أرشيف المقالات

شعلة الإيمان

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
شعلة الإيمان

الإنسان ولو تعدَّدت ألوانه، واختلفت أصوله، وتعاقبت أزمنته، فهو واحد، يحب القوي الأمين، ويبغض المعتدي الأثيم، ودين الإسلام قوي بشرائعه الصامدة، أساسه القرآن العظيم القوي بنظمه ومعناه على الدوام، أنزله ملَك أمين من عند رب العالمين على رجل أمين وهو محمد بن عبدالله؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 192 - 195]، قال ابن عاشور: "و(الأمين) صفة جبريل؛ لأن الله أمَّنه على وحيه، والباء في قوله (نزل به) للمصاحبة"؛ التحرير والتنوير-قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾.
 
إن هذا القرآن الكريم هدى وبشرى للذين آمنوا بالرسول الذي جاء به وهو محمد صلى الله عليه وسلم، والإله الذي جاء من عنده، وهو الله الذي لا إله إلا هو الله رب العالمين، وهذا الإيمان يتفاوت عمقه من شخص لآخر، لذلك اشترط في المؤمنين أن يستقر إيمانهم في قلوبهم؛ ليصل نفعه إلى جميع الأعضاء والحواس الظاهرة والباطنة، فيهتدوا به لفعل الخيرات الموجبة للنعم، وترك المنكرات التي لا تليق بمخلوقٍ ولا تصلح للخليقة، وتتحقق فيهم بشارة رضوان الله ونعيمه؛ قال ابن تيمية رحمه الله: "فأصل الإيمان في القلب وهو قول القلب وعمله، وهو إقرار بالتصديق والحب والانقياد، وما كان في القلب فلا بد أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح، وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه، دلَّ على عدمه أو ضَعفه"؛ (ابن تيمية، مجموع فتاوى ابن تيمية، كتاب الإيمان).
 
والأقوال والأعمال الظاهرة استجابة للباعث الداخلي، فكل حركة في الإنسان انطلقت من صميمه، لذلك فكل حركة جيدة جاءت من صميم جيد، وكل حركة مريبة، فهي من صميم مريب، لذلك بيَّن الله تعالى في القرآن حال القلوب مضطربة الإيمان، فقال: ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾  [الحجرات: 14].
 
قال ابن عاشور: "هؤلاء الأعراب لَمَّا جاؤوا مظهرين الإسلام، وكانت قلوبُهم غير مطمئنة لعقائد الإيمان؛ لأنهم حديثو عهدٍ به، كذَّبهم الله في قولهم: آمنا؛ ليعلموا أنهم لم يخفَ باطنُهم على الله، وأنه لا يعتد بالإسلام إلا إذا قارنه الإيمان، فلا يغني أحدهما بدون الآخر، فالإيمان بدون إسلام عناد، والإسلام بدون إيمان نفاق، ويجمعهما طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ (التحرير والتنوير - سورة الحجرات - قوله تعالى: ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ﴾.
 
وطاعة الله ورسوله يشترط أن تكون لله تعالى؛ حتى يتَّقد فتيل الإيمان في صميمه، وتُنير له رحمات الرب فيه وفي الكون، آنذاك ستكون طاعته لله ورسوله حبًّا له وفيه سبحانه وتعالى على نِعمة الإيمان كشعلة أضاءت له ما فيه وما حوله.
 
إن عبور بوابة الإسلام غرضه تحصيل الإيمان الذي هو أساس كل خير في الدارين، الأولى والآخرة، وليس تحصيل عرَضِ الحياة الدنيا فقط الذي هو أساس كل شر في المخلوق وبين الخليقة؛ قال ابن تيمية رحمه الله حول آية: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]، وذلك الذي هو مثقال ذرة من خير، هو مثقال ذرة من إيمان، وهؤلاء المؤمنون الأبرار الأتقياء هم أهل السعادة المطلقة، وهم أهل الجنة الذين وُعِدوا بدخولها بلا عذاب؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية -كتاب الإيمان).

شارك الخبر

المرئيات-١