أرشيف المقالات

درس وعظة للداعية والمدعوين

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
من أعظم الدروس والعظات للدعاة والمصلحين قصة يونس عليه السلام...
لما ذهب مغاضباً متمعراً من حرمات الله التي تنتهك وظن في قومه عدم الرجوع والإنابة كان ما كان من توبة قومه بعدما رأوا الآيات ومن تربية الله لنبيه عليه السلام.
فكان الدرس قوياً نافعاً للداعية و للمدعوين.
قال ابن كثير في تفسير سورة الأنبياء: 
{وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ .
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}
[الأنبياء87، 88] .هذه القصة مذكورة هاهنا وفي سورة (الصافات) وفي سورة (ن) وذلك أن يونس بن متى عليه السلام بعثه الله إلى أهل قرية نينوى، وهي قرية من أرض الموصل، فدعاهم إلى الله، فأبوا عليه وتمادوا على كفرهم، فخرج من بين أظهرهم مغاضبا لهم، ووعدهم بالعذاب بعد ثلاث.
فلما تحققوا منه ذلك، وعلموا أن النبي لا يكذب، خرجوا إلى الصحراء بأطفالهم وأنعامهم ومواشيهم، وفرقوا بين الأمهات وأولادها، ثم تضرعوا إلى الله عز وجل، وجأروا إليه، ورغت الإبل وفصلانها، وخارت البقر وأولادها، وثغت الغنم وحملانها، فرفع الله عنهم العذاب، قال الله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ} [يونس:98].وأما يونس عليه السلام فإنه ذهب فركب مع قوم في سفينة فلججت بهم، وخافوا أن يغرقوا.
فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم يتخففون منه ، فوقعت القرعة على يونس، فأبوا أن يلقوه، ثم أعادوا القرعة فوقعت عليه أيضا، فأبوا، ثم أعادوها فوقعت عليه أيضا، قال الله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [ الصافات:141] ، أي: وقعت عليه القرعة، فقام يونس عليه السلام وتجرد من ثيابه ثم ألقى نفسه في البحر، وقد أرسل الله ، سبحانه وتعالى، من البحر الأخضر -فيما قاله ابن مسعود- حوتا يشق البحار، حتى جاء فالتقم يونس حين ألقى نفسه من السفينة، فأوحى الله إلى ذلك الحوت ألا تأكل له لحما، ولا تهشم له عظما؛ فإن يونس ليس لك رزقا، وإنما بطنك له يكون سجنا. وقوله: {وذا النون}  يعني: الحوت، صحت الإضافة إليه بهذه النسبة. وقوله : {إذ ذهب مغاضبا}: قال الضحاك: لقومه ، {فظن أن لن نقدر عليه}  [أي: نضيق عليه في بطن الحوت.
يروى نحو هذا عن ابن عباس، ومجاهد، والضحاك ، وغيرهم، واختاره ابن جرير، واستشهد عليه بقوله تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق:7 ] . وقال عطية العوفي: { فظن أن لن نقدر عليه}، أي: نقضي عليه ، كأنه جعل ذلك بمعنى التقدير، فإن العرب تقول: قدر وقدر بمعنى واحد، وقال الشاعر:
فلا عائد ذاك الزمان الذي مضى *** تباركت ما تقدر يكن ، فلك الأمر
ومنه قوله تعالى: {فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر:12 ]، أي: قدر.وقوله : {فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} قال ابن مسعود: ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل.
وكذا روي عن ابن عباس، وعمرو بن ميمون، وسعيد بن جبير، ومحمد بن كعب، والضحاك، والحسن، وقتادة. وقال سالم بن أبي الجعد: ظلمة حوت في بطن حوت في ظلمة البحر. قال ابن مسعود، وابن عباس وغيرهما: وذلك أنه ذهب به الحوت في البحار يشقها، حتى انتهى به إلى قرار البحر، فسمع يونس تسبيح الحصى في قراره ، فعند ذلك وهنالك قال: {لا إله إلا أنت سبحانك}  وقال عوف: لما صار يونس في بطن الحوت ، ظن أنه قد مات، ثم حرك رجليه فلما تحركت سجد مكانه، ثم نادى: يا رب، اتخذت لك مسجدا في موضع ما اتخذه أحد. وقال سعيد بن أبي الحسن البصري : مكث في بطن الحوت أربعين يوما .
رواهما ابن جبير . وقال محمد بن إسحاق بن يسار ، عمن حدثه ، عن عبد الله بن رافع - مولى أم سلمة - سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت ، أوحى الله إلى الحوت أن خذه ، ولا تخدش لحما ولا تكسر عظما ، فلما انتهى به إلى أسفل البحر ، سمع يونس حسا ، فقال في نفسه : ما هذا؟ فأوحى الله إليه ، وهو في بطن الحوت : إن هذا تسبيح دواب البحر .
قال : فسبح وهو في بطن الحوت ، فسمع الملائكة تسبيحه فقالوا : يا ربنا ، إنا نسمع صوتا ضعيفا [ بأرض غريبة ] قال : ذلك عبدي يونس ، عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر .
قالوا : العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح؟ .
قال : نعم " .
قال : " فشفعوا له عند ذلك ، فأمر الحوت فقذفه في الساحل ، كما قال الله عز وجل : ( وهو سقيم ) [ الصافات : 145 ]» . ورواه ابن جرير ، ورواه البزار في مسنده ، من طريق محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن رافع ، عن أبي هريرة ، فذكره بنحوه ، ثم قال : لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد ، وروى ابن عبد الحق من حديث شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة ،  عن علي مرفوعا : لا ينبغي لعبد أن يقول : « أنا خير من يونس بن متى»  ; سبح لله في الظلمات . وقد روي هذا الحديث بدون هذه الزيادة ، من حديث ابن عباس ، وابن مسعود ، وعبد الله بن جعفر ، وسيأتي أسانيدها في سورة " ن " . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبد الله أحمد بن عبد الرحمن ابن أخي ابن وهب ، حدثنا عمي : حدثني أبو صخر : أن يزيد الرقاشي حدثه قال : سمعت أنس بن مالك - ولا أعلم إلا أن أنسا يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - أن يونس النبي ، عليه السلام ، حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات وهو في بطن الحوت ، قال : " اللهم ، لا إله إلا أنت ، سبحانك ، إني كنت من الظالمين " .
فأقبلت هذه الدعوة تحف بالعرش ، فقالت الملائكة : يا رب ، صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة؟ فقال : أما تعرفون ذاك ؟ قالوا : لا يا رب ، ومن هو؟ قال : عبدي يونس .
قالوا : عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ، ودعوة مجابة؟ .
[ قال : نعم ] .
قالوا : يا رب ، أولا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيه من البلاء؟ قال : بلى .
فأمر الحوت فطرحه في العراء . وقوله: { فاستجبنا له ونجيناه من الغم}  أي: أخرجناه من بطن الحوت ، وتلك الظلمات ، {وكذلك ننجي المؤمنين}  أي : إذا كانوا في الشدائد ودعونا منيبين إلينا ، ولا سيما إذا دعوا بهذا الدعاء في حال البلاء ، فقد جاء الترغيب في الدعاء بها عن سيد الأنبياء .أ هـ من [ تفسير ابن كثير]
 


شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣