خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/943"> د. عمر عبد الكافي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/943?sub=34776"> سلسلة الدار الآخرة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
سلسلة الدار الآخرة أول من يدخل الجنة
الحلقة مفرغة
أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الحادية والثلاثون في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة أو عن الموت وما بعده، وهي الحلقة العاشرة في الجنة، جعلنا الله وإياكم من أهل الجنة، وزحزحنا وإياكم عن النار.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً.
اللهم لا تجعل يا ربنا بيننا شقياً ولا محروماً، لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا صدراً ضيقاً إلا شرحته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا مسافراً إلا رددته غانماً سالماً لأهله، اللهم ارزقنا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً.
أكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وكن لنا ولا تكن علينا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا.
اللهم من أراد بالمسلمين كيداً فاجعل اللهم كيده في نحره، أوقع الكافرين في الكافرين، وأخرجنا من بينهم سالمين، ولا تجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً.
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم اطرد عن بيوتنا شياطين الإنس والجن، اللهم اطرد عن مجتمعاتنا شياطين الإنس والجن، ول أمورنا خيارنا، ولا تول أمورنا شرارنا، وأصلح يا رب أحوالنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، واختم لنا منك بخاتمة السعادة أجمعين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
نكرر دائماً ونقول: إن المسلم يتقلب في حالات أربع: إما في طاعة أو في معصية، وإما في نعمة أو في بلية، هذه هي الحالات الأربع التي يحياها كل واحد منا، وكل حالة تستوجب شيئاً، فالطاعة تستوجب الاستمرارية، فإذا فتح الله عليك باباً من أبواب الطاعة فلا تتكاسل، فإنك لا تعرف متى يرضى ربنا، وقد يرضى ربنا علينا في مجلس من مجالس العلم؛ لأن رضا الله عز وجل مخبأ في طاعته، وإن سخط الله عز وجل مخبأ في معصيته، فأنت عندما تكثر من الطاعات لا تعرف أي طاعة يقبلها رب العباد سبحانه، ولا تعرف متى ينظر الله إليك؛ لأن الذي سينظر الله إليه نظرة لن يعذبه يوم القيامة.
والمهم أن ينظر الله إليك وأنت تطيعه، فاحذر أن ينظر إليك وأنت تعصيه؛ لأنه إذا نظر إليك وأنت تعصيه فربما مقتك فطردك من رحمته، ولكن العبد المؤمن أواب، أي: رجاع إلى ربه كثير التوبة والاستغفار، كثير الرجوع إلى الله، وقال أهل العلم: لو نزل عذاب من السماء لما نجا إلا أهل المساجد.
ولقد حفظتم الحديث القدسي: (أكاد أهم عذاباً بأهل الأرض فأنظر إلى المتزاورين في، وإلى المتجالسين في، وإلى المتحابين في، وإلى عمار بيتي فأرفع عذابي عن أهل الأرض).
إذاً: رحمة الله عز وجل أكثر ما تنزل في بيوته؛ لأن أطهر وأفضل وأعظم وأقرب الأماكن إلى الله عز وجل هي بيوته، وأبغض البقاع إلى الله الأسواق، وقد قلنا من قبل أنه جاء أعرابي عندما نزل جبريل فقال: (يا محمد! ما هي خير البقاع وشر البقاع؟ قال له: انتظر حتى أسأل من هو أعلم مني) وهذا من تواضع سيدنا رسول الله، ولنا فيه الأسوة الحسنة، ليس كل واحد منا يعرف كل شيء، وما أوتينا من العلم إلا قليلاً، والرجل الصالح قال لسيدنا موسى بعد رحلته الطويلة التي علمه فيها العلم الكثير وذلك عندما رأى العصفور واقفاً على حافة المركب أو السفينة ونقر في البحر نقرتين- فقال: يا موسى، ما علمي وعلمك وعلم الخلائق كلهم بالنسبة إلى علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من ذاك البحر، وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ [لقمان:27]، قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي [الكهف:109] أي: مداد حبر لكلمات الله عز وجل.
وقلنا: إن كلمات الله عز وجل نوعان: كلمات شرعية وكلمات كونية، فالكلمات الشرعية هي التكاليف والأوامر والنواهي، اعمل كذا.. لا تعمل كذا، صل وصم، ولا تشرب الخمر.. لا ترتكب كذا.. لا تفتر.. لا تظلم.. ونحوها وكلماته الكونية هي الكون وما فيه بكلمة (كن)، كوني سماء.. فكانت، كوني أرضاً.. فكانت، وقلنا: إن الكون عند الله عز وجل نوعان: كون مستور، وكون منشور، الكون المستور: هو كلام الله في كتابه، كل العالم موجود في كتاب الله عز وجل، كل أحوالك: حالة الإيمان، وحالة الكفر، وحالة الطغيان، وحالة العدل، وحالة النصر، وحالة الهزيمة، وحالة الغنى، وحالة الفقر، الطاعة والمعصية، الجنة والنار.. هذه كلها موجودة في كون الله المستور والمقروء وهو القرآن.
وكون الله المنشور الذي هو: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ [آل عمران:190]، الذين يتفكرون ويتذكرون، وماذا يقولون؟ يقولون: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191] إذاً: الدعوة بالنجاة من عذاب النار في مسألة التفكر؛ لأن من تفكر تقرب، ومن تقرب هطلت عليه رحمة الله عز وجل.
إذاً: عندما سأل الأعرابي الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: (انتظر حتى أسأل من هو أعلم مني، فنزل جبريل فقال: يا رسول الله! خير البقاع المساجد، وشرها الأسواق) لكن أنت عندما تدخل السوق تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أكسب فيها يميناً فاجرة، أو صفقة خاسرة، هذا دعاء السوق.
ومن دخل إلى السوق وقال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم كتب له عند الله مائة حسنة؛ لأن الذين في السوق مشتغلون بالبيع والشراء، فإذا ذكر الله شخص في الغافلين كان كالمقاتل بين الفارين، وكالشجرة الخضراء وسط الهشيم، وكان أبو هريرة رضي الله عنه يدخل السوق ويخرج ولم يبع ولم يشتر ويقول: أنا أتيت فقط لأذكر الله في الغافلين!
فلو دخل أحد اليوم السوق ليذكر الله عز وجل لربما ضحكوا عليه، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ [المطففين:29] يا أخي! دعه يضحك قليلاً لا بأس، تريد حسنات بدون أن يضحك عليك أحد، لعل عملك كان ينقصه الإخلاص، فأكثر من الحسنات سواء ضحك الناس أو سخروا؛ لأنك استقمت على طريق الله أنت وزوجتك وبناتك وأهلك.
فإما أنت في طاعة تستوجب الزيادة والاستمرار، وعندما يفتح لك الله باب طاعة فلا تكسل؛ لأن للقلوب إقبالاً وإدباراً كما أخبر الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، فإذا أقبلت فتنفلوا وإذا أدبرت فأدوا الفريضة.
وكما قلنا إن الدول والأمم والعباد يهلكون بالطغيان، وهو الذي ينهي الأمم من الوجود وليس الكفر؛ ولذلك قال الله لموسى: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [طه:24] أما الكفر فهذه مسألة بينه وبين ربه، ولكن أن يطغى إنسان على إنسان فهذا هلاك.
قال تعالى: إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ [القصص:76]، مع أنه لم يعمل لهم شيئاً، والبغي: هو عدم تنفيذ أحكام الله عز وجل.
فالإنسان الغني الذي لا يخرج زكاة ماله يكون باغياً؛ لأنه تكاسل أو قصر في تنفيذ أوامر الله سبحانه.
ذهب إليه رجل من عند سيدنا موسى فقال له: يا قارون أعطنا زكاة المال، قال: من الذي بعثك؟ قال له: موسى، قال له: أنا لا أعرف موسى ولا رب موسى، وقال: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص:78]، وكأنه يقول: إنه يوجد عندي ما يحول المعادن الخفيفة إلى معادن نفيسة، وما يحول الزئبق إلى ذهب، كما تحصل الآن في المفاعلات النووية والأفران الذرية، وهي مكلفة جداً، فهو وصل إلى هذه الحقيقة وقال: أنا أحضرته من عرقي وذكائي يعني: أنا واصلت الليل بالنهار، وكنت أعمل خلال الأربع والعشرين ساعة، ولقد رأيت الويل، وبعد ذلك تسألوني حق الله؟ فيقال لمثل هذا: من الذي أعطاك الصحة حتى تعمل وتكد؟ أين حق الله عليك؟
وأصحاب الدنيا يهمهم المنظر الخارجي قال تعالى: فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ [القصص:79] وتخيل أن مفاتيح خزائن قارون يحملها الجماعة من الناس! قال تعالى: وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ [القصص:76] العصبة: ما يقارب الأربعين أو الخمسين شخصاً يحملون مفاتيح الخزائن، إذاً: الخزائن كم حجمها؟ والذي بداخلها كم حجمه؟!
فالذي يريد الدنيا يقول: يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ [القصص:79].
ولذلك كان هناك قارئ من حفظة كتاب الله نام وهو مهموم، فأتى له شخص في الرؤيا وقال له: ما لك؟ قال له: أنا مهموم عندي ضائقة مالية، فقال له: الأمر سهل، نأخذ منك سورة البقرة ونعطيك مائة ألف؟ فرفض، قال له: نأخذ منك آل عمران ونعطيك مائة ألف؟! فرفض قال له: نأخذ منك النساء؟! نأخذ منك الواقعة؟! ثم قال له: اضرب إذاً مائة ألف في مائة وأربع عشر سورة كم عندك؟!
فمن حفظ كتاب الله وظن أن أحداً أوتي خيراً منه فقد ازدرى نعمة الله عليه، اللهم ثبت علينا حفظ كتابك يا رب العالمين! واجعلنا من العاملين به آناء الليل وأطراف النهار، فالإنسان لا يستقل نعمة ربه عليه، فصاحب الدنيا يقول: يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [القصص:79]، فأنت إذا نظرت إلى الناس بعين البصر وجدت غنياً وفقيراً، ووجدت سعيداً وشقياً، ولكن لو نظرت إلى الناس بعين البصيرة لرأيت الناس قد تساووا جميعاً، لا يوجد أحد يأخذ أكثر من الآخر، فتجد شخصاً عنده مال لكن عنده هم يؤرقه، وآخر عنده مرض، وآخر عنده مال وجاه ولكن عنده تعاسة، في الأخير كلهم يتساوون؛ لأن الله عدل!
يقول سبحانه وتعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، فهو خلق الإنسان وقال: وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16]، يعلم ما توسوس به نفسه، لأنه يرى أن الأصلح له أن يبقى على الفقر إذ لو أغناه لم يره في المسجد، وقد يبتليه الله بمرض فيقوم الليل يقول: يا رب! أنا مريض، وليس لي إلا أنت فانظر إلي، يقول تعالى: (عبادي أصيبهم بالمصائب حتى أطهرهم من المعائب، حتى يعودوا إلي كما ولدتهم أمهاتهم)، قال تعالى: الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:1-2]، فيبتلي الله العبد بالمصائب ليسمع منه الحمد والصبر على البلاء، فالله يحب أن يسمع صوت عبده وهو يثني عليه وليس أنه يصيبه بالبلاء لأنه يكرهه وإذا رأيت العبد يعصي الله والنعم تتهاطل عليه فاعلم أنه مستدرج من الله وهو من أهل النار؛ لأنه كان رجلاً عاصياً ومنحرفاً، إن الله إذا غضب على عبد فتح له طريق الحرام فيدخل فيها، وعندما يشتد عليه غضبه يبارك له في هذا الحرام وهو منحرف والعياذ بالله! نسأل الله أن يرزقنا وإياكم من الحلال.
فأنت إما أن تكون في طاعة تستوجب الزيادة والاستمرارية، أو تكون في معصية تستوجب التوبة السريعة، وأنا أخاف من الذي تنصحه فيقول لك: إن شاء الله سأصلي من أول رمضان تقول له: ربما يأتيك الموت ولم تدرك رمضان فيقول: يا أستاذ! أبي مات وعمره سبعة وثمانون سنة، وأنا الآن عمري سبعة وعشرون عاماً، فنقول: ومن قال لك إن العمر بالوراثة؟!
فيجب على الإنسان المبادرة بالتوبة، ومن أراد أن يسلك الطريق فليبدأ مباشرة؛ لأنه لا يضمن البقاء حتى يطلع الصباح وقلنا: إن العجلة شر إلا في أمور من ضمنها الإسراع بالتوبة من الذنب؛ لأنك يمكن أن تتوب من هنا ويأتيك الموت من هنا فتكون قد ختم لك بخير، فإنما الأعمال بخواتيمها، اللهم أحسن لنا خاتمتنا في الأمور كلها يا رب.
ونحن نتقلب في نعم الله عز وجل، وأعظم نعمة أنك تعرف الله، وتعرف رحمته، وتلمس قدرته وعظمته، وترى فضله وإنعامه، قال تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34] فنعم الله عظيمة عليكم ومنها: نعمة الإيمان ونعمة حلاوة الطاعة؛ ويوجد أناس والعياذ بالله لا يجدون في الطاعة حلاوة، فالمؤمن نعم الله عليه جليلة تستوجب الشكر، والشكر يستوجب الشكر يعني: أنت تحمد الله ثم تفكر: من الذي وفقني لأحمده؟!
فالإنسان إذا سلك طريق الشكر وأحس بالنعمة، وأحس أن هذه النعمة تستوجب الشكر، فيكون من أهل الثواب والشكر، اللهم اجعلنا من الشاكرين يا رب العالمين!
الحالة الرابعة: حالة الابتلاء، وهذه تحتاج إلى الصبر، قال تعالى: أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا [الفرقان:75].
والصبر: ألا تشكو إلى مخلوق قط مهما كان، إنما تشكو الناس والعباد إلى رب العباد قال تعالى: إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ [يوسف:86]، إذاً الشكوى كلها تكون لله.
إذاً لك في مجلس العلم والإتيان إلى المسجد فوائد سبع:
منها: أن تجد أخاً في الله، وهناك أخوة حصلت وأسر تصاهرت وحصل نسب بين الناس، وهذا بمجرد تعارف الناس مع بعض، وتجد الواحد وجهه منشرح لأخيه ومبتسم، ويأخذه حاضناً له قائلاً: كيف حالك وكيف حال ابنك وبنتك؟ وكيف عيالك وامرأتك وشغلك؟ إذاً يشعر أنه قريب منه.
ولذلك ما نظر مسلم إلى أخيه نظرة رحمة إلا نظر الله إليهما، ومن نظر الله إليه فلن يعذبه أبداً، فينظر إلى أخيه نظرة ليس فيها غل ولا حقد ولا ضغينة، قلبك عليه أبيض، كما روي في الحديث الصحيح: (المؤمن مرآة أخيه)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً).
وقلنا من قبل: أكثروا من الأخلاء الصالحين؛ فإن لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة، اللهم شفعنا في بعض يا رب العالمين.
ومنها أن تجد علماً مستغرقاً أو رحمة مستنزلة؛ ولذلك كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا ذهب الناس لشغلهم يقول للصحابة: تقاربوا، فيقرب الصحابة من بعضهم البعض؛ فإن رحمة الله سوف تهبط عليهم مثل الثوب الذي يتغطى به إذاً: أو رحمة مستنزلة.
الفائدة التي بعدها: أو كلمة تدلك على هدى، أو تمنعك من ردى، أي: من هلاك؛ فإتيانك إلى المسجد يزيد في علمك، ويمنعك من أن تقول للواحد: يا كافر، إلا إذا قال لك: أنا غير مؤمن بوجود الله والعياذ بالله! تقول له: أنت كافر، لكن شخص يقول: لا إله إلا الله كيف تكفره؟ لا يكفر من قال: لا إله إلا الله.
وقال رجل: يا أبا حنيفة ! هل سيجمع الله هؤلاء كلهم في مكان واحد؟ قال له: نعم، قال له: هل يقدر على أن يجمعهم في خرم إبرة؟ قال له أبو حنيفة : نعم، فقال: كيف؟ قال له: إما أن يصغر الناس أو يوسع خرم الإبرة! وهذه الفلسفة والجدل صارت سمة وعلامة للمسملين هل يشك أحد في قدرة الله؟!
ولذلك قال رجل لـعلي كرم الله وجهه: كيف يحاسب الله الناس على كثرة عددهم؟ قال: كما يرزقهم على كثرة عددهم، أي: سوف يحاسبهم مثلما يرزقهم، وهذه مسألة لا تشغل فكرك بها واشغل فكرك في الذي ينجيك؟ والذي يضيعك؟
كذلك من الفوائد: أو تترك الذنوب خشية أو حياء، فعندما تحضر مجلس العلم ثم تخرج فترى منظراً في الشارع فتغض بصرك مباشرة؛ لأن النظرة سهم من سهام إبليس، فهو يغض بصره ويترك الذنوب خشية أو حياء من الله ومن نفسه ومن الملائكة ومن الناس.
يقول الله سبحانه وتعالى: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى [الرعد:19].
هذه الآية وما بعدها تقسم الناس إلى مبصر وأعمى، والأعمى ليس أعمى البصر، فإن العمى عمى البصيرة والقلب، فمن كان يرى ببصيرته فليس بأعمى وإن عمي بصره، والإنسان قد يسلب منه نعمة معينة قال الله عز وجل: (لا أجد لعبدي إذا سلبت حبيبتيه جزاء يوم القيامة إلا أن أبيح له وجهي ينظر إليه بكرة وعشياً)، فالذي يسلبه الله نعمة البصر يعوضه الله فيعطيه ما أعطى أبا بكر الصديق وأقل ملك في الجنة رجل يسير في ملكه ألفي سنة، وتخيل أن ملكك في الجنة تظل تمشي فيه ألفي سنة، قال الصحابة: يا رسول الله! فمن أعلاهم؟ قال: (من ينظر إلى وجه ربه بكرة وعشياً) وأبو بكر قاعد فقال: (أمثال من يا رسول الله؟! قال: كمثلك أنت يا
إذاً: سورة الرعد تقسم الناس إلى مبصر يرى بقلبه نور الحق، وأعمى لا يرى نور الحق، مع أن الحق واضح أبلج.
الوفاء بالعهد والميثاق
فيقول له: تعالى أنا أجعل الشيخ يعطيك عهداً، فيذهب إلى عند الشيخ والشيخ متقمص شخصية المشيخة فيقول له: مد يدك الكريمة، فيمد يده ويصافحه فيكون ذلك عهداً، فتراه يعظم هذا العهد ويراه مثل عهد الله يعني: أنت خائف على العهد الزائف الذي بينك وبين العبد! وقطعت العهد الذي بينك وبين الله، ألم تعاهد الله عز وجل وأنت في صلب أبيك آدم؟ حين أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى، أي: يا رب! أنت ربنا، إذاً هذا هو عهد التوحيد الذي أخذه الله عليك، والتوحيد الخالص يجعلك لا تخاف من اليوم القادم، ويجعلك واثقاً في رحمة الله، لو كان عند المسلمين يقين مثلما قلنا فبدلاً من أن يقعوا في الشبهات وأرباح البنوك يذهب يفتح حساباً جارياً، وربنا يرزقه وييسر له الرزق الحلال.
قال تعالى: يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ [الرعد:20] أول عهد عهد التوحيد، ثم عهد الأوامر والنواهي، فهذا عهد آخر قال تعالى: وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:29]، فنولي وجوهنا للمساجد فنصلي الصلوات في الجماعة، ثم بعدها إيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصلة الرحم، وفعل الخيرات، والكلمة الطيبة، وتبسمك في وجه أخيك.. كل هذه عهود بينك وبين الله، وعهود مكتوبة، ولذلك ربنا أخذ العهد على النبيين أنه لو جاء رسول في آخر الزمن أن يؤمنوا ويصدقوه قال تعالى: أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي [آل عمران:81] أي: على العقد الموثق (قالوا أقررنا) انتهى الأمر.
ولذلك أنا أريد أن تقرأ القرآن بتمعن وتفكر، إن الله سبحانه وتعالى عندما يتحدث عن وحيه إلى رسله الكرام يتحدث عن التوصية في جانب نوح والنبيين من بعده، ولا تأتي كلمة التوصية في جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى [الشورى:13]، فالتوصية تأتي عند الأنبياء وتأتي عند سيدنا رسول الله كوحي فقط، لأن العبودية ما تحققت فعلاً في أكمل مراحلها إلا في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ [الرعد:20] أي: الميثاق الذي بينك وبين ربنا من عبادته وتوحيده، وعدم عصيانه، والميثاق الذي بينك وبين الناس ألا تخلف الوعد كأن تعد بإنجاز موضوع وفي نيتك أنك لن تعمل له شيئاً، فهذه من صفات المنافق، لكن الذي يعد وهو ينوي أن يفي بوعده ولكن الظروف ما سمحت له، فهذا هو الممدوح.
من صفات أهل الجنة صلة الرحم
ولذلك قلنا من قبل: إن الله عز وجل يقبل توبة كل تائب ما عدا ثلاثة: (العاق لوالديه، ومدمن الخمر، وقاطع الرحم) وفي حديث آخر: (والمخاصم لأخيه، والديوث) المخاصم لأخيه المسلم سواء بسبب أو بدون سبب، يقول الله لملك الحسنات: لا تكتب له حسنة إلا إذا ذهب يصالح أخاه.
ولذلك كان الصالحون إذا ضاقت الدنيا عليهم وكثرت المصائب والمشاكل يذهبون إلى ثلاثة أماكن: إلى السجون ليسمعوا أنين المساجين، فيتشعروا نعمة الله عليهم، ويذهبون إلى المستشفيات فينظرون إلى المرضى وأصحاب المصائب فيحمدون الله على العافية، ويذهبون إلى المقابر ليعرف العبد نهايته وقدومه على الله!
فالمسلم عندما تضيق به الأمور عليه أن يزور بيوت الله عز وجل، وأن ينظر في الدنيا إلى من هو أقل منه؛ لكي لا يستقل نعمة الله عليه.
من صفات أهل الجنة الخشية من الله عز وجل
وقد تدعى إلى حفلة زواج لقريب لك، لكن هذه الحفلة قد استدعيت إليها راقصة وفرقة غنائية، فهل تجيب هذه الدعوة وقد اشتلمت على ما يغضب الله، مع العلم أنك إذا لم تذهب للحضور سيغضب منك صاحب الحفلة؟ والجواب أنه يحرم الذهاب؛ لأن الله قد ينظر إليك في مكان المعصية فيغضب عليك، وربما نزل عليك ملك الموت في هذه الحالة فتكون ممن ختم له بسوء الخاتمة!
إذاً: هنا هم يخشون ولذلك ذكر من السبعة الذي يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين)، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين!
من صفات أهل الجنة الخوف من سوء الحساب
فهو يقول: أنا خائف من سوء الحساب وأخاف من الله سبحانه وتعالى أن يخرج لي الأعمال السيئة التي عملتها، فنسأل الله عز وجل أن يختم لنا ولكم بخير، وأن يجيرنا وإياكم من سوء الحساب.
من صفات أهل الجنة الصبر
يحكى أن أحد المريدين دعا شيخه إلى بيته فأجابه، ففرح المريد وأعد له طعاماً فجاءت الدجاجة فقفزت على الطعام فصرفوها عنه، ثم إن الشيخ دعا المريد إلى بيته، وعندما ذهب المريد إلى بيت الشيخ ذهب وفي قلبه للشيخ هيبة وإجلال، وبينما هو جالس في بيت الشيخ ينتظر الطعام إذا به يسمع زوجة الشيخ ترفع صوتها عليه وتكلمه كلاماً لا يتناسب مع مقامه وتغضب عليه وهو صابر، فاستنكر المريد وعظم ذلك عليه، إذ كيف تهين المرأة الشيخ الذي يجله الناس ويكرمونه ويتبعونه.
ودخل عليه الشيخ فوجد وجهه متغيراً فعرف ما في نفسه فقال له: يا بني، لقد كنا عندكم الجمعة الماضية فقفزت الدجاجة إلى وسط الطعام فماذا صنعنا بها؟ قال: لا شيء. قال: فإني أنزلت زوجتي منزلة الدجاجة! وهذا هو الصبر الحقيقي.
جلس الحسن البصري رحمه الله وسط المريدين، وكان أهل العراق يحبونه، فأحد الحاضرين جاء وداس على رجل الحسن ، والحسن البصري يبتسم، ثم قال لهم: إن أحدكم إذا ضرب رجله في حجر؛ فسقط على وجهه فهل يضرب الحجر؟ قالوا له: لا، قال لهم: فأنا أنزلته منزلة الحجر! انتهت القضية بسهولة، فأنت تصبر ابتغاء مرضاة الله إذا آذاك أحد لأن الصبر يشعرك بأمرين: أنك انتصرت على نفسك وعلى الشيطان، وأخذت ثواباً لا يعلمه إلا الله، اللهم اجعلنا من الصابرين يا رب!
من صفات أهل الجنة إقامة الصلاة
أي: صلوا كما يجب وينبغي: وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً [الرعد:22].
سراً: الصدقة.
وعلانية: الزكاة، كما قال أهل العلم.
وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ [الرعد:22] كان الإمام الشافعي رحمه الله إذا اغتابه أحد يبحث عنه، حتى إذا وجده قال له: بلغنا أنك أعطيتني هدية بالأمس -فمسى الغيبة هدية؛ لأن المغتاب يهدي حسنات للغير-، فـالشافعي رضي الله عنه يقول: أهديتنا من أمور الآخرة ونحن نهديك من حطام الدنيا، خذ هذه الهداية.
ولذلك كان سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم قاعداً مع السيدة عائشة فقال لها: (يا
انظر الأدب والتعامل مع النبي صلى الله عليه وسلم! لما كان السيدة حفصة تعرف أن عائشة تتضايق من أكل الحزير -العصيدة- تصنع حزيراً وهي تعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم عند عائشة ثم ترسل له إلى الرسول ليأكل منه، فالسيدة عائشة رضي الله عنها أخذت الصحفة يوماً وكسرتها فجعل الرسول يصلح الصحفة ويقول: (غارت أمكم! غارت أمكم) ويصبر صلى الله عليه وسلم ابتغاء مرضاة الله.
الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه عندما كان يؤذيه أحد الناس كان يقول: يا فلان! أبيت إلا أن تعصي الله فينا ونحن نأبى إلا أن نطيع الله فيك. يعني: أنت عزمت إلا أن تعصي الله فينا، ونحن عازمون أن نطيع ربنا فيك وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ [الرعد:22]، عقبى الدار والله إنها جنات عدن، وقلنا: عدن الإنسان في المكان أي: أقام فيه ولم يبرحه قال تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ [الرعد:23] يدخلون عليهم من كل باب بالهدايا.. تخيل أنت عندما يؤتى لك بهدية من واحد صاحب قدر وقيمة، فما بالك بالهدايا من رب الهدايا؟! وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:24]، وأنت في الجنة لا تسمع إلا هذا الكلام لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا [الواقعة:25-26]، أي: السلامة من كل شيء، فلا يوجد مرض، ولا أذى، ولا حزن، ولا خوف، ولا أحد ينكد عليك.
إذاً: ربنا سبحانه وتعالى يقول: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الرعد:19]، وأولو الألباب الذين هم من أصحاب العقول النيرة، الذين يوفون بعهد الله قال أهل اللغة: كلمة (عهد) هنا اسم جنس، أي: الذين يوفون بكل عهود الله عز وجل، ولذلك الدراويش يقول أحدهم: هل دخلت الطريقة أم لا؟ يقول: لا.
فيقول له: تعالى أنا أجعل الشيخ يعطيك عهداً، فيذهب إلى عند الشيخ والشيخ متقمص شخصية المشيخة فيقول له: مد يدك الكريمة، فيمد يده ويصافحه فيكون ذلك عهداً، فتراه يعظم هذا العهد ويراه مثل عهد الله يعني: أنت خائف على العهد الزائف الذي بينك وبين العبد! وقطعت العهد الذي بينك وبين الله، ألم تعاهد الله عز وجل وأنت في صلب أبيك آدم؟ حين أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى، أي: يا رب! أنت ربنا، إذاً هذا هو عهد التوحيد الذي أخذه الله عليك، والتوحيد الخالص يجعلك لا تخاف من اليوم القادم، ويجعلك واثقاً في رحمة الله، لو كان عند المسلمين يقين مثلما قلنا فبدلاً من أن يقعوا في الشبهات وأرباح البنوك يذهب يفتح حساباً جارياً، وربنا يرزقه وييسر له الرزق الحلال.
قال تعالى: يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ [الرعد:20] أول عهد عهد التوحيد، ثم عهد الأوامر والنواهي، فهذا عهد آخر قال تعالى: وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:29]، فنولي وجوهنا للمساجد فنصلي الصلوات في الجماعة، ثم بعدها إيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصلة الرحم، وفعل الخيرات، والكلمة الطيبة، وتبسمك في وجه أخيك.. كل هذه عهود بينك وبين الله، وعهود مكتوبة، ولذلك ربنا أخذ العهد على النبيين أنه لو جاء رسول في آخر الزمن أن يؤمنوا ويصدقوه قال تعالى: أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي [آل عمران:81] أي: على العقد الموثق (قالوا أقررنا) انتهى الأمر.
ولذلك أنا أريد أن تقرأ القرآن بتمعن وتفكر، إن الله سبحانه وتعالى عندما يتحدث عن وحيه إلى رسله الكرام يتحدث عن التوصية في جانب نوح والنبيين من بعده، ولا تأتي كلمة التوصية في جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى [الشورى:13]، فالتوصية تأتي عند الأنبياء وتأتي عند سيدنا رسول الله كوحي فقط، لأن العبودية ما تحققت فعلاً في أكمل مراحلها إلا في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ [الرعد:20] أي: الميثاق الذي بينك وبين ربنا من عبادته وتوحيده، وعدم عصيانه، والميثاق الذي بينك وبين الناس ألا تخلف الوعد كأن تعد بإنجاز موضوع وفي نيتك أنك لن تعمل له شيئاً، فهذه من صفات المنافق، لكن الذي يعد وهو ينوي أن يفي بوعده ولكن الظروف ما سمحت له، فهذا هو الممدوح.
قال تعالى: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ [الرعد:21]، الله أمر بصلة الرحم، فيجب أن توصل، وما الرحم التي يجب أن توصل؟ هي كل من كان مسلماً قريباً لك، وستسأل عنه يوم القيامة، فأنت مأمور بصلته.
ولذلك قلنا من قبل: إن الله عز وجل يقبل توبة كل تائب ما عدا ثلاثة: (العاق لوالديه، ومدمن الخمر، وقاطع الرحم) وفي حديث آخر: (والمخاصم لأخيه، والديوث) المخاصم لأخيه المسلم سواء بسبب أو بدون سبب، يقول الله لملك الحسنات: لا تكتب له حسنة إلا إذا ذهب يصالح أخاه.
ولذلك كان الصالحون إذا ضاقت الدنيا عليهم وكثرت المصائب والمشاكل يذهبون إلى ثلاثة أماكن: إلى السجون ليسمعوا أنين المساجين، فيتشعروا نعمة الله عليهم، ويذهبون إلى المستشفيات فينظرون إلى المرضى وأصحاب المصائب فيحمدون الله على العافية، ويذهبون إلى المقابر ليعرف العبد نهايته وقدومه على الله!
فالمسلم عندما تضيق به الأمور عليه أن يزور بيوت الله عز وجل، وأن ينظر في الدنيا إلى من هو أقل منه؛ لكي لا يستقل نعمة الله عليه.
قال تعالى: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ [الرعد:21]، وقد عرفنا خشية الله عز وجل قبل ذلك، وهي ألا يجدك حيث نهاك، ولا يفتقدك حيث أمرك، أمرك بالتواجد في أماكن الطاعة، ونهاك أن تتواجد في أماكن المعصية، إذاً: عندما ينظر إليك فيجدك في مكان الطاعة ولا يجدك في مكان المعصية يحل عليك رضوانه.
وقد تدعى إلى حفلة زواج لقريب لك، لكن هذه الحفلة قد استدعيت إليها راقصة وفرقة غنائية، فهل تجيب هذه الدعوة وقد اشتلمت على ما يغضب الله، مع العلم أنك إذا لم تذهب للحضور سيغضب منك صاحب الحفلة؟ والجواب أنه يحرم الذهاب؛ لأن الله قد ينظر إليك في مكان المعصية فيغضب عليك، وربما نزل عليك ملك الموت في هذه الحالة فتكون ممن ختم له بسوء الخاتمة!
إذاً: هنا هم يخشون ولذلك ذكر من السبعة الذي يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين)، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين!