أرشيف المقالات

حوارٌ مع صديقي المصري - مصطفى يوسف اللداوي

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
قال لي صديقي المصري الذي أعتز بصحبته، ولا أشك في صداقته، ولا أتهمه في حبه لفلسطين وأهلها، وإخلاصه في العمل من أجلها، وبذل أقصى ما يستطيع وبلاده لتحريرها، ومساعدة شعبها، والتخفيف عنهم، ورفع الضيم والحصار المفروض عليهم، وهو في هذا صادقٌ لا يكذب، ومؤمنٌ بما يقول ولا يدعي، ولا يحاول التجمُّل أو الظهور بعكس ما يعتقد ويفكِّر.

يؤمن صديقي يقيناً أن فلسطين بالنسبة إلى مصر وشعبها، أرضاً عربية عزيزة محتلة، يجب استعادتها من العدو الصهيوني، وإعادتها إلى أصحابها ومُلَّاكها الفلسطينيين الأصليين، ولا ينسى أن قبلة المسلمين الأولى، ومسرى رسولها الأكرم، والمسجد الأقصى والقدس الشريف، يئنون تحت الإحتلال، ويعانون من الممارسات الصهيونية، التي تستهدف الهوية العربية والإسلامية لفلسطين كلها، وأن أحداً من العرب أو المسلمين لا يقبل بهذا الواقع، ولا يسكت على هذا الوضع، ولا يرضى به مهما كانت الأسباب، وأنه مهما طال الزمن أو قصر، فإن الأمة العربية والإسلامية معنية بتحريرها، ومسؤولة عن مصيرها، وستُحاسَب عن تقصيرها، وأن عليها أن تبذل المزيد، وألا تكتفي بما قدَّمت وأعطت، فالجهود منوطةٌ بنتائجها لا بقدرها وزمانها.

ويرى صديقي أن فلسطين هي قبلة العرب والمسلمين، وهي محل إجماعهم، وملتقى جهودهم، وأساس وِحدتهم، وأن الأمة كلها منشغلةً بها، وعاملةً لها، وعلى استعداد للتضحية في سبيلها، ولا تدخر جهداً ينفعها، أو يفيد أهلها، بما يبقى على القضية الفلسطينية حاضرةً في كل المحافل، تتصدَّر القضايا، وتتقدَّم الملفات، فإنها فلسطين، القضية المركزية للأمة منذ النكبة وإلى اليوم، كانت ولا تزال، فلا إهمال لها، واختلاف عليها، ولا اعتراض على أولويتها.

لكن صديقي يشعر بألمٍ شديدٍ، وحزنٍ كبير، ويبدي عدم رضاه، وأحياناً يُعبِّر عن غضبه وسخطه، فيرفع صوته، ويستخدم كلماتٍ حادة، وتعبيراتٍ صارخة، تجاه قطاعٍ كبير من الفلسطينيين، وتحديداً أتباع حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وغيرها من القوى الإسلامية التابعة أو الموالية لحركة الإخوان المسلمين في مصر، والتي ترى أن ما حدث في مصر إنما هو انقلابٌ على الشرعية، وأن الجيش في مصر قد انحاز مع فريقٍ ضد آخر، الأمر الذي تسبَّب في عزل الرئيس محمد مرسي، وإيداعه السجن، ومحاكمته بتهمٍ كثيرة، ومنها التخابر مع حركة حماس، التي وُصِفَت بأنها جهات أجنبية.

يُصِرُّ صديقي أن الذي يقوم بالعمليات العسكرية ضد جنود وضباط الجيش المصري في صحراء سيناء، أنهم فلسطينيون من غزة، وأنهم ينتمون إلى حركة حماس، أو يتلقَّون مساعدةً منها، أو يخضعون لتدريباتٍ عسكرية في معسكراتها، وأن الحركة التي تتدخَّل في الشؤون المصرية، هي التي تُسهِّل عملهم، وتُيسِّر انتقالهم، وتُمدَّهم بالمال والسلاح، وأنها تستطلع لهم الطريق، وتُحدِّد لهم الأهداف، وتُطلِقهم في ساعة الصفر لتنفيذها، بينما تقوم بمراقبتهم ومتابعتهم، لتتأكد من إتمام العمليات المقصودة وإنجازها.

ويُصِرُّ صديقي على أن الذين قتلوا الجنود المصريين على الحدود المصرية الفلسطينية قبل سنتين، بينما كانوا على مائدة الإفطار في شهر رمضان المبارك، والذين قتلوا العساكر ذبحاً مؤخراً في صحراء سيناء؛ إنما هم فلسطينيون، وأنهم ينتمون إلى حركة حماس، التي قامت -بزعمه- بعشرات العمليات العسكرية التي وقعت في مصر، في سيناء والقاهرة والسويس وغيرها.

يُصِرُّ صديقي على إتهام حركة حماس بالمسؤولية الكاملة عنها، وأنها وحدها دون غيرها من نفَّذ هذه العمليات البشعة، مؤكداً أنها أيضاً التي اقتحمت السجون، وأطلقت سراح المعتقلين والسجناء، ومكَّنت جميع من كانوا فيها من المصريين وغيرهم من الهروب والفرار، وهي التي تُهرِّب المطلوبين للقضاء المصري عبر الأنفاق إلى غزة.

قد أُجِيبُ صديقي إلى بعض طلباته، وأُصغِي إلى كلامه، وأقتنع بمراده، عندما يقول لي بأننا نرفض أن يتدخَّل أحدٌ في شؤوننا الداخلية، فنحن المصريين أدرى بشؤوننا، وأعلم بأحوالنا، قمنا بثورة شعبية على حكم الإخوان، وأسقطنا مرسي، فهذا شأنٌ مصري محض، ونحن أحرار فيمَن يحكمنا، ولا يحق لأحدٍ أن يفرض علينا من يكون رئيسنا، فكفوا عن تأييد فريقٍ والتعريض بآخر، ولا ترفعوا شعاراً، ولا تُردِّدوا تصريحاً، وكونوا على الحياد، فهذا شأننا وحدنا، نُقرِّر فيه بأنفسنا، ونحن أقدر على مواجهة مشاكلنا، وإيجاد الحلول المناسبة لها.

لكن صديقي يغضب جداً إذا حاولت الدفاع عن حركة حماس، أو سعيت لتبرئة ساحتها من كل هذه الإتهامات، ويرفض أي محاولة مني للرد أو البيان، ولو كان ردي يستند إلى العقل أو المنطق، فإنه يرفض ويستنكر، ويثور مهدِّداً العلاقة الطيبة التي تجمعنا، والتفاهم القديم الذي بنيناه.

وعندما أُجادِله مستفسِراً عن أدلته ومستنداته، وعن الاثباتات التي يملكها؛ فلا يُورِد في معرض الإثبات أو الدفاع إلا أقوال الإعلاميين، وتحليلات الصحفيين، واتهامات السياسيين، وهو يعلم يقيناً أنها ليست أكثر من شعارات، أو اتهاماتٍ كاذبة باطلة، أطلقها بعض الصحفيين والإعلاميين جِزافاً، دون أدلةٍ أو قرينة، ولم يكن لهم من دافعٍ سوى الانتقام من حركة حماس، والإساءة إليها، كونها تنتمي إلى حركة الإخوان المسلمين وتدافع عنها.

نسي صديقي أن الفلسطينيين عموماً وأبناء غزة على وجه الخصوص، ومنهم حركة حماس، التي ارتبطت بعلاقاتٍ جيدة مع النظام المصري في ظل مبارك، ونسَّقت علاقاتها مع جهاز المخابرات العامة لسنواتٍ طويلة، تُدرِك أن مصر هي بوابة قطاع غزة إلى العالم، وأنها راعية الحوار الفلسطيني، وأنها مرجعية العرب والفلسطينيين، وأن أحداً لا يستطيع تجاوزها أو الإساءة إليها، أيَّاً كان النظام الذي يحكم.

فمِصر بالنسبة لنا هي مِصر...
الدولة والنظام، والشعب والوطن، لا يقوى على مسِّ هيبتها وكرامتها وسيادتها وسمعتها وأمنها وسلامتها وحدودها أحدٌ أياً كان، ومن حاول الإساءة إليها فإنه يُجرِم بحق نفسه وشعبه قبل أن يكون مُجرِماً في حق مصر، ومن ارتكب هذه الكبيرة ولو كان فلسطينيناً، فإن الفلسطينيين كلهم منه براء، لا يقبلون بنسبه، ولا يدافعون عن جُرمه، ولا يحمونه ولو لجأ إليهم، وطلب الحماية منهم.

قلت لصديقي حماسٌ أعقل من أن ترتكب هذه الجرائم، وهي أكثر وعياً من أن ترتكب هذه الأخطاء، وأكثر حصافةً من أن تقع في هذه المنزلقات، وتنجرِف وراء مفسدين ومخرِّبين، يعنيهم الإضرار بمصر، والإساءة إلى علاقاتها مع الآخرين، فهي من الحكمة بمكان، ولديها من العقل ما يجعلها تُدرِك يقيناً أن مصر صرحاً عظيماً لا يُمَس، ودولةً كبيرة لا تُهدَّد، وشعباً عزيزاً لا يطاله أحدٌ بسوء، ثم تمنيت على صديقي الذي أُحب، أن تبقى بيننا المودة، وأن تجمعنا القضية، وأن نكون عقلاء حكماء، وألا تُفرِّق بيننا المؤامرات والدسائس.
 

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١