خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/943"> د. عمر عبد الكافي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/943?sub=34779"> سلسلة شرح كتاب الفوائد
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
سلسلة شرح كتاب الفوائد [12]
الحلقة مفرغة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ إذا كنت تريد أن تعرف قيمتك عند مولاك، فانظر فيما أقامك ].
يعني: الإنسان إذا أراد أن يعرف مكانته عند رئيسه أو مسئوله أو مديره أو صاحب العمل الذي يعمل معه، ويرى هل يضعه في أخطر القضايا وأعظمها؟ أو يضعه في القضايا البسيطة العادية التي يقدر عليها كل أحد؟ ومثل ذلك مثل رجل عنده ولدان، ولد محب للعلم والمعرفة، وولد لا يحب العلم والمعرفة، فالولد المحب للعلم والمعرفة يتوسم أبوه فيه النبوغ والصلاح وحبه للثقافة، فإذا كان هناك ندوات أو مؤتمرات أو مناقشات علمية، فإنه يدعو ولده المحب للمعرفة للاستماع إليها، بينما ابنه الآخر يدعوه إذا كان هناك مبارات كرة قدم أو رياضة معينة، فكل واحد من الأبناء ينظر إلى الدعوة التي دعاها أبوه فيعرف قيمته عند والده.
ولله المثل الأعلى، فإذا كنت تعرف مقامك عند مولاك فانظر فيما أقامك، هل أقامك في طاعة الله عز وجل، في مجالس العلم، أو في تفريج كربات المسلمين؟ أم أقامك بعيداً عن هذا الخط؟
فلينظر الإنسان أين أقامه مولاه عز وجل، فكلما أقمت في مكان طيب وفي مكانة طيبة وفي منزلة طيبة، فمنزلتك عند الله طيبة، كما قيل للحسن رضي الله عنه: يا بصري! كم أنا عند الله؟ فأجابه الحسن : كم الله عندك؟
أي: إذا كان ربك عندك كل شيء فأنت عند ربك كل شيء، وإن كان الله آخر شيء، فأنت عند الله -والعياذ بالله- آخر شيء.
والمسلم الذي لا يخشع في صلاته، مثله كمثل الشاعر الذي يجلس تحت شجرة لكي يكتب قصيدة ما أو يؤلف مقطوعة ما، أو عالم يبحث قضية مهمة، وعلى هذه الشجرة عصافير تزقزق وتغرد، فتشوش على تفكير هذا الإنسان الذي هو جالس تحت الشجرة، فكلما يصل لحل قضية أو إلى نتيجة معينة، أو يصل إلى البحر والروي الذي يؤلفه، فيجد العصافير تشغله بأصواتها، فيعود يؤلف من جديد، فإذا أراد أن يتخلص من العصافير الواقفة فوق الشجرة فليقطع الشجرة.
قال أهل العلم: الشجرة شجرة الهوى، والعصافير عصافير الشهوات، فعندما تستنبت شجرة الهوى في قلب العبد، وعصافير الشهوات تعشعش في قلبه، فإن صلاته مشوشة، وعبادته مشوشة، وقيام الليل مشوش، والعمل كله مشوش، فإذا أراد أن تخلص نيته لله، فليقطع شجرة الهوى من قلبه لتطير عصافير الشهوات من فوق فروعها وأغصانها.
فالمسلم دائماً يخلص العلائق أو الحواجز أو القناطر التي بينه وبين الله لكي يكون مع الله تعالى فيكون الله معه.
اللهم اكشف عنا الحجب التي بيننا وبينك يا أكرم الأكرمين!
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ من كلام عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ].
كانت أعظم صفة يوصف بها أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول فيه: (من أراد أن يسمع القرآن غضاً كما أنزله جبريل، فليسمعه من
وكما قلنا سابقاً أن العشرة المبشرين بالجنة الذين ذكروا في الحديث هم: (أرحم أمتي بأمتي
فهؤلاء هم العشرة المبشرون بالجنة، ولكن ليس معنى ذلك أنهم فقط هم الذين بشروا بالجنة؛ فالجنة اشتاقت إلى عمار بن ياسر ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة)، فهذا تبشير بالجنة.
وكذلك عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـبلال بن رباح : (يا
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبعون ألفاً من أمتي يدخلون الجنة بدون حساب، فقام
وسيدنا عبد الله بن مسعود وإن لم يكن ذكر في حديث العشرة المبشرين بالجنة، لكنه كما نعلم كان نحيف الساقين، فلما صعد إلى الشجرة انكشفت ساقاه، فضحك الصحابة من نحافتهما ودقتهما، فتنبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (أتضحكون من دقة ساقي
فسيدنا عبد الله بن مسعود هو الصحابي الوحيد المأذون له بالدخول على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أي وقت، بينما كان أبو بكر وعمر يطرقان الباب أولاً، وينتظران حتى يأذن لهما النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق أنس ، أما عبد الله بن مسعود فكان يدق الباب فيفتح له أنس ويدخل من غير أن يؤذن له؛ لأنه مأذون له في الدخول على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل وقت، ولذلك سمي ابن مسعود صاحب سر رسول الله.
يقول عبد الله بن مسعود : سبعون سورة من كتاب الله عز وجل أعلم أين نزلت، في سهل أم في جبل، في مكة أم في المدينة، في ليل أم في نهار؟
وكان عندما يقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم السورة يحفظها من أول مرة، فقرأ عليه صلى الله عليه وسلم مرة سورة الأنعام، وهي السورة الوحيدة في القرآن من كبار السور التي نزلت دفعة واحدة، فلما قرأها الرسول على ابن مسعود قال: أتستطيع أن تعيدها علي يا ابن مسعود ؟ فأعادها كما سمعها.
و الحسن البصري من تلاميذ عبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن مسعود وسيدنا علي من تلاميذ النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال الشاعر:
وكلهم من رسول الله ملتمس غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم
وعندما نقرأ في كتب الحديث: رواه العبادلة الأربعة، فـعبد الله بن مسعود أول راو فيهم، وهم: عبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، فهؤلاء أعلم العبادلة أو أعلم الصحابة بعد عمر وعلي في الفقه رضي الله عنهم جميعاً.
وعندما تولى سيدنا عمر الإمارة قال: من أراد أن يسأل عن القرآن، فليسأل عبد الله بن مسعود ، ومن أراد أن يسأل عن المواريث فليسأل علي بن أبي طالب ، ومن أراد أن يسأل عن العلم فليسأل معاذ بن جبل ، ومن أراد أن يسأل عن المال فليسألني أنا، فإن الله قد جعلني له خازناً وخاتماً.
وكان عبد الله بن مسعود له زوجة اسمها زينب ، فعندما كانت تحب أن تستفتي في مسألة، لا تستفتي عبد الله بن مسعود ، بل كانت تذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندما تصل يدخل أنس إلى رسول الله، فيقول له: يا رسول الله! زينب بالباب؟ فيبتسم الرسول ويقول: يا أنس ! أي الزيانب؟ لأنه كان يوجد أكثر من امرأة اسمها زينب، فمن ذلك ابنته زينب ، وزينب خالة عبد الرحمن بن عوف .
زهد عبد الله بن مسعود
الرجل الذي كان في مجلس عبد الله بن مسعود يقول: أنا لا أحب أن أكون من أصحاب اليمين، أحب أن أكون من المقربين، مثل الذي يقول: أنا لا أريد أن أنجح فقط، ولكن أريد أن أكون من الأوائل.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فقال عبد الله : لكن ههنا رجلاً ود أنه إذا مات لم يبعث، يعني نفسه ].
التابعي هو الذي عاصر جيل الصحابة، والصحابي هو الذي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات على ذلك، فكل من لحق أحداً من الصحابة يسمى: تابعياً، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم).
فالرجل الذي جلس عند عبد الله بن مسعود كان يقول: أنا لا أحب أن أكون من أصحاب اليمين، أحب أن أكون من المقربين، فأجابه عبد الله بن مسعود بأنه يوجد هاهنا رجل يود أن لا يبعث، فهذا يدل على شدة خوفه من الله عز وجل.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وخرج ذات يوم فاتبعه ناس، فقال لهم: ألكم حاجة؟ قالوا: لا، ولكن أردنا أن نمشي معك. قال: ارجعوا فإنه ذلة للتابع، وفتنة للمتبوع ].
كان عبد الله بن مسعود يخاف على نفسه من الفتنة، فقفل الباب عليهم عندما سألهم: ألكم حاجة؟! فعندما لم تكن لهم حاجة، أمرهم بألا يتبعوه، لأنه ذل لهم وفتنة له.
ولذلك عندما كان أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان في الحج، وكان يريد أن يصل إلى الحجر الأسود، فمن الزحمة لم يستطع أن يصل، فلما أتى علي زين العابدين أمر الناس بأن يوسعوا لأمير المؤمنين، ثم انصرف، فعندما سأل أمير المؤمنين: من هذا الذي فعل هذا؟ فقالوا له: هذا زين العابدين علي بن الحسين ، قال: والله! هذا هو العز كله.
والمقصود بالعز هنا أن الناس تحبك لله، لكن عندما تحبك الناس لمالك، فلو ضاع المال ضاعت المحبة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال: لو تعلمون مني ما أعلم من نفسي، لحثوتم على رأسي التراب ].
وهنا تساؤل: إذا كان هذا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول يضمن له الجنة، ومات وهو راض عنه، وعنده من العلم ما عنده، ورغم ذلك يقول: لو تعلمون مني ما أعلم من نفسي، لحثوتم على رأسي التراب؟
قال أهل العلم: إن الله عز وجل من رحمته أنه إذا أحب عبداً رفع من أمامه كل عمل صالح، فلا يرى نفسه عمل صالحاً قط.
ولكن بعض الناس يحضر مجلس علم أو محاضرة كل أربع سنين، فيجد نفسه يرى أنه فعل شيئاً كبيراً، وذلك الآخر الذي يصلي بخشوع مرة في اليوم، وتجده يقول: لقد صليت بخشوع هذا اليوم، ويرى أنه أفضل الناس.
لكن هذا عندما أحبه الله رفع من أمامه العمل الصالح، فيجد نفسه لم يعمل شيئاً، ولذلك يقول: أنا إنسان سيئ، ويقولها بصدق، لا يقولها نفاقاً ولا رياءً.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال: حبذا المكروهان: الموت والفقر ].
أي: أنه كان يحب شيئين يكرههما الناس: الموت والفقر.
وقال أبو ذر : أحب الجوع والمرض والموت، فقالوا له: لماذا؟ فقال: أنا إن جعت رق قلبي، وإن مرضت خف ذنبي، وإذا مت لقيت ربي.
لكن إذا كان عند الإنسان المال والصحة فإنه ينسى هذا كله، نسأل الله السلامة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال: إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة؛ فمن زرع خيراً فيوشك أن يحصد رغبة، ومن زرع شراً فيوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع مثل ما زرع لا يسبق بطيء بحظه، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له ].
وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم: (اعلم أن رزق الله لا يسوقه إليك حرص حريص، ولا يمنعه عنك كراهة كاره).
فمثلاً: لو كان هناك رجل يعيش في ظلام وقفلت عليه الأبواب، وأراد أن يرى نور الشمس، فإن عليه أن يطرق باب الله والوقوف على باب الله، مثلما تكون عندك مشكلة مصيرية، وحل هذه المشكلة عند مسئول أو وزير مثلاً، فأنت تجلس عند بيته ليلاً ونهاراً، وحتى لو سافر فإنك ستنتظره إلى أن يأتي حتى يحل لك مشكلتك؛ فلن تفارق بابه حتى يحل لك مشكلتك، ولله المثل الأعلى، فإذا أردت أن يقضي الله حاجتك فأنخ راحلتك بباب الله، واطرق الباب ولابد أن يفتح لك باباً، ولكن ادع الله دعاء مستنجد لا دعاء ناج، ادع الله كالمضطر، كما قال تعالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [آل عمران:123]، فلا بد من الذل لله.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال رجل عنده: ما أحب أن أكون من أصحاب اليمين، أحب أن أكون من المقربين ].
الرجل الذي كان في مجلس عبد الله بن مسعود يقول: أنا لا أحب أن أكون من أصحاب اليمين، أحب أن أكون من المقربين، مثل الذي يقول: أنا لا أريد أن أنجح فقط، ولكن أريد أن أكون من الأوائل.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فقال عبد الله : لكن ههنا رجلاً ود أنه إذا مات لم يبعث، يعني نفسه ].
التابعي هو الذي عاصر جيل الصحابة، والصحابي هو الذي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات على ذلك، فكل من لحق أحداً من الصحابة يسمى: تابعياً، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم).
فالرجل الذي جلس عند عبد الله بن مسعود كان يقول: أنا لا أحب أن أكون من أصحاب اليمين، أحب أن أكون من المقربين، فأجابه عبد الله بن مسعود بأنه يوجد هاهنا رجل يود أن لا يبعث، فهذا يدل على شدة خوفه من الله عز وجل.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وخرج ذات يوم فاتبعه ناس، فقال لهم: ألكم حاجة؟ قالوا: لا، ولكن أردنا أن نمشي معك. قال: ارجعوا فإنه ذلة للتابع، وفتنة للمتبوع ].
كان عبد الله بن مسعود يخاف على نفسه من الفتنة، فقفل الباب عليهم عندما سألهم: ألكم حاجة؟! فعندما لم تكن لهم حاجة، أمرهم بألا يتبعوه، لأنه ذل لهم وفتنة له.
ولذلك عندما كان أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان في الحج، وكان يريد أن يصل إلى الحجر الأسود، فمن الزحمة لم يستطع أن يصل، فلما أتى علي زين العابدين أمر الناس بأن يوسعوا لأمير المؤمنين، ثم انصرف، فعندما سأل أمير المؤمنين: من هذا الذي فعل هذا؟ فقالوا له: هذا زين العابدين علي بن الحسين ، قال: والله! هذا هو العز كله.
والمقصود بالعز هنا أن الناس تحبك لله، لكن عندما تحبك الناس لمالك، فلو ضاع المال ضاعت المحبة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال: لو تعلمون مني ما أعلم من نفسي، لحثوتم على رأسي التراب ].
وهنا تساؤل: إذا كان هذا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول يضمن له الجنة، ومات وهو راض عنه، وعنده من العلم ما عنده، ورغم ذلك يقول: لو تعلمون مني ما أعلم من نفسي، لحثوتم على رأسي التراب؟
قال أهل العلم: إن الله عز وجل من رحمته أنه إذا أحب عبداً رفع من أمامه كل عمل صالح، فلا يرى نفسه عمل صالحاً قط.
ولكن بعض الناس يحضر مجلس علم أو محاضرة كل أربع سنين، فيجد نفسه يرى أنه فعل شيئاً كبيراً، وذلك الآخر الذي يصلي بخشوع مرة في اليوم، وتجده يقول: لقد صليت بخشوع هذا اليوم، ويرى أنه أفضل الناس.
لكن هذا عندما أحبه الله رفع من أمامه العمل الصالح، فيجد نفسه لم يعمل شيئاً، ولذلك يقول: أنا إنسان سيئ، ويقولها بصدق، لا يقولها نفاقاً ولا رياءً.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال: حبذا المكروهان: الموت والفقر ].
أي: أنه كان يحب شيئين يكرههما الناس: الموت والفقر.
وقال أبو ذر : أحب الجوع والمرض والموت، فقالوا له: لماذا؟ فقال: أنا إن جعت رق قلبي، وإن مرضت خف ذنبي، وإذا مت لقيت ربي.
لكن إذا كان عند الإنسان المال والصحة فإنه ينسى هذا كله، نسأل الله السلامة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال: إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة؛ فمن زرع خيراً فيوشك أن يحصد رغبة، ومن زرع شراً فيوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع مثل ما زرع لا يسبق بطيء بحظه، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له ].
وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم: (اعلم أن رزق الله لا يسوقه إليك حرص حريص، ولا يمنعه عنك كراهة كاره).
فمثلاً: لو كان هناك رجل يعيش في ظلام وقفلت عليه الأبواب، وأراد أن يرى نور الشمس، فإن عليه أن يطرق باب الله والوقوف على باب الله، مثلما تكون عندك مشكلة مصيرية، وحل هذه المشكلة عند مسئول أو وزير مثلاً، فأنت تجلس عند بيته ليلاً ونهاراً، وحتى لو سافر فإنك ستنتظره إلى أن يأتي حتى يحل لك مشكلتك؛ فلن تفارق بابه حتى يحل لك مشكلتك، ولله المثل الأعلى، فإذا أردت أن يقضي الله حاجتك فأنخ راحلتك بباب الله، واطرق الباب ولابد أن يفتح لك باباً، ولكن ادع الله دعاء مستنجد لا دعاء ناج، ادع الله كالمضطر، كما قال تعالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [آل عمران:123]، فلا بد من الذل لله.
يقول ابن عطاء الله: تحقق بأوصافك يمنحك أوصافه.
يعني: تحقق بذلَّك يمنحك من عزه، تحقق بفقرك يعطك من غناه، تحقق بضعفك يعطك من قوته، تحقق بأنك تائه يعطك من هداه، فإن الله يرشد الحائرين الضالين.
فإذا أقنعت نفسك أنك ضعيف فهو يقويك، أو فقير فهو يغنيك، أو تائه فهو سيرشدك.. وهكذا.
وكان ابن عطاء الله دائماً يقول: يا رب! أنا الجهول في علمي فكيف لا أكون جهولاً في جهلي، أنا الفقير في غناي، فكيف لا أكون فقيراً في فقري.
يعني: برغم العلم الذي عندي فأنا جاهل، فإذا كنت جاهلاً أصلاً فماذا سأكون؟ وأنا رغم غناي فأنا فقير، كما قال موسى: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص:24].
قال أهل العلم: إن لله صفات جلال وصفات جمال. فعلى المسلم أن يتصف بصفات الجمال مثل: الشكر: شكور، والرحمة: رحيم، والمغفرة: غفور، والود: ودود، والصبر: صبور.
أما صفات الجلال فلا يتصف بها أبداً، مثل: القهار، المتكبر، المعز، المذل، المانع، فلا بد للإنسان أن ينقهر ويخضع لهذا الصفات ولا يتصف بها، لأن الله هو القهار والمخلوق ليس قهاراً، وهو الجبار والمخلوق ليس جباراً.
ولذلك فإن المسلم يتصف بصفات الله الجمالية لا بصفاته الجلالية.
وإذا زرت المدينة المنورة فإنك تجد حلاوة المدينة وحلاوة المسجد النبوي الشريف، وتشعر بصفات الله الجمالية: الرءوف الرحيم، وعندما تذهب إلى الكعبة تجد رهبة، لأن هذا بيت الله القهار، بيت الجبار، وهذه من صفات الجلال.
فإذا تحققت بصفات الجمال، نصرك الله بصفات الجلال.
فإذا كنت رحيماً وودوداً وشكوراً وصبوراً، فالله يعطيك من أوصافه الجلالية، ويجعلك تقهر العدو وتنتصر عليه وتغلبه.
هكذا العبد يتخلق بأخلاق الله في صفات الجمال، يمنحه الله عز وجل برحمته من صفات الجلال.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ إنما هما اثنتان: الهدي والكلام، فأفضل الكلام كلام الله، وأفضل الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة ].
والبدعة تكون في العبادة لا في العادة، مثل اللباس الذي نلبسه يعتبر عادة، والأكل عادة، لكن بإمكانك أن تقلب الأكل أو اللبس إلى عبادة.
فمثلاً: الذي يلبس البنطال أو الثوب أو الجبة أو القميص فهذه الأشياء اعتيادية، وأهم شيء أن يستر عورته، وعورة المرأة كل جسدها ما عدا الوجه والكفين، وفي بعض الآراء: جميع جسدها، وعورة الرجل: من السرة إلى الركبة.
ولكن إذا أردت أن تجعل هذه العادة عبادة، فعندما ترتدي لباساً فقل: الحمد الله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به أمام الناس. وتستشعر نعمة الله، حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما كسي عبد ثوباً جديداً ولبسه، فما أن يبلغ إلى ركبتيه وهو يعلم أن الذي كساه إنما هو الله رب العالمين، إلا وغفر الله له).
فعندما يلبس العبد ثوباً جديداً يستر به نفسه، واستشعر أن الذي كساه هو الله غفر الله له.
وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا وضع أحدكم يده في جيبه، ليخرج كيس نقوده، فيخطئه -أي: أراد أن يخرجه من جيبه اليمين، فإذا هو في جيبه الشمال- فإذا ارتجف قلبه، تساقطت ذنوبه كما يتساقط ورق الشجر في اليوم الشاتي).
فالله يسوق إليك المغفرة، ويريد أن تستغفره.
إذاً: البدعة تكون في العبادة، وهي: إضافة شيء في الدين ليس فيه.
فمن ذلك: ما يقوله بعض المؤذنين بعد أن يكملوا الآذن، فيقولون: الصلاة والسلام عليك يا كحيل العينين، ويا أسود الشعر ويا أبيض الوجه، ويا أول خلق الله وآخر خلق الله.
فهذه بدعة في الدين؛ لأنه أضاف في الدين ما ليس منه.
فهل نحن أشد حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم من سيدنا بلال ؟! فلماذا سيدنا بلال لم يقل هذا الكلام؟! فهل سنكون أفضل منه؟ وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا
والمبتدع يقول: أنا عملت أفضل من بلال.
وعندما تدخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، فإما أن تجد رجلاً يذكر الله، أو يقرأ في المصحف، أو يصلي، وتجد المذيع يقول: ونبدأ شعائر يوم الجمعة بقراءة القرآن، كأنها شعيرة من الشعائر، فهذا يزيد من عنده، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد)؛ لأنه يؤلف من عنده، فالزيادة في الدين كالنقص فيه، وهذه قاعدة أصولية؛ فأنت عندما تزيد في الدين فأنت تنقص فيه؛ لأن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]. فالدين مكتمل، فلا يحق لأحد أن يزيد إلا الله، ولا يحق لأحد أن ينسخ إلا الله.
فما دام الدين قد اكتمل، فلا زيادة فيه، والرسول صلى الله عليه وسلم تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، أما أن تبتدع وتؤلف فهذا ليس من الإسلام في شيء.