من مظاهر السماحة في الإسلام .. السلام
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
ومن مظاهر السماحة في الإسلام(السلام)
لقد بعث الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بدين عظيم، في قمة أغراضه وأهدافه: السلام والمسالمة؛ ليعيش الناس آمنين على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم؛ ولهذا شرع السلام للمؤمنين في تحية اللقاء، وفي تحية الانصراف من الصلاة، ليكون شعارًا لهم في غدوهم ورَواحهم، وفي مجتمعهم في مساجدهم ونواديهم، وفي ردهم على من يجهل عليهم؛ قال - تعالى -: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [الفرقان: 63]، وحيث كان السلام شعار الإسلام، فالمراد منه معناه حقيقة، وهو السلامة والأمان، ومن دواعيها أن تتجاوز عن مساءة أخيك، وتحسن تأويل ما اشتبه عليك من أمره، وتعينه في سرائه وضرائه، وتحنو عليه وتدفع الظلم عنه، ويكون أمرك معه، وألا تؤذيه بقول أو فعل؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده))[1].
ومن حق المسلم على أخيه ألا يهجره فوق ثلاث ليال، حتى لا تُظلم القلوب بالجفوة، وتتغير بالهجر؛ لتظل المودة والأُلفة بينهما؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيانِ فيُعرِض هذا ويعرض هذا، وخيرُهما الذي يبدأ بالسلام))[2].
ومن حقِّه عليه أن يقيل عثرته؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من أقال عثرة أخيه أقاله اللهُ يوم القيامة))[3].
وقد جاء في معنى قوله - تعالى -: ﴿ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29]: يدعو صالحهم لطالحهم، وطالحهم لصالحهم، فإذا نظر الطالح إلى الصالح من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - قال: اللهم باركْ له فيما قسمت له من الخير، وثبِّته عليه، وانفعنا به، وإذا نظر الصالحُ إلى الطالح قال: "اللهم اهدِه، وتُبْ عليه، واغفِرْ له عثرته، وما عفا رجلٌ من مظلمة إلا زاده الله عزًّا"[4].
ومن حقِّه عليه ألا يسمع لواشٍ عنه سماعَ تسليم؛ فإن أولئك الوشاة - غالبًا - مفترون كاذبون، يريدون أن يفرقوا بين الأحبة، وفي الحديث: ((لا يدخل الجنة قتَّات))؛ أي: نمَّام[5]؛ ولهذا أمر الله المؤمنين بالتثبت من أخبار الوشاة قبل اتخاذ القرار ضد مَن تحدَّث الوشاة عنهم، وذلك بقوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6]، إلى غير ذلك من حقوق السلام والمسالمة بين المسلمين.
• وكذلك يدعونا ربنا - عز وجل - للسلام مع الغير بقوله: ﴿ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الأنفال: 61].
كما لا تقتصر المسالمة على المسلمين وحدهم، بل تشمل غيرهم[6] كما سنبين إن شاء الله.
هذا ولا يوجد دين فوق سطح الأرض التي نعيش عليها اتسع نطاقُه وكثُر أتباعه - بسرعة تفوق الخيالَ - سوى دين الإسلام، ولا غرابة في أن تُقبِل البلاد المفتوحة على الإسلام؛ فإنه دينُ السلام الذي تبحث عنه الإنسانيةُ، فلا تجده قد بدده المتجبرون والمسيطرون أصحاب الأطماع العريضة.
إن السلام هو الشعار الأول للإسلام؛ ولذا أوجب الله على المؤمنين مسالمة الناس جميعًا؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ﴾ [البقرة: 208].
وتمثل ذلك السلام في أصول الإسلام؛ فأولها في العقيدة إذ: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾ [البقرة: 256].
وكذلك السلام في المعاملة التجارية، وفي الأنفس والأعراض، وفي القضاء، وفي الجوار[7]، وتفصيل ذلك بعدُ إن شاء الله.
[1] رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، ج1 ص (11).
[2] رواه البخاري، كتاب الاستئذان، باب السلام للمعرفة وغير المعرفة، ج 4 ص (87)، ومسلم كتاب الأدب، باب: ما ينهى عن التحاسد والتدابر ج 4 ص (60).
[3] رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب في فضل الإقالة، ج 3 ص (274) بنحوه وسكت عنه، وأحمد ج2 ص (252).
[4] "عطاء الرحمن من شريعة القرآن" ص 105، بتصرف.
[5] رواه البخاري، كتاب الأدب، باب ما يكره من النميمة، ج 4 ص 59، ومسلم كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم النميمة.
[6] عطاء الرحمن من شريعة القرآن (ص104 - ص 107) بتصرف.
[7] عطاء الرحمن من شريعة القرآن (ص240 - ص 205) بتصرف.