسلام؟ ولا شك أن هذا فتح للإسلام قلوباً كثيرة.

وهكذا بدأ الرسول عليه الصلاة والسلام ينظر دولته كدولة مستقرة، لها كيان مستقل ولها احترام ولها سمعة عظيمة في داخل الجزيرة العربية.

آثار غزوة بدر على أهل المدينة

كذلك أثرت غزوة بدر على المسلمين في داخل المدينة المنورة الذين لم يشاركوا فيها، فإنه لما وصل خبر نصر الإسلام في غزوة بدر إلى المدينة المنورة اختلطت مشاعر الفرح والسرور بهذا النصر العظيم بمشاعر الندم لعدم المشاركة في هذا النصر العظيم.

التف المسلمون حول البشير وهو زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه يطمئنون على أخبار الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يرجع مباشرة من بدر، بل مكث في أرض بدر ثلاثة أيام كعادة الجيوش المنتصرة، وبعد ذلك عاد إلى المدينة المنورة، لكن الخبر كان قد سبق واستقبلت وفود التهنئة الرسول صلى الله عليه وسلم بمنتهى الترحاب والفرح والسرور، وفي نفس الوقت جاء كثير من الأنصار رضي الله عنه وأرضاهم يعتذرون لرسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم مشاركتهم في بدر مع رغبتهم الأكيدة في الجهاد في سبيل الله؛ لأنهم لم يعرفوا أن هناك قتال.

على سبيل المثال: جاء له أسيد بن حضير رضي الله عنه وأرضاه وقال: (يا رسول الله! الحمد لله الذي أظفرك وأقر عينك، والله يا رسول الله! ما كان تخلفي عن بدر وأنا أظن أنك تلقى عدواً، ولكن ظننت أنها عير، ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت، فقال له صلى الله عليه وسلم: صدقت).

إن مشاعر الندم التي جاءت في قلوب الأنصار والمهاجرين الذين لم يشاركوا في غزوة بدر ستؤدي بعد ذلك إلى بعض النتائج كما سنرى، وسيكون لها أثر واضح إيجابي في مقدمة غزوة أحد كما سيتبين لنا.

إذاً: كان هناك أثر إيجابي كبير على الجيش المسلم، وعلى الذين لم يشاركوا في غزوة بدر، وقامت الدولة الإسلامية على أكتاف هؤلاء وهؤلاء.

آثار غزوة بدر على مشركي مكة

في نفس الوقت كان في غزوة بدر أثر سلبي ضخم جداً على مشركي مكة الذين خرجوا وفجعوا بهذه الفجيعة الضخمة في بدر، فهي ضربة قاصمة هائلة لقريش، وهزة عنيفة لكبرياء قريش وكرامتها وعزتها، فقد كانت قريش أمنع قبيلة في العرب وأعزها وأكبرها، لها تاريخ وكل قبائل العرب تحترمها، لكن الوضع بعد بدر اهتز بشكل مريع، فسبعون واحداً من المشركين الذين شاركوا في بدر قتلوا، وسبعون كذلك أسروا، وقارن بين هذه الغزوة وسرية نخلة، فسرية نخلة انتفضت فيها قريش وقلبت الجزيرة العربية وقامت بحرب إعلامية، وكان المقتول فيها واحداً والمأسور فيها اثنين، من خلال ذلك ستعرف مدى المأساة التي وقعت على أهل قريش بعد هذه الغزوة العظيمة غزوة بدر، كذلك هؤلاء السبعون الذين قتلوا هم عمالقة الكفر وقادته وأئمة الضلال في الأرض، منهم فرعون هذه الأمة أبو جهل ، ومنهم الوليد بن المغيرة ، ومنهم عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والنضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف وغيرهم كثر.

هؤلاء السبعون قتلوا في يوم واحد وفنوا في لحظة واحدة، فياله من شيء يشيب له الولدان، فيا ترى! كيف كان تأثر قريش لما وصل الخبر؟

قام الحيسمان بن عبد الله الخزاعي بإيصال الخبر، فما زالت قريش لا تعرف عن أخبار بدر شيئاً، فلما رأوا الحيسمان بن عبد الله الخزاعي قادماً قالوا: ما وراءك؟ قال: قتل عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام وأمية بن خلف في رجال من الزعماء سماهم، فاندهش صفوان بن أمية حتى قال: والله إن يعقل هذا، فاسألوه عني، لو سألتموه عني سيقول لكم: قتل كذلك، فقالوا: ما فعل صفوان بن أمية ؟ قال: ها هو ذا جالس في الحجر، قد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا!

كان هذا طبعاً الخبر كالصاعقة على أهل قريش؛ لذلك لم يصدقوا، فانتظروا رسولاً ثانياً، فجاء أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه أبو لهب -وقد تخلف عن غزوة بدر- قال: هلم إلي فعندك لعمري الخبر. فجلس إليه والناس قيام عليه، فقال أبو سفيان كلمات في منتهى الخطورة، قال: ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا، يقتلوننا كيف شاءوا، ويأسروننا كيف شاءوا، وايم الله مع ذلك ما لمت الناس، فتعجبوا من قوله فقال: لقينا رجالاً بيضاً على خيل بلق بين السماء والأرض والله ما تليق شيئاً -لا تترك أمامها شيئاً ولا تبقي- ولا يقوم لها شيء. وهكذا صرح أبو سفيان بهذه الكلمات أمام المشركين، والمشركون يسمعون ولا يصدقون، ومع كل هذا الأمر إلا أنهم لا يؤمنون.

وكان أبو رافع رضي الله عنه وأرضاه موجوداً بينهم، وهو غلام للعباس رضي الله عنه، وكان يخفي إسلامه، فلما سمع ذلك قال: تلك والله الملائكة.. تلك والله الملائكة، فرفع أبو لهب يده وضربه في وجهه ضربة شديدة، وحصل بينهما نزاع، فاعتلى أبو لهب فوقه وبدأ يضربه، فجاءت أم الفضل زوجة العباس رضي الله عنهما وكانت تخفي إسلامها أيضاً، فأمسكت عموداً وضربت أبا لهب على رأسه حتى شجته شجة منكرة، وقالت له: استضعفته أن غاب عنه سيده، فقام أبو لهب مولياً ذليلاً، ولم يعش بعد هذه الضربة إلا سبع ليال، فقد رماه الله سبحانه وتعالى بمرض يسمى العدسة، وهي قرحة تصيب الإنسان وتقتله في أيام، وكانت العرب تتشاءم من هذه القرحة، فلم يستطيعوا الاقتراب من أبي لهب حين أصيب بها إلى أن مات، ولم يجرؤ أحد من أولاده على الاقتراب منه، وظلَّ مرمياً على الأرض ثلاثة أيام إلى أن انتشرت رائحته في المكان، فخاف أولاده من تعيير العرب لهم بأبيهم، فحفروا حفرة جواره، وأمسكوا عموداً وبدءوا يدفعون به إلى داخل الحفرة، وأخذوا يلقون الحجارة عليه من بعيد حتى سدوا عليه الحفرة. هذه هي النهاية أبي لهب ، وكانت نهايته بعد سبع ليال فقط من غزوة بدر.

وهكذا فقد المشركون في غزوة بدر كل هذا العدد الضخم من القادة، وبعدها بسبعة أيام فقدوا قائداً كبيراً وهو أبو لهب ، وكانت نهاية أبي لهب في منتهى الخزي والعار والذلة والمهانة، مع أنه كان كبير عائلة بني هاشم بعد وفاة أبي طالب ، ومن المفروض أن جنازته تكون جنازة رسمية في داخل مكة، وتأتي الوفود لتعزية أقاربه فيه، لكن لم يحصل ذلك؛ لأن العرب كانت تتشاءم من المرض الذي مات به أبو لهب .

إذاً: حدث في بدر أزمات كثيرة جداً، أول هذه الأزمات: أزمة سياسية فقد فقدت قريش مكانتها في وسط العرب، واهتزت هزة كبيرة.

ثانيها: أزمة اجتماعية، فكل واحد من قريش بكى قتيلاً في بيته، وبذلك تحققت رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب ورؤيا جهيم بن الصلت ، فقد رأيا أن كل بيت من بيوت مكة أصيب، وهكذا صار لكل واحد ثأر، وموضوع الثأر في البيئة القبلية كان منتشراً، فمنهم من مات له أب، ومنهم من مات له عم، ومنهم من مات له ابن، وهكذا أصبحت القضية مأساوية في داخل كل بيت من بيوت مكة.

ثالثها: أزمة اقتصادية: تعرفون أن مكة تعتمد اعتماداً كلياً على التجارة، تعرف رحلاتها برحلة الصيف ورحلة الشتاء، وإحدى هاتين الرحلتين تكون إلى الشام، هذه الرحلة تمر بالمدينة المنورة، وهي لها من القوة ما يجعلها تسيطر على المداخل والمخارج المؤدية إلى الشام، وهذه القوة بلا شك ستمنع التجارة إلى الشام، وإذا منعت التجارة من الشام سقطت التجارة كلياً في مكة المكرمة، ولا تتأثر تجارة الشام فقط، بل تجارة اليمن كذلك؛ لأنهم كانوا يأتون بتجارة من الشام ويبيعونها في اليمن، ويأتون بتجارة من اليمن ويبيعونها في الشام وهكذا.

فأحدى الرحلتني ستنقطع، وستكون هناك مأساة اقتصادية حقيقية لأهل مكة المكرمة، كما أن مأساة سرية نخلة التي كانت قبل شهر ونصف من غزوة بدر ما زالت مؤثرة في قريش، فقد كانت قافلة ثرية من قوافل قريش استولى عليها المسلمون، أما قافلة أبي سفيان فقد نجت، ولكن سيبقى من الصعب جداً على المشركين أن يتاجروا مع الشام.

إذاً: هذا موقف مكة المكرمة، ولا شك أن أهل الكفر في قريش لن يسكتوا على هذا المصاب الفادح الذي أصابهم في بدر.

أثر غنائم بدر على المؤمنين

الأثر الرابع لغزوة بدر: كان سلبياً لكن على المؤمنين، ونحن نستغرب كيف يكون هناك أثر سلبي على المؤمنين بعد هذا الانتصار الكبير في بدر.

كان هذا الأثر نتيجة الغنائم التي حصلها المسلمون من غزوة بدر، فهناك أخطاء للمؤمنين بصفة عامة، ومنها هذا الخطأ الذي حدث في غزوة بدر، وهو خطأ بين؛ لأن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وأرضاه وصف هذا الأمر فقال: ( فلما جاء أمر الأنفال وساءت فيه أخلاقنا )، فهو يتحدث عن الجيش المنتصر الذي فيه صفات عظيمة كما ذكرنا، إلا أنه في هذه القضية ساءت فيه أخلاقه كما قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه وأرضاه.

ببساطة شديدة بعد أن انتهت الجولة الأولى من بدر، وبدأ ظهور الانتصار الباهر للمسلمين بدأ المشركون في الفرار، وبدءوا يلقون الغنائم وراءهم، فقسم المسلمون أنفسهم ثلاثة أقسام:

قسم منهم حول الرسول عليه الصلاة والسلام لحمايته.

وقسم ثان بدأ يجري وراء الفارين من أرض المعركة، ومعظم هذا القسم من الشباب.

وقسم ثالث بدأ يجمع الغنائم التي كانت موجودة في أرض المعركة.

وبعد انتهاء المعركة اختلف المسلمون على توزيع هذه الغنائم، ولم يكن قد نزل حكم الله سبحانه وتعالى في توزيع الغنائم، وقد كان حكم توزيع أربعة أخماس الغنائم على الجيش لم يشرع بعد.

فقال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها -أي: نحن الذين أخذناها- وليس لأحد فيها نصيب، إذاً: يريدون أن يأخذوا كل الغنائم لهم، وقال الذين خرجوا في طلب العدو: لستم أحق بها منا، نحن نحينا منها العدو وهزمناه، وقال الذين أحاطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: خفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به وبدأ نوع من الخلاف والشقاق بين المسلمين.

معلوم أن الجيش المنصور فيه صفات النصر الكاملة، لكن ليس معنى ذلك: أنه بلا أخطاء، فكلهم بشر: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون).

وهكذا حصل الخلاف، وبدأ كل طرف يريد أن يأخذ من الغنيمة، والغنيمة فتنة من فتن الدنيا، وكان المسلمون في المعركة يطلبون الآخرة فتم لهم النصر، فظهرت لهم الدنيا وهم لم يأخذوا درساً من قبل في فتنة الدنيا، فقد عاشوا ( 13) سنة في مكة تحت القهر والتعذيب والبطش والفقر وحالات الأذى المستمر، هذه فترة مكة، وفي أول هجرتهم إلى المدينة المنورة عاشوا سنتين عسيرتين جداً، ولأول مرة يريون هذه الغنائم، وقد كانوا حينما خرجوا من المدينة المنورة إلى بدر في حالة من الفقر الشديد، حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يرفع يده ويقول: (اللهم إنهم جياع فأطعمهم، اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم)، أما الآن فهناك غنائم ضخمة موجودة على أرض الموقعة في بدر، والناس في فقر شديد، لكن هذا كله ليس مبرراً للخطأ، وإنما هي خلفيات الخطأ.

وهكذا حصل الخلاف والشقاق، ونزل قول الله عز وجل يشرح للمسلمين كيفية تقسيم الغنائم، وقبل أن يشرح كيفية تقسيم الغنائم أعطاهم درساً في منتهى الأهمية، نزلت سورة الأنفال وفي أول السورة: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ [الأنفال:1]، يستنكر رب العالمين سبحانه وتعالى على المسلمين الذين حققوا هذا الانتصار في غزوة بدر أن يهتموا بأمر الدنيا اهتماماً ينشأ بسببه خلاف بينهم، قال: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [الأنفال:1]، ثم بدأ يعرف لهم الإيمان، ويعرض عن الجهاد في سبيل الله والبذل والقتال فيه، وعن الأحداث الضخمة التي حدثت في غزوة بدر، أعرض عن ذلك كله، وقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:2-4].

ثم بدأ يشرح لهم قصة بدر قال تعالى: كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ [الأنفال:5-6] إلى آخر الآيات، والآيات فيها نوع من الشدة واللوم على المسلمين، وكأن الله يقول لهم: كيف تفكرون في أمر الدنيا وقد تحقق لكم هذا الانتصار العظيم بسبب تفكيركم في الآخرة؟ فلا تضيعوا النصر إذاً.

وهكذا نزلت هذه الآيات على المؤمنين برداً وسلاماً، فيجرد سماعهم للآيات عادوا إلى رشدهم جميعاً، واجتمعت القلوب من جديد، وقبلوا أمر الله عز وجل، وهذا فيه فرق كبير بين موقعة بدر وموقعة أحد.

فالمسلمون في بدر لم يخرجوا عن كونهم من البشر يخطئون، لكنهم عندما ذكروا بالله عز وجل تذكروا.

أما في غزوة أحد عندما أخطأ المسلمون نفس الخطأ بسبب الغنائم كذلك وذكروا لم يتذكروا فكانت المصيبة، لكن في غزوة بدر بفضل الله عندما ذكر المسلمون جميعاً قبلوا أمر الله عز وجل، وقسم صلى الله عليه وسلم الغنائم على السواء كما يقول عبادة بن الصامت ، أي: وزع أربع أخماس الغنائم على الجيش بالتساوي، واحتفظ النبي صلى الله عليه وسلم بالخمس للدولة، وكان له صلى الله عليه وسلم حق التصرف فيه. هذا هو تشريع الغنائم الذي يسير إلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة.

الآثار المترتبة على وجود أسرى بدر في أيدي المسلمين

الأثر الخامس لغزوة بدر: أثر الأسرى الذين أسرهم المسلمون في غزوة بدر، تعلمون أن المسلمين أسروا سبعين من المشركين في غزوة بدر، فيا ترى! كيف يتم التصرف فيهم؟ فإن لم يكن بعد تشريعاً وأمراً مباشراً بالوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم في التصرف في الأسرى، فكان من اللازم أن يتصرف بطريقة من طرق التشاور كما اعتاد صلى الله عليه وسلم في حياته مع الصحابة، فجمع الصحابة، وكوَّن مجلساً استشارياً، وبدأ يسألهم: ماذا نعمل في الأسرى؟

فقال أبو بكر المستشار الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضداً).

إذاً: أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه يقدم رأياً يغلب عليه جانب الرحمة يقول: هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، نأخذ فدية، والفدية هي أموال، يأخذونها لحاجتهم الماسة إليها، خاصة وأنهم يؤسسون دولة، وفي نفس الوقت لو عاشوا قد يهديهم الله سبحانه، ولو قتلناهم فإنهم سيموتون على الكفر.

وكان أبو بكر الصديق له اختيارات شديدة الشبه باختيارات الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت طبيعته قريبة جداً من طبيعة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكان دائماً يغلب عليه جانب الرحمة، وكان صلى الله عليه وسلم يصفه ويقول: (أرحم أمتي بأمتي أبو بكر الصديق رضي الله عنه)، هذا كان رأي الصديق رضي الله عنه.

فقال صلى الله عليه وسلم للمستشار الثاني: (ما ترى يا ابن الخطاب ؟! قال: والله ما أرى ما رأى أبو بكر وتمكن علياً من عقيل بن أبي طالب أخيه فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم).

إذاً: كان رأي عمر بن الخطاب حاسماً شديداً، فقد رأى أن يقتل السبعين وليس ذلك فقط؛ بل كل واحد يقتل قريبه، حتى يظهر كل مسلم لله عز وجل أنه ليس في قلبه حب لأي مشرك حتى ولو كان من أقرب أقاربه، هكذا كان رأي عمر ، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول في عمر : (أشد أمتي في أمر الله عمر) رضي الله عنه وأرضاه.

إذاً: هذان اختياران، والاثنان مبنيان على حب كامل لله عز وجل، وحب كامل لأمر الدعوة وأمر الدولة الإسلامية، لكن كل واحد له طريقة، والثنان مختلفان تمام الاختلاف، واحد يقول: نأخذ الفدية، والآخر يقول: نقتل الأسرى.

قال عمر رضي الله عنه: (فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر الصديق) هذه رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول: (فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت، وأخذ منهم الفداء، فلما كان من الغد غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر يبكيان، فقلت: يا رسول الله! أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاءً بكيت وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما، فقال صلى الله عليه وسلم للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء، فقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة، وأشار إلى شجرة قريبة) يعني: كاد العذاب يصيب الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، لأنهم اختاروا أمر الفداء؛ فالأولى في هذا الموقف ما أوحى الله عز وجل به إلى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بأن يثخن في الأرض، أي: بأن يقتل الأسرى؛ لأن هؤلاء كما قال عمر صناديد الكفر وأئمته وقادته في الأرض.

وأنزل الله عز وجل قوله: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا [الأنفال:67] أي: أنتم تريدون الفداء والأموال، وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:67].

ثم قال: لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [الأنفال:68]، هذا العذاب العظيم كان يقصده الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رآه عمر يبكي هو وصاحبه.

فإن قيل: ما هو الكتاب الذي سبق؟ الجواب: الكتاب الذي سبق هو الآيات التي نزلت قبل ذلك في سورة محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل في حق الأسرى: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً [محمد:4]، يعني: أمر الفداء أمر مشروع، وكان الأولى أن يثخن في الأرض كما قال الله عز وجل، لكن أخذ الفداء كان أمراً شرعياً كما ذكر الله عز وجل.

وكان على نفس رأي عمر بن الخطاب رأي سعد بن معاذ رضي الله عنهما، وقد أدلى برأيه في ساعة مبكرة، قال ذلك حين بدأ المسلمون في أسر المشركين في أرض بدر وقبل الاستشارة، وقد نظر الرسول عليه الصلاة والسلام لـسعد بن معاذ فوجده حزيناً، فقال له: (والله لكأنك يا سعد ! تكره ما يصنع القوم) أي: تكره أن يأسر المسلمون المشركين، (قال: أجل والله يا رسول الله! كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك، فكان الإثخان في القتل بأهل الشرك أحب إلي من استبقاء الرجال) هذا كان رأي سعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه.

واستقر المسلمون على أمر الفداء، فإن الله سبحانه وتعالى أنزل هذه الآيات ولم ينكر عليهم هذا الأمر، صحيح أنه قال: إن الأولى قتل الأسرى، لكنه أقر أن يأخذ المسلمون الفداء، وبدأ المسلمون فعلاً بأخذ الفداء، فالذي كان لديه مال يدفع مالاً، والمال يتراوح من (1000) إلى (4000) درهم للرجل حسب الحالة المادية له.

موقف النبي والصحابة من فداء العباس بن عبد المطلب

من أروع الأمثلة التي تذكر في أمر الفداء ما دار بين الرسول عليه الصلاة والسلام وبين عمه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وقد كان أسيراً في يوم بدر.

أنتم تعرفون أن العباس بن عبد المطلب خرج مستكرهاً إلى غزوة بدر، وقاتل مع المشركين فيها وأسر مع من أسر، وكان العباس غنياً، وليس من المستبعد أن يدفع فدية ليفتدي نفسه، فدار هذا الحوار اللطيف بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الحوار ينقل درجة من أعظم درجات الرقي في قيادة الدولة، ليس فيه أي نوع من الوساطة، ولا نوع من المحاباة للأقارب أو الأهل أو العشيرة.

قال العباس لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! قد كنت مسلماً)، يعني: أنا كنت مسلماً ومخفياً إسلامي، فقال صلى الله عليه وسلم: (الله أعلم بإسلامك، فإن يكن كما تقول فإن الله يجزيك، وأما ظاهرك فقد كان علي فافتد نفسك) سبحان الله! يقول له: أنت في الظاهر أنك في أرض الموقعة تحاربنا، وأما باطنك فالله أعلم، وهو الذي يحاسبك عليه، فالذي أنت عليه هذا الوقت أن تدفع الفدية كمشرك، وليس ذلك فقط، بل قال: (فافتد نفسك وابني أخويك نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب وحليفك عتبة بن عمرو) يعني: تدفع فديتك وكذلك فدية ثلاثة معك؛ لأن هؤلاء الثلاثة فقراء وهو غني.

فقال العباس : (ما ذاك عندي يا رسول الله!) أي: ليس لدي هذا الكم من الأموال التي أستطيع بها أن أدفع فدية للأربعة، (فقال صلى الله عليه وسلم: فأين المال الذي دفنته وأم الفضل ، فقلت لها: إن أصبت في سفري هذا فهذا المال الذي دفنته لبني: الفضل وعبد الله وقثم)، قال الرسول عليه الصلاة والسلام ذلك وهو لم يره، لكنه علم ذلك بالوحي، فقد قام العباس قبل أن يخرج إلى بدر بدفن مال كثير في مكة له ولـأم الفضل ، وحكى الرسول صلى الله عليه وسلم له الموقف، فقال العباس : (والله يا رسول الله! إني لأعلم أنك رسول الله! إن هذا الشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل) يعني: اقتنع العباس في هذا الوقت أنه رسول الله وأقسم بذلك، وأخبر رسول الله أنه سيدفع الفدية، لكن قال: (فاحسب لي يا رسول الله! ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي)، أي: كان معي في أرض بدر ( 20 ) أوقية من المال، أخذها المسلمون غنائم فاحسبها من الفدية، فقال صلى الله عليه وسلم: (ذاك شيء أعطانا الله تعالى منك، لا، لن نحسبها من المال)، أي: لن نحسبها من الفدية، فأنزل الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنفال:70].

نزلت هذه الآيات في العباس رضي الله عنه، إن كنت فعلاً كما تقول أنك مسلم فإن الله سيعوضك عما دفعته، وإن كان غير هذا فإنه سبحانه وتعالى سيحاسبك، فقال العباس تعليقاً على هذه الآية بعد ذلك: (فأعطاني الله عز وجل مكان العشرين أوقية في الإسلام عشرين عبداً كلهم في يده مال يضرب به، مع ما أرجو من مغفرة الله عز وجل)؛ لأن الله قال: وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنفال:70].

وهكذا يرينا الرسول عليه الصلاة والسلام كيفية تطبيق القانون على كل الناس، يطبق هذا القانون حتى وإن كان على العباس بن عبد المطلب ، وقد تعجب الصحابة رضوا نالله عليهم من هذا الموقف، وكان الأنصار رضي الله عنه وأرضاهم في قلوبهم رقة عجيبة، لما رأوا هذا الأمر أشفقوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يأخذ الفداء من عمه وعمه يحبه، خاصة أن العباس رضي الله عنه وأرضاه كان واقفاً مع الرسول عليه الصلاة والسلام في بيعة العقبة الثانية، فمعنى هذا: أنه قريب جداً من قلب الرسول صلى الله عليه وسلم وليس هو كـأبي لهب .

وجاء الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وحاولوا أن يعفوا العباس من الفدية بطريقة لطيفة ومؤدبة جداً، فقد كان الأنصار قمة في الأخلاق والإيمان.

قالوا: (يا رسول الله! ائذن لنا فلنترك لابن اختنا العباس فداءه)، كانت جدة العباس من بني النجار من الخزرج فقال الأنصار: يا رسول الله! اعف عن العباس لأجلنا، ولم يقولوا له: اعف عن العباس ؛ لأنه عمك، ومعلوم أن العمومة أقرب بألف مرة من أن تكون جدة العباس من بني النجار، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام رفض رفضاً تاماً وأصر على أخذ الفداء، بل وأخذ أعلى رقم من أرقام الفداء من العباس وهو ( 4000) درهم للرجل.

موقف النبي من سهيل بن عمرو حين أسر في بدر وأثر ذلك في ثباته في أحداث الردة

كذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم موقف جميل مع سهيل بن عمرو ، فقد كان سهيل بن عمرو من قادة قريش، وكان قد أسر في غزوة بدر، وكان معروفاً بحسن الخطابة وحسن البيان يحمس المشركين على القتال ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فلما أخذه المسلمون أسيراً رأى عمر بن الخطاب أن ينزع ثنية سهيل بن عمرو حتى يمنعه من الخطابة: (يا رسول الله! دعني أنزع ثنية سهيل بن عمرو ، فلا يقوم عليك خطيباً في موطن أبداً) لكن الرسول عليه الصلاة والسلام رفض أن يمثل بالرجل أولاً، ثم قال: (إنه عسى) وهذه نبوءة ومعجزة من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: (إنه عسى أن يقوم مقاماً لا تذمه) يعني: قد تجده يقف فيخطب خطبة لا تذمه فيها ولا تلومه، بل تمدحه، وحصل ذلك فعلاً، فإنه لما ارتدت العرب وقف سهيل بن عمرو وخطب في الناس وثبتهم على الإسلام في مكة المكرمة، وقال: يا معشر قريش! لا تكونوا آخر الناس إسلاماً وأولهم ردة، من رابنا ضربنا عنقه. وهكذا ثبت الناس في مكة على




استمع المزيد من د. راغب السرجاني - عنوان الحلقة اسٌتمع
سلسلة السيرة النبوية من الظلمات إلى النور 4055 استماع
سلسلة السيرة النبوية الدعوة سراً 3964 استماع
سلسلة السيرة النبوية هجرة الحبشة الأولى 3932 استماع
سلسلة السيرة النبوية غزوة تبوك 3777 استماع
سلسلة السيرة النبوية مجتمع المدينة 3711 استماع
سلسلة السيرة النبوية اليهود والدولة الإسلامية 3643 استماع
سلسلة السيرة النبوية عام الحزن 3632 استماع
سلسلة السيرة النبوية فتح مكة 3566 استماع
سلسلة السيرة النبوية عالمية الإسلام 3447 استماع
سلسلة السيرة النبوية هجرة الحبشة الثانية 3393 استماع