خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/943"> د. عمر عبد الكافي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/943?sub=34776"> سلسلة الدار الآخرة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
سلسلة الدار الآخرة مفاتيح الجنة
الحلقة مفرغة
أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الثانية والعشرون في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، أو عن الموت وما بعده.
والحديث عن النار يؤثر على المسلم ويجعله فزعاً من هول النار ومما في النار من ألوان العذاب التي أعدها الله سبحانه وتعالى لمن تكبر وتجبر وبغى وطغى وكفر بالله رب العالمين.
والحديث عن النار واقع حذرنا ونبهنا الله عز وجل منه، وحذرنا أيضاً سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، وكان الصحابة يفرقون من النار ومن ذكر النار وعذاب النار، وخزي النار، وكان الحبيب صلى الله عليه وسلم يذكر ويقول: (ما من عبد مسلم انفتل من صلاته -يعني: انتهى من صلاته- ولم يسأل الله الجنة ثلاثاً إلا قالت الجنة: يا رب! عبدك فلان انفتل من صلاته ولم يسألك أن تدخله الجنة، فيا بؤس هذا العبد! وإذا طلب العبد من ربه الجنة ثلاث مرات عقب كل صلاة، قالت الجنة: يا رب! اللهم إن عبدك فلاناً قد طلب منك أن تدخله الجنة، اللهم لا تحرمه مني ولا تحرمني منه).
ويسن أن يقول المسلم بعد صلاة الصبح وبعد صلاة المغرب سبع مرات: اللهم أجرني من النار، والأفضل أن يعمم فيقول: اللهم أجرنا من النار، لأنه قد يكون هناك من تنزل عليه الرحمة فيرحم الله الجميع، وقد ذكر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن إنساناً ربما بكى في أمة من خشية الله فرحم الله هذه الأمة كلها ببكاء هذا الشخص، وكان حول الحبيب المصطفى البكائون السبعة من الصحابة، وكان قائدهم أبا بكر فكان لا يسمع آية إلا وبكى من خشية الله مما عرف من الحق والصدق، ومما رأى وشاهد من قربه من مولاه عز وجل.
فبعد كل صلاة تسأل الله الجنة، وتستعيذ بالله من النار، والنار تقول: (يا رب! إن فلاناً قد استجار بك مني، اللهم فأجره مني) فالنار تؤمن على دعائك، كما يفعل ذلك الحور العين، فقد ورد أن من سأل الله الحور العين فإنهن يقلن: (يا ربنا! إن عبدك فلاناً قد طلب منك أن تزوجه منا، اللهم لا تحرمه منا ولا تحرمنا منه).
وكان عبد الله بن أبي فضالة الصحابي الجليل رضي الله عنه دميم الوجه، وكان كلما يذهب إلى بيت يطلب منهم أن يزوجوه رفضوه حتى يئس الرجل، فمن باب الأدب ذهب إلى سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أأتزوج من الحور العين في الجنة؟ يعني: أنه في الدنيا لا يوجد أحد يرضى بي ويقبلني، فهل في الآخرة كذلك؟ فهو لا يسأل عمراً ولا زيداً وإنما يسأل من إذا قال له كلمة فقد صدق؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، والصحابة كانوا ينتهزون الفرص في الخير، ونحن ننتهز الفرص في قطعة أرض، أو في منحة أو غيرها.
ولما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب قام عكاشة رضي الله عنه من مكانه وهو يريد أن ينتهز الفرصة فقال: ادع الله أن أكون منهم يا رسول الله! فقال رسول الله: (أنت منهم يا
وندعو في بداية الحلقة من أجل أن يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، لا تجعل يا ربنا بيننا شقياً ولا محروماً، لا تجعل لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا مسافراً إلا رددته غانماً سالماً.
اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم زحزحنا عن النار، اللهم زحزحنا عن النار، اللهم زحزحنا عن النار، اللهم أدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب، إن لم نكن أهلاً لرحمتك فرحمتك أهل أن تصل إلينا.
ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، اهدنا فيمن هديت، عافنا فيمن عافيت، تولنا فيمن توليت، بارك لنا فيما أعطيت، قنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك سبحانك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، لك الحمد على ما أعطيت، ولك الشكر على ما أوليت، لك الحمد على ما أعطيت، ولك الشكر على ما أوليت، لك الحمد على ما أعطيت، ولك الشكر على ما أوليت، نستغفرك ونتوب إليك، نستغفرك ونتوب إليك، نستغفرك ونتوب إليك، نستغفرك ونتوب إليك، نستغفرك ونتوب إليك، ونؤمن بك ونتوكل عليك، أنت القوي ونحن الضعفاء إليك، أنت القوي ونحن الضعفاء إليك، أنت القوي ونحن الضعفاء إليك، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنت الغني ونحن الفقراء إليك.
استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك، اللهم إنا مقهورون فانصرنا، وأذلاء فأعزنا، وتائهون فأرشدنا، ومشتتون فاجمعنا، وأصحاب شهوات فتب علينا، تب على كل عاص، واهد كل ضال، واشف كل مريض، وفك كرب المكروبين، وفك أسر المأسورين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين.
اختم لنا منك بخاتمة السعادة أجمعين، لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ول أمورنا خيارنا، ولا تول أمورنا شرارنا، اصلح يا رب أحوالنا.
اللهم اجعل عن أيماننا نوراً، وعن شمائلنا نوراً، ومن أمامنا نوراً، ومن خلفنا نوراً، ومن فوقنا نوراً، ومن تحتنا نوراً، واجعل لنا نوراً، واجعلنا نوراً، واختم لنا منك بخاتمة السعادة أجمعين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وسعيد بن زيد رضي الله عنه، كان من الصحابة الذين عاشوا بأقدامهم وأجسادهم في الدنيا، ولكن قلوبهم كانت مع الله ليل نهار، كانوا رهبان الليل فرسان النهار، نصراء لدين الله ولرسول الله ولكتاب الله حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً.
اطلع الله على قلوب عباده، فوجد أصفاها وأنقاها قلب الحبيب المصطفى، فاختاره ليكون للعالمين بشيراً ونذيراً وخاتماً للنبيين، ثم اطلع على قلوب خلقه فرأى أنقى وأصفى قلوباً بعد قلب الحبيب المصطفى قلوب صحابته، فجعلهم هداة يهدون إلى الحق وإلى سواء السبيل.
وأعظم الصحابة وأفضلهم العشرة المبشرون بالجنة، الذين منهم سعيد بن زيد زوج فاطمة بنت الخطاب وكانا السبب في دخول عمر بن الخطاب الإسلام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من الدنيا وما فيها) فكيف بمن كان سبباً في هداية عمر بن الخطاب ؟
وسيدنا سعيد بن زيد رضي الله عنه كان في القادسية مع سعد بن أبي وقاص الذي فتح المدائن عاصمة كسرى وهو ملقى على بطنه؛ بسبب الخراريج في جسده كله، فما كان يستطيع أن يجلس، فأدار المعركة وهو منبطح على بطنه، وكان النصر حليفاً للمسلمين، وكان القائد من هؤلاء يجعل قارئ القرآن قبل المعركة يرتل أمام الناس سورة الأنفال وسورة التوبة، لتلقيان الحماسة في قلوب المقاتلين ليتحقق نصر دين الله عز وجل.
وكان سيدنا خالد عندما يسمع القارئ يقرأ سورة التوبة إلى قوله تعالى: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [التوبة:128-129] يقول: الله أكبر! هبي رياح النصر، ويدخل خالد وسط المعركة أول واحد يحارب ولا يجعل حوله ستمائة حارس.
وقال سيدنا علي رضي الله عنه: كنا إذا اشتد البأس أو احمرت الحدق وحمي الوطيس -يعني: المعركة- احتمينا بظهر رسول الله، فلا يكون أحد منا أقرب إلى العدو منه.
يعني: عندما تشتد المعركة يختبئ الصحابة وراء الحبيب المصطفى، ويكون أقرب مقاتل للسهام، فأي شجاعة كان عليها رسول الله! وأي شجاعة كان عليها سيدنا سعد أول من رمى بسهم في سبيل الله!
وأول يوم في معركة المدائن يصاب المسلمون بانكسار وانحسار، حتى حصلت لهم هزيمة، وكان المسلمون يسمون الأسماء بمسمياتها، لكن نحن نلبس الحق بالباطل، نضرب في عام 1967م من قبل اليهود ونسميها نكسة، والناس تشرب الخمر ويقولون عنها: إنها مشروبات روحية، أو يرقصون بخلاعة ومياعة ويقولون: هذا فن، قال صلى الله عليه وسلم: (سوف يأتي زمان على أمتي يسمون الحرام بغير أسمائه) أي: يلبسون الحق بالباطل، ينزعون الاسم المعروف ويجعلون بدله اسماً آخر مثل الرجل الذي قال: نحن لا نسمي ما في البنوك فوائد وإنما نسميها عوائد، إذاً: أطلق على الخنزير أنه بقرة وكله؛ أسأل الله السلامة، إن كان على تغيير الاسم فغير، لكن ماذا ستقول لله يوم القيامة؟ أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار.
سيدنا سعد جمع الجيش والقوات، وقال لهم: هناك أسباب للهزيمة، فهل صليتم صلاة الخوف؟ قالوا: نعم، صلينا.
وصلاة الخوف في المعركة بأن يقسم الجيش نصفين، نصف يصلي ركعة ونصف يحرس ويحمل الأسلحة ويستعد للقتال حتى لا يهجم أحد على المصلين، ثم يخرج الذين صلوا ركعة فيحملون السلاح، ثم يدخل الذين لم يصلوا فيصلون ركعة خلف الإمام، ثم بعد ذلك الذي صلى الركعة الثانية يخرج من أجل أن يحرس بقية الجيش، ويدخل الذي صلى الركعة الأولى فيصلي الركعة الثانية، وهكذا بالتبادل إلى أن يصلوا الركعتين، وهذه كيفية من كيفيات صلاة الخوف.
وصلاة الخوف تكون حتى في شدة القتال، وقد أفتى رجل في عام 73م بأنه يجوز للجيش المصري أن يفطر كله في رمضان، وهذه الفتوى غير صحيحة، فالذي لا يقدر أن يصوم أصلاً فإنه يفطر، لكن ما عدا ذلك فالأصل أنه ينوي من الليل الصيام ويدخل في المعركة في النهار، فإن تضرر تضرراً بالغاً من الصيام بحيث أنه لا يقدر على المواجهة فإنه يفطر، أما أن الجيش كله ينوي ألا يصوم فيأتي النهار وهم مفطرون فماذا سيصنع جيش قد أفطر بكامله؟
فلقد حارب المسلمون في بدر في شهر رمضان وهم صائمون، وفتحوا مكة في رمضان وهم صائمون.
فقال سيدنا سعد للجيش: لابد أن يكون هنالك خلل تسبب في الهزيمة، فصاح صائح: يا أيها القائد! الخلل هو أننا نسينا سنة السواك، فأمر القائد الجيش أن يستاكوا فما أتى اليوم الثاني إلا وكل واحد ومعه السلاح والسواك.
فالسلاح اتخاذ السبب، والسواك الاعتصام بالسنة، وفوق كل ذلك فإن الله هو الناصر والمعين، والنصر من عند الله، وإنما يجب علينا الأخذ بأسباب النصر من إعداد العدة والتخطيط الناجح وغير ذلك.
فلما رأى حراس المدائن ثلاثين ألفاً أو أربعين ألفاً يضعون شيئاً في أفواههم، تيقنوا أن العرب من أكلة لحوم البشر، فقد كانوا يعلمون سابقاً أن العرب في الجزيرة العربية يأكلون لحوم البشر، فقذف الله الرعب في قلوبهم فتركوا أبواب الحصون وفروا هاربين، فقام سيدنا سعد وأمر البراء بن عازب الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (رب أشعث أغبر ذي طمرين -يعني: ذا ثوبين باليين- لو أقسم على الله لأبره منهم
فقال له: اقسم على الله ليفتحن لنا المدائن اليوم، فصلى البراء ركعتين ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: أقسم عليك بعزتك وجلالك أن نصلي المغرب اليوم خلف سعد بن أبي وقاص في عاصمة كسرى ، فاستجاب الله الدعاء، فما أذن المؤذن إلا في إيوان كسرى .
هكذا ينتصر الإسلام، وهكذا نعود إلى الاستقامة، طالما الإنسان يعيش بأقدامه في الدنيا ولكن قلبه مع الله في الآخرة تصلح دنيانا وأخرانا، ولكننا كما قال الشاعر:
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع.
فسيدنا سعيد بن زيد كان في القادسية الذي هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، والذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (و
بات سيدنا سعيد يحرس إخوانه في الليل ثلاثة أيام ولم ينم فتعب، فقال له عبد الله بن زيد الأنصاري وقد كان يحرس معه: يا سعيد أنت لم تنم منذ يومين أو ثلاثة، فأقسمت عليك لتنامن وأنا أحرس خيمتك، فدخل سيدنا سعيد الخيمة لينام، وأخوه في الله عبد الله بن زيد الأنصاري جلس خارج الخيمة وسمع كلاماً داخل الخيمة، فوجد سعيد يقول: مرحباً بك يا عيناء يا مرضية، والله لا أريد أن أعود، فقال في نفسه: لابد أن سعيداً من قلة النوم يخرف، فقال له: سعيد ! سعيد ! سعيد ! فقام سعيد من نومه مذعوراً، فقال له عبد الله بن زيد : ما شأنك؟
قال له: أنا سأقول لك سراً، وأستحلفك بالله ألا تخبر به أحداً إلا إذا مت، والمؤمن لأخيه في سره كالقبر، فإذا قلت لامرأتك سراً فلا تخبر به أمها أو أختها أو أحداً من الناس، ومن أكبر الكبائر أن الرجل يفشي سر زوجته أو أن المرأة تفشي سر زوجها، وذلك فيما يجري بينهما من أمور الجماع.
فسيدنا سعيد رضي الله عنه قال له: رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت، وكأن منادياً ينادي: إن الله قد رضي عن سعيد بن زيد ، ورأيت ثلاثة من الملائكة الكرام قد أخذوني إلى الجنة، فصافحت رضوان خازن الجنة، ثم دخلت فرأيت فيها نساء ما رأيت أجمل منهن! فقلت: أأنتن الحور العين اللاتي قرأنا عنكن في القرآن؟ قلن لي: بل نحن خدم من خدمهن، وهكذا فكلما رأيت أجمل منهن قلت لهن ما قلته سابقاً وقلن لي: بل نحن خدم من خدمهن، قال: إلى أن رأيت ثلاث نساء، اثنتان كالقمر ليلة التمام، وواحدة بينهن كالشمس تشع بنورها عمن حولها، فقلت: السلام عليكن، فقلن: عليك السلام يا سعيد ، فقلت: من أنت؟ قالت: أنا العيناء المرضية، أنا زوجتك في الجنة، فمددت يدي لأصافحها، فقالت: ليس اليوم يا سعيد ، أنت مازلت في الدنيا، أنت لا تحل لنا، وإنما ستحل لنا بعد ثلاثة أيام، فقلت: والله لا أريد أن أعود، والله أريد أن أعود، والله أريد أن أعود، ثم أيقظتني فهذا ما رأيته في المنام.
فأخذ عبد الله بن زيد يراقب حركاته في اليوم الأول والثاني والثالث وقد كان يوم خميس، وسيدنا سعيد صائم فظل يحارب ويقاتل إلى أن أوشك قرص الشمس أن يغرب حتى جاءته طعنة فوقع صريعاً، فأسرع إليه أخوه، فقال: أين الإفطار يا سعيد ؟ قال له: في مقعد صدق عند مليك مقتدر، مرحباً بك يا عيناء يا مرضية.
فهؤلاء الصحابة لم يكونوا يسمعون دروس العلم ثم يذهب كل واحد منهم لحاله، فدروس العلم كانت تؤثر فيهم.
ودروس العلم تصنع أثراً عند المسلمين الأمريكان والكنديين والأستراليين، ولقد جاءتني مكالمة من سيدة فاضلة تحدثني من أستراليا، فقالت: عندي ثلاث بنات سمعن الحلقة السادسة والسابعة من حلقات الدار الآخرة التي وصلت إلينا، والثلاث بنات أعمارهن ما بين 16 إلى 20 سنة فلما سمعن الحديث تحجبن وهن الآن يسألن: هل الحجاب فرض أو سنة؟
اللهم اجعلها في ميزان حسناتنا جميعاً يا رب العالمين، ونضر الله وجه امرئ سمع منا مقالة فوعاها، فبلغها كما سمعها، وجزى الله خيراً من ينشر هذا العلم في كل مكان.
وسيدنا حنظلة بن أبي عامر غسيل الملائكة لم يجد زوجة، فجمع له الرسول صلى الله عليه وسلم قيمة المهر فتزوج، وفي ليلة الزفاف إذ ينادي المنادي قبل الفجر: حي على الجهاد، فقام من فراشه فزعاً حتى نسي أن يغتسل وأسرع إلى أرض المعركة، فاستشهد هذا الرجل، فرأى رسول الله الملائكة تغسله، فسمي: غسيل الملائكة، ثم لحدوه في القبر، فرأى سيدنا عمر بللاً في يديه فشمها فإذا هي رائحة المسك فظلت في يده أسبوعاً أو أكثر، ثم عفروه بالتراب.
المهم أن سيدنا الحبيب كان يمشي على أطراف أصابع قدميه، فسئل عن ذلك فقال: (ما وجدت مكاناً أضع فيه قدمي من كثرة الملائكة التي غطت بين السماء والأرض)، وأنه رأى زوجات حنظلة من الحور العين وقد جئن يرحبن به، ويأخذنه من الدنيا وتعبها.
ولذلك فإن سيدنا الحبيب لما كان في حجر عائشة في سكرات الموت والسيدة فاطمة كانت تنظر إلى أبيها وهو ينازع السكرات صلى الله عليه وسلم، فتبكي فاطمة وتقول: واكرباه اليوم عليك يا أبتاه! قال: (يا
واختلف الصحابة في كيفية غسل الرسول صلى الله عليه وسلم، هل يغسل من فوق ثيابه؟ أو تخلع ثيابه؟ وكان المغسلون له أربعة من آل بيته وهم: عمه العباس ، والفضل بن العباس ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن جعفر ، فسمعوا هاتفاً يقول: اغسلوا الرسول من فوق ثيابه، أي: لا تنزعوا الثياب عن رسول الله.
والجنة موجودة الآن، والدليل على ذلك أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن الإنسان عندما يوضع في لحده: (وإنه ليسمع قرع نعالهم وهم يغادرونه) وهذه أصعب لحظة على الإنسان عندما يتركه أهله في القبر وحيداً وهو في نفسه يقول: لو أن أهلي ينتظرون ولو نصف ساعة أو ساعة؛ لأنه لن يبدأ الحساب إلا بعد مغادرة الناس من القبر، وعندما يمشون فإنه يسمع صوت أرجلهم وهم يمشون، فالميت ليس ميتاً وإنما نقل من حياة لها كيان ونوع وماهية، إلى حياة من نوع آخر لها كيان ونوع وماهية.
ثم يدخل عليه الملكان فيسألانه الأربعة الأسئلة التي نحن نعرفها، من ربك؟ وما دينك؟ ومن رسولك؟ وما كتابك؟
فإن ثبته الله وكانت الإجابة موفقة فقد نجح، وينادي مناد أن (وسعوا لعبدي في قبره واجعلوه له مد البصر، وافرشوه له حريراً، وافتحوا له باباً ليرى مقعده من الجنة).
فهو ينظر إلى مقعد موجود، إذاً: فالجنة موجودة.
أما بالنسبة للنار فإن الله يأمر مالكاً خازن النار بألا يحرق قلوب وأقدام مرتكبي الكبائر من أمة محمد ولم يتوبوا، فربنا يقول: (يا مالك! لا تحرق قلوبهم؛ فقد كان فيها الإيمان وقراءة القرآن، يا مالك! لا تحرق أقدامهم؛ لأنهم كانوا يخطون بها خطوات لتعمير بيوتي وللصلوات في الجماعة).
سيدنا عمر رضي الله عنه دخل عليه سيدنا علي رضي الله عنه في المسجد النبوي الشريف، فوجد أمير المؤمنين في قبلة الرسول ساجداً وهو يبكي، ويقول: يا رب كبر سني، ووهن عظمي، وخشيت أن يتفرق الأمر من يدي، فاقبضني إليك مسلماً موحداً، ولما طلع الفجر من تلك الليلة طعنه أبو لؤلؤة المجوسي .
ولما حدث عام المجاعة كان يبكي ليل نهار، ويقول: اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يد عمر ، فكيف الذين أهلكوا الأمم على مدار أربعين أو خمسين سنة؟ ولماذا لا يدعون؟
الجواب: لأنهم ليسوا كـعمر ، اللهم ارض عن عمر وعمن سار في طريق عمر بن الخطاب ، اللهم احشرنا في زمرة الصالحين يا رب العالمين!
وموضوعات الجنة التي يتطرق الحديث عنها هي:
أبوابها، وسعتها، وأول من يدخلها، ودرجاتها، ومفاتيحها، وثمنها، وأصناف أهلها وأوصافهم، وتربتها وقصورها وغرفها، وأسماؤها، ومعانيها وبساتينها وسوقها، إلى غير ذلك وأهم موضوعاتها النظر إلى وجه الله الكريم.
وكما أن للجنة مفاتيح فإن قلوب الناس لها مفاتيح، ومن هذه المفاتيح الكلمة الطيبة أو اللين أو العنف أو التهديد أو الترغيب والترهيب وهكذا، فكل واحد من الناس له مفتاح، لكن الجنة لها مفاتيح أخرى، ولن يفتح باب الجنة إلا بهذه المفاتيح.
قال تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ [الرعد:23] .
والغرس الذي فيها ليس من غرس الملائكة وإنما غرسه الله بيده، فإذا كانت هنالك في الدنيا نباتات جميلة وشكلها لطيف وجميل وبأشكال جميلة وهي من صنع البشر، فكيف بما صنعه رب البشر؟!
وأول الأمم دخولاً إلى الجنة، هم السابقون وأصحاب اليمين.
والنساء في الجنة أكثر من الرجال، وفي النار أكثر من الرجال، فهذه معادلة غريبة سنشرحها قريباً إن شاء الله.
وأول مؤمن يأخذ كتابه بيمينه هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أما أبو بكر رضي الله عنه فإنه لن يقف للحساب.
وقد قال أبو بكر : لو أن إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارج الجنة لم آمن مكر الله.
أما دور الجنة وقصورها وغرفها فلا يعلم سعتها إلا الله، وربما يعيش الإنسان في قصر منيف في الدنيا وواسع ولكنه ضيق الصدر، وقد يعيش في كهف أو خيمة وهو منبسط ومرتاح، فالسعة سعة الصدر لا سعة القصر، قال تعالى عن أصحاب الكهف: فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ [الكهف:16].
وميسون الكلابية زوجة معاوية وأم يزيد بن معاوية بن أبي سفيان لما أتى بها معاوية إلى دمشق وأدخلها أحد قصورها وفيه الوصيفات وريش نعام وذهب وحرير، فدخل عليها مرة ووجدها تقول:
لكوخ تخفق الأشباح فيه أحب إلي من قصر منيف
وأكل كسيرة ويروق بالي أحب إلي من أكل الرغيف
ولبس عباءة وتقر عيني أحب إلي من لبس الشفوف
والكلام عن مفاتيح الجنة قد جمعته من أربعمائة واثنين وخمسين حديثاً.
الصلاة والطهور
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مفتاح الصلاة الطهور) فلا تصح منك الصلاة إلا أن تكون طاهراً، وكما أن المسلم مطلوب منه طهارة الجوارح فكذلك مطلوب منه طهارة الباطن وهو القلب، فلو ظهرت عيوب الإنسان الخفية أمام الناس لانكسف منها الإنسان.
قال الحسن البصري رحمه الله: احمدوا ربكم معشر المسلمين، لم يجعل للذنوب رائحة، وإلا لما جلس مسلم بجوار مسلم.
فهذا من ستر الله أنه لم يجعل للذنوب رائحة، فلو كانت للذنوب رائحة لتلوثت البلاد ولمتنا من الغم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون).
فالله تعالى لا يعاتب المسيء، فمن الواجب على المذنب أن يتوب إلى الله تعالى، ومن تاب من المعاصي والسيئات فإن الله يمسحها كلها ويضع مكان كل سيئة حسنة، قال تعالى: فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان:70] وليس هناك من هو أكرم من الله، وقليل الأدب هو الذي يتوب إلى الله ويرجع إلى المعاصي والسيئات، وفي الأثر: (يا عبدي إلى أين تذهب؟ أوجدت رباً غيري؟ أم وجدت رحيماً سواي؟) فلا رب لنا غير الله.
فمن أجل أن تدخل في الصلاة، فلابد لها من مفتاح وهو الطهور.
المفتاح الثاني: مفتاح الحج الإحرام، وهو أن تخلع الثياب المخيطة وتتشبه بالميت الذي عليه الكفن، ففي الإحرام يستوي الفقير مع المدير والوزير، والرئيس مع المرءوس، والملك مع المملوك. وصورة الحج من صور يوم القيامة، فالكل ذليل إلى الله سبحانه وتعالى.
الصدق
دخل رجل على أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه، فقال له: يا أبا الحسن ! أنا قد تبت، أأذكر ذنوبي وأضعها نصب عيني دائماً أم أنساها؟ قال له: اجعل ذنوبك أمام عينيك من أجل ألا تنساها ومن أجل أن تكثر من التوبة.
فقال تلميذ لـأبي الحسن : يا أبا الحسن! لقد كان في حالة الذنوب مع الله في حالة جفاء، فلما تاب إلى الله صار مع الله في حالة الوفاء، ومن كان في جفاء ثم صار في وفاء فذكر الجفاء بعد الوفاء جفاء.
وأقل ثواب في الصلاة أن الذي لا يصلي يحرم نفسه من الأجر الجزيل في التشهد، فإنه عندما يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنه يسلم على كل مصل صالح، وإذا كان عدد المسلمين في العالم ألف ومائتين مليون مسلم، فلو صلى منهم نصف مليار مسلم أي: خمسمائة مليون مسلم، فإنه يسلم على الخمسمائة مليون مصل، وأجر السلام لكل واحد منهم ثلاثون حسنة، فيكون له من الأجر في الصلاة الواحدة ناتج مجموع ضرب ثلاثين في خمسمائة مليون، فالذي لا يصلي يحرم نفسه من هذا الكم الهائل من مليارات الحسنات، وذلك برحمة الله لا بأعمالنا.
سأل رجل أبا حامد في قوله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29] فما شأن الله اليوم؟ فقال أبو حامد : أفكر فيها وأخبرك غداً إن شاء الله، فلما جاء الغد أعاد عليه السؤال فقال له: غداً إن شاء الله، واستمر كذلك ثلاثة أيام، فلما رجع أبو حامد إلى البيت قال: اللهم ألهمني الإجابة، فرأى في الرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال له: يا أبا حامد ! إذا جاءك السائل ليسألك غداً ما شأن الله اليوم؟ فقل: إن لله أموراً يبديها ولا يبتديها، أي: ليس لها بداية لأن الله هو الأول والآخر، يرفع أقواماً ويخفض آخرين.
فهذه الإجابة ممن لا ينطق عن الهوى، فقال له السائل: يا أبا حامد ! أكثر من الصلاة والسلام على من علمك هذا في المنام.
وقال سيدنا علي رضي الله عنه: اشتقت لرؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم معه طبق رطب، فأعطاني منه اثنتين، ثم استيقظت وحلاوة رطب الرسول في فمي، فذهبت إلى عمر بن الخطاب أبشره وأفرحه، بأنني رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في الرؤيا، فدخلت المسجد وإذا بالصلاة قد أقيمت فلما انتهينا من الصلاة دخلت امرأة ومعها طبق فيه رطب فأعطته أمير المؤمنين، فوزعه على الحاضرين وأعطاني منه اثنتين وأنا أشتهي في نفسي رطباً أخرى، فنظر إلي عمر مبتسماً وقال: يا علي ! لو زادك الرسول لزدناك.
أي: أن تموينك من الحبيب صلى الله عليه وسلم في الرؤيا كان تمرتين، ونحن ننفذ الأوامر.
وبينما كان عمر يوم الجمعة على المنبر يخطب إذ قطع الخطبة، ونظر إلى الشمال وقال: يا سارية الجبل الجبل! فمن استرعى الذئب ظلم، فلما نزل سيدنا عمر من المنبر، سأله سيدنا علي فقال: يا أمير المؤمنين! قلت شيئاً في الخطبة لم نفهمه، وهو: يا سارية الجبل الجبل! وبعد ذلك أتممت الخطبة، فقال: وقع في خاطري وفي خلدي أن المسلمين الذين هم تحت قيادة سارية أعد لهم كمين من وراء الجبل، فأردت أن أنبههم وأحذرهم.
فلما رجع سارية بعد شهرين، قال: إنه في يوم كذا وفي ساعة كذا، سمعنا صوتاً كصوت أمير المؤمنين عمر يقول: يا سارية الجبل الجبل! فنظرنا فإذا كمين أعد لنا فانتبهنا ففتح الله علينا فانتصرنا.
يا ليت الصوفية على حق ونحن نقبل تراباً يسيرون عليه، فالتهريج واللف حول المقابر والصلاة في أضرحة الأولياء، ليست من أعمال الصوفية الحقيقية ولا الصوفية تعرفها، فنحن مسلمون، قال تعالى: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ [الحج:78] وقال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] فمن سيقف بين يدي الله يوم القيامة فإنه يقول: أنا مسلم.
العلم
وكان أحمد بن حنبل يجلس متكئاً مع إخوانه وأحبابه القريبين منه، وعندما يأتون بسيرة الشافعي يقعد احتراماً للشافعي ، والشافعي ليس موجوداً.
الصبر
وروي أنه ليس بمؤمن مستكمل الإيمان من لم يعد البلاء نعمة، والنعمة بلية، فإن البلاء لا يعقبه إلا الرخاء، وإن الرخاء لا يعقبه إلا البلاء.
ولذلك فإن الجنة ليس فيها بلاء ولا تعب ولا نصب، ولا شمس ولا زمهرير ولا حر ولا برد ولا مشاكل ولا لغو ولا تهديد ولا غير ذلك، اللهم لا تحرمنا من دخول الجنة يا رب العالمين!
الشكر
وإبليس يدخل عليه ويقول له: يا أيوب! لو أنت نبي الله حقاً لدعوت الله أن يكشف كربك، قال له: يا إبليس! أنا في نعمة لو علمتها لحسدتني عليها، قال: أي نعمة وأنت منذ 18 سنة لا تتحرك، قال: قال الله لي: يا أيوب! ارض بما قسمت لك تكن أغنى الناس، وأنا راض بما قسم الله لي.
فلما جاءت لحظة النجاة، قال له ربنا: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ [ص:42] أي: اضرب الأرض برجلك، هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ [ص:42] فاغتسل من الماء وشرب منه فزالت كل الآلام النفسية الداخلية والخارجية، فشفي بإذن الذي يقول للشيء كن فيكون.
فرجعت زوجته فوجدت رجلاً غريباً في البيت، فقالت له: أرأيت رجلاً هنا مريضاً؟ فوالله لقد كان في أيام صحته شبيهاً بك، فقال لها: أنا أيوب، ثم أراد أن يبر بيمينه فيضربها مائة ضربة، فنزل سيدنا جبريل عليه السلام فقال له: يأمرك الله أن تأخذ مائة عود قمح قد استوى، ثم اربطها حزمة واحدة، واضربها ضربة بحنان، قال تعالى: وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:44].
وهنالك امرأة كانت تعيش بعيداً عن الدين، فمرضت بمرض السرطان فسافرت إلى أمريكا للعلاج، فكشف عليها سبعة أطباء فوجدوا أن الخلايا السرطانية قد انتشرت في الجسم ولا ينفعها علاج كيماوي ولا غيره، فعزمت الرجوع إلى بلادها، وقد يئست من العافية، فبينما كانت في المطار إذ بإحدى زوارات دروس العلم في المساجد كانت تحضر لنا، قعدت بجوارها في الطائرة هي وزوجها، وتكلمت معها عن حالتها، فوجدتها لم تعرف عن الصلاة والحج والعمرة شيئاً وقد كان لها من العمر خمسون عاماً، وهي تشكو من مرض السرطان، فقالت لها: علاجك أن تذهبي إلى مكة فتعتمرين وتشربين من ماء زمزم بنية الشفاء فستشفين إن شاء الله، فذهبت إلى مكة واعتمرت وشربت من زمزم بيقين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ماء زمزم لما شرب له) وبعد ذلك بدأت صحتها تتحسن حتى شفيت تماماً، ثم سافرت إلى أمريكا لتعمل مراجعة للأطباء السبعة، فعملوا لها تحاليل وفحوصات فوجدوها قد شفيت تماماً من السرطان، فقالوا لها: أين تعالجت؟ قالت: ذهبت إلى الكعبة وشربت من ماء زمزم بنية أن الله تعالى يشفيني، فإذا بالسبعة الأطباء يسألونها وكيف دخول الإسلام؟ فقالت: بالنطق بالشهادتين، فشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
فإذاً: مفتاح المزيد الشكر: وسيدنا أيوب بعدما شفاه الله نظر فوجد جراداً من ذهب، فأخذ يجمعه في حجره، فناداه الله: يا أيوب! أما أغنيتك عن هذا؟ قال: يا رب! وهل يشبع من فضلك أحد؟
التقوى
والتقوى هي: ألا يجدك الله حيث نهاك، وألا يفتقدك حيث أمرك، فلا يجدك الله حيث نهاك عن فعل المعصية وألا يفتقدك حيث أمرك بصلاة الجماعة في المسجد وبمجلس علم وبصلة رحم وبخير يصدر منك، والمؤمن مع من أحب، ومن أحب قوماً حشر معهم، وكن عالماً أو متعلماً أو أحبهم أو لا تبغضهم، لا تقل لأهل الدين: هؤلاء متطرفون.. هؤلاء الذين ضيعوا البلد.. هؤلاء هم الذين صيرونا في داهية، هؤلاء نصابون، فكم يغتاب من المصلين الموحدين؟ فالمسلم يدعو لهم ويكن لهم كل خير.
الرغبة والرهبة
فـعمر رضي الله عنه جمع بين مقامي الخوف والرجاء، والرجاء يبنى على رصيد عمل، فإن قوماً غرتهم الأماني ويحسنون بالله الظن، ووالله! لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل.
الدعاء
وفي الأثر: لو كان العبد طائعاً أو عاصياً وقال: يا رب! فإن ربنا يقول له: لبيك يا عبدي! وفي الحديث: (لله أفرح بتوبة عبده من رجل خرج في فلاة وعلى ناقته رحله وسقاؤه وطعامه، فضلت منه ناقته -أي: ضاعت- فأيقن الهلكة فنام تحت شجرة ينتظر الموت، فاستيقظ فرأى ناقته عليها سقاؤه وطعامه).
فربنا يفرح بتوبة عبده المؤمن أكثر من فرحة الرجل الذي وجد الأكل والشرب على ناقته التي ضلت منه، فالطاعة لا تزيد في ملكه، والمعصية لا تنقص من ملكه.
والدعاء له شروط: وهي: الإخلاص، واليقين، وترقب الأوقات الفاضلة.
وقد يوجد أشخاص لهم علاقة بالله سبحانه وتعالى، وأحياناً قد يكون عندي ألم أو مرض أو ضيق صدر، فأذهب إلى بيوت معينة من أجل أن أشرب فيها كأس ماء أو كأس شاي بنية الشفاء، فأعود إلى بيتي وقد شفيت من الألم، لأن سيدنا الحسن البصري قال: لو أحصل على درهم حلال، لاشتريت به رغيفاً فأدقه وأضعه في وعاء، فمن مرض أخذ منه لحسة فشفاه الله، لكن أين الدرهم الحلال؟!
والدعاء لا يكون إلا بإخلاص مع ترقب الأوقات الطيبة، مثل الذين يقفون طوابير أمام بوابات السفارات، ينتظرون متى تفتح الأبواب، ولله المثل الأعلى، فنحن لا نعرف متى يفتح باب الإجابة، فعلينا بالدعاء دائماً؛ لأن كل الأبواب تفتح وتغلق إلا باب التوبة، فإنه باب مفتوح على مصراعيه حتى تطلع الشمس من مغربها.
قال صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير من الليل، فينادي: ألا من داع فأستجيب له، ألا من مستغفر فأغفر له، ألا من صاحب حاجة فأقضيها له) وقال أيضاً: (إن ربكم يمد يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويمد يده بالنهار ليتوب مسيء الليل) لأنه هو التواب الرحيم، قال تعالى: وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ [البروج:14].
قال أبو حامد الغزالي لتلاميذه: عفوه يستغرق الذنوب، فكيف حبه؟ وحبه ينير القلوب، فكيف وده؟ ووده يدهش العقول، فكيف قربه؟ وقربه ينسي هموم الدنيا، فكيف مشاهدته؟
فزاحموا العلماء بالمناكب؛ فإن رحمة الله لا تفارقهم لحظة، ومثل المؤمن كالنحلة؛ إن أكل أكل طيباً، وإن أطعم أطعم طيباً، وإن وقف على عود لا يخدشه ولا يكسره.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك -أي: يريحك- وإما أن تبتاع منه، وإما أن تشم منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثوبك وإما أن تشم منه ريحاً خبيثة).
فالذي يجالس أصحاب الآخرة فإنهم يذكرونه بالله تعالى ويقربونه منه، والذي يجالس أصحاب الدنيا فإنهم يبعدونه عن الله.
والعمل الذي تأكل منه أخلص فيه، وقلت لإخواننا الذين يعملون في أي مصلحة أو وزارة أو أي وظيفة في القطاع العام أو الخاص، أنهم يقضون نصف ساعة في آخر اليوم بدلاً عن النصف الساعة التي استغرقت في صلاة الظهر؛ لأن الموظف مكلف بالعمل ثمان ساعات كل يوم؛ من أجل ألا يدخل جوفك درهم حرام، فإن الحلال هو الذي يجعل الدعاء له إجابة، قال صلى الله عليه وسلم: (يا
سلامة الصدر من الأحقاد
أي: سليم من ناحية كل مسلم، لا يحمل ضغائن على أحد، ولا يعمل نكد عند أحد، ويحمل للناس المعروف مثل الصحابة، فقد كان الصحابي يضع التمرة في فم أخيه فيجد حلاوتها في فمه هو.
والحسن البصري دخل الجامع ووجد جماعة قاعدين، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن إخوان في الله، قال: فهل إذا احتاج أحد منكم شيئاً يضع يده في جيب أخيه فيأخذ ما يريد؟ قالوا له: لا، قال: لستم بإخوان في الله.
وأراد يوماً أن يعلم المريدين: ماذا تعني المحبة في الله، وماذا يعني الصبر على الأذى والصبر على الطاعة، فأتوا إليه يزورونه فأخذ يرميهم بالحجارة، ثم قال لهم: من أنتم؟ قالوا: نحن أحباؤك، قال: لو كنتم أحبائي حقاً لصبرتم على بلائي، يريد أن يعلمهم أن الذي يحب ربنا يصبر على الابتلاءات؛ لأن ربنا سبحانه وتعالى إذا أحب عبداً ابتلاه، فإذا صبر العبد قال: (يا جبريل! ماذا صنع عبدي، قال: يا رب! حمدك واسترجع، قال: يا جبريل! أعد عليه البلاء مرة أخرى فإني أحب أن أسمع صوته).
اللهم اجعلنا من الصابرين والصابرات، والمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، والقانتين والقانتات، والصائمين والصائمات، والحافظين فروجهم والحافظات، والذاكرين لك يا رب! كثيراً والذاكرات.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، لا تجعل يا رب بيننا شقياً ولا محروماً.
نقول جميعاً: تبنا إلى الله، ورجعنا إلى الله، وندمنا على ما فعلنا، وعزمنا عزماً أكيداً على أننا لا نخالف أمراً من أوامر الله، وبرئنا من كل دين يخالف دين الإسلام، والله على ما نقول وكيل.
اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، واغفر زلتنا، وتقبل من محسننا، وتجاوز عن مسيئنا، واجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك.
اللهم فك الكرب عن المكروبين، وسدد الدين عن المدينين، واقض حوائجنا وحوائج المحتاجين، اغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، زحزحنا عن النار، وقربنا من الجنة، اللهم أدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب، اللهم لا تحرمنا من النظر إلى وجهك الكريم.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
جزاكم الله خيراً، وأشكركم لحسن استماعكم، وبارك الله فيكم، ولا تنسونا من صالح دعائكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.