سلسلة الدار الآخرة علامات الساعة الكبرى


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ...

وبعد:

فقد تحدثنا في الحلقة السابقة وهي الحلقة السابعة عن علامات الساعة الصغرى، وتواعدنا أن تكون الحلقة الثامنة وهي حلقة اليوم إن شاء الله في علامات الساعة الكبرى، وأريد أن أكرر ما أقوله دائماً: إن الحديث عن الدار الآخرة أو عن الموت وما بعده أو عالم الغيب بعد أن تفيض روح الإنسان إلى بارئها وينزعها الملك الموكل بقبض الأرواح فإن كانت صالحة فهي في روضة من روضات الجنة إلى أن تقوم الساعة، وإن كانت غير ذلك فهي في حفرة من حفر النار إلى أن تقوم الساعة، والعياذ بالله رب العالمين.

نسأل الله أن يجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، وأن يدخلنا وإياكم جنته بدون سابقة عذاب، ولقد قال لنا الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الترمذي : (إن المسلم إذا انفتل من صلاته) وفي رواية ثانية: (إن المؤمن إذا انفتل من صلاته ولم يسأل الله عز وجل الجنة قالت الجنة: يا ويح هذا انفتل من صلاته ولم يسأل الله أن يدخله عندي.

وإذا انفتل المؤمن من صلاته ولم يستعذ بالله من النار، قالت النار: يا ويح هذا امتثل من صلاته ولم يستعذ بالله مني ومن حري، وسعيري، وأغلالي، وسلاسلي.

وإذا انفتل العبد من صلاته ولم يسأل الله عز وجل أن يزوجه من الحور العين، قالت الحور العين: يا ويح هذا انفتل من صلاته ولم يسأل الله عز وجل أن يزوجه منا).

فهذا الحديث يدل على فضل الدعاء، والدعاء مخ العبادة، فالمؤمن يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار، عسى أن تكون ساعة الدعاء من ساعات الإجابة؛ فأهل الجنة سيقعدون مع بعض ويتذاكرون الدنيا وما عملوا فيها.

إن العبد سيكتشف أن كتاب أعماله فيه الضلال والهداية، والانحراف والاستقامة، ما بين ما اسود من صفحات وما ابيضت اللهم اجعل صفائح كتبنا بيضاء يا رب العالمين!

رئي الإمام مالك في المنام بعد موته، والرؤيا لا تحقق قاعدة شرعية، ولكن رؤى الصالحين كلها خير، وكان الذي رآه هو تلميذه الليث بن سعد إمام أهل مصر، ولولا أنه لم يكن له تلاميذ لوصلت شهرته إلى ما وصل إليه مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأحمد ، وبسبب أنه ليس عنده تلاميذ فقد انطمر ذكر الليث بن سعد إلا للمتخصصين الذين يبحثون عن تاريخ الصالحين، اللهم الحقنا بهم يا رب العالمين.

فـالليث رأى أستاذه مالكا في المنام ففرح به فقال له: ماذا صنع الله بك يا مالك ؟ فقال: لقد غفر الله لي، وذلك أني كلما رأيت جنازة كنت أقول: سبحان الحي الذي لا يموت.

وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله له بها درجات)، فرب كلمة واحدة يقولها صاحبها فيدخل الجنة بها.

والعكس أن الكلمة من سخط الله قد تضيع الدنيا والآخرة.

وقال سيدنا داود عليه السلام: يا رب! أكرمتني، وأنعمت علي، وألنت لي الحديد وجعلت الجبال تؤوب معي وتسبح، والأنهار والمياه تقف عن الجريان عند سماع صوتي وأنا أقرأ الزبور، يا رب! أنا أريد أن أشكرك.

قال تعالى: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13]، وسأل سيدنا داود ربه ومولاه فقال: يا رب! كيف أشكرك على نعمك الكثيرة؟

قال: يا داود! احمدني بأي كلمات شئت.

فقال: لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.

فقالت الملائكة: يا رب عبدك داود قال كلمة لم نجد عندنا حسنات نكافئه عليها ونضع له في الكتاب، فقال: يا ملائكتي! اكتبوها كما هي وأنا الذي سوف أجازيه عليها يوم القيامة.

وسيدنا ركانة كان مصارع العرب، فأتى المدينة ليزور قريباً له.

فدخل المسجد النبوي وصاح فيه بأعلى صوته أنه يريد أن ينتقم من النبي عليه الصلاة والسلام ويأخذ حقه منه بيده، فانزعج الصحابة انزعاجاً شديداً وقاموا إليه قومة رجل واحد، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فلاطفه بالقول، قال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].

ودخل رجل على الحجاج فقال له: يا حجاج ! لقد أوتيت ما لم يؤته رسول الله.

فقال الحجاج : وما هو؟ قال: قال الله لرسوله: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]، وأنت يا حجاج ! فظ غليظ القلب وما انفضضنا من حولك إلا لأنننا خائفون من بطشك.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لـركانة أنت ركانة ؟ قال له: نعم أنا ركانة ، قال: أتصارعني يا ركانة ؟ قال له: يا محمد! لا تحرج نفسك أمام أصحابك قال له: لو صرعتك أتسلم؟ قال: نعم، فتصارعا فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم في المرة الأولى والثانية والثالثة فقال ركانة : لابد وأن الذي يغلبني بقدرة غير بشرية وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.

فأحب الرسول والإسلام والصحابة والمدينة، ثم أتى بعياله وامرأته وعاش في المدينة. (وكان ركانة واقفاً مع بعض الأنصار، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم من خلفه ووضع يديه على عيني ركانة ثم قال مازحاً: من يشتري هذا العبد مني؟ فقال ركانة : إذاً تجدني كاسداً يا رسول الله! فقال رسول الله: ولكنك عند الله لست بكاسد).

وكان صلى الله عليه وسلم دائم التبسم لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمة من حرمات الله.

فـركانة يريد أن يأخذ تصريحاً من فم الحبيب صلى الله عليه وسلم أنه ليس كاسداً عند الله في الدنيا والآخرة وإنما هو عند الله غال، فالمهم أن الإنسان يثبت على كلمة التوحيد، وعلى كلمة الحق والصدق واليقين نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الصدق في القول والعمل والفعل إن ربنا على ما يشاء قدير.

وعلامات الساعة الصغرى قد ظهرت ورأيناها كلها رأي العين، فقد ثبت صدق أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في ظهور علامات الساعة الصغرى.

وإذا كان الصحابة قد أيقنوا بأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام في علامات الساعة وإن لم تظهر في زمانهم، فإننا قد رأينا هذه العلامات على مر الزمن التي تدل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم في أقواله لنا، وهذا نذير لأن يتوب العبد إلى ربه، وأن يستيقظ من غفلته.

وسيدنا الإمام الشافعي صلى بالمسلمين صلاة الصبح فلما انتهى من الصلاة اقترب منه رجل فقال له: كيف حالك يا إمام؟! فقال له: كيف حال رجل وكتاب الله شاهد عليه، وسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم تأمره بالمتابعة، والشيطان يحثه على الشهوات، والعيال يشغلونه بالقوت، والنفس تمنيه وتشجعه على طول الأمل؟

فمن حقق هذه الأمور أيقن أن الله عز وجل سوف يأخذه على حين غرة، ولذلك لما مات الشافعي رحمه الله رآه تلميذه الوراق في الرؤيا فقال له: كيف حالك يا إمام؟! فبكى الشافعي وقال:

حاسبونا فدققوا ثم منوا فأعتقوا

هكذا تصنع الملوك بالمماليك يرفقوا

إن قلبي يقول لي ولساني يصدق

كل من مات مؤمناً ليس بالنار يحرق

وعلامات الساعة الصغرى تربو على المائة وقد ظهرت كلها ولم يبق إلا علامات الساعة الكبرى.

وعلامات الساعة الكبرى قد يعجب العبد منها؛ لأنها لقلة إيماننا وضعف يقيننا نظن أنها أمر شبه مستحيل، لكن الصحابة فقد أيقنوا أن ما يخرج من فم الرسول صلى الله عليه وسلم فهو صدق كله وحق، فما علينا إلا أن نصدق بما جاء في الكتاب وفي السنة على لسان الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم.

وعلامات الساعة الكبرى ست علامات واحدة وراء واحدة، وأول علامة تظهر فإنه يغلق باب التوبة ويغلق باب العمل، فمن الواجب أن نكون في حالة من الرعب والخوف؛ لأن العلامات الصغرى نذير لنا لنصحو من غفلتنا، وإن لم نصحو فلن نصحو إلا على علامات الساعة الكبرى، فإذا ظهرت أغلق باب العمل، وأغلق باب القبول، وأغلق باب التوبة، فلا يقبل عمل عامل لم يعمل من قبل.

أما المؤمن فعمله مستمر، فالمؤمن المواظب على الصلاة سيكون مواظباً عليها بعد ظهور علامات الساعة، والذي يزكي ويعمل الخير فإنه سيستمر على هذا الفعل.

أما الفاسق أو الفاجر أو الظالم الذي لا يريد أن يتوب فإنه لا يوفق للتوبة، وقد كان باب التوبة مفتوحاً له سنوات طويلة.

طلوع الشمس من مغربها

فظهور علامات الساعة الصغرى تنبيه ونذير لعلامات الساعة الكبرى.

فأول ما يظهر من علامات الساعة الكبرى كما في رواية الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لن تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، ثم تظهر الدابة فإذا ظهرت إحداهما فالأخرى على أثرها)، رواه الشيخان ، والترمذي ، وأبو داود ، وابن ماجة ، والإمام أحمد في مسنده.

فأول علامة من علامات الساعة الكبرى: إما أن تطلع الشمس من الغرب، أو تظهر الدابة، فلو ظهرت الدابة فإن الشمس ستشرق من الغرب، أو إذا طلعت الشمس من الغرب فسيكون على أثرها ظهور الدابة.

وسيصبح الناس في يوم من الأيام ينتظرون شروق الشمس من مشرقها كما تشرق منذ ملايين السنين من المشرق، والسماء صاحية ليس فيها غيم، وفجأة إذا بصائح يصيح: إن الشمس قد أشرقت من مغربها، قال تعالى: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [يس:52].

وسيحصل للناس ذعر لكن الله يثبت المؤمن الملتصق بجماعة المسلمين، وبأهل العلم، الذي دائماً تعودت رجلاه على المساجد آناء الليل وأطراف النهار، فهو يصلي ويسبح ويذكر الله ويقرأ القرآن ويتوكل على الله وعنده يقين وصدق وإيمان وثبات.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستطلع من المغرب أربعين يوماً، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وبقية الأيام كأيامنا في الدنيا) أي: أن اليوم يعادل ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً وإن كانت السنة قمرية هجرية فإن اليوم يعادل ثلاثمائة وأربعة وخمسين يوماً.

وحال الصحابة ليس مثل حالتنا، قال له: كيف نصلي يا رسول الله؟! الصحابي أول ما سمع الشمس تطلع من الغرب وتقعد سنة خطر في باله وأهمه أمر آخرته فقال: كيف نصلي في اليوم الذي يكون كسنة؟ قال صلى الله عليه وسلم: (اقدروا لهذا اليوم قدره) ، يعني: أن ما بين المغرب والعشاء -مثلاً- ساعة ونصف، وبين العشاء والفجر سبع ساعات، وبين الصبح والظهر ست ساعات، وبين الظهر والعصر ثلاث ساعات ونصف، وبين العصر والمغرب ثلاث ساعات ونصف.

والفتوى لإخواننا المسلمين الذين هم في ألاسكا شمال كندة حيث إن الليل عندهم ستة أشهر والنهار كذلك، وأناس آخرون يكون النوم عندهم ساعتين، واثنتان وعشرون ساعة تكون نهاراً، فإنهم يبدءون بالتوقيت من طلوع الفجر، ويحسبون ساعات الصيام كما تكون في مكة وهي أم القرى، ويفطرون بعد مرور هذه الساعات ولو كانت الشمس في كبد السماء.

فمثلاً: لو أن الفجر يكون في الساعة الثالثة وأم القرى تصوم خمس عشرة ساعة، فإنك تحسب خمس عشرة ساعة من بداية طلوع الفجر في الثالثة ثم تفطر بعد ذلك ولو كانت الشمس في كبد السماء.

ومن سافر صائماً من مصر مثلاً إلى أمريكا فإنه سيصل إلى أمريكا والشمس لا تزال في السماء خاصة إذا كانت مدة الرحلة تتجاوز العشرين ساعة فإن عليه أن يمسك ويفطر معهم ويعرف ذلك عن طريق الساعة التي في يده، ولو أن الشمس ما زالت في كبد السماء؛ لأن دين الله عز وجل صالح لكل زمان ومكان.

فالشمس ستطلع في أول يوم كسنة، وثاني يوم كشهر أي: ثلاثين يوماً، وثالث يوم كجمعة أي: أسبوع، ورابع يوم إلى غاية اليوم الأربعين كأيامنا في الدنيا.

علامة ظهور الدابة

وأول علامة من علامات الساعة الكبرى طلوع الشمس من مغربها ثم تظهر الدابة التي جاء ذكرها في كتاب الله عز وجل، قال تعالى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:82].

وهذه الدابة تسمى الجساسة؛ لأنها تجوس في الأرض يعني: تتجول وتنتقل في بقاع الأرض، وتضع حافرها في آخر ما يقع عليه بصرها، وستمكث أربعين يوماً.

ولها ثلاث علامات: أنها تخرج من ناحية اليمن، ومن ناحية مكة، ومن ناحية المدينة، فأول ما تخرج من اليمن فإنها تدخل الحرم المكي ومعها عصا موسى وخاتم سليمان وتدخل على المصلين في المسجد الحرام، وبعد ذلك تدخل كل المساجد في كل البلاد، فتلمس وجه المنافق، والفاجر، والمنحرف، والمرتشي، والمختلس، والزنديق، والظالم بعصا موسى، فيبقى أسود الوجه عليه كآبة وغبرة، وتلمس وجه المؤمن بخاتم سليمان فينور وجهه مثل القمر.

فتختفي الأسماء بين الناس فلا يتعارفون فيما بينهم بالأسماء كما كانوا عليها في الدنيا، وإنما يعرف بعضهم بعضاً بيا مؤمن ويا كافر، فمن كان وجهه منوراً فيدعى مؤمناً، ومن كان وجهه مسوداً فإنه يدعى كافراً أو فاسقاً.

وقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم ، والإمام الترمذي من حديث تميم الداري رضي الله عنه وكان نصرانياً فأسلم فصار صحابياً، وجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقص عليه القصة، وكان الرسول قد شرح للصحابة علامات الساعة الكبرى، فلما جاء تميم الداري من سفره وأعلن إسلامه، وحكى ما رآه في سفره هو وثلاثين من النصارى فوافق كلامه كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.

والجساسة تجس في الأرض وتتنقل، وسرعتها كالريح المرسلة، فتنكشف الأمور للمسلمين من طلوع الشمس من مغربها وظهور الجساسة أو الدابة.

وجماعة من العلماء يقولون: إن الدابة هي الفصيل الذي ولدته ناقة سيدنا صالح عليه السلام، وذلك عندما قتل الناقة أشقى قوم سيدنا صالح، قال تعالى: انْبَعَثَ أَشْقَاهَا [الشمس:12]، وقال: فَتَعَاطَى فَعَقَرَ [القمر:29]، والتعاطي يكون بشرب الخمر، فهو لكي يقدم على هذا العمل شرب خمراً ثم اقترب من الناقة فضربها فقتلها فأسرع فصيلها أي: ابنها فاختبأ في جبل من الجبال.

وهذه الرواية ليست على درجة من الصحة لكن ذكرتها من باب الأمانة في العلم، وقد كان الإمام القرطبي رضي الله عنه ينقل في تفسيره مثل هذه الروايات الضعيفة، وكان يقول: وليست هذه من حقائق العلم ولكنها من ملح التفسير.

وقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحدث عن بني إسرائيل لكن لا نصدقهم ولا نكذبهم إذا كان لا يتعارض مع نص من نصوص الكتاب أو السنة، فنأخذ بالكلام ما دام وأن فيه عبرة وعظة، وبنو إسرائيل كان فيهم أناس صالحون وفي قصصهم لنا عبرة، قال تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ [يوسف:111]، اللهم اجعلنا من المعتبرين يا رب العالمين!

أما قولهم إن دابة الأرض هي فصيل ناقة صالح، فإن ناقة صالح -أصلاً- كانت معجزة عربية، فقد كان لقوم صالح معرفة بالجبال والصخور المحيطة بهم، قال تعالى عنهم: وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ [الشعراء:149]، فهم خبراء بمداخل الجبال ومخارجها، والمغارات، والكهوف، والتلال، والهضاب، فقال لهم نبي الله صالح: ما رأيكم لو أخرجت لكم ناقة من الجبل الذي بجواركم؟ قالوا: الجبل قطعة واحد لا يخرج منه شيء، فخرجت الناقة معجزة فكانت تشرب الماء كله في يوم، وتسقيهم كلهم لبنها في يوم وهكذا.

والحاصل: أن الدابة تظهر فيستبشر المؤمن، أما الكافر فيختم على علمه، نسأل الله أن يختم لنا ولكم بالإسلام.

علامة الدخان

وبعد ظهور الدابة تظهر العلامة الثالثة من علامات الساعة الكبرى ألا وهي الدخان، قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ [الدخان:10]، أي: بدخان واضح، يظلل الناس فوق رءوسهم، فيكون على رأس المؤمن مثل قليل الزكام يقع عليه، وعلى رأس الكافر، والفاسق، والفاجر، والمنافق، كنيران تغلي فوق رءوسهم.

ولما حاصر المشركون الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في شعب أبي طالب لمدة ثلاث سنوات حتى أن سيدنا سعد بن أبي وقاص بعد ما هاجر إلى المدينة وحكى للصحابة الجدد عن هذا الحصار، فقال لهم: لا تتاجروا معهم ولا تطعوهم أكلاً ولا شرباً ولا تعملوا لهم خيراً قط.

وما انحاز مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بنو هاشم وبنو المطلب جميعاً مسلمهم وكافرهم ما عدا أبا لهب ، فأقارب النبي صلى الله عليه سلم الكفار انحازوا معه في الشعب فحصل لهم قطيعة ومقاطعة ما عدا أبا لهب عمه.

فسيدنا سعد يحكي عن هذه المقاطعة فيقول: كنا نأكل مع الرسول صلى الله عليه وسلم خرط القتاد، والقتاد نوع من الشجر له شوك ينبت في الصحراء في جزيرة العرب، فكنا ندقه ونأكله من شدة الجوع، وبينما أنا أسير ليلاً إذ وقعت رجلي على شيء رطب فوضعته في فمي فابتلعها فوالله! ما أدري إلى اليوم ما الذي ابتلعته.

وكانت صحيفة المقاطعة معلقة على جدار الكعبة بجوار الحجر الأسود ومكتوب أولها (باسمك اللهم) ثم أكلت الأرضة بنود المقاطعة وما تركت فيها إلا باسمك اللهم، فلما انتهت القطيعة دعا عليهم الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: (اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف)، فحصل قحط في قريش وتوقفت التجارة، واستجيبت دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنه كان يحصل لأغنياء قريش وفقرائها دوخة من قلة الطعام والزاد، فذهب أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يا محمد! أسألك بالله وبالرحم أن تدعو الله أن يفك عنا ما نحن فيه.

ولما نقضت قريش العهد الذي جرى بين المسلمين والكافرين في الحديبية، أيقنت قريش بالخزي والعار والهلاك فأرسلت زعيمها ورئيسها أبو سفيان لكي يحاول أن يمد في بنود معاهدة صلح الحديبية مرة ثانية، فاستجار بـأبي بكر فقال له: يا أبا سفيان ! أنا لا أجير على رسول الله أحداً أبداً، ثم ذهب إلى عمر فرد عليه بمثلما رد عليه أبو بكر ، وذهب لسيدنا علي فرفضه كذلك، ثم ذهب إلى ابنته أم حبيبة وزوجة سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم وهي أم المؤمنين السيدة رملة بنت أبي سفيان ،فدق عليها الباب ففتحت له، فرأت أباها زعيم قريش، فدخل البيت فأراد أن يقعد على فراش سيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فطوته من تحته، وقالت له: هذا فراش النبي صلى الله عليه وسلم وأنت رجل نجس، فقال لها: لقد أصابك سوء من بعدي يا أم حبيبة !

وقال بعض العلماء إن الدخان في قوله تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ [الدخان:10]، هو الدخان الذي حصل لقريش، ولكن بعض العلماء قالوا: إن هذه الآية مدنية ونزلت في المدينة فيبقى إذاً أن الدخان علامة من علامات الساعة الكبرى.

علامة ظهور المسيخ الدجال

العلامة الرابعة من علامات الساعة الكبرى وهي أخطر العلامات وأشد العلامات قسوة، وأشدها على المسلمين، ألا وهي ظهور المسيخ الدجال .

والرسول صلى الله عليه وسلم كان يحذر الصحابة من المسيخ الدجال حتى قال عمر : كنت انظر خلفي خشية أن يمر من جواري، فهذا يدل على مدى اقتناع الصحابة بكلام الرسول عليه الصلاة والسلام.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر فرأى عمر مرتبكاً، فقال: (يا ابن الخطاب ! فإن ظهر وأنا بينكم فأنا حجيجه، وإن ظهر من بعدي فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مؤمن).

و المسيخ الدجال مخلوق من بني آدم خلقه الله عز وجل، وآخر فتنة تظهر في الأرض هي فتنة المسيخ الدجال ، قال صلى الله عليه وسلم: (ليس المسيخ الدجال أخوفني عليكم، إنما أخاف أن تفتح عليكم الدنيا فينسى بعضكم بعضاً، فينساكم رب السماء عند ذلك)، وهذا قد حصل فقد فتحت الدنيا.

وزكاة الركاز تؤخذ من الركاز وهو المعادن مثل: آبار البترول، فيؤخذ منها عشرون في المائة، أي: الخمس، أما زكاة الذهب والفضة وما يلحقها كالعملات المعدنية فزكاتها ربع العشر أي اثنان ونصف في المائة، وزكاة الزرع فيها خمسة في المائة أو عشرة في المائة أي: فيها العشر أو نصفه، أما زكاة المعادن ففيها عشرون في المائة؛ قال صلى الله عليه وسلم: (أخشى أن تفتح عليكم الدنيا فينسى بعضكم بعضاً، فينساكم رب السماء عند ذلك).

فالله عز وجل جعل قوت الفقير في فضل مال الغني، فما جاع فقير إلا بتخمة غني، فالفقير الذي لم يجد ما يأكل يبقى الغني أكل أكثر من حقه.

قال أبو ذر أتعجب من الفقراء الذين لم يجدوا ما يأكلون لماذا لم يخرجوا السيوف فيطالبون الأغنياء بحق الله عندهم؟ قال ربنا: وفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات:19].

والصحابة كانوا واضعين في آخر عمودين في المسجد النبوي الشريف حبلاً، فيعلق فيه الغني زكاة مال أو الصدقة فتذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وتوزع في مصارفها.

وفتنة المسيخ الدجال آخر فتنة تظهر لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أوصاف المسيخ الدجال أنه جعد قطط، أي: شعره مجعد، وعينه اليسرى كالعنبة الطافية، فهو أعور، وهو آدم بحمرة، أي: أسمر بحمرة، قليل الطول له بحة في صوته، أي: أنه مبحوح الصوت مثل الذي عنده سعلة ويتكلم فكذا صوته.

وكل هذه العلامات لا تظهر إلا للمؤمن، أما الذي لا يصلي ولا يصوم ولا يتقي الله فلا يعرف هذه العلامات.

ومن العلامات أيضاً أن المؤمن يقرأ على جبهته كلمة كافر، والرسول صلى الله عليه وسلم فسر ذلك فقال: (يقرأ المؤمن على جبهته كفر ك ف ر).

والمؤمن يتغلب على المسيخ الدجال بالمداومة على قراءة فواتح سورة الكهف وخواتيمها في كل ليلة قبل أن ينام.

ومن العلامات أيضاً أنه يمكث في الأرض أربعين يوماً، وسرعته في الأرض كالريح المرسلة، ويدخل كل بلد وفي كل مكان ما عدا ثلاثة أماكن وهي: بيت المقدس، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة، فإنه يأتي إلى حدودها ويحاول أن يدخلها قال صلى الله عليه وسلم: (إن على أبواب المدينة ملائكة يحفظونها من شياطين الإنس والجن)، فليس هنالك شياطين تدخل المدينة المنورة.

فتخرج المدينة المنافقين الذين يعيشون فيها لكي يتبعوا المسيخ الدجال ، قال صلى الله عليه وسلم: (فتنفي المدينة خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد).

أما أتباعه فهم كما أخبر رسول الله بقوله: (أتباعه ثلاثة أصناف: اليهود، والمنافقون، والنساء)، وعدد اليهود سبعون ألفاً من يهود أصفهان من ناحية إيران.

ويخرج المسيخ الدجال ما بين العراق والشام، ويعيث في الأرض فساداً، وقد أعطاه الله من الإمكانيات ومن الخوارق للعادات ما ينبهر بها ضعفاء الإيمان.

والمسيخ الدجال أكثر أتباعه من اليهود والمنافقين والنساء؛ لأنهم أتباع كل موضة، فمنذ أربعين سنة والرجل اليهودي بيكر صاحب الموضة في الملابس النسائية.

أما المؤمنات اللاتي يحضرن دروس العلم واللاتي يعرفن أوامر الله ونواهيه فلا يخرجن فيتبعن المسيخ الدجال .

وأول ما يخرج المسيخ الدجال فإنه يدعي الإيمان ثم يدعي النبوة ثم يدعي الألوهية، ولا يقول لهم إنه الله رب العالمين وإنما يقول: معي جنة ونار، فيعرفه المؤمن فيقول: اخسأ يا لعين! والله ما ازددت بك إلا كفراً وأنت المسيخ الدجال الذي حذرنا الرسول منه.

وسيأتي على الناس خمس سنوات فيها قحط أي: كساد عالمي فيقول للسماء: أمطري فتمطر، ويقول للأرض: أنبتي الزرع فيطلع الزرع، ويا ضروع البهائم امتلئي فتمتلئ لبناً، فهذه فتنة عظيمة، ولذلك فإن الصحابة خافوا وسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن طعام المؤمنين حينئذ، فقال: (طعام المؤمنين يومئذ كطعام الملائكة)، والملائكة لا يأكلون ويشربون، وإنما طعامهم التسبيح، والتهليل، والتقديس، والتكبير، فالمؤمن يقول: سبحان الله فيشبع، والحمد لله فيشرب، ولا إله إلا الله فيرتوي.

فإذا كان طعام رواد الفضاء كبسولات فيها جميع أنواع الفيتامينات والعناصر التي يحتاجها الجسم وأقل كمية إخراج.

فمن باب أولى ما يصنعه رب العالمين للمؤمنين، فالله على كل شيء قدير.

ويأتي إليه شاب مؤمن فيكذبه فيضربه الدجال بسيفه فيتخيل المحيطون به أنه انقسم إلى نصفين وإنما هو سحر، ثم يرجعه مرة أخرى، فيقول الشاب المؤمن: والله! ما ازددت بك إلا كفراً، فإن ربي الله لا تراه العينان، قال تعالى: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام:103].

وعندما يزداد الابتلاء على المؤمنين يستغيثون الله ويدعونه أن يرفع عنهم هذا البلاء، فيستجيب الله دعاءهم ويرحمهم فينزل المسيح عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق في مهرودتين أي: ثوبين، أو جلابية وعباءة، أو جلابيتين، أو قميص وعباءة، إذا طأطأ وتتقاطر من جبينه حبات عرق كالجمان أي كالفضة، وإذا رفع رأسه علاه البهاء عليه السلام، أي: أن وجهه منور، ولا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، فـالمسيخ الدجال يقتله سيدنا عيسى عند باب لد في فلسطين.

وفي هذا إشارة أن إسرائيل ستزول إن شاء الله وبإذن الله فلا تطبيع علاقات معهم، فنحن أعداء اليهود وسنظل أعداء اليهود إلى أن تقوم الساعة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من طليعة الزحف الذي يحرر بيت المقدس ويعاد إلى المسلمين إن شاء الله رب العالمين.

فيلقى المسيح عليه السلام المسيخ الدجال على باب لد فيذوب المسيخ الدجال كما يذوب الملح في الماء، ثم يدخل عيسى ابن مريم مساجد المسلمين ويطمئن المؤمنين على إيمانهم ويتفاءل المسلمون بوجود المسيح بينهم حتى إذا أقيمت الصلاة في مسجد من المساجد يقول الإمام للمسيح: تقدم يا نبي الله! فيقول: بل تقدم أنت فأنا تبع لأخي محمد، فالإمام يمثل الرسول صلى الله عليه وسلم والمسيح عليه السلام يصلي مأموماً تواضعاً منه.

وعن تميم الداري رضي الله عنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة بالمسلمين، أي: صلاة الصبح- وقال: ليلزم كل مصلاه، ثم قال: أتدرون لم جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم) أي: الله ورسوله أعلم في قصد أمور الدين، أما في أمور الدنيا فيقول المسلم: الله أعلم فقط.

فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة -أي: ما جمعتكم لرغبة في الجنة ولا لرهبة من النار- ولكن جمعتكم؛ لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً فجاء فبايع فأسلم وحدثني حديثاً وافق الذي كنتم أحدثكم عن مسيح الدجال ، فحدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من قومه، فلعب بهم الموج شهراً -أي: تاهوا في البحر لمدة شهر- ثم أرفوا إلى جزيرة -يعني: رسوا على الشاطئ- حتى مغرب الشمس فجلسوا في أقرب السفينة، ثم دخلوا فلقيتهم دابة كبيرة كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره- يعني: لا يعرفون وجهه من ذيله -واسم الحيوان يجوز أن يؤنث ويذكر- فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم! انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق، قال: لما سمت لنا رجلاً فرقنا منها أن تكون شيطاناً -أي: خفنا أن تكون من الشياطين؛ لأن العرب كانوا مقتنعين أن هنالك شياطين وغولة- قال: فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه خلقاً وأشده وثاقاً -يعني: أنه مقيد بسلاسل من حديد ومربوط لجدار الكهف- مجموعة يداه إلى عنقه -أي: أنه مكتف ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد- قلنا: ويلك من أنت؟! قال: قد وصلتم إلي فأخبروني من أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب ركبنا سفينة بحرية فصادفنا البحر حين هيجانه، فلعب بنا الموج شهراً، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها فلقينا دابة أهدب الشعر لا يدري قبلها من دبرها من كثرة الشعر فقلنا: ويلك ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة، قلنا: وما الجساسة؟ قال: اعمدوا إلى هذا الرجل في هذا الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إليك سراعاً، وفزعنا منها، ولم نأمن من أن تكون شيطانة، قال: أخبروني عن نخل بيسان في شمال جزيرة العرب؟ قلنا: عن أي شيء تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا نعم، قال: أما إنه يوشك ألا يثمر، أخبروني عن بحيرة طبرية؟ -وهي في فلسطين- قلنا: عن أي شيء تستخبر؟ قال: هل ما زال فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء، وماؤها عذب، قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب).

وقد ذكرت في سنة خمسة وسبعين أنه جاءني أحد الإخوة بصورة في إحدى الصحف لبحيرة طبرية، وبشاطئ البحيرة بنت عمرها 12 سنة وهي واقفة تنظر إلى الماء ومكتوب تحت الصورة: لقد جفت المياه في بحيرة طبرية.

وقد صرح مناحيم كنتور وزير الري الإسرائيلي أن على الشعب الإسرائيلي أن يسترشد في استهلاك المياه؛ لأن المياه كادت أن تجف في بحيرة طبرية، وهذا مصداق لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

ثم سألهم أيضاً عن عين زغر وهي من العيون العربية التي فيها ماء، فقال لهم: (أخبروني عن عين زغر هل فيها ماء؟ قالوا: نعم. قال: أما إنه يوشك أن تجف؟ ثم قال: أخبروني عن النبي الأمي ماذا فعل؟ قلنا: قد خرج من مكة ونزل يثرب، قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب -أي: أن أمر الرسول قد انتشر وأطاعه العرب- قال: وقد كان ذلك، أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني، إني أنا المسيخ الدجال ، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج، وأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا أهبطها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة -وهي: المدينة المنورة- فهما محرمتان عليّ كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة منها استقبلني ملك بيده سيف يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها) .

قالت فاطمة بنت قيس راوية الحديث: (فطعن صلى الله عليه وسلم بمخصرته فطعن بمخطرته في المنبر) ، يعني: أن الرسول أمسك بيده السيف أو العصاة وطعن به في المنبر وهو واقف يخطب، ثم قال: (هذه طيبة.. هذه طيبة.. هذه طيبة، ألا قد كنت حدثتكم ذلك؟ قال الناس: نعم، قال: لقد أعجبني حديث تميم الداري لأنه وافق الذي حدثتكم عنه وعن المدينة ومكة) رواه مسلم ، وأحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن عساكر ، والطبراني رضي الله عنهم جميعاً.

نزول عيسى بن مريم

خروج يأجوج ومأجوج

قال تعالى في يأجوج ومأجوج: وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ [الأنبياء:96-97].

وأيضاً: قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا [الكهف:94-95] إلى قوله: قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا * وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا * وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا [الكهف:98-100] إلى آخر سورة الكهف.

ويأجوج ومأجوج قبائل متوحشة، والواحد منهم كان ينام على أذنه ويتغطى بالأذن الثانية، وهما قبيلتان ولا يعلم بمكانهما إلا الله.

ويأجوج ومأجوج مذكوران في القرآن والسنة ونحن نصدق القرآن والسنة، وما يقوله بعض الناس إن الأقمار الصناعية قد اكتشفت كل شيء في الأرض فأين يأجوج ومأجوج؟

فلا يلتفت إليه فنحن لا نصدق الأقمار الصناعية ولا غيرها.

و يأجوج ومأجوج سيعيثون فساداً في الأرض فيأتون على بحيرة طبرية وفيها قليل من الماء فيشرب أولهم فيأتي آخرهم فيقولون: (لقد كان في هذه البحيرة ماء منذ زمن طويل.

فيدعو عيسى عليه السلام ومن معه ربنا أن ينقذهم من هذا الخطر الداهم، فيصاب يأجوج ومأجوج بالنغف في رقابهم، وهي مثل الديدان والحشرات فيصبحون وهم أموات، فتأتي طيور لها أعناق كأعناق البخت -أي: الإبل- فترفع جثثهم فتلقيها في البحر ثم يقول الله للسماء: أمطري فتغسل الأرض بمطرها) يعني: أن السيول تأخذ كل البلايا المتبقية من يأجوج ومأجوج.

وروى الشيخان وأحمد والدارقطني وابن عساكر أن سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم قال: (فيبعث الله يأجوج ومأجوج وهم كما قال: مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ [الأنبياء:96]، ويكون رأس الثور لأحدهم خير من مائة دينار لأحدكم اليوم -والذي كان عنده مائة دينار أيام الصحابة كان من أصحاب الملايين- فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى -أي: قتلى- كموت نفس واحدة، ويهبط نبي الله عيسى وأصحابه فلا يجدون موضع شبر من الأرض إلا وقد ملئ من زهمهم وهي رائحتهم الخبيثة الباقية، فيرغبون إلى الله في الدعاء، ويرسل الله عليهم طيراً كأعناق البخت فتحملهم وتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله عليهم مطراً لا يكن منه بيت مدر ولا وبر إلا ويغسله الماء حتى يتركه كالزلقة.

ثم يقال للأرض: أخرجي بركتك فيومئذ يأكل العصابة)، والمراد بالعصابة هي العصابة المؤمنة، قال سيدنا الرسول في بدر: (اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض) ، وليس معناها جماعة من اللصوص أو القتلة كما هو المتبادر إلى أذهان كثير من الناس اليوم.

قال صلى الله عليه وسلم: (فيومئذ يأكل العصابة من الرمانة فتشبعهم، ويستظلون بقحفها، حتى أن اللقحة من الإبل تكفي الفئام من الناس)، أي: الجماعة من الناس الذين يتجاوز عددهم المائة والمائتي رجل، والمسلم بعد أن يأكل طعاماً يقول: اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وارزقنا خيراً منه، أما إذا شرب اللبن فإنه يقول: اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وزدنا منه.

وقال صلى الله عليه وسلم: (واللقحة من البقر تكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم تكفي الفخذ من الناس، فبينا هم كذلك بعث الله ريحاً طيبة فتأخذ المؤمنين من تحت آباطهم فتقبض روح كل مسلم، ويبقى سائر الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر -يعني: تبقى الفاحشة علناً في الشوارع- وعليهم تقوم الساعة).

وقال صلى الله عليه وسلم: (ليهبطن عيسى ابن مريم حكماً عدلاً وإماماً مقسطاً، وليسلكن فجاجها معتمراً أو حاجاً إلى البيت، وليأتين قبري حتى يسلم علي ولأردن عليه).

يعني: أن سيدنا عيسى سيحج ويعتمر، ويزور قبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويسلم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهلك الله في زمانه المسيخ الدجال ، ويقع الأمن على أهل الأرض حتى ترعى الأسود مع الإبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات فلا تضرهم ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويشيع العدل في الأرض، ثم يتوفى بعد أن يمكث في الأرض أربعين سنة، ويصلي عليه المسلمون عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

فاللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، واجعلنا من الذين يعيذهم الله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يبعدنا وإياكم من فتن الدنيا وفتن المحيا والممات، وأن يميتنا وإياكم على الإيمان والإسلام الكاملين إن ربنا على ما يشاء قدير.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ....