خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/943"> د. عمر عبد الكافي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/943?sub=34779"> سلسلة شرح كتاب الفوائد
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
سلسلة شرح كتاب الفوائد [9]
الحلقة مفرغة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أساس كل خير: أن تعلم أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن ].
فما شاء الله سيكون، والذي لا يشاؤه ربنا لن يحصل.
قال: [ فتتيقن حينئذ أن الحسنات من نعمه فتشكره عليها ].
فالحسنات من نعم الله على العبد، وليس لأنه يعمل الخير، وإنما لأن الله يتفضل عليه بها، وهو الذي ساقه إلى الخير أصلاً، وهو الذي يثيبه عليها.
قال: [ وتتضرع إليه ألا يقطعها عنك ].
ما أجمل أن تتوالى الحسنات والرصيد يكثر.
فالأمة ما زال فيها خير رغم ما أرى من صور سيئة، وما زال عندي تفاؤل أن المسلمين فيهم خير، وهذا مصداق حديث الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما قال: (أمتي كالغيث لا يدرى الخير في أولها أم في آخرها).
جاءني رجل بعد عصر الجمعة الماضية، وأخبرني أنه رأى في نومه كأنه عندي في المسجد، وبعد ذلك رأى أنه واقف على المنبر ويتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعد أن نزل من المنبر، إذا بالرسول صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس، فاعتدل بعد أن انتهت الصلاة وسلم على هذا الرائي، وقال له: لحضورك مجالس العلم وصدقك فيها ستحل عندنا الليلة، فالرجل خاف، وأتى إلي مرعوباً وقال: ماذا يعني بقوله صلى الله عليه وسلم: ستحل عندنا الليلة؟ قلت له: إنك بفضل الله عز وجل أصبحت مطالباً بأن تكون الآخرة هي أكبر همك؛ لأن المسلم عندما يترقى في درجات الإيمان والتقوى يكون بهذا المنطق، وبعد ذلك قال لي: هل سأموت؟ قلت له: لا إله إلا الله، أنا سأموت وأنت ستموت وكلنا سنموت يوماً من الأيام، ولكن لا أحد يدري متى يموت! وأنت يجب عليك أن تنوي الخير. فقال لي: يوجد شيء ينغص علي حياتي، فقلت له: ما هذا الشيء؟ قال: وصية أريد أن أعرضها عليك، فعرضها علي، فقلت له: لا، عدل هذه الوصية وأخبرني أنك أنهيتها، فاتصل لي وقال: لقد عملت مثلما قلت لي وأنهيت هذه الوصية، وبينما أنا آتٍ لصلاة العشاء بلغت أن الرجل مات قبل أمس.
فهذا إنسان يعطيه الله إشارات أنه قادم على الله؛ لأن الله عندما يريد بابن آدم خيراً يبعث له في آخر أيامه ملكاً يأخذ بيده.
قال: [ وتتضرع إليه ألا يقطعها عنك ].
يعني: مجلس مثل هذا المجلس، لا بد أن ندعو الله سبحانه وتعالى طالما نحن على قيد الحياة ألا يقطعه عنا؛ لأنه نبع خير.
قال: [ وأن السيئات من خذلانه وعقوبته، فتبتهل إليه أن يحول بينك وبينها ].
فالحسنات من نعمه، والسيئات من خذلان الله للعبد، فالله عندما يخذل عبده يسلط عليه الشيطان ونفسه، قال أبو بكر الصديق :
إني بليت بأربع ما سلطوا إلا لجلب مشقتي وعنائي
إبليس والدنيا ونفسي والهوى كيف الخلاص وكلهم أعدائي
إذا كان أبو بكر الصديق يقول: إبليس والدنيا ونفسي والهوى! فكيف بنا نحن؟!
فعندما يوفق الله العبد يجعله ينتصر على هؤلاء الأربعة يخذلهم له، وعندما يخذل الله العبد بعمله السيئ -والعياذ بالله- يسلط عليه الدنيا والنفس والشيطان والهوى، فينتصرون عليه.
إذاً: الحسنات من نعم الله والسيئات من خذلان الله، فالواجب على العبد أن يدعو ربه أن يباعد بينه وبين الخذلان والعياذ بالله.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ولا يكلك في فعل الحسنات وترك السيئات إلى نفسك ].
بعضهم يقول: أنا أسبح سبعمائة ألف مرة، وأعمل كذا وكذا، وليست القضية هكذا، ولكن القضية أنك تسأل الله أن يتقبل، ولذلك سيدنا سليمان كان طائراً يوماً ببساط الريح، وكان هناك فلاح يفلح في الأرض، وسمي الفلاح فلاحاً؛ لأنه يفلح الأرض، وللأسف الشديد عندما يكون هناك جاهل يريد أن يشتم شخصاً يقول له: أنت فلاح!، يا ليتنا كنا فلاحين، نزرع أرضنا لكن حكومة الثورة المباركة والانقلاب المبارك سنة 1952م، قالت: نحن دولة صناعية لا زراعية، اجلس أنت مع الصناعة، فمصر ليست للصناعة ولا للزراعة، ولكن نحن ساءت حالتنا منذ أن اضطهدنا الزراعيين، وحتى الآن لا يستطيعون أن يعرفوا من هو الفلاح ومن هو العامي، وربما لن نعرفه حتى نموت، وربما نعرفه في الآخرة إن شاء الله.
فبينما الفلاح كان يحرث الأرض فوجد شيئاً يظلله فرفع رأسه، فإذا به بساط سيدنا سليمان، وذلك في وقت لم تكن فيه طائرات ولا صواريخ، ولم يكن هناك شيء يطير إلا الطيور، فالهواء سخره الله لسيدنا سليمان، والريح غدوها شهر ورواحها شهر، فتخيل لو أن سيدنا سليمان الآن موجود في القاهرة، ودرجة الحرارة تنخفض لعشر درجات، فنقول له: يا نبي الله سليمان! القاهرة باردة في الليل، فيقول: أيتها الريح التي في أسوان ادخلي على القاهرة، فتدخل الريح إلى القاهرة ويصبح الجو دافئاً، ويأتي إلى منطقة أخرى حارة فيقول: أيتها الريح التي في شمال سويسرا أدخلي على هذه المنطقة الحارة، فهذا ملك عظيم أعطاه الله سيدنا سليمان، ريح غدوها شهر ورواحها شهر.
قال سليمان عليه السلام: أيها الفلاح الفقير؛ لتسبيحة واحدة أو تحميدة واحدة أو تكبيرة واحدة أو تهليلة واحدة، خلف هذا المحراث خير لك من ملك آل داود؛ لأن ملك داود سيزول، لكن التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل سيبقى معك في كتاب الحسنات إلى يوم القيامة.
يا إخواني! يوم القيامة يبحث المرء عن الحسنة بكل الطرق، وأفضل ما يوضع في الميزان يوم القيامة خلق حسن، فعامل الناس بخلق حسن، اللهم حسن أخلاقنا يا رب! كما حسنت خلقتنا يا أكرم الأكرمين!
إذاً: يجب أن تدعو الله أن يحول بينك وبين المعاصي، وألا يكلك في فعل الحسنات وترك السيئات إلى النفس.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقد أجمع العارفون على أن كل خير فأصله بتوفيق الله للعبد ]
أي: أن الله إذا وفق العبد فسوف يعمل خيراً.
قال: [ وكل شر فأصله خذلانه لعبده، وأجمعوا أن التوفيق ألا يكلك الله إلى نفسك، والخذلان أن يخلي بينك وبين نفسك ].
ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك، وأصلح لي شأني كله، فإن وكلتني إليك وكلتني إلى عزة وقوة، وإن وكلتني إلى نفسي وكلتني إلى ضعف وشهوة، ولكن لا إله إلا أنت).
إذاً: عندما يكل الله العبد له يكله إلى عزة وقوة، وعندما يكله إلى نفسه يوكله إلى نفس ضعيفة وأمارة بالسوء، ودائماً تحض الإنسان على الشر، والعياذ بالله رب العالمين.
قال: [ فإذا كان كل خير فأصله التوفيق، وهو بيد الله لا بيد العبد، ومفتاحه الدعاء والافتقار وصدق اللجأ والرغبة والرهبة إليه، فمتى أعطي العبد هذا المفتاح فقد أراد أن يفتح له، ومتى أضله عن المفتاح بقي باب الخير مرتجاً دونه ].
إذاً: لو أعطاك الله مفتاح الدعاء والافتقار وصدق اللجوء إليه والرغبة إليه والرهبة منه، فلقد أعطاك مفتاح التوفيق، فابحث أنت عن المفتاح الذي يحمل الرءوس الخمسة: الدعاء والافتقار، يقول الله تعالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [آل عمران:123] أي: أذلة لله، ولذلك قبض الحجاج على ابن أخ لأحد الصالحين، فبحث فوجد ملابس قديمة لعبده فلبسها، فقيل له: ما هذا الذي تلبسه؟ قال: أقوم أصلي لله وأدعوه.
فما دعا العبد ربه بصدق إلا استجاب الله له.
مفاتيح الدعاء هي الافتقار إلى الله، وصدق اللجوء إليه، والرغبة فيه عز وجل، والرهبة منه، فهذه الخمسة لا بد من حفظها، واصطحابها عند دعاء الله عز وجل.
فمتى أعطي هذه فقد أعطي المفتاح، ويوشك أن يفتح له، ومتى أضله ربه عن المفاتح بقي باب الخير دونه مقفلاً، قال أمير المؤمنين عمر : إني لا أحمل هم الإجابة، ولكن هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه، يعني: هو لا يهم الإجابة؛ لأن الإجابة مضمونة بشروط الدعاء المعروفة.
فعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته في ذلك يكون توفيق الله سبحانه له وإعانته إياه، فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم وثباتهم ورغبتهم ورهبتهم، والخذلان ينزل عليهم على عكس ذلك.
احتاج إبراهيم بن أدهم يوماً إلى دينار وهو قاعد على شاطئ البحر، فقال: يا رب! يا من تقول للشيء: كن فيكون أريد ديناراً، قال: فخرجت الأسماك من البحر في كل فم سمكة دينار، فهذا يعني أن تكون الأسماك خادمة لـإبراهيم بن أدهم .
وأستاذه سهل بن عبد الله عند أن أخذت الحدأة اللحمة من يده، ذهب إلى المسجد، فلما رجع إذا بالحدأة والغراب كانا يتصارعان، فوقعت قطعة اللحم وأخذتها امرأته وطبختها، فقال: الحمد لله الذي حمل عني هم حمله! وكأنه أرسل له شغالاً سيرلنكياً بدون أجرة، وأنت اليوم تذهب لتدفع تأميناً للسفارة وتأتي فتجد بنتاً ملحدة، تبقى مكشوفة عند امرأتك وامرأتك مكشوفة عندها، فهذا حرام، فعلى المرأة المحجبة أن تستحي فلا تتكشف أمام المسيحية واليهودية.
وعندما تأتي المرأة المسلمة لصاحبتها المسيحية فعليها أن تحتجب، كأنها داخلة على رجل، والخذلان -والعياذ بالله- ينزل عليهم على حسب تضييعهم، فالله سبحانه أحكم الحاكمين، يقول الله تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ [التين:8]؟ بلى، وهو أعلم العالمين، يضع التوفيق في مواضعه اللائقة به.
قال تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ [الملك:14]؟ وهو الذي يضع الخذلان في مواضعه اللائقة به، فمثلاً: واحد دائماً يجهز المجلس والطاولة والبيرة والفلم، ونحو ذلك، ويخطط للمعصية ويرتب وينظم فهذا وضع له الخذلان، والثاني يبتعد عن المعصية، فهذا يوضع له التوفيق فالله هو العليم الحكيم، وما أتي من أتي إلا من قبل إضاعة الشكر، وإهمال الافتقار والدعاء، ولا ظفر من ظفر بمشيئة الله وعونه إلا بقيامه بالشكر وصدق الافتقار والدعاء، وملاك ذلك كله -يعني: الجامع لهذا كله- الصبر، فانظر الدين كيف يتكامل مع بعضه: العقيدة واليقين والصبر، وأصعب شيء على الناس الصبر على الطاعة، فهو أقسى أنواع الصبر على النفس؛ لأنه صبر على شيء هي تكرهه، ولذلك قال أحد الصالحين: جبلت نفسي على الطاعة فاستعصت علي يوماً، قال: فقهرتها بصلاة مائة ركعة، يعني: أدبها بالتي هي ضدها.
إذاً: فملاك ذلك الصبر، فإنه من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس فلا بقاء للجسد.
ما ضرب عبد بعقوبة - والعياذ بالله - أعظم من قسوة القلب، والبعد عن الله، وهناك من يقول: ما هو ربنا موسع علي، فالأولاد في نجاح في المدارس والجامعات، وعندي السيارات والأموال، وعندي الجاه والسلطان، وعندي شركات عديدة باسمي، وما إلى ذلك، أما حالته الإيمانية فحدث ولا حرج، وهذا لا يهتم له ويغتم، لأنه ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله، ولذلك قالوا لأحد الصالحين: أحقاً ما سمعنا أنك ترى الرسول كل ليلة؟ فتبسم وقال: لو حجب عني رسول الله ليلة لما عددت نفسي من الموحدين!
خلقت النار لإذابة القلوب القاسية، وفي الحديث: (من أراد جليساً فالله يكفيه، ومن أراد أنيساً فالقرآن يكفيه، ومن أراد الغنى فالقناعة تكفيه، ومن أراد وعظاً فالموت يكفيه، ومن لا يكفيه هذا ولا هذا فالنار تكفيه).
إذاً: فالنار عملها إذابة القلوب القاسية، يقول الشاعر - وأظنه المجنون قيس بن الملوح - :
أمر بالحجر القاسي فألثمه لأن قلبك قاسٍ يشبه الحجرا
يعني: كلما يمر على حجر يتخيله قلب ليلى فيقبله؛ لأن كليهما في القسوة سواء.
والقلب القاسي هل يدخل الجنة؟ يقول الله عن قلوب أهل الجنة: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]، فقلوبهم قلوب توجل منه سبحانه وتعالى، أما القلوب التي فيها قسوة فتذوب وتصهر في الآخرة بالنار، إذاً: فأبعد القلوب من الله القلوب القاسية هذا كلام العارفين.
فإذا قسا القلب قحطت العين، يعني: أنها لا تدمع، وانقطاع دمع العين عبارة عن علامة من علامات قسوة القلب.
أسباب قسوة القلب
فالأكل إن زاد عن حده وكذلك النوم والكلام والمخالطة للناس قسا القلب، وكما أن البدن إذا مرض لم ينفع فيه الطعام والشراب، فكذلك القلب إذا مرض بالشهوات لم تنفع فيه المواعظ.
فمن أراد صفاء قلبه فليؤثر الله على شهوته، لأن الشهوة حظ النفس، والطاعة رضا الله، والقلوب المتعلقة بالشهوات محجوبة عن الله بقدر تعلقها بها، والقلوب آنية الله في أرضه، يعني: كما أن المرأة لها أوانٍ في البيت فالقلوب أيضاً في الأجساد هي عبارة عن آنية الله في الأرض، فأحبها إليه أرقها وأصلبها وأصفاها، وأحب الأواني الإناء العريض الخفيف الحمل، الرقيق الصلب، فلا يكون رقيقاً ينكسر بسهولة، ولذلك قال الله عن آنية أهل الجنة: قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا [الإنسان:16]، والقوارير هي من الزجاج، لكنه قال: (من فضة) فهي قوارير من فضة، هذه هي الأكواب التي يشرب فيها أهل الجنة، اللهم اسقنا شربة هنيئة في الجنة بدون سابقة عذاب.
إذاً فالأواني التي يشرب فيها المؤمنون في الجنة في نقاء الزجاج، وفي صفاء الفضة.
وكثير من الناس شغلوا قلوبهم بالدنيا، ولو شغلوها بالله والدار الآخرة لجالت في معاني كلامه وآياته المشهودة، ولرجعت إلى أصحابها بفرائد الحكم، وطرف الفوائد، وكأن ابن القيم يتكلم عن نفسه، فيقول: الناس شغلوا قلوبهم بالدنيا، ولو شغلوها بالله لكانت القلوب مليئة بالحكم، يكون حينها كلام الله أحسن ما يجده، إذاً: فإذا غذي القلب بالتذكر، وسقي بالتفكر، ونقي من الدغل، رأى العجائب وألهم الحكمة، حتى أن الصالحين كانوا يشمون رائحة الذنوب، فلما يجلس أحدهم مع آخر يعرف صوابه من خطئه، ويشم رائحة طيبة من العارفين، ورائحة سيئة من العاصين المخالفين، وليس كل من تحلى بالمعرفة والحكمة وانتحلها كان من أهلها، بل أهل المعرفة والحكمة هم الذين أحيوا قلوبهم بقتل الهوى، وأما من قتل قلبه وأحيا الهوى، فالمعرفة والحكمة عارية على لسانه، فخراب القلب من الأمن، والغفلة وعمارته من الخشية والذكر.
خراب القلب
إذا زهدت القلوب في موائد الدنيا قعدت على موائد الآخرة بين أهل تلك الدعوة، وإذا رضيت بموائد الدنيا فاتتها تلك الموائد.
وقد قلنا: إن سيدنا إبراهيم بن أدهم لما ذهب يحج وانتهى الأكل الذي معه، وقد كان في الصحراء ما بين الشام وأرض الحجاز، في مكان لا تمر فيه ولا غيره، فقال: اللهم ارزقنا بالرطب، قال أحد رفقائه: فما سرنا بضع خطوات إلا ووجدنا إناء مليئاً بالرطب الجني، فطمع رفقاؤه وقالوا: لو كان عسلاً فتبسم وقال: من رزقكم بالرطب الجني في غير موعده قادر على أن يرزقكم بالعسل في غير موضعه أيضاً، قال: فما سرنا بعض خطوات إلا ووجدنا زقاً من عسل مصفى.
اللهم ألحقنا بالصالحين، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.
اللهم فك عنا أسرنا، أحسن خلاصنا، ثبت يقيننا، قو حجتنا، ألهمنا صوابنا.
اللهم فك الكرب عن المكروبين، اللهم اهد كل عاص وضال، اشف كل مريض، وارحم كل ميت، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، نعوذ بك يا مولانا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.