أرشيف المقالات

التجويد

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
التجويد

هو حلية التلاوة وزينة القراءة، وهو إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها مراتبها ورد الحرف إلى مخرجه وأصله وإلحاقه بنظيره وتصحيح لفظه وتلطيف النطق به على حال صيغته وكمال هيئته من غير إسراف ولا تعسف ولا إفراط ولا تكلف.
وإلى ذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "من أحب أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأ قراءة ابن أم عبد" يعني عبد الله ابن مسعود وكان رضي الله عنه قد أعطى حظاً عظيماً في تجويد القرآن وتحقيقه وترتيله كما أنزله الله تعالى.
وناهيك برجل أحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يسمع القرآن منه ولما قرأ أبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيحين.
وروينا بسند صحيح عن أبي عثمان النهدي قال صلى بنا ابن مسعود المغرب بقل هو الله أحد والله لوددت أنه قرأ بسورة البقرة من حسن صوته وترتيله قال الإمام ابن الجزري وهذه سنة الله تبارك وتعالى فيمن يقرأ القرآن مجرداً مصححاً كما أنزل تلتذ الأسماع بتلاوته وتخشع القلوب عند قراءته حتى يكاد أن يسلب العقول ويأخذ بالألباب.
سر من أسرار الله تعالى يودعه من يشاء من خلقه.
 
ثم قال:
ولا أعلم سبباً لبلوغ نهاية الإتقان والتجويد ووصول غاية التصحيح والتسديد مثل رياضة الألسن والتكرار على اللفظ المتلقى من فم المحسن وأنت ترى تجويد حروف الكتابة كيف يبلغ الكتاب بالرياضة وتوقيف الأشياء، ولله در الحافظ أبي عمرو الداني رحمه الله حيث يقول.
ليس بين التجويد وتركه إلا رياضة لمن تدبره بفكه فقد صدق وبصر.
وأوجز في القول وقصر.
فليس التجويد بتمضيغ اللسان ولا بتغيير الفم ولا بتعويج الفك ولا بترعيد الصوت.
ولا بتمطيط الشد ولا بتقطيع المد ولا بتطنين الغنات ولا بحصرمة الراءات.
قراءة تنفر منها الطباع.
وتمجها القلوب والأسماع بل القراءة السهلة العذبة الحلوة اللطيفة التي لا مضغ فيها ولا لوك ولا تعسف ولا تكلف ولا تصنع ولا تنطع ولا تخرج عن طباع العرب وكلام الفصحاء بوجه من وجوه القراءات والأداء.
انتهى.
 
مبادئ فن التجويد
فالتجويد:
تلاوة القرآن الكريم على حسب ما أنزل الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بإخراج كل حرفه من مخرجه وإعطائه صفة من الصفات مكملا من غير تكلف ولا تعسف ولا إفراط ولا تفريط ولا ارتكاب ما يخرجه عن القرآن لقوله صلى الله عليه وسلم اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها و إياكم ولحون أهل الفسق والكبائر فإنه سيجيء أقوام من بعدي يرجعون القرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم.
 
وموضوعه:
كلمات القرآن من حيث لفظ ما ذكر.
قبل والحديث.
 
وثمرته:
صون اللسان عن الخطأ في القرآن.
 
وفضله:
شرفه على غيره من العلوم.
لتعلقه بأشرف الكلام.
ونسبته لغيره من العلوم التباين.
 
ووضعه:
أئمة القراءة.
واستمداده من السنة.
 
ومسائله قضاياه التي يتوصل بها إلى معرفة أحكام جزئياتها.
كقولنا لام أل - يجب إظهارها عند حروف (ابغ حجك وخف عقيمه) وإدغامها في غيرها.
 
وحكمه:
الوجوب العيني على كل قارئ من مسلم ومسلمه لقوله تعالى ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 4] أي أنت على تؤدة وطمأنينة وتدبر ورياضة للسان على القراءة بتفخيم ما يفخم وترقيق ما يرقق ومد ما يمد وقصر ما يقصر وإدغام ما يدغم وإظهار ما يظهر وإخفاء ما يخفى إلى غير ذلك على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
 
وقوله صلى الله عليه وسلم.
اقرءوا القرآن كما علمتموه.
ولإجماع الأمة على وجوبه لنزول القرآن به كما يدل لذلك ما ورد عن مسعود بن يزيد الكندي من أن ابن مسعود كان يقرئ رجلا فقرأ الرجل - إنما الصدقات للفقراء مرسلة أي من غير مد فقال ابن مسعود.
ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال.
كيف اقرأكها يا أبا عبد الرحمن.
 
قال أقرأنيها ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ ﴾ فمد الفقراء والمد مقدر بحركات معلومة عند القراء لا يعرف إلا بالأخذ من أفواههم.
ويدل له أيضاً ما أخرجه البخاري عن مسروق عن عائشة عن فاطمة رضي الله عنها أنها قالت أسر إليَّ النبي صلى الله عليه وسلم إن جبريل عليه السلام كان يعارضني (أي يدارسني) بالقرآن في كل سنة مرة فعارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي.
وذكر كثير من أئمتنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض القرآن على جبريل عليه السلام من أوله إلى آخره بتجويد اللفظ وتصحيح إخراج الحروف من مخارجها ليكون سنة في الأمة فتعرض التلامذة قراءاتهم على الشيوخ وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبد الله بن عمرو قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقال (أي عند دخول الجنة وتوجه العاملين إلى مراتبهم حسب مكاسبهم لصاحب القرآن (أي من يلازمه بالتلاوة والعمل لا من يقرؤه وهو يلعنه): اقرأ وارق (أي إلى درجات أو مراتب القرب) ورتل (قراءتك) كما كنت ترتل (أي في الدنيا) وفيه إشارة إلى أن الجزاء على وفق الأعمال كمية وكيفية) فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها: ذكره علي القارئ في شرح المشكاة والحاصل أن تحرير مخارج الحروف وصفاتها ورسوم الحروف والكلمات وترتيب السور والآيات والقراءات المتواترات توقيفي لأن جبريل عليه السلام أخبر وعلم النبي صلى الله عليه وسلم كل هذه الأحكام في العرضة الأخيرة ليتبقى العرضة على الشيوخ في الأمة اتباعاً له عليه الصلاة والسلام.
 
وليأخذوا القرآن بكمال الأخذ عن أفواه المشايخ المتصلة أسانيدهم إلى الحضرة النبوية وليصل إليهم الفيض الإلهي والأسرار القرآنية والبركات الفرقانية فإنها لا تحصل إلا بتعلمهم القرآن من أفواه المشايخ وليكون كمال الثواب بعرضهم القرآن على المشايخ فإن الله تعالى لا يكتب الثواب لقارئ بغير التعلم.
بل يعذبه فإن الإنسان يعجز عن أداء الحروف بمجرد معرفة مخارجها وصفاتها من المؤلفات ما لم يسمعه من فم الشيخ.
فكيف لا نتعلم القرآن مع كثرة جهلنا وعدم فصاحتنا وبلاغتنا من المشايخ الماهرين في علم التجويد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كمال فصاحته ونهاية بلاغته تعلم القرآن عن جبريل عليه السلام في جميع السنين خصوصاً في السنة الأخيرة التي توفي فيها.
ومع أفضليته على جبريل عليه السلام.
 
وأخرج البخاري عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأُبي إن الله يأمرني أن أقرأ عليك القرآن أي أعلمك القراءة.
قال أبي: آلله سماني لك قال.
الله سماك: فجعل أُبي يبكي.
ويقال: أن الله تعالى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلم أبياً أحكام التجويد من المخارج والصفات وأحكام القراءات المتواترات كما أخذه نبي الله عن جبريل عليه السلام ثم بلغ جهده وسعى سعياً بليغاً في حفظ القرآن وما ينبغي له حتى بلغ من الإمامة في هذا الشأن الغاية العظمى.
قال عليه الصلاة والسلام: أقرؤكم أُبي ثم أخذ على هذا النمط - الآخر عن الأول والخلف عن السلف.
وقال ابن حجر: اعلم أن كل ما أجمع القراء على اعتباره من مخرج ومد وإدغام وإخفاء وإظهار وغيرها - وجب تعلمه وحرم مخالفته.
كذا ذكره علي القارئ والحاصل أن لا بد من التلقي من أفواه المشايخ الضابطين المتقنين ولا يعتد بالأخذ من المصاحف بدون معلم أصلا.
ولا قائل بذلك: ومرتكبه لا حظ له في الدين لتركه الواجب وارتكابه المحرم لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كما هو معلوم ولأن صحة السند عن النبي صلى الله عليه وسلم عن روح القدس عن الله عز وجل بالصفة المتواترة.
أمر ضروري للكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
ليتحقق بذلك دوام ما وعد به تعالى في قوله جل ذكره ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].
 
وحينئذ نأخذ القرآن من المصحف بدون موقف لا يكفي بل لا يجوز ولو كان المصحف مضبوطا.
 
وقال السيوطي.
والأمة كما هم متعبدون بفهم معاني القرآن وأحكامه.
متعبدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من الأئمة القراء المتصلة بالحضرة النبوية.
ا هـ.
 
فقوله على الصفة المتلقاة الخ - صريح في أنه لا يكفي الأخذ من المصاحف بدون تلق من أفواه المشايخ المتقنين.
 
فقد بان لك أن مراعاة تالي كتاب الله تعالى التجويد المعتبر عند أهل القراءة.
 
المصدر: مجلة كنوز الفرقان؛ العددان: (الثامن والتاسع)؛ السنة: (الثانية)

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١