خطب ومحاضرات
شرح سنن أبي داود [533]
الحلقة مفرغة
شرح حديث: (لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: من خلق الله)
حدثنا هارون بن معروف حدثنا سفيان عن هشام عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل: آمنت بالله)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في الجهمية ] أي: في بيان فساد مذهبهم، وما ورد من النصوص في الرد عليهم ، والجهمية منتسبون إلى الجهم بن صفوان ، وعندهم بدع مختلفة، وهم ينفون عن الله الأسماء والصفات، ومذهب الجهمية كان موجوداً قبل الجهم ، فإن الذي أسسه هو الجعد بن درهم ، وكان ذلك في عصر التابعين، وقد سبق أن ذكرت أن الحافظ ابن حجر نقل عن الحسن البصري أنه قال: (لو كان ما يقوله الجعد حقاً لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم) يعني ما جاء عنه من البدع التي أحدثها وتبعه على ذلك غيره، وقد جاء الجهم بن صفوان وأظهر هذا المذهب ونشره، فنسب إليه الجهمية، فهؤلاء هم الجهمية الذين عقد أبو داود رحمه الله هذا الباب في كتاب السنة من كتابه السنن لبيان الرد عليهم.
وقد أورد في ذلك حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله؟ فمن وجد شيئاً من ذلك فليقل: آمنت بالله) ].
وجاء في بعض الروايات: (فلينته) أي: ليقف عند هذا الحد ولا يتجاوز، والمعنى: فليصل إلى أن الله تعالى هو الخالق وكل من سواه مخلوق، ولا يتجاوز ذلك إلى مثل هذا السؤال الباطل الذي يقذفه الشيطان على بعض الناس، وفي بعض الروايات أنه قال: (فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، ففي الحديث: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)، وهو يوسوس للإنسان، ويشوش عليه، ويأتيه بالوساوس التي تمر على خاطره، فإذا جاءت على خاطره فعليه أن يدفعها وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وليقل: آمنت بالله، ولا يسترسل مع الشيطان ووساوسه وما يلقيه عليه، فإن ذلك يؤدي به إلى الضرر، فليعرض عن هذه الوساوس ويشتغل بغيرها مما هو حق، فيشتغل بقراءة القرآن أو بذكر الله عز وجل، أو ما إلى ذلك من الأشياء التي هي من الحسنات ومن الأعمال الصالحة.
وهذه الخواطر والوساوس لا تؤثر على الإنسان إذا هجمت عليه هجوماً؛ لكن عليه أن يعرض عنها، والإنسان عندما تنقدح في ذهنه هذه الأمور ويستثقلها ويستعظمها فهذه علامة خير فيه.
تراجم رجال إسناد حديث: (لا تزال الناس يتساءلون حتى يقال: من خلق الله)
ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود .
[ حدثنا سفيان ].
سفيان هو ابن عيينة ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن هشام ].
هشام بن عروة ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
طريق أخرى لحديث: (لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: من خلق الله)
يعني: أن هذه الأمور إذا حصلت له فإنه يقول: اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:1-2] يذكر الله عز وجل ويعظمه، وينصرف عن تلك الأشياء التي خطرت له، فالله واحد لا شريك له، وهو المتفرد بالخلق والإيجاد، وهو الذي يملك النفع والضر، وهو الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو الخالق لكل شيء سبحانه وتعالى، وهو الصمد الذي هو مستغنٍ عن كل من سواه، وكل من عداه فهو مفتقر إليه، ولا يستغني عن الله طرفة عين.
فيستحضر هذه المعاني العظيمة، التي تدل على وحدانية الله عز وجل، وعلى تفرده بالخلق والإيجاد، وعلى كمال غناه وفقر كل أحد إليه، وأنه لا يستغني عن الله طرفة عين، وفي ذلك الابتعاد عن هذا الذي يلقيه الشيطان في ذهن الإنسان، من مثل هذه الأمور السيئة التي من الصعوبة على الإنسان أن يتلفظ بها، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (سئل عن الرجل يجد في نفسه ما يتعاظم أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتم ذلك؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان) يعني: كون الإنسان يستعظم هذه الأمور ويصعب عليه أن يتكلم بها، فهذا يدل على إيمانه.
لكن من يسهل عليه أن يتكلم بمثل هذه الأمور، أو تأتي شبه فيطلقها ويتبناها ويدعو إليها، فهذا هو الذي أصابه البلاء من الشيطان، بحيث أغواه في الداخل، ثم تجاوز الحد إلى أن أظهر ذلك وتبناه ودعا إليه.
قوله: [ (اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:2-4]) ].
فهو لكونه صمداً غني عن كل من سواه، ثم أتى بعد ذلك ما يوضح ويبين استغناء الله عز وجل فقال: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:3-4]) فنفى عنه الأصول والفروع والنظراء الذين يشابهونه ويماثلونه وينادّونه، وإنما هو واحد في ذاته وفي صفاته، لا شريك له في الخلق والإيجاد، ولا شريك له فيما يختص به مما يتصف به من الصفات، ولا شريك له في العبادة، بل هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له.
فقوله: [ ( لَمْ يَلِدْ [الإخلاص:3]) ] نفي للفروع، [ ( وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص:3]) ] نفي للأصول، [ (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]) ] نفي للأشباه والنظراء.
تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لحديث: (لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: من خلق الله)
محمد بن عمرو الرازي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة .
[ حدثنا سلمة -يعني: ابن الفضل - ].
صدوق كثير الخطأ أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة في التفسير .
[ حدثني محمد -يعني ابن إسحاق - ].
محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثني عتبة بن مسلم مولى بني تميم ].
وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ].
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
قد مر ذكره.
شرح حديث الأوعال
أورد أبو داود حديث العباس بن عبد المطلب ، ومحل الشاهد منه في باب الرد على الجهمية نفاة الصفات أن الله تعالى فوق العرش، فإنه لما ذكر هذا الحديث بطوله، قال في آخره بعد أن ذكر العرش: [ (والله فوق ذلك) ] يعني فوق العرش.
وفوقية الله عز وجل وعلوه قد جاءت في آيات كثيرة، فهو عز وجل متصف بالعلو بأنواعه الثلاثة: علو القدر، وعلو القهر، وعلو الذات.
وجاء في الآيات والأحاديث الكثيرة أن الله تعالى فوق العرش، وأنه قد استوى على العرش، وأن الملائكة تعرج إليه، وكل ذلك يدل على علو الله عز وجل، وقد ذكر بعض أهل العلم أن أدلة علو الله عز وجل تبلغ ألف دليل من الكتاب والسنة، لكثرتها وتنوعها.
وهذا الحديث فيه رجل ضعيف، فهو حديث ضعيف؛ ولكن الأمر الذي أورده أبو داود من أجله وهو ما يتعلق بعلو الله عز وجل وفوقيته ثابت بالآيات الكثيرة والأحاديث المتواترة، فقد جاء الاستواء على العرش في سبع آيات من كتاب الله.
قوله: [ (كنت في البطحاء في عصابة فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم) البطحاء هي المحصب، وهو مسيل واد فيه دقاق الحصباء فقيل له: المحصب، وهو في مكة.
قوله: [ (فمرت بهم سحابة فنظر إليها فقال: ما تسمون هذه؟ قالوا: السحاب، قال: والمزن؟ قالوا: والمزن، قال: والعنان؟ قالوا: والعنان) ].
هذه كلها أسماء للسحاب، قال تعالى: أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ [الواقعة:69]، وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [البقرة:164].
قوله: [ (قال: هل تدرون ما بعد ما بين السماء والأرض؟) ].
بعد ما بين السماء والأرض التي فيها ذلك السحاب، فالسحاب يكون في هذا العلو الذي بين السماء والأرض، كما قال الله عز وجل: وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [البقرة:164].
قوله: [ (إن بعد ما بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة) ].
يعني: مسيرة ثلاث وسبعين سنة أو اثنتين وسبعين سنة أو إحدى وسبعين سنة، يعني: أن المسافة بعيدة وشاسعة تقطع بهذه السنين.
قوله: [ (ثم السماء فوقها كذلك، حتى عد سبع سماوات) ].
يعني: أن ما بين كل سماء إلى سماء مثل هذا المقدار.
الأوعال من الحيوانات المتوحشة التي مما تكون في البر، وهو من الصيد، وهذا الوصف يخالف ما وصف به الملائكة بأنهم: أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [فاطر:1].
قوله: [ (ثم على ظهورهم العرش بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء) ].
أي أن سمك العرش كذلك.
والحديث كما أسلفت فيه رجل ضعيف، فهو غير ثابت، ولكن الأمر الذي سيق الحديث من أجله وهو كون الله تعالى فوق العرش ثابت، وفي ذلك رد على الجهمية الذين يقولون: إن الله ليس فوق العرش، ويقولون: إنه في كل مكان، أو يقولون: إنه لا داخل العالم ولا خارج العالم، فإن قوله: [ (فوق العرش) ] يدل على خلاف ما قالوه وعلى إبطال ما قالوه.
تراجم رجال إسناد حديث الأوعال
محمد بن الصباح البزاز ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الوليد بن أبي ثور ].
هو ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ عن سماك ].
سماك بن حرب ، وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عبد الله بن عميرة ].
هو مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ عن الأحنف بن قيس ].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن العباس بن عبد المطلب ]
عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
ذكر ما نقله السندي في شرح حديث الأوعال والتعليق عليه
هذه العبارة غير صحيحة، فالله تعالى بذاته وصفاته فوق عرشه، وهو كما يليق به، ولا يجوز أن يتكلم في أمور أخرى ما جاء إثباتها ولا نفيها في الكتاب والسنة، والله عز وجل عظيم الذات وعظيم القدر، وعلي الذات وعلي القدر وعلي القهر، وكل هذه الصفات لله سبحانه وتعالى وهو متصف بها، وهو سبحانه وتعالى بذاته فوق عرشه كما صرح بذلك علماء أهل السنة، ومنهم ابن أبي زيد القيرواني في مقدمة رسالته فإنه قال: فوق العرش المجيد بذاته؛ لكن كيفية استوائه على عرشه لا يبحث عنها، كما قال الإمام مالك رحمة الله عليه لما سأله سائل: كيف استوى؟ قال: الاستواء معلوم والكيف مجهول.
فالاستواء معلوم لأن الناس خوطبوا بكلام يفهمونه، والاستواء معروف أنه العلو والارتفاع، ولهذا فسروه بالعلو والارتفاع، فمعنى أن الله استوى على عرشه أنه ارتفع عليه وعلا عليه، لكن كيفية هذا هي التي لا تعلم، ولهذا فإن أهل السنة يعتقدون التفويض في الكيف دون التفويض في المعنى، بخلاف المبتدعة الذين هم إما مفوضة يقولون: الله أعلم بمراده، فلا يعرفون معنى الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، ومعنى ذلك أن الناس خوطبوا بكلام لا يفهمون معناه، وإما مؤولة.
والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم فهموا معنى ما خوطبوا به؛ ولم يسألوا عن المعنى لأنهم عارفون بالمعنى، ولكن السؤال عن الكيفية هو الذي لا يجوز.
قال في الحاشية: ولقد كتب الشيخ زاهد الكوثري في مقالاته مقالة باسم الصورة والأوعال، ونقل عن ابن العربي قوله: أمور تلقفت عن أهل الكتاب ليس لها أصل في الصحة.
ونحن نقول: حديث الأوعال لم يثبت، ولكن ما يتعلق بعلو الله عز وجل واستوائه على عرشه قد أثبته أهل السنة والجماعة وتأوله من تأوله من المبتدعة، وزاهد الكوثري هو من هؤلاء المبتدعة الذين انحرفوا عن الجادة وعن الصراط المستقيم، وصار عنده كلام كثير في النيل من أهل السنة ولمزهم والتعرض لهم، فهو فيما يتعلق بالعقيدة منحرف وليس من أهل السنة والجماعة، بل هو من ألد أعداء أهل السنة والجماعة .
طريق ثانية لحديث الأوعال وتراجم رجال إسنادها
ذكر المصنف هذا الحديث بإسناد آخر، فقال عندما وصل إلى سماك : [ بإسناده ومعناه ].
قوله: [ حدثنا أحمد بن أبي سريج ].
أحمد بن أبي سريج هو أحمد بن الصباح بن أبي سريج ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .
[ أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد ].
ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[ ومحمد بن سعيد ].
ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن عمرو بن أبي قيس ].
صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[ عن سماك ].
مر ذكره.
وفيه عبد الله بن عميرة الذي هو مقبول.
طريق ثالثة لحديث الأوعال وتراجم رجال إسنادها
ثم ذكر حديث الأوعال بإسناد ثالث وأحال على الإسناد الأول، وأنه بإسناده ومعناه، وكله عن سماك عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس.
قوله: [ حدثنا أحمد بن حفص ].
أحمد بن حفص بن عبد الله ، وهو صدوق أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .
[ حدثني أبي ].
هو حفص بن عبد الله ، وهو صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا إبراهيم بن طهمان ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سماك ].
قد مر ذكره.
شرح حديث أطيط العرش بالله تعالى
قال ابن بشار في حديثه: (إن الله فوق عرشه، وعرشه فوق سماواته) وساق الحديث.
وقال عبد الأعلى وابن المثنى وابن بشار : عن يعقوب بن عتبة وجبير بن محمد بن جبير عن أبيه عن جده، والحديث بإسناد أحمد بن سعيد هو الصحيح، وافقه عليه جماعة منهم يحيى بن معين وعلي بن المديني ، ورواه جماعة عن ابن إسحاق كما قال أحمد أيضاً، وكان سماع عبد الأعلى وابن المثنى وابن بشار من نسخة واحدة فيما بلغني ].
أورد أبو داود حديث جبير بن مطعم النوفلي رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: [ (جهدت الأنفس، وضاع العيال، ونهكت الأموال، وهلكت الأنعام، فاستسق الله لنا؛ فإننا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك) ] فلما قال: [ (نستشفع بالله عليك) ] قال عليه السلام: [ (ويحك! أتدري ما تقول؟ وسبح الرسول صلى الله عليه وسلم، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: ويحك! إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك!) ].
أي: وإنما الاستشفاع يكون من المخلوق، حيث يطلب منه أن يشفع مثلما يشفع النبي صلى الله عليه وسلم في الحياة الدنيا، بأن يطلب منه الدعاء فيدعو ويجيب الله دعوته، وفي الآخرة تطلب منه الشفاعة عندما يكون الناس في الموقف فيشفع، وكذلك يشفع في الخروج من النار، وشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنواع متعددة، فالشفاعة تكون من الأدنى إلى الأعلى أما أن يشفع الأعلى عند الأدنى فلا، والقول بأن الله عز وجل يستشفع به على خلقه قول خطير وأمر عظيم، ولهذا سبَّح النبي صلى الله عليه وسلم مستعظماً ومتعجباً، وقال: [ (شأن الله أعظم من ذلك) ].
ثم ذكر أنه فوق عرشه، وأن عرشه فوق مخلوقاته، وقال: [ (إنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب) ] والرحل هو الخشب الذي يجعل على البعير ويركب عليه الراكب، وإذا كان الراكب ثقيلاً فإنه يصير له صوت من ثقل الراكب عليه.
وهذا الحديث الذي فيه أن العرش يئط بالله عز وجل غير صحيح، وفي إسناده من هو متكلم فيه، ولكن الشيء الذي ساقه أبو داود من أجله -وهو أن الله تعالى فوق عرشه- قد جاء في آيات كثيرة وأحاديث عديدة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والحجة بها دونه، ويكفي ما ورد مما صح عما لم يصح.
يقول الخطابي : هذا الكلام إذا أجري على ظاهره كان فيه نوع من الكيفية، والكيفية عن الله وصفاته منفية، فعقل أن ليس المراد منه تحقيق هذه الصفة، ولا تحديده على هذه الهيئة، وإنما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة الله وجلاله سبحانه، وإنما قُصد به إفهام السائل من حيث يدركه فهمه، إذ كان أعرابياً جلفاً لا علم له بمعاني ما دق من الكلام، وبما لطف منه عن درك الإفهام، وفي الكلام حذف وإضمار، فمعنى قوله: (أتدري ما الله؟) معناه: أتدري ما عظمة الله وجلاله؟) وأقول: هذا كلام لا
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجهمية.
حدثنا هارون بن معروف حدثنا سفيان عن هشام عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل: آمنت بالله)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في الجهمية ] أي: في بيان فساد مذهبهم، وما ورد من النصوص في الرد عليهم ، والجهمية منتسبون إلى الجهم بن صفوان ، وعندهم بدع مختلفة، وهم ينفون عن الله الأسماء والصفات، ومذهب الجهمية كان موجوداً قبل الجهم ، فإن الذي أسسه هو الجعد بن درهم ، وكان ذلك في عصر التابعين، وقد سبق أن ذكرت أن الحافظ ابن حجر نقل عن الحسن البصري أنه قال: (لو كان ما يقوله الجعد حقاً لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم) يعني ما جاء عنه من البدع التي أحدثها وتبعه على ذلك غيره، وقد جاء الجهم بن صفوان وأظهر هذا المذهب ونشره، فنسب إليه الجهمية، فهؤلاء هم الجهمية الذين عقد أبو داود رحمه الله هذا الباب في كتاب السنة من كتابه السنن لبيان الرد عليهم.
وقد أورد في ذلك حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله؟ فمن وجد شيئاً من ذلك فليقل: آمنت بالله) ].
وجاء في بعض الروايات: (فلينته) أي: ليقف عند هذا الحد ولا يتجاوز، والمعنى: فليصل إلى أن الله تعالى هو الخالق وكل من سواه مخلوق، ولا يتجاوز ذلك إلى مثل هذا السؤال الباطل الذي يقذفه الشيطان على بعض الناس، وفي بعض الروايات أنه قال: (فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، ففي الحديث: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)، وهو يوسوس للإنسان، ويشوش عليه، ويأتيه بالوساوس التي تمر على خاطره، فإذا جاءت على خاطره فعليه أن يدفعها وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وليقل: آمنت بالله، ولا يسترسل مع الشيطان ووساوسه وما يلقيه عليه، فإن ذلك يؤدي به إلى الضرر، فليعرض عن هذه الوساوس ويشتغل بغيرها مما هو حق، فيشتغل بقراءة القرآن أو بذكر الله عز وجل، أو ما إلى ذلك من الأشياء التي هي من الحسنات ومن الأعمال الصالحة.
وهذه الخواطر والوساوس لا تؤثر على الإنسان إذا هجمت عليه هجوماً؛ لكن عليه أن يعرض عنها، والإنسان عندما تنقدح في ذهنه هذه الأمور ويستثقلها ويستعظمها فهذه علامة خير فيه.
استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح سنن أبي داود [139] | 2891 استماع |
شرح سنن أبي داود [462] | 2845 استماع |
شرح سنن أبي داود [106] | 2837 استماع |
شرح سنن أبي داود [032] | 2732 استماع |
شرح سنن أبي داود [482] | 2704 استماع |
شرح سنن أبي داود [529] | 2695 استماع |
شرح سنن أبي داود [555] | 2689 استماع |
شرح سنن أبي داود [177] | 2681 استماع |
شرح سنن أبي داود [097] | 2656 استماع |
شرح سنن أبي داود [273] | 2652 استماع |