ديوان الإفتاء [347]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى جميع المرسلين.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.

أما بعد: إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأبدأ هذه الحلقة إن شاء الله بالإجابة على الأسئلة الواردة عبر الشريط الأخضر.

السؤال: تقول السائلة: أمي تقول لي: إن النقاب قد يؤخر أو يحول دون الزواج، فتنقبي بعده، علماً بأنني محجبة فما رأيك يا شيخ؟

الجواب: إن قضية النقاب راجعة إلى هل وجه المرأة عورة أو ليس بعورة؟ وهي مسألة خلافية بين أهل العلم، ولا تعلق لها بقضية تأخير الزواج أو منعه أو تعجيله، فإن الزواج أمر مقدر عند الله عز وجل، وهو من الرزق الذي يساق متى ما شاء الله، فكم من منقبة تزوجت حين أذن الله، وكم من أخت غير منقبة تأخر زواجها إلى ما شاء الله، لكنني أقول لك: لو أن الوالدة أمرتك بخلع النقاب فأطيعيها؛ لأن النقاب أمر مختلف فيه، وطاعة الوالدة لا خلاف عليها إلا في المعصية الظاهرة التي هي محل اتفاق.

السؤال: زوجي لا يميل للمعاشرة الزوجية، وإنما يأتي بمزاجه وأنا أمنعه؟

الجواب: لا ينبغي لك منعه، وهذه من الحقوق المشتركة بين الزوجين، ويجب على كل واحد من الزوجين أن يعف صاحبه، وأن يتقي الله فيه ما استطاع، وبالنسبة للزوج يجب عليه أن يأتي زوجته -قال بعض أهل العلم-: مرة في كل أربعة أشهر؛ استدلالاً بآية الإيلاء لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [البقرة:226]، وبعضهم قال: بل مرة في كل طهر؛ استدلالاً بقول الله عز وجل: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222] ، وقال بعضهم: بل مرة كل أربع ليال؛ على اعتبار أن له زوجات أربعاً، فيأتيها مرة في كل أربع ليال، والصحيح والعلم عند الله تعالى بأن هذا لا يتقيد بوقت، لكن يجب على الزوج أن يعف زوجته، ويجب على الزوجة أن تستجيب لزوجها متى ما دعاها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من الإعراض عنه وإهمال حقه، وأخبرنا بأنه ( إذا دعا الرجل امرأته إلى الفراش فأبت، فبات وهو عليها غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح ).

السؤال: في رمضان السابق كنت حاملاً، والآن مرضعة، وطفلتي عمرها أربعة أشهر ولم أستطع القضاء، ولو قضيت بعد رمضان فهل علي إثم في ذلك، وهل علي كفارة؟

الجواب: ليس عليك إثم ولا كفارة، فإن الله تعالى قال: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وهذه هي استطاعتك، فأنت كنت حاملاً، والآن أنت مرضع، ولا تستطعين الصيام، فبعد رمضان -إن شاء الله- لا يجب عليك شيء سوى القضاء.

السؤال: ما حكم حلق اللحية؟

الجواب: حلق اللحية بمعنى: جزها والتخلص منها تماماً، وأن يكون وجه الإنسان ناعماً لا أثر فيه للشعر فهذا لا يجوز، وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما جاءه رجلان من فارس كثة شواربهما، حليقة لحاهما، فقال عليه الصلاة والسلام: ( من أمركم بهذا؟ قالا: ربنا -يعنيان كسرى- قال: لكن ربي أمرني بأن أحف شاربي وأعفي لحيتي ).

السؤال: ما هو دعاء القنوت؟ وهل هو واجب في صلاة الصبح؟

الجواب: اتفق أهل العلم على أن القنوت ليس بواجب، بل هو سنة عند القائلين به في صلاة الصبح، وهم المالكية والشافعية رحمهم الله، أو في صلاة الوتر وهم الحنفية رحمهم الله، وصيغته الواردة عن نبينا صلى الله عليه وسلم الدعاء الثابت عن الحسن بن علي الذي سمعه من سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام: ( اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شرّ ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك )، أو الآخر الثابت من رواية ابن مسعود رضي الله عنه: ( اللهم إنا نستعينك، ونستهديك، ونستغفرك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق ).

السؤال: ما حكم من حكم بغير ما أنزل الله؟

الجواب: أجمع المسلمون على أن من حكم بغير ما أنزل الله تفضيلاً لحكم الجاهلية على حكم الله فهو خارج من ملة الإسلام، وأجمعوا على أن من حكم بغير ما أنزل الله معتقداً المساواة بين حكم الله وحكم غيره فهو خارج من ملة الإسلام، وأجمعوا كذلك على أن من شرع من عنده ما يضاهي به حكم الله فأحل حراماً أو حرم حلالاً أو غير حداً فهو أيضاً خارج من ملة الإسلام، وأجمعوا كذلك على أن من حكم بما أنزل الله، لكنه انحرف في نازلة أو في قضية عن حكم الله إما لهوى أو رشوة أو ميل مع هذا أو ذاك فإنه ظالم أو فاسق، هذه هي المسائل التي ينبغي أن نحيط بها، فربنا جل جلاله سمى حكم غيره حكم الجاهلية، فقال سبحانه: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] ، وسمى الرافضين لحكم الله بأنهم يزعمون الإيمان، وليسوا مؤمنين حقيقة أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:60] فالله عز وجل جعلهم زاعمين للإيمان، وليسوا بمؤمنين حقيقة.

لكنني أنصح إخواني الشباب بألا يبدءوا بمثل هذه المسائل التي هي من كبار العلم، وإنما نبدأ بصغار العلم قبل كباره، فيعرف الواحد منا مهمات العقيدة، ثم يتعلم كيف يعبد ربه، وكيف يتطهر، وكيف يصلي، ثم بعد ذلك يتعلم كيف يعامل خلق الله عز وجل، وكيف ينكح، وكيف يطلق، وكيف يبيع، وكيف يشتري، وكيف يتوقى الحرام في مطعمه ومشربه، ثم بعد ذلك ينتقل إلى هذه المسائل الكبار، وليس كما يصنع بعض الناس الآن يهجم على هذه المسائل، وهو لم يتقن أوليات العلم، بل لعله لا يحسن أن يقرأ كتاب الله نظراً.

السؤال: رجل قال لامرأته: طالقة، ثم قال: إن الطلاق لم يقع؛ لأن الطلاق بالنية لا بالألفاظ، فهل كلامه صحيح؟ وآخر حباله كملت، فقال لامرأته: حللتك الظلم من أجل الأولاد، فهل يحل له أن تخدمه، وتغسل ثيابه، وتؤانسه، أم كل ذلك خطأ؟

الجواب: أقول: أولاً هذا الذي يقول لامرأته: أنت طالق، ثم يفتي نفسه بأن الطلاق بالنية لا بالألفاظ، هذا قائل على الله ما لا يعلم، ومفتر كذباً، والواجب عليه أن يلجأ إلى السؤال، وأقول بأن الطلاق إذا كان باللفظ الصريح كقوله: طالق أو طلقانة أو مطلقة ونحو ذلك فلا يفتقر إلى نية، وإنما نسأل عن النية في طلاق الكناية وفي الطلاق غير الصريح، كما لو قال لها: حبلك على غاربك، أو أنت خلية، أو أنت برية، أو الحقي بأهلك، أو أنت حرة، ونحو ذلك من الكلمات مما يدل العرف على أنها تحتمل الطلاق وغيره، ففي هذه الحالة نسأله: ماذا نويت بهذه الألفاظ؟ أما من أتى بمادة الطاء واللام والقاف فإنه يقع طلاقه، ولو أن الحبال قد اكتملت كما قال السائل، وكانت الطلقة هي المكملة فإنها تبين منه بينونة كبرى، وتصير أجنبية عنه، لا يطلب منها خدمته، ولا غسل ثيابه، ولا طبخ طعامه، ولا يحل له أن تؤانسه؛ لأنها أجنبية، والعلاقة بينهما علاقة بين أجنبيين.

السؤال: إذا مات صبي لم يبلغ الحلم فهل ندعو له بالنجاة من عذاب القبر، وكيف ذلك وهو لم يكلف بعد؟

الجواب: لا ندعو له بمثل هذا، وإنما ندعو لوالديه، فنقول: اللهم إنه عبدك، وابن عبدك وابن أمتك أنت خلقته ورزقته، وأنت أمته وأنت تحييه؛ اللهم اجعله لوالديه سلفاً وذخراً، وفرطاً وأجراً، وثقل به في موازينهما، وأعظم به في أجورهما، ولا تفتنا وإياهما بعده. هذا الذي ندعو به في الصلاة على الصبي، ولا نقول: اللهم اغفر له وارحمه، وقه فتنة القبر وعذاب النار؛ لأنه أصلاً دعموص من دعاميص الجنة، كما أخبر نبينا خير الأمة عليه الصلاة والسلام.

السؤال: ما رأي الدين في فطر الذين يعملون في التنقيب عن الذهب السنة التي مضت والآتية؟

الجواب: لا يحل للمنقبين عن الذهب أن يفطروا، ولا يحل للعاملين في المخابز أن يفطروا، ولا يحل للعاملين في المناجم أن يفطروا، فإن الفطر ما أباحه الله إلا للمريض والمسافر والحامل والمرضع، ومن لا يطيق الصيام أصلاً كالشيخ الكبير، والمرأة العجوز، والمريض الزمن، لكن الفرق بين الأولين والآخرين: أن الأولين يفطرون ويقضون، والآخرين - أعني الشيخ الكبير والمرأة العجوز والمريض الزمن - يفطرون ولا يطالبون بالقضاء، أما العاملون في التنقيب عن الذهب وغيرهم من أصحاب المهن الشاقة فلا يحل لهم أن يفطروا.

السؤال: أحياناً أصلي ببنتي ذات التسع سنين، فهل تعتبر صلاة جماعة؟

الجواب: نعم صلاة جماعة؛ لأن ( الاثنين جماعة )كما أخبر نبينا عليه الصلاة والسلام، وذات التسع سنين مميزة، إن لم تكن بالغة، وإذا كان السؤال من امرأة فلا حرج، أما إذا كان السؤال من رجل فصلاة الرجل في المسجد في بيت الله، ولا ينبغي له أن يصلي في بيته.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
ديوان الإفتاء [485] 2824 استماع
ديوان الإفتاء [377] 2651 استماع
ديوان الإفتاء [263] 2535 استماع
ديوان الإفتاء [277] 2535 استماع
ديوان الإفتاء [767] 2508 استماع
ديوان الإفتاء [242] 2477 استماع
ديوان الإفتاء [519] 2466 استماع
ديوان الإفتاء [332] 2444 استماع
ديوان الإفتاء [550] 2408 استماع
ديوان الإفتاء [303] 2407 استماع