سلسلة شرح كتاب الفوائد [13]


الحلقة مفرغة

أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن خير الكلام كلام الله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا [الزمر:23]، وقد ذكر فيه الكثير من القصص التي تحمل العظات والعبر، وتنطوي على الدروس التربوية والدعوية، وهي قصص صادقة وردت بأبلغ عبارة وأحسن كلام، ومن أعظمها قصة سيدنا يوسف عليه السلام، وقد أفرد الله تعالى لها سورة كاملة في كتابه الكريم، وقال في مقدمة هذه السورة: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ [يوسف:3].

ونقف في هذا اليوم مع ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد وهو يتحدث عن هذه العظمة فيقول رحمه الله تعالى: [ لو أن شخصاً أقسم بالطلاق أن يحكي لشخص أحسن قصة ولم يحك له قصة يوسف عليه الصلاة والسلام فإن امرأته تكون طالقاً؛ لأن الله يقول: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [يوسف:3] ]، فعندما يحكي الرجل قصة ويقول: هذه أحسن قصة ويقسم بالطلاق، فإن الطلاق يكون واقعاً.

وأحسن القصص عند الله القرآن الكريم، فلو أن شخصاً حكى لك حكاية وقال: أقسم بالله العظيم سأحكي لك حكاية لم تسمع أعظم منها، ويحكي حكاية من غير القرآن ومن غير قصة سيدنا يوسف، فلابد أن يكفر عن يمينه، وإن حلف بالطلاق فتكون امرأته طالقاً.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وأشرف الحديث ذكر الله، وخير القصص القرآن، وخير الأمور عواقبها ].

ولذلك يقال: والعاقبة عندكم في المسرات.

قال: [ وشر الأمور محدثاتها، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى ].

أي: الذي يقل ويكفيك أحسن من الذي يكثر ويطغيك، وقليل تشكره خير من كثير لا تطيقه، فأنت تأخذ قليلاً من القمح وتستطيع أن تأخذه، أما إذا أخذت كمية كبيرة وتريد أن تحمله فإنك لا تستطيع أن تحمله، إذاً: ما قل وكفى خير مما كثر وألهى.

قال: [ ونفس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها ].

أي: عندما تنجي نفسك خير من أن تأخذ كرسي الوزارة.

قال: [ وشر المعذرة حين يحضر الموت ].

أي: أسوأ الاعتذارات عندما يأتي الموت، فلا ينفع هذا الاعتذار.

قال: [ وشر الضلالة الضلالة بعد الهدى ].

ولذلك لابد أن تدعو الله وتقول: اللهم إني أعوذ بك من السلب بعد العطاء؛ لأن الله عندما يعطي شخصاً شيئاً ثم يسلبه منه فهذه مصيبة، وليس لها عوض، اللهم ثبت تقوانا وإيماننا يا رب العباد.

قال: [ وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، وخير ما ألقي في القلب اليقين، والريب من الكفر ] فالريب -أي: الشك- درجة من درجات الكفر والعياذ بالله.

قال: [ وشر العمى عمى القلوب ] وقال تعالى: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46].

قال: [ والخمر جماع الإثم ] أي: أم الكبائر.

قال: [ والنساء حبائل الشيطان ].

قال الله في السارق: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38]، وقال في الزنا: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي [النور:2]، ففي السارق بدأ بالرجل أولاً؛ لأنه في الغالب هو الذي يسرق، وفي الزنا بدأ بالمرأة؛ لأنها هي التي تفتن في الغالب.

قال: [ والشباب شعبة من الجنون، والنوح من عمل الجاهلية ].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ناحت على ميت ولم تتب كأنما أخذت حربة تحارب بها رب العباد، أو كمن هدمت الكعبة بيديها، ومن ناحت على ميت ولم تتب بعثت يوم القيامة ناشرة شعر رأسها، عليها سرابيل من قطران، تأخذها الملائكة إلى النار، ويتولون لها: ادخلي النار ونوحي على أهلها كما تنوحين في الدنيا)، فهل هناك أسوأ من هذه الجنازة، وهل هناك أسوأ من هذه المندبة؟!

وعندما يموت الميت تحضر الملائكة مباشرة وتؤمن على أي قول يقال، فإن قيل: اللهم صبرني، تقول: اللهم صبره يا رب! وإن قيل: اللهم أنزل علي السكينة، تقول: اللهم أنزل عليه السكينة فتنزل، وإن قيل: وامصيبتاه! تقول الملائكة: مصيبة دائمة إن شاء الله، وإن قيل: يا ذا الحزن! تقول: حزن دائم إن شاء الله، وإن قيل: أين نذهب؟ ليس لنا أحد، تقول: اللهم لا تجعل له أحداً يا رب العباد، وهكذا تؤمن الملائكة على الدعاء.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حضرتم الميت فلا تقولوا إلا خيراً؛ فإن الملائكة تؤمن على دعائكم).

فالمصيبة أن هذا الكلام يسمع فإذا حصل الموت فإنهم يقولون هذا الكلام، ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مروا على امرأة جالسة بجانب القبر تبكي وتنتحب، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اصبري يا أمة الله ولك الجنة، قالت له: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي، فقيل لها: أتدرين من هذا؟ قالت: لا، قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجرت وراءه، وقالت: أصبر يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما الصبر عند الصدمة الأولى).

قال: [ ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلا دبراً، ولا يذكر الله إلا هجراً ].

دبراً: أي: متأخراً، ومعلوم أن الإمام إذا صعد على المنبر انتهى الموضوع بالنسبة للمتأخر وضاع ثواب الجمعة، لكن الصحابة كانوا يجعلون يوم الجمعة عيداً، فقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر ويمكث في المسجد حتى الضحى، ثم يخرج فيغتسل، وينظر ماذا يريد أهل بيته، ثم يعود إلى المسجد؛ ففي يوم الجمعة يجمع المسلمون في بيت الله.

قال: [ ومن أعظم الخطايا اللسان الكذاب، ومن يعف يعف الله عنه، ومن يكظم الغيظ يأجره الله، ومن يغفر يُغفر له، ومن يصبر على الرزية يعوضه الله ].

يعني: يبدله خيراً.

قال: [ وشر المكاسب كسب الربا، وشر المأكل مال اليتم، وإنما يكفي أحدكم ما قنعت به نفسه، وإنما يصير إلى أربعة أذرع ].

أربعة أذرع يعني: ثلاثة متر، والمقصود: القبر، فكل الأتعاب والراحة في الدنيا تنتهي، ولا يأخذ أحد في القبر أكثر من ثلاثة أمتار: متران طولاً ومتر عرضاً، ففي هذه المنطقة المظلمة يضعون الميت ويقفلون عائدين، فهم مسافرون يبكون على مسافر قد وصل.

وقد قيل لبعضهم: لم خلق الله الذباب؟ قال له: ليذل به المتكبرين.

آداب حامل القرآن

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون ].

فالذي يحفظ القرآن هل ينام؟! سئل الإمام أبو حنيفة : في كم تختم القرآن؟ فتبسم وقال: في الصلاة أم في غير الصلاة؟ قالوا: في الصلاة، قال: في صلاة الليل أم في صلاة النهار؟!

قال: [ أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون ].

ولماذا يفرح؟ أليس قارئ القرآن يعرف ما حل بقوم نوح وقوم لوط وعاد وثمود وغيرهم؟ ويعرف ماذا يحدث للناس في النار ودركات جهنم وما فيها من العذاب؟

قال: [ وببكائه إذا الناس يضحكون ].

أي: دائماً تجد على عينيه آثار الدموع من أثر الخشية.

قال: [ وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكياً محزوناً حكيماً حليماً سكيناً، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافياً، ولا غافلاً ولا صخاباً ولا صياحاً، ولا حديداً ].

يعني: لا يكون كثير الصياح ولا يكون قاسياً في المعاملة وإنما يكون ليناً.

التواضع وأثره وتأثير الملك والشيطان في سلوك الناس

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ من تطاول تعظماً حطه الله، ومن تواضع تخشعاً رفعه الله ].

فـقارون تعالى على قومه وقال: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص:78]، فقال الله: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ [القصص:81].

قال: [ وإن للملك لمة، وللشيطان لمة ]، يعني: الملك له معك جولة، والشيطان كذلك له جولة.

قال: [ فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق، فإذا رأيتم ذلك فاحمدوا الله ].

يعني: عندما تلقى الطمأنينة في نفسك، وحضورك لمجلس العلم، وتريد أن تفتح المصحف لا تغلقه، وتريد أن تصلي باستمرار، وتريد أن تعمل خيراً وتريد أن تصل الرحم، فكل هذه ساعة لمة الملك.

قال: [ ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق، فإذا رأيتم ذلك فتعوذوا بالله.

إن الناس قد أحسنوا القول، فمن وافق قوله فعله فذاك الذي أصاب حظه، ومن خالف قوله فعله فذاك إنما يوبخ نفسه.

لا ألفين -يعني: لا أجدن- أحدكم جيفة ليل قطرب نهار ].

يعني: نائماً مثل الجيفة المنتنة، والقطرب: ذكر النحل، يعني: في النهار مثل النحلة ذاهباً للعمل وآتياً منه، لكن يأتي في الليل فيقوم بين يدي الله سبحانه ولا ينام، قال تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [السجدة:16]، وقال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ [المزمل:20] وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أغلب أوقاته صلاة، فجربوا ركعتين في جوف الليل والناس نائمون ولا أريد إيحاءات ولا كلمات تشير إلى أن بعضاً منكم يقوم الليل؛ لأن هذا سر بين العبد وربه.

وكل واحد منا له باب يدخل به على الله، فمنا من بابه في الصيام مثلاً، والآخر بابه كثرة قراءة القرآن، والآخر بابه الصدقات، وذاك بابه صلة الرحم، وهذا بابه حضور مجالس العلم، وهذا بابه المذلة لله، وهذا بابه كثرة الذكر، وهذا بابه قيام الليل، وهذا بابه العطف على الأرملة واليتامى، فكل واحد له باب.

قال: [ من لم تأمره الصلاة بالمعروف وتنهه عن المنكر لم يزدد بها من الله إلا بعداً ].

إن الصلاة قد تقرب صاحبها إلى الله وقد تبعده من الله، والصلاة التي تقرب إلى الله هي التي تخلو من الكذب والغيبة والنميمة وقلة اليقين، فالصلاة عبارة عن يقين بالله عز وجل بأن أكون بما في يد الله أكثر ثقة مني بما في يدي، إذاً: يكون عند العبد توكل على الله وصدق ويقين، ويعرف أن الله سبحانه وتعالى سوف يرزقه في الوقت الذي يريد وفي المكان الذي يريد.

قال: [ ومن أنزل همه بالله زال، ومن أنزل همه بالناس زاد ].

أي: من أنزل همه بالله زال باللام، ومن أنزل همه بالناس زاد بالدال.

قال: [ من اليقين ألا ترضي الناس بسخط الله ].

أي: لا ترض الناس وتغضب الله، والذي يعد فرحاً لابنه في الفندق فإنه يغضب الله سبحانه.

قال: [ ولا تحمد أحداً على رزق الله ] أي: عندما يرزقك الله لا تفكر أن هذا شخص أتى به إليك.

قال شقيق البلخي لحاكم أسوان: أين كنت؟ قال: كنت عند عالم في الشام يقول كلاماً جيداً، قال: أخبرني ماذا قال؟ قال: لو كانت السماء من فضة والأرض من حديد، لا السماء تمطر قطرة من مطر ولا الأرض تنبت نبتة من زرع، وفيما بين المشرق والمغرب عيال ما حملت هم رزقهم، لعلمي أن الله سوف يرزقهم، فماذا قال له شقيق : لا تجلس معه مرة أخرى إن هذا عالم سوء، قال له: كيف ذلك؟ قال له: كيف يجري ذكر الرزق على لسانه أولم يقرأ: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ [الذاريات:22]، يعني: مسألة ذكر الرزق ليست جيدة، لأنها قاعدة أننا مادمنا موجودين فرزقنا جار، فهو قانون بديهي مثل ألف وباء، ولو فر ابن آدم من الرزق كما يفر من الموت لأدركه الرزق كما يدركه الموت، ولو ركب ابن آدم الريح ليلحق برزقه لركب الرزق البرق فسبقه ثم دخل في فمه، ولو رجا الإنسان الجنة كما يرجو الغنى لفاز بهما جميعاً، ولو خاف من النار مخافته من الفقر لنجا منهما جميعاً، ولو خاف من الخالق كما يخاف من المخلوق لسعد في الدنيا والآخرة.

ولا يعرف المؤمن إلا بالعقيدة، فما حالة المسلمين في هذا الزمان إلا لأن العقيدة ضعيفة، فتسمع الشخص يقول: نخاف من الناس ومن كلامهم فإنهم يستهزئون منا.

إن الذي يريد أن يستهزئ فليستهزئ، فإن هذا كله بثوابه إن شاء الله طالما أنك ترضي الله عز وجل، اللهم اجعلنا من الذين يحاولون أن يرضوك يا رب العباد وترضى عنهم يا أكرم الأكرمين!

قال: [ ولا تلم أحداً على ما لم يؤتك الله ].

لو أنه جيء لك ببعثة، فإذا بالمدير الذي أنت تتبعه كان سبباً في أنك لم تسافر، فهل تقول: هو الذي لم يجعلني أسافر، أو أن الله هو الذي لم يأذن؟ فإذا أخذت في نفسك عليه؛ فإن ذلك لضعف يقينك، ولو كان عندك قوة يقين لرضيت بأن قدر الله يجري مجراه، كذلك لو أن صبياً يريد أن يقطع الشارع فصدمته سيارة، وانكسرت رجله، وإذا لم تصدمه السيارة، هل كانت رجله ستنكسر؟ نعم كانت ستنكسر بإرادة الله وفي نفس الوقت.

كذلك لو أن الولد مات في حادث سيارة لو أن السيارة لم تصدمه هل كان سيموت أم لا؟ نعم، كان سيموت بقدر الله.

وعلى سبيل المثال: لو أن هناك رجلاً جالساً في المطار ومنتظراً ميعاد الطائرة، وهو رجل أعمال، وأخرج الشنطة ليتفقد بعض الأشياء، فاندمج في حساباته وإذا بالطائرة تطير فغضب وحزن؛ لأنه كان عنده اجتماع في روما أو في أي مكان، فمكث قليلاً مشغولاً، حتى دخل المطار وجلس بداخله وأكمل إجراءاته والطائرة فاتته، وقدر الله لهذه الطائرة أن سقطت عندما فارقت المطار بقليل ومات من فيها، وذلك الرجل مازال جالساً، فأتى شخص آخر يهزه فإذا به وجده قد مات، فقد قدر أن يموت معهم في نفس الوقت ولكن ليس في الطائرة، فعندما يأخذونه وهو ميت يقولون: الحمد لله أننا وجدنا جثته، اللهم الطف بنا فيما جرت به المقادير.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإن رزق الله لا يسوقه حرص حريص ولا يرده كراهة كاره ] عندما يريد شخص أن يجلب لك مصلحة أو مناقصة، وأنت تكره ذلك ولا تريده، فوالله لو كان ذلك من نصيبك فإن الدنيا كلها لو وقفت ضدك لا تستطيع أبداً أن تمنع شيئاً قد كتبه الله لك.

قال: [ وإن الله بقسطه ] يعني: بعدله، وحلمه.

[جعل الروح والفرح في اليقين والرضا ].

والروح: الراحة.

[ وجعل الهم والحزن في الشك والسخط ].

قال: [ ما دمت في صلاة فأنت تقرع باب الملك، ومن يقرع باب الملك يفتح له ].

قال: [ إني لأحسب الرجل ينسى العلم كان يعلمه بالخطيئة يعملها ]؛ لأن الذنوب تنسي العلم وتضيع النعم.

قال: [ كونوا ينابيع العلم مصابيح الهدى أحلاس البيوت سرج الليل جدد القلوب ] يعني: قلوبكم جديدة بالإيمان باستمرار.

قال: [ خلقان الثياب، تعرفون في السماء وتخفون على أهل الأرض.

إن للقلوب شهوة وإدباراً فاغتنموها عند شهوتها وإقبالها ودعوها عند فترتها وإدبارها ].

عندما تلقى قلبك مقبلاً على الطاعة فأكثر من الطاعات، وعندما تلقى القلوب كلت وملت وتعبت ولا تريد فاتركها.

قال: [ إنكم ترون الكافر من أصح الناس جسماً وأمرضه قلباً، وتلقون المؤمن من أصح الناس قلباً وأمرضه جسماً، وأيم الله -يعني: والله- لو مرضت قلوبكم وصحت أجسامكم لكنتم أهون على الله من الجعلان ] والجعلان: جمع جعل، أي: دويبة.

حقيقة الإيمان

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يحل بذروته ولا يحل بذروته -يعني: أعلى شيء في الإيمان- حتى يكون الفقر أحب إليه من الغنى، والتواضع أحب إليه من الشرف، وحتى يكون حامده وذامه عنده سواء ] يعني: الذي يشكرك والذي يشتمك يستويان عندك، إذاً: أنت بلغت ذروة الإيمان، ونحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه، إن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها وكراهية من أساء إليها.

قال ابن مسعود : لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلباً.

قال عطاء بن أبي رباح : انظر إلى المرآة كل يوم وأخشى أن يسود وجهي من ذنوبي.

وقد عاش عطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب خمسين سنة من البيت إلى المسجد، ولم يريا قفا مصلٍ طوال خمسين سنة.

قال: [ وما منكم إلا ضيف وماله عارية -عارية يعني: أمانة- والضيف مرتحل والعارية مؤداة إلى أهلها، يكون في آخر الزمان أقوام أفضل أعمالهم التلاوم ].

أي: أحسن شيء عندهم أنهم يلوم بعضهم بعضاً.

وقد سماهم ابن مسعود الأنتان.

قال: [ إذا أحب الرجل أن ينصف من نفسه، فليؤت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ].

أي: أريد أن آخذ من معاملة الناس لي المعاملة التي أحب أن يعاملوني بها.

قال: [ من استطاع منكم أن يجعل كنزه في السماء حيث لا يأكله السوس ولا يناله السراق فليفعل، فإن قلب الرجل مع كنزه ].

قال: [ لا يكن أحدكم إمعة، قيل: وما الإمعة؟ قال: يقول: أنا مع الناس إذا اهتدوا اهتديت وإن ضلوا ضللت، ألا ليوطنن أحدكم نفسه على أنه إن كفر الناس لا يكفر. اعبد الله لا تشرك به شيئاً وزل مع القرآن حيث زال، ومن جاءك بالحق فاقبل منه وإن كان بعيداً بغيضاً، ومن جاءك بالباطل فاردد عليه وإن كان حبيباً قريباً ].

يعني: لو جاءني الحق من عدو أقبله، والباطل إن جاءني من حبيبي أرده؛ لأنه لا داعي له ... انتهى كلام ابن مسعود رضي الله عنه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون ].

فالذي يحفظ القرآن هل ينام؟! سئل الإمام أبو حنيفة : في كم تختم القرآن؟ فتبسم وقال: في الصلاة أم في غير الصلاة؟ قالوا: في الصلاة، قال: في صلاة الليل أم في صلاة النهار؟!

قال: [ أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون ].

ولماذا يفرح؟ أليس قارئ القرآن يعرف ما حل بقوم نوح وقوم لوط وعاد وثمود وغيرهم؟ ويعرف ماذا يحدث للناس في النار ودركات جهنم وما فيها من العذاب؟

قال: [ وببكائه إذا الناس يضحكون ].

أي: دائماً تجد على عينيه آثار الدموع من أثر الخشية.

قال: [ وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكياً محزوناً حكيماً حليماً سكيناً، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافياً، ولا غافلاً ولا صخاباً ولا صياحاً، ولا حديداً ].

يعني: لا يكون كثير الصياح ولا يكون قاسياً في المعاملة وإنما يكون ليناً.


استمع المزيد من د. عمر عبد الكافي - عنوان الحلقة اسٌتمع
سلسلة شرح كتاب الفوائد [7] 2692 استماع
سلسلة شرح كتاب الفوائد [3] 2204 استماع
سلسلة شرح كتاب الفوائد [14] 2111 استماع
سلسلة شرح كتاب الفوائد [9] 1971 استماع
سلسلة شرح كتاب الفوائد [10] 1902 استماع
سلسلة شرح كتاب الفوائد [5] 1870 استماع
سلسلة شرح كتاب الفوائد [8] 1853 استماع
سلسلة شرح كتاب الفوائد [2] 1736 استماع
سلسلة شرح كتاب الفوائد [12] 1661 استماع
سلسلة شرح كتاب الفوائد [4] 1505 استماع