سنة التغيير
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
فطر الله الإنسان والكون من حوله على سنة التغيير؛ ففي اندثار النجوم واتساع المجرات وحركة الكواكب وتعاقب الليل والنهار آيات للناظرين، وفي خلق الإنسان من نشأته الأولى حتى وفاته دلائل قاطعة على أن دوام الحال أمر غير واقعي وغير حقيقي.إن ينبوع الماء يأسن ماؤه إن لم يتجدد وتركد مياه البحار إن لم تدفعها الأمواج؛ كذلك حياة الإنسان تفسد إن ظلت على وتيرة واحدة لا تتغير؛ فإن صارت لونًا واحدًا كانت رتيبة بلا طعم ولا رونق بل تحولت إلى روتين مؤلم، لا فارق فيه بين الأيام والسنوات، ولا اختلاف فيه بين الحاضر والمستقبل.
وربما تتعدد الأسباب التي تدفع بالمرء دفعًا وتلقي به إلى مثل ذلك المسلك الذي يحيد به عن الطريق المنوط به السير عليه في رحلته في حياته الدنيا ؛ فيرزح تحت وطأة المسئوليات التي لا تنتهي ويجهز على روحه بحرمانها من التجديد التي هي في حاجة ماسة إليه، بالرغم من أن الحل يسير جدًا ولا يكلف الإنسان إلا النذر القليل، والذي يكون له عظيم الأثر على مستوى حياته وطموحاته.
فلو تأمل الإنسان قليلاً لوجد أن حياته في حاجة إلى صيانة دورية، كما الأجهزة والمعدات من حوله؛ فما ضيره إن بدأ أولى خطواته نحو التجديد بتحديد هدفه والاستعانة بالله؟! فإذا وضع يده على هدفه كانت تلك هي بداية الطريق الصحيح نحو التجديد.
يقول أحد الصالحين: "من كان يومه كأمسه فهو مغبون" أي خاسر.
فماذا لو بدل ترتيب الأولويات في يومه لدفع الرتابة؟، وماذا لو أولى أبناءه مزيدًا من الاهتمام؟، وماذا لو أحاط نفسه بالناجحين السعداء؟ وماذا لو أعاد الاقتراب من هوايته التي فقدها في زحام السنوات؟ إلخ... وكل شخص يمكنه بسهولة أن يبحث في أروقة نفسه عما يمكن أن يجدد حياته، بشرط أن يتخذ قراره أولاً بالعزم على التنفيذ.
أما الخطوة الثانية الهامة فهي ترك التسويف لما يترتب عليه من عواقب وآثار هدامة لما فيه من طول أمل مع نسيان الآخرة: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:99]، فليس المؤمن بالشخص المتواكل، بل هو إنسان فعال يحسن الانتفاع بساعات يومه، فيتنوع بين نشاطاته ويتحمل مسئولياته، ويهتم بنفسه ويسعى في حاجة غيره، ولا ينسى أنه سيسأل أمام الله سبحانه وتعالى عن حياته وشبابه كيف أفناه.
وقد ورد بالحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك» (أخرجه أحمد).
ولا ننسى أن الرغبة في التجديد تبدأ من الداخل لتضفي على الوجه ملامح مطمئنة ونفسًا هادئة، ووجه باشًا وروحًا تحتذي برسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي لم تكن حياته يومًا بلا مسئوليات، ولكنه تحمل من أعباء الدعوة ما تنوء به الجبال؛ ومع ذلك لم يكن إلا باسمًا لينًا بعيدًا عن الفظاظة أو الرتابة أو اليأس فهو من قال: «أنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق» (رواه مسلم).
شيماء نعمان